حقائق مؤلمة: مَنْ أفشل العلمانية في البلاد الإسلامية؟
بقلم منذر الأسعد
يطيب للإعلام المهيمن – وهو غربي في الأصل وتلحق به توابعه في الأطراف – يطيب له تحميل الإسلام مسؤولية الإخفاق الذريع الذي مُنيتْ به مشاريع الدول العلمانية في العالم الإسلامي.
ويهب لنجدته عدوه المسلم الذي يتطوع لمؤازرته متوهمًا أنه يكيد له! يتبنى هذا العدو الأحمق تبعات ذلك ويحسبها في حصاد انتصاراته الوهمية.
أكثرية مغيبة
تقول الحقيقة المريرة : إن المشروع العلماني تمكن من رقبة الأمة تمكنًا شبه مطلق، بعد أن أوكل الاحتلال الغربي مهمة
التغريب القسري لوكلاء أشد منه همجية.. وما فعله أتاتورك ونظام رضا بهلوي ثم ابنه ونظام عبد الناصر وبعث سوريا والعراق وجنرالات الفرنكوفونية في تونس والجزائر، يحتاج إلى مجلدات ضخمة.
لا ننفي وقوع مقاومة باسلة قادها علماء بارزون، لكنها انتهت إلى هزيمتهم لأسباب ليس لهم يد في صنعها.. فموازين القوة بين الطرفين غير متكافئة.
وقد ساعد هؤلاء الطغاة جهلٌ مزمن عشش في مجتمعاتنا بفعل ركام الطرق الصوفية السلبية، التي هيَّأت تلك المجتمعات للقبول بكل ما يأتي، لأنها فهمت الدين –بلسان الحال-على أنه علاقة خاصة بين الفرد وربه.
لذلك كانت أكثرية هذه المجتمعات محايدة بين الطغاة العلمانيين والعلماء الذين تصدوا لباطل النظم المتوحشة التابعة للغرب.. حتى عندما هبطت “جراءة” بورقيبة إلى تحدي الجانب التعبدي المحض في صيام رمضان، فأفطر في نهار رمضان على شاشة التلفزيون، مضى الناس إلى معايشهم اليومية غير مبالين، ولم يساندوا الوقفة الشجاعة التي وقفها الشيخ ابن عاشور في وجه تحريض بو رقيبة على انتهاك حرمة الشهر المبارك.
هزيمة حتمية
لا قيمة للنيات في دنيا السياسة.. فنحن نحكم هنا على الظاهر وليس على السرائر.
لقد كانت الهزيمة حتمية لأن الذين حملوا الراية بعد ذلك خاضوا غمار السياسة وهم غير مؤهلين لخوضها.
ولو كانوا أهل سياسة لراجعوا أنفسهم بعد أول فشل، ولحاولوا تغيير طرائقهم وأدواتهم.
كان بالإمكان – مثلًا – البعد عن السعي السياسي للتغيير، والتركيز على تصحيح مفاهيم الناس عن دينهم وترشيد سلوكياتهم.
أما تبني شعارات ضخمة – الخلافة مثلًا – من قبل جماعات ليس في أيديها ما يساعدها في إنجاز تغيير فعلي على مستوى بلدية قرية صغيرة، فكان في نتيجته العملية خدمة مجانية للطاغية، مع أن النية هي إلحاق هزيمة بالتغريب القسري ورُعَاتِه ..
ومع ذلك، استمر خداع الذات بخطاب يبجل منجزات وهمية، ويزعم أنه أحبط مخططات الغرب وعملائه، فزاد المحنة ورسَّخ إمكان توالدها بصور أشد مما سبق!
وفشل أشد حتمية!
لكن هزيمة المقاومة الداخلية للسرطان التغريبي، لا تعني نجاح هذا الأخير في التوطن والاستقرار الطبيعي.. وقد برهنت الأحداث على امتداد قرن كامل ( 1918- 2018) أن بقاءه مرهون بوحشيته وتبعيته معًا!
إن مشروع التغريب القسري يحمل في باطنه بذور فنائه.. فليس ادعاء عرقلته سوى وهمٍ لا صلة له بالواقع، لكنه يُمِدُّ الطغاة بأوكسجين ينقذهم من الاختناق.
لقد كان المشروع العلماني متمكنًا كل التمكن، وخاصة حيث يحكم بالحديد والنار، لكنه آل إلى فشل ذريع، لأنه يشبه زراعة عضو خارجي في جسد مريض فتستنفر سائر الأعضاء لنبذه.. فهو مسيطر بحكم الأمر الواقع لأنه يملك أدوات القهر ويستعملها بغلظة وهمجية لأن سادته يوفرون له حماية هائلة في الداخل وفي الخارج! وهم لا يبالون بموت المريض نفسه. المهم زرع العضو الأجنبي الفاسد ولو فوق أرض يباب!
(المصدر: موقع المنهل)