مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢١٠) .. التبيُّن والحذر

جواهر التدبر (٢١٠)

التبيُّن والحذر

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

عند التقاء جيشي المسلمين والكافرين يتضح من تدبر النصوص القرآنية ذات الصلة أن الكلمتين الافتتاحيتين في هذه الظروف هما التبيّن والحذر، فعند هجوم جيش المسلمين على جيش الأعداء ينبغي التبيّن حتى لا يتم قتل من لا يستحق القتل كما هو معروف في الأدبيات الإسلامية، وكرر القرآن كلمة التبين مرتين في آية واحدة وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبيّنوا إن الله كان بما تعملون خبيرا} [النساء: ٩٤]، وتكرار الأمر بالتبين يفيد التوكيد ويظهر أن الأمر خطير جدا، ويظهر هذا الأمر عظمة الشريعة الإسلامية وكيف أنها حريصة على دماء الإنسان حتى لو كان محاربا ما دام قد أعلن الاستسلام!
وبعد سبع آيات من الآية السابقة، أورد الله كيفية صلاة الخوف عند التحام الجيشين، وحتى لا يقوم العدو بمهاجمة المسلمين غدرا بطريقة مفاجئة وهم يصلّون، فقد أمر الله المسلمين بالتسلح بالحذر قبل السلاح المادي وكرر الأمر بالحذر مرتين في آية واحدة، وهي قوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأتِ طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا} [النساء: ١٠٢]، وقد كرر الأمر بالحذر حتى لا تسيل دماء المسلمين غدرا!
وهكذا فإن تدبر النصين يُظهر أن الكلمة المفتاحية عند هجوم المسلمين على الأعداء هي التبين وكررها مرتين في آية واحدة، والكلمة المفتاحية عند هجوم العدو هي الحذر وكررها مرتين في آية واحدة، وعند تأمل خاتمة الآيتين يتضح أن الله عز وجل ختم الأولى بنوع من الوعيد للمسلمين إن هم تجاوزوا أمره بالتبين، وختم الثانية بوعيد للكافرين الذين يستحقونه في كل حال!
ويتضح من الأمر برمته مدى إنسانية الإسلام وتشدده في حقوق الناس وعلى رأسها الدماء التي يجعل الأصل فيها أنها مصونة، ولا ينبغي أن تسيل إلا لضرورة قصوى بحيث تصبح إراقتها مفسدة صغرى في مقابل درء مفسدة كبرى، وقد عرفنا في كتب المغازي كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لام خالد بن الوليد حينما قتل شخصا محاربا بعد أن أعلن الشهادتين رغم أن سيفه كان يقطر من دماء المسلمين، ووصل الأمر إلى حد أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء وهو يقول: “اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد”، وهناك قصة شبيهة مع أسامة بن زيد!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى