‘‘جمهوريَّة كأنَّ’’: نموذج واقعي لتحقُّق أهداف الماسونيَّة 5من 5
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
هل الانحراف الأخلاقي من أعمدة تأسيس الحكومة العالميَّة؟
ربَّما نجح المتآمرون من أولياء الشَّيطان في التَّسويق لفكرة الحكومة العالميَّة وجعلها محطَّ تقدير واحترام الجميع، وقد جُنّد في سبيل ذلك أمهر أعضاء الطَّائفة النُّورانيَّة، من أصحاب أرفع المناصب القياديَّة والدَّرجات العلميَّة في العالم، ممَّن يُرسم حولهم هالة من التَّبجيل والحفاوة العالميَّة، بما يضمن إصغاء العامَّة إليهم. لا يجد وليام غاي كار أنَّه، وحتَّى عام 1945م، وهو عام تأسيس منظَّمة الأمم المتَّحدة عقب انتهاء الحرب العالميَّة الثَّانية بانتصار الصُّهيونيَّة السّياسيَّة، أنَّه كان يرى في تشكيل حكومة عالميَّة موحَّدة الحل للكثير من مشكلات العالم في العصر الحالي. لم يتراجع غاي كار عن ذلك الرَّأي إلَّا بعد أن اقترب من جماعة من مؤيّدي منظَّمة الأمم المتَّحدة والمشاركين في تسيير أعمالها، بعد أن انتبه إلى وجود “قوَّة سريَّة” تتحكَّم في الحركات السّياسيَّة في العالم في “خدمة خططها السّريَّة وتعزيز طموحاتها الخاصَّة في اغتصاب الهيمنة على العالم بلا منازع” (ص 187). ويدلي غاي كار برأي صادم عن مؤيّدي تأسيس حكومة عالميَّة، وهو أنَّ غالبيَّتهم “من عبدة الشَّيطان…أهملوا حضور صلوات الكنيسة، وكانوا يستهزؤون بالدّين”، مضيفًا أنَّهم “من أتباع طقس البالاديني الجديد والمعدَّل لبايك أو محافل الشَّرق الأكبر للماسونيَّة” (ص187-188).
لعلَّ ممَّا أصاب غاي كار بالصَّدمة من تصرُّفات مؤيدي تأسيس حكومة عالميَّة، نواتها الأمم المتَّحدة، انغماس هؤلاء في الشَّهوات الحسيَّة، لدرجة عدم إيجاد حرج في تبادُل الزَّواجات، في ممارسة تحاكي حفلات العربدة الَّتي تُقام ضمن شعائر عبادة الشَّيطان، أو في المثليَّة الجنسيَّة. ويستشهد غاي كار بما ورد في كتاب The American Sex Revolution-الثَّورة الجنسيَّة الأمريكيَّة (1956م)، في لفت الانتباه إلى دور الممارسات المنحرفة، من رشوة وابتزاز جنسيين، في الحياة السّياسيَّة في الولايات المتَّحدة، مشيرًا إلى تعيين أصحاب السُّمعة السّيئة والماجنين في مناصب قياديَّة. ولا عجبَ فيما سبقت الإشارة إليه من انحرافات يُشهد لكبار قادة العالم بالانخراط فيها؛ حيث أنَّ التَّشجيع على الانحراف الأخلاقي من تعاليم عقيدة عبادة الشَّيطان، حتَّى أنَّ فلاديمير لينين قد صرَّح بأنَّ “الثَّوري الأفضل هو شابٌّ مجرَّدٌ تمامًا من الأخلاق” (ص190). ومن بين حيل الشَّيطان لجرّ الأجيال الجديدة إلى التَّهافت على الشَّهوات والابتعاد عن الدّين نشْر ما يُعرف بـ “الثَّقافة الجنسيَّة”، وتبرير ممارسة الفاحشة قبل الزَّواج بأنَّها تهدف إلى تكوين “الخبرات الجنسيَّة”، لدرجة أنَّ “كبْح الشَّهوات والعفَّة والإخلاص” تُرى اليوم أنَّها “أمور عفا عليها الزَّمن” (ص191).
كنيس الشَّيطان والتَّجييش الإعلامي
يتطرَّق المؤلّف الكندي إلى بُعد آخر من أبعاد مؤامرة أولياء الشَّيطان لإحكام السَّيطرة الروحيَّة والعقليَّة والجسديَّة على البشر، وهو استغلال وسائل الإعلام، من صُحُف ودوريَّات علميَّة وأعمال أدبيَّة وبرامج مذاعة عبر الرَّاديو أو التَّلفاز، في بثّ أفكار كنيس الشَّيطان وتدجين العامَّة وتسييرهم بحسب رؤية الكنيس. ويُنسب إلى آدم وايسهاوبت تطوير فكرة تطويع وسائل الإعلام لخدمة مخطَّط السَّيطرة الكاملة على العالم، وربَّما لم يأتِ زمن قبل ذلك سيطر فيه مؤيّدو الحكومة العالميَّة على كافَّة وسائل تشكيل الوعي البشري بهذا الشَّكل. يوضح غاي كار أنَّ وايسهاوبت اختار النّجمة السُّداسيَّة رمزًا للطائفة النُّورانيَّة، ليس إلَّا لأنَّها ترمز إلى النّقاط السّت الَّتي يقوم عليها برنامجه، وهي: إلغاء جميع الحكومات؛ وإلغاء جميع الأديان؛ وإلغاء جميع الملكيَّات؛ وإلغاء الميراث؛ وإلغاء مفهوم العائلة بوصفها نواة المجتمع؛ وإلغاء الانتماءات الوطنيَّة. وقد طوَّر ألبرت بايك ذلك البرنامج، ليخرج بستّة أهداف أساسيَّة يجب تحقيقها لإحكام السَّيطرة على العالم، هي: تحويل أوَّل حكومة عالميَّة إلى ديكتاتوريَّة شموليَّة على رأسها إبليس؛ والقضاء على كافَّة الأديان لتحويل العامَّة إلى العقيدة النُّورانيَّة النَّقيَّة، وهي عقيدة عبادة الشَّيطان؛ واستعباد الأغيار بعد تحويلهم إلى تكتُّل بشري غير متمايز؛ وتحديد النَّسل ليقتصر الإنجاب على الأنواع والأعداد المطلوبة؛ والاعتماد على التَّلقيح الاصطناعي في عمليَّات إنجاب الأغيار للتَّحكُّم في سلالاتهم؛ والسَّيطرة الكاملة على عقول العامَّة لمحو كافَّة المعارف السَّابقة لديهم، لإفساح المجال أمام اعتناق أيديولوجيَّة الشَّيطان.
يعتقد غاي كار أنَّ الزَّعم بأنