مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٦٥) .. أنواع الهداية (٢)

جواهر التدبر (٢٦٥)

أنواع الهداية (٢)

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– هداية التوفيق والإعانة:
قال تعالى في هذا النوع من الهداية: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: ٦٩]، بمعنى أن هذه الهداية تأتي ثمرة للجهد الذي يبذله البشر في معرفة الحق واتباعه، فإن الله قد تعهد لهؤلاء بأنه سيوفقهم لرؤية سبل الحق في كل ميادين الحياة ويعينهم على السير فيها، بدلالة أن الهداية جاءت ثمرة للمجاهدة، وأكدها الله بحرف اللام ثم بنسبتها لنفسه (لنهدينهم)، وقال (سبلنا) ولم يقل سبيلنا؛ ففي هداية الإرشاد لا توجد إلا طريق واحدة، لكن الاجتهاد في ميادين الحياة المختلفة ينتج سبلاً متعددة بعدد الميادين التي يعبد المسلم فيها ربه، وخاصة أن القرآن يمنح العقل مساحة واسعة للاجتهاد حتى يصل إلى الحق من أقصر السبل وبأقل التكاليف؛ ولذلك فإن المؤمن مأمور بأن يدعو ربه قائلاً: “اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه”.
وهذا الصنف من الهداية نسبي بامتياز؛ إذ يزداد وينقص بحسب الأعمال، والأعمال تزيد بحسب غزارة العلم وقوة الإخلاص فيها، ومن هنا فإن الله تعالى يقول: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} [محمد: ١٧]، حيث تستمر الهداية بالازدياد إلى أن تتشكل في قلب المؤمن دولة التقوى التي تجعله حاضرا عند مواضع الأمر وغائبا عن مواضع النهي، وذلك في سائر شؤون الحياة.

– هداية الثبات:
قال تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه: ٨٢]، فما هي الهداية التي جاءت بعد التوبة والإيمان وعمل الصالحات، مع العطف بحرف ثم الذي يفيد التراخي؟ لا أحسبها غير الثبات على الحق في كل الظروف والأوقات، سواء كان الابتلاء في ميدان السراء أو الضراء، ويؤكد هذا الأمر قوله تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا} [النساء: ٦٦]، فالثبات أمر عزيز حتى أن الله قال لرسوله المعصوم: {لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} [الإسراء: ٧٤]، وهذا هو سر تكرار الدعاء في كل ركعة من سائر الصلوات: {اهدنا الصراط المستقيم}.

– هداية الحكم:
قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات} [الأنبياء: ٧٣]، وقال أيضا:{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة: ٢٤]، ومن الواضح لمن تأمل السياق أن معنى (يهدون بأمرنا) أي يحكمون بأمرنا، والأمر يأتي في القرآن بمعنى الحكم: {ألا له الخَلق والأمر} أي الحكم.

– هداية الاستفادة من الآخرين:
وصف المولى عز وجل عباده الذين يستحقون البشارة بعدد من الصفات، وجاء فيها: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب} [الزمر: ١٨]، وهكذا نفهم بأن من يستفيدون من نقاط قوة غيرهم ومواضع إبداعهم، فإنهم يجمعون بين الهداية السديدة والعقل الرشيد، ذلك أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، كما جاء في حديث بهذا المعنى عن الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى