مقالاتمقالات المنتدى

حكم الأكل من الطعام الذي يصنعه أهل الميت في العزاء

حكم الأكل من- الطعام الذي يصنعه أهل الميت في العزاء

 

بقلم الشيخ عارف بن أحمد الصبري (خاص بالمنتدى)

 

إن مما عَمَت به البلوى في هذا الزمان تَحَمُّل أهل الميت أموالاً كبيرة لصنع الطعام للناس، واستئجار القاعات، ولعدة أيامٍ أحياناً.
والغالب فعل ذلك حياءً، ومن غير طيب نفسٍ؛ حتى لا يلامون، أو يُتهمون بالبخل.

والجواب على ذلك في مسائل:

مسألة:
السُّنَّة صنع الطعام وإهداؤه لأهل الميت لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه موت ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة قال: (اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ).

مسألة:
يُكره لأهل الميت أن يصنعوا طعاماً للناس؛ لأنه خلافٌ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

مسألة:
صنع أهل الميت طعاماً للناس بدعةٌ مستقبحة؛ لأنه لا دليل عليه ولم ينقل فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك لم يفعله أحدٌ من الصحابة رضي الله عنهم.
قال النووي رحمه الله: (وَأَمَّا إِصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا، وَجَمْعُهُمُ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ).

وقال ابن قدامة: (فَأَمَّا صُنْعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلنَّاسِ: فَمَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مُصِيبَتِهِمْ، وَشُغْلًا لَهُمْ إلَى شُغْلِهِمْ، وَتَشَبُّهًا بِصُنْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ).

مسألة:
صُنع أهل الميت طعاماً للناس صورةٌ من صور النياحة المنهي عنها شرعاً:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وَأَمَّا صَنْعَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا يَدْعُونَ النَّاسَ إلَيْهِ، فَهَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِدْعَةٌ، بَلْ قَدْ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَتَهُمْ الطَّعَامَ لِلنَّاسِ مِنْ النِّيَاحَةِ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ أَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِهِ طَعَامٌ).

مسألة:
يحرم صنع أهل الميت طعاماً للناس إذا كان ثمن الطعام من التركة، وفي الورثة يتامى أو قاصرين أو من يدفع ذلك من غير طيب نفسٍ على وجه الحياء.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: (وقد صرح الفقهاء رحمهم الله أنه يكره لأهل الميت صنع الطعام للناس، وأن هذا طعام المأتم المنهي عنه.
وإن كان الطعام في تركة الميت، وفي الورثة قصَّار، أو غائبون، أو من لم يرضَ من الورثة: فهو حرامٌ؛ لما فيه من التَّصرف بأموال الغير بدون إذن شرعي).

مسألة:
إذا كانت كلفة العزاء من أموال اليتامى والقصار، فإنه أشد حرمةً، ويجب على الولي أن يضمن المال الذي أنفقه؛ لأن اليتيم غير مسئولٍ عن هذا الطعام، ولا يجوز أن يُحمَّل ماله هذه النفقة التي لا وجه لها في الشرع.

مسألة:
يستثنى من الكراهة: صنع الطعام لمن ينزل بهم من الضيوف إذا كان صنعه على سبيل الإكرام، لا بسبب الوفاة.
قال ابن قدامة: (وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ جَازَ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنْ الْقُرَى وَالْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُضَيِّفُوهُ).
فيكون ذلك من باب إكرام الضيف الذي أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

مسألة:
كما يكره لأهل الميت صنع الطعام لمن يقدم لعزائهم، كذلك يكره الأكل من الطعام الذي أعدوه لهذا السبب، وإن كان الطعام من مال الورثة الصغار فالأكل منه حرام.

قال البهوتي: (وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ وَفِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ: حَرُمَ فِعْلُهُ، وحَرُمَ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، أَوْ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ).

وفي الموسوعة الفقهية: (وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الضِّيَافَةُ مِنْ أَهْل الْمَيِّتِ؛ لأِنَّهَا شُرِعَتْ فِي السُّرُورِ، لاَ فِي الشُّرُورِ… وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الأْكْل مِنْ طَعَامِ أَهْل الْمَيِّتِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ تَرِكَةٍ وَفِي مُسْتَحِقِّيهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ: حُرِّمَ فِعْلُهُ، وَالأْكْل مِنْهُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، بِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَهْيِئَةُ الطَّعَامِ لِنَائِحَاتٍ؛ لأِنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ فِي أَيَّامٍ مُتَعَارَفٍ عَلَيْهَا كَالْيَوْمِ الأْوَّل، وَالثَّالِثِ، وَبَعْدَ الأْسْبُوعِ).

مسألة:
قضية التعزية يقصد منها تسلية المؤمن في مصابه وتعزيته في كربه وبلائه، والمقصود من التعزية طمأنة القلوب حتى لا تنفر، وكذلك تسليتها حتى يعظم لها الأجر عند الله عز وجل.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (وليس فيها لفظ مخصوص، بل يعزي المسلم أخاه بما تيسر من الألفاظ المناسبة مثل أن يقول: (أحسن الله عزاءك وجبر مصيبتك وغفر لميتك).

والأفضل أن يُعزى المصاب بما عَزَّى به النبي صلى الله عليه وسلم ابنته بقوله: (إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ).

ولأجل ما تقدم فالمأمول التعاون على إبطال هذه العادة السيئة ورفع الحرج عن الناس وتشجيع من يترك ذلك، والالتزام بالهدي النبوي من صنع الطعام لأهل الميت، واتباع الجنازة والصلاة عليها والانصراف بعد ذلك وعدم إحراج أهل الميت بالبقاء الذي يضطرهم لصنع الطعام.
ومن لم يتمكن من شهود الجنازة اكتفى بالتعزية بلفظ مشروع والدعاء للميت وأهله إذا لقيَ أحداً من أهل الميت أو عن طريق الاتصال بالهاتف، أو بإرسال رسالة تعزية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ونحو ذلك.
والله أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى