مقالاتمقالات مختارة

حسن التهامي.. الرجل الغامض ومفتاح التفاوض مع إسرائيل

حسن التهامي.. الرجل الغامض ومفتاح التفاوض مع إسرائيل

بقلم محمود محمد شومان

بملابس ليست متناسقة مع بعضها البعض وحذاء أسود لا يلمع إطلاقاً وفي بعض الأيام بلحية بيضاء تميل إلى السواد كان حسن التهامي وكأنه لا يتعدى درجة فراش في أحد المصالح الحكومية المصرية وليس من بين هؤلاء الأشخاص الذين غيروا مجري التاريخ الحديث وأسقطوا نظاماً ملكيا وأشعلوا حروبا وصراعات في المنطقة بأثرها وليس في مصر فقط.

وكانت للحية حسن التهامي وحدها قصة فيروي في مذكراته إنه أطلق ذقنه لأول مرة في مرحلة مطاردة عبد الناصر للإخوان المسلمين مما أصاب الناس بالذعر وصاروا يحلقون ذقونهم خوفاً من الاعتقال ولما أطلقها قال له عبد الناصر في صالون بيته: “إن ذقنك هذه تزعج الحكم وسببت لي مشكلات وأرجوك تفكر في الموضوع”.. فقال له التهامي: “إنني ربيت ذقني لشعورٍ ذاتي وعندما ينتفي هذا الشعور سأتصرف بنفسي ولست محتاجاً إلى توجيه من أحد”.

ويروي نائب رئيس المخابرات العامة سابقاً عبد الفتاح أبو الفضل الذي يبدو من مذكراته أنه كان يكن كرها للتهامي أن التهامي تظاهر في فترة من الفترات بالتدين الشديد وأطلق لحيته وبدأ في الهلوسة وخلط الواقع بالغيبيات سواء أكان عن عمدٍ أم تمادياً في تغطية شيءٍ لا يعلمه إلا الله والعالمون ببواطن الأمور.. فطلب منه عبد الناصر أن يحلق ذقنه.. ولما رفض استدعى عبد الناصر الحلاق وأرغمه على إزالتها. كان أشبه ما يكون إلى قائد عسكري في الجيش الإيراني ما بعد الثورة الإسلامية.

أنا وقعت عيناك علي صورة له لن يبدو لك إلا درويشا ومحاضراً إسلاميا على الأكثر ومن الطرائف التي ذكرت عن التهامي أنه في أثناء الاجتماعات السياسية كان يقول “السلام عليكم ورحمة الله” فينظر الحضور بحثاً عمن يلقي أو يرد عليه التهامي السلام فلا يرون أحداً.. ويسألونه فيقول: “إن سيدنا الخضر قد دخل القاعة وألقى السلام”.

لكن هذا الدرويش كان رجلاً من أكثر هؤلاء الذين قاموا بالثورة غموضاً فقد حاز علي منصب نائب رئيس وزراء وعينه عبد الناصر أميناً عاماً برئاسة الجمهورية بدرجة وزير عام 1969. وفي عام 1970، عين مسؤولاً مالياً وإداريا للاتحاد الاشتراكي العربي. عُيِّن أمينا عاماً للمؤتمر الإسلامي بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، في 28 سبتمبر 1970.

وعين في نهاية 1970 وزير دولة لشئون رئاسة الجمهورية. وفي عام 1977، منح درجة نائب لرئيس الوزراء برئاسة الجمهورية. وعيّنه الرئيس السادات، خلال حرب أكتوبر، مسؤولاً عن الدفاع عن مدينة السويس، عندما حاولت القوات الإسرائيلية اقتحامها، بعد صدور قرار وقف إطلاق النار، في 22 أكتوبر 1973. وفي الذكرى الرابعة لحرب أكتوبر 1973، أي في أكتوبر 1977، منحه الرئيس أنور السادات رتبة الفريق الشرفية بالقوات المسلحة، تقديراً لدوره في الدفاع عن مدينة السويس.

وكان التهامي يقوم بدور رئيسي وفعال في الاتصالات السرية التمهيدية مع إسرائيل، لإبرام معاهدة السلام. ورافق حسن التهامي الرئيس السادات في رحلته إلى القدس عام 1977.وشارك حسن التهامي في كافة المفاوضات التي أدت إلى توقيع معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية، ظل حسن التهامي أقرب المقربين للرئيس السادات إلا أنه أدلى في عام 1979 بتصريحات صحفية معادية لليهود وللإسرائيليين نشرت في الكويت وأثارت استياء السادات والحكومة الإسرائيلية. وعلي الرغم من هذا يتهم السادات أنه هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن من تمزق وضياع وانقسام.

صاغ التهامي في مذكراته قصصا ومسرحيات قد تكون أقرب جداً إلى قصص الأدب الأوروبي القديم فيروي الرجل في مذكراته التي صيغت بعنوان “حسن التهامي يفتح ملفاته من احتلال فلسطين إلى كامب ديفيد: عبد الناصر.. السادات وسكين المخابرات الأمريكية” للكاتب الصحفي ونائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر محمد سعد العوضي.

في منزل حسن التهامي بمصر الجديدة اجتمع عبد الناصر وعبد الحكيم عامر إضافة إلى كمال رفعت لعرض مبادئ الثورة علي التهامي وما أن قرأ عبد الحكيم عامر ما تحويه الورقة حتي انفجر فيه التهامي قائلاً: ألهذا قامت الثورة أين مجد مصر وتاريخها وواجباتها التاريخية أن هذه المبادئ أقل بكثير مما نسعي إليه وأين قيادة مصر من الوطن العربي وأين نحن من الشرق الأوسط كله. وانصرف عنهم التهامي إلى غرفة مجاورة وكمال رفعت الذي عنفه بشدة على هذا الفعلة بحجة أنهم في بيته ودعاه للقبول بتلك المبادئ علي أنها بداية لأهداف الثورة ستتطور فيما بعد.

