بقلم الشيخ عبدالعزيز رجب
التجارة من أبرز الأنشطة التي استخدمها الإنسان قديماً وحديثاً ، وقد بدأت بالمقايضة والمبادلة، حتى وصلت الآن إلى التجارة الإلكترونيّة، والشبكات العنقودية، والعابرة للقارات؛ لأن التجارة تلبي احتياجات الفرد والمجتمع، وتوفر مستلزمات الحياة المختلفة، وهي مصدرٌ لكسب الرزق، ومن أهمّ وسائل التبادل الثقافيّ، ومنها تخرج الزكاة للفقراء؛ ومن رحمة الله -عز وجل- على عباده أن أباح لهم البيع والشراء في شريعته الغراء، كما قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، ومارس النبي -صلى الله عليه وسلم- التجارة، فتاجر مع عمه أبي طالب، وتاجر بمال زوجته خديجة؛ وكثير من الصحابة كانوا تجارًا كأبي بكر، وعمر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنهم- جميعا.
أحب النبي –صلى الله عليه وسلم– أن يكون المسلم صالحاً وغنياً، حيث أنه سيستفيد ويفيد، فعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه– عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: «نِعم المالُ الصالحُ للمرءِ الصالحِ». أخرجه: البخاري في الأدب المفرد وأحمد وهو صحيح
ورفع النبي –صلى الله عليه وسلم– درجة التاجر الصادق مرتبة عالية، كما روي عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهداءِ». أخرجه: الحاكم والترمذي بسند حسن.
وجعل النبي –صلى الله عليه وسلم– البيع والشراء من أفضل الأعمال، فعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: سُئِل النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أيُّ الكَسْبِ أطيَبُ؟ قال: «عمَلُ الرَّجُلِ بيدِه وكلُّ بيعٍ مبرورٍ». أخرجه : الطبراني والبيهقي ، وهو مرسل
لذلك وضع الإسلام قواعد للنظام المالي، تتناسب مع كل البيئات والأزمان والأحوال، وشهد بها البعيد قبل الغريب؛ يقول جاك أوستري: الاقتصاد الإسلامي هو النظام الذي يحقُّق للإنسان السعادة، فهو نظام شامل صالح للحياة والإحياء، وذلك لقيمه النبيلة، وأخلاقه السامية، ودقته ومطاوعته لأساليب الحياة والناس”. (الإسلام والتنمية الاقتصادية، ترجمة د. نبيل صبحي، دار الفكر- دمشق)
ومن تلك القواعد التي وضعها علماء الشريعة الإسلامية لتكون قواعد عامة للمعاملات المالية: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم، وفي الحلال ما يغني عن الحرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام، والنية الحسنة لا تبرر الحرام، والضرورات تبيح المحظورات …
ففتح باب الحلال على كلتا مصراعيه، ليكون طريقا إلى السعادة في الدنيا والآخرة، وأغلق منافذ الحرام، كي لا يكون الشقاء في الدارين، فنهى عن الجهالة والربا والغرر والظلم، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275] ، وقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء:29]، وعن جابر بن عبدالله –رضي الله عنه– عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من نبتَ لحمُه من سُحتٍ، النَّارُ أولى به». أخرجه: البيهقي والطبراني
ونحن في هذا العصر بحاجة إلى تعلم فقه البيع والشراء، كي لا نقع في المحظور، فصور البيع قد تطورت تطورا سريعا عما كانت عليه، خاصة مع النهضة الصناعية والتكنولوجية الحديثة، لذلك: روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يطوف بالأسواق ويضرب بعض التجار بدرته ويقول: «لا يبع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا، شاء أم أبى». أخرجه الترمذي بسند صحيح.
وقال الحطاب: “باب البيع مما يتعين الاهتمام بمعرفة أحكامه لعموم الحاجة إليه إذ لا يخلو مكلف غالبا من بيع أو شراء، فيجب أن يعلم حكم الله في ذلك قبل التلبس به ” (مواهب الجليل 4/221).
فيعرف ما هي أنواع البيوع التي أباحها الله –عز وجل- وشرعها لعباده مثل: بيع المساومة، والمرابحة، والشركة، والإقالة، الهبة، والصرف، والصلح، والمبادلة، والتراضي والتعاطي، والسلم، والخيار..
ويعرف البيوع المنهي عنها فيتجنبها مثل: بيع المجهول، وبالثمن المحرم، واتخاذ عقد البيع وسيلة لتحقيق غرض غير مباح شرعًا، وبيع النجش، والمصراة، وبيع الحاضر للبادي، وتلقي الركبان، والملامسة والمنابذة، وبيع ما لا يملك، وبيع المحرمات كالخنزير والخمر والميتة والدم والسندات بفائدة، وبيع أسهم البنوك والمؤسسات الربوية، وبيع الأشياء التي تعين الظالمين على الصد عن سبيل الله، والكتب والمجلدات والكاسيت والفيديو التي تروج الفاحشة، وكذلك غسيل الأموال؟
لذلك كان لزاما على المسلمين بصفة عامة، وعلى التجار ممن يمارسون عملية البيع والشراء بصفة خاصة، تعلم فقه المعاملات المالية.
هذا وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.