حرص أصحاب السلطة على استمالة العلماء لصفهم
بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد
يحرص أصحاب السلطة على استمالة العلماء لصفهم نظرا لتأثيرهم على عوام الناس، فيعملون جاهدين على إفساد العلماء طمعا بتأمين غطاء لهم كي لا تقوم ثورة بوجه فسادهم، مما يؤدي لانقسام العلماء الى فريقين علماء السلطان وعلماء الاسلام، مما يعرض العلماء لامتحانات يفوز فيها الثابتون ويسقط خلالها المضللون.
⚛️ *العلماء الربانيون ومواجهة السلطة الظالمة:*
? *رفض المبايعة للسلطة (سعيد بن المسيب).*
عقد عبدالملك لابنَيْه (الوليد وسليمان) بالعهد، وكتَب بالبَيْعة لهما إلى البلدان، وعامِلُه يومئذٍ على المدينة هشامُ بن إسماعيل المخزومي، فدَعَا الناسَ إلى البَيْعة، فبايَعُوا، وأبَى سعيدُ بن المسيب أنْ يُبايِع لهما وقال: حتى أنظُر، فضرَبَه هشامٌ ستِّين سَوْطًا، وطافَ به في تُبَّان من شَعر، حتى بلَغ به رأس الثنيَّة، فلمَّا كرُّوا به قال: أين تكرُّون بي؟ قالوا: إلى السجن، فقال: والله لولا أنِّي ظنَنتُه الصلب ما لبست هذا التُّبَّان أبدًا، فرَدُّوه إلى السِّجن، فحبَسَه وكتَب إلى عبدالملك يُخبِره بخِلافِه.
قال قتادة: كان ابن المسيب إذا أراد أحدٌ أنْ يُجالِسَه قال: إنهم قد جلَدُوني، ومنَعُوا الناس أنْ يُجالِسوني.
? *الانضمام للثورة (الإمام سعيد بن جُبَير):*
خرَج سعيد بن جُبَير مع ابن الأشعَثِ على الحجَّاج، ثم إنَّه اختَفَى وتنقَّل في النَّواحِي اثنتي عشرة سنة، ثم وقَعُوا به، فأحضَرُوه إلى الحجَّاج، فقال: يا شقيَّ بن كُسَير – يعني: ما أنت سعيد بن جُبَير – أمَا قدمت الكوفة وليس يؤمُّ بها إلاَّ عربيٌّ فجعلتُك إمامًا؟! قال: بلى، قال: أمَا وليتُك القَضاءَ، فضجَّ أهلُ الكوفة وقالوا: لا يَصلُح للقَضاءِ إلاَّ عربيٌّ، فاستَقضَيْت أبا بردة بن أبي موسى وأمَرتُه ألاَّ يَقطَع أمرًا دونَك؟! قال: بلى، قال: أمَا جَعلتُك في سُمَّارِي، وكلُّهم رؤوسُ العرب؟! قال: بلى، قال: أمَا أعطَيْتُك مائة ألف تُفرِّقها على أهل الحاجة؟! قال: بلى، قال: فما أخرَجَك عليَّ؟! قال: بَيْعةٌ كانَتْ في عنقي لابن الأشعَث، فغَضِبَ الحجاج وقال: أمَا كانتْ بَيْعة أمير المؤمنين في عُنقِك من قبلُ؟! يا حرسي، اضرب عنقه، فضرب عنقه – رحمه الله.
? *رفض تولي المنصب (محنة الإمام أبي حنيفة)*
كان أبو حنيفة يَخرُج كلَّ يومٍ فيُضرَب ليدخل في القَضاء فيأبى، ولقد بكَى في بعض الأيَّام.
فلمَّا أُطلِق قال : كان غمُّ والدتي أشدَّ عليَّ من الضَّرب.
? *إصدار فتاوى بخلاف أهواء الحكام ( محنة الإمام مالك بن أنس):*
قال الإمام الذهبي: قال محمَّد بن جرير: كان مالكٌ قد ضُرِب بالسِّيَاط، واختُلِف في سبب ذلك؛ فحدثني العبَّاس بن الوليد، حدثنا ابن ذَكوان، عن مَروان الطاطري، أنَّ أبا جعفر نهى مالكًا عن الحديث: “ليس على مستكرَهٍ طلاقٌ”، ثم دَسَّ إليه مَن يسأَلُه، فحدَّثَه به على رؤوس الناس، فضرَبَه بالسِّياط. وذلك لخوف السلطان من التجرؤ على نقض البيعة ممن أكره عليها.
? *الإكراه على اعتقاد خاطئ ( محنة الإمام أحمد بن حنبل).*
في عام (218هـ) وبسبب شِرذِمَة هَلكَى من ضُلاَّل المعتَزِلة يرأَسُهم أحمد بن أبي دؤاد، ظهَرت بدعة القول بخلْق القرآن، واستَطاعوا أنْ يُلبِّسوا على الخَلِيفَة بهذا القول حتى اعتَقدَه، فكتَب الخليفة المأمون إلى نائِبِه ببغداد إسحاق بن إبراهيم يأمُرُه أنْ يَمتَحِن القُضاةَ والمحدِّثين بالقَوْل بخلق القرآن، وأمَرَه بأنَّ مَن أجابَ منهم شهر أمره في النَّاس، ومَن لم يُجِب منهم أنْ يبعَثَه إلى عسكر أمير المؤمِنين يَرسُف في أغلالِه، حتى يصل إلى أمير المؤمِنين فيَرَى فيه رأيَه، فأجابَ أكثَرُهم إلاَّ أربعة؛ وهم: أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، والحسن بن حمَّاد “سجادة”، وعُبَيدالله بن عمر القَوارِيري، ثم أجابَ سجادة، ثم أجاب القَوارِيري، وأُرسِلَ أحمدُ وابن نوح إلى الخليفة، فسارَا مقيَّدين في مَحمَل على جملٍ، وفي الطريق جعَل الإمام أحمد يدعو الله عزَّ وجلَّ ألاَّ يَجمَع بينهما وبين المأمون، وألاَّ يَرَياه ولا يَرَاهُما، فلمَّا كانوا ببعض الطريق بلَغَهم موتُ المأمون، فعادوا إلى بغداد.
? *الإكراه على عقد مجالس العلم في ديوان الحاكم:*
محنة الإمام محمد بن إسماعيل البخاري:
بعَثَ الأميرُ خالد بن أحمد الذُّهلي والِي بُخارَى إلى محمد بن إسماعيل:
احمل إلَيَّ كتاب “الجامع” و”التاريخ” وغيرهما لأسمع منك، فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: أنا لا أذلُّ العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإنْ كانت لك إلى شيءٍ منه حاجة، فاحضرني في مسجدي أو في داري، وإنْ لم يعجبك هذا، فأنت سلطان فامنعني من الجلوس ليكون لي عذرٌ عند الله يوم القيامة؛ لأنِّي لا أكتم العلم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ سُئِل عن علمٍ فكتَمَه أُلجِمَ بلِجامٍ من نارٍ” ، قال: فكان سبب الوحشة بينهما.
المصدر: قناة د. وصفي أبو زيد على التيليجرام