وفي أزمة 1954 عندما نادت بعض الأصوات مجلس الثورة بالعودة لثكناتهم العسكرية لإفساح مجال لإرساء قواعد حكم ديمقراطي يزعم التهامي أنه وضع حداً لتلك الأزمة عندما اصطحب مجموعة من الضباط ودفع باب المشير عبد الحكيم عامر ودخل الضباط أمامه وأقفل بدوره الباب خلفه واستند إليه بظهره كي لا يفتحه أحد. وكان عامر جالساً في تلك اللحظة في مكتبه يجمع أوراقه.. في حين كان عبد الناصر واقفاً أمامه في منتصف الحجرة ويقف خلفهم مستنداً إلى مائدة الاجتماع عبد اللطيف بغدادي. ولم يكن باقياً من أعضاء مجلس قيادة الثورة إلا صلاح سالم الذي كان نائماً على سرير الطوارئ في الغرفة الداخلية لمكتب عبد الحكيم عامر.

طلب التهامي من الضباط “تكتيف” عبد الحكيم عامر على كرسيه فقاموا بذلك من دون مقاومة من عامر.. وكان عبد الناصر يراقب ذلك التصرف بدهشة ولكن من دون أن ينطق. واستدار بعض الضباط وشرعوا في تقييد عبد الناصر وهو واقف في مكانه أمام عبد الحكيم عامر.. وأمسك الضباط بذراعيه ووضعوها خلفه.

يقول التهامي إنه طلب عدم تصفية مجلس الثورة وعدم استلام خالد محيي الدين الحكم.. وطلبات أخرى من بينها استمرار المشير عامر في قيادة الجيش

جال عبد الناصر ببصره في وجوه جميع الضباط ليختار من سيتحدث إليه منهم ولم يكن يعرف معظمهم.. ثم وقع نظره على التهامي وهو في ذلك الموقف.. فترك الضباط جميعاً وقال له بالحرف الواحد: “يا حسن قول لهم يفكوني.. أنت عاوز إيه”. فقال له الأخير وهو في مكانه: “نحن لا نقبل القرار ونمنعكم من التصرف ونحمي مصر من أخطائكم.. ولا نفك قيودكم حتى نعيد الأمر إلى نصابه.. وإن شئنا سلمناكم القياد مرة أخرى..”.

وحين سأل عبد الناصر عن هذه الطلبات.. يقول التهامي إنه طلب عدم تصفية مجلس الثورة وعدم استلام خالد محيي الدين الحكم.. وطلبات أخرى من بينها استمرار المشير عامر في قيادة الجيش. وتمضي الرواية الهزلية وتصل إلى أن يقول عبد الناصر: “إذن فكوني” فتركوه.. ثم طلب فك قيد المشير عامر وقال له قبل أن نفك ذراعيه: “يا عبد الحكيم سمعت ما قاله حسن.. القرار ملغى وعليك أن تباشر سلطاتك كقائد عام للقوات.. وارفع سماعة التليفون وابدأ بالاتصال بالوحدات كما قال حسن”.. ويخرج التهامي من غرفة المشير بعد ذلك ليبشر الضباط بانتهاء الأزمة!

ولم يكتفي التهامي بهذه فقط فهو يصر أنها لم تكن أول ولا آخر عملية تقييد أو “تكتيف” يقوم بها.. ويشير إلى أنه لوّحَ لعبد الناصر بأنه سيكرر ذلك معه لمنع انسحاب القوات المصرية من سيناء في لقاء جرى بينهما عام ألف وتسعمئة وثمانية وستين. ومن القصص التي تكشف استخفاف التهامي بعقول الاخرين ما ذكره بد الفتاح أبو الفضلفي مذكراته عندما كان في زيارة لمنزل التهامي للحصول منه على بعض دراسات وقرارات المؤتمر الإسلامي حيث كان يشغل مركز سكرتير عام المؤتمر الإسلامي.

وفي هذه المقابلة قص التهامي على الرجل حقيقة صفقة الأسلحة التشيكية وأن عبد الناصر قبل توقيع الصفقة المذكورة أرسل التهامي في مأمورية خاصة إلى الولايات المتحدة ليستطلع رد فعل رجال المخابرات الأمريكية حول تأثير هذه الصفقة على السياسة الأمريكية في حال إتمامها. ولما عاد التهامي من الزيارة طمأن الرئيس عبد الناصر بأنه بحث الأمر مع المسؤولين الأمريكيين واتضح له أن توقيع وإعلان هذه الصفقة لن يثير انزعاج واشنطن.. وطلب من عبد الناصر أن يوقع الاتفاقية وألا يخشى شيئاً. وتردد عبد الناصر.. فما كان من التهامي إلا أن صرخ في وجهه قائلاً: “امضِ يا جبان”.

ويقول يقول أبو الفضل: “وكان ردي على حسن التهامي “أنه يجوز لك أن تقص مثل هذه القصص على أي إنسان آخر.. حيث إني أعلم جيداً أنه لا يجرؤ أي إنسان مهما كان قريباً من الرئيس عبد الناصر أن يحدثه ويأمره بهذه اللهجة المهينة” وهو شيء أنا نفسي لا أصدقه فمن المعروف أن عبد الناصر كان يتمتع بشخصية قوية كانت ستمنعه من قبول تلك الإهانة ولو حتى علي سبيل المزاح.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى