حد السيف.. الحرب الخفية بين المقاومة والاحتلال
بقلم وسام تيسير جودة
يقول سون تزو في كتابه فن الحرب: “إن العنصر الذي يُعِين الحاكم الحكيم والقائد الجيد المحنك من الهجوم والانتصار وتحقيق أشياء أبعد مما يبلغه الرجال العاديون هو المعرفة المسبقة. وهكذا فان تلك المعرفة المسبقة لا يمكن استخراجها من الأرواح، ولا يمكن الحصول عليها قياسا عن طريق الخبرة، ولا يمكن عن طريق الحسابات والاستنتاجات. إن معرفة أوضاع العدو يمكن الحصول عليها فقط من رجال آخرين”.
هكذا هي الحرب لم تعد تقتصر على المعدات والآلات والأسلحة المتنوعة فقط، فالحرب الأكثر صرامة وخطورة وإيلاماً للعدو هي حرب المعلومات حرب الاستخبارات، فهي الحرب الخفية التي لا يراها المواطن العادي ولا حتى الجندي العادي، فهي حرب خفية تقوم ركائزها على السرية التامة.
الجيش الصهيوني أكثر الجيوش اعتماداً على التقنية والتكنولوجيا المتطورة في حربه التي يقودها على جميع الجبهات ، فتنفيذ العمليات على الساحات الخارجية أو في البلدان الأخرى تعتمد على حجم السرية في التخطيط والتنفيذ وأيضاً حجم المعلومات التي تحصل عليها من تلك الساحات، فالأجهزة الاستخبارية الصهيونية منذ عقود تنفذ على الساحة الفلسطينية عمليات كبيرة وحساسة لجمع المعلومات أو اختطاف أو اغتيال لقيادات المقاومة ، وهي عمليات يكاد لم يخفق يوماً فيها وذلك ناتج عن ضعف امكانيات المقاومة الاستخبارية سواء البشرية أو المادية.
كتائب القسام تنبهت لهذا المجال في العمل المقاوم فأخذت على عاتقها تطوير قدراتها الاستخبارية ضمن القدرات التي طورتها فقد تمكنت خلال سنوات قليلة تطوير منظومتها الاستخبارية ودربت وطورت عناصر متخصصة للعمل الاستخباري الأمني الذي طوع الامكانات المتوفرة لخدمة هذا المجال وقد برز عملهم في كثير من الأحداث والمواقف المتلاحقة ومن أهمها اغتيال الشهيد مازن فقها وغيره من الاحداث.
معركة العصف المأكول في العام 2014 كانت خير شاهد أيضاً على حجم التطور في المجال الاستخباري فقد استطاعت كتائب القسام من خلال وحداتها الاستخباراتية كسر الجمود في العمليات التي نفذتها وبثت الرعب في صفوف القوات الصهيونية المقاتلة في غزة وعلى حدودها وفي صفوف الجبهة الداخلية الصهيونية من خلال المعلومات والرسائل التي أُرسلت لهم.
منذ العام 2014 وبعد انتهاء المعركة الدامية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني والتي تكللت بوقوع عدد من الجنود في يد المقاومة ولا يعلم مصيرهم أمواتاً أم أحياء وهناك حرب ضروس تدار بشكل خفي بين الطرفين، هذه الحرب هي حرب المعلومات، فاستخبارات العدو الصهيوني تقود عمل كبير للعثور على المعلومات المتعلقة بجنوده المختطفين والمقاومة الفلسطينية تواجه تلك العمليات بقوة أيضاً وقد استطاعت رغم قوة وتطور أجهزة الاستخبارات الصهيونية اخفاء أثر جنوده منذ أربع سنوات كما أنها استطاعت إخفاء منظوماتها القتالية المختلفة (منظومة الصواريخ، منظومة التصنيع، منظومة الأنفاق، منظومة الإمداد وغيرها).
إذاً هناك حرب خفية تدور رحاها بين أروقة ومكاتب كتائب القسام والجيش الصهيوني، وقد برزت واكتشفت بعض خفايا تلك الحرب بعد الاخفاق الكبير الذي مُنيت به إحدى الوحدات الخاصة التي تم كشفها في منطقة خانيونس جنوب قطاع غزة وهي جاءت كما يقول كبار قيادات العدو الصهيوني لتنفيذ عملية استراتيجية وكبيرة ولكن هل انتهت تلك العملية بهذا الكشف؟ بكل تأكيد لم ينتهي فلا زالت المعركة قائمة ومستمرة ولا زالت كتائب القسام وفصائل المقاومة تتفوق في هذه الجولة.
حد السيف العملية الاستخباراتية الكبرى التي تنفذها كتائب القسام ومعها الأجهزة الأمنية الأخرى في قطاع غزة أدت حتى اللحظة للكشف عن العديد من العملاء المتعاونون مع العدو الصهيوني، حد السيف هي الحد القاطع الذي قطع شرايين عديدة للعدو ولن تنتهي حتى يدميه في قواعده العاملة في قطاع غزة، فكشف مزيد من المعلومات حلقة تلو الأخرى سيؤثر على معنويات العدو وربما يصل الحد لنشوب حرب جديدة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني.
نعم إن حد السيف تلك المعركة الخفية لن تكون الأخيرة في الصراع الفلسطيني الصهيوني فالمعارك الاستخباراتية ستتوالى ولن تقف إلى هذا الحد فهي ستمتد لتطال العديد من الرقاب من العملاء المتعاونون مع العدو، وسنشهد هزائم كثيرة تضاف إلى هزائم العدو الاستخبارية بأجهزته المختلفة. فالحرب الخفية بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني لن تتوقف ما دام الاحتلال قائم، وسيبقى العمل الاستخباري للمقاومة ويتطور يوماً بعد يوم حتى تنتهي هذه المعارك بالنصر والتمكين.
(المصدر: مدونات الجزيرة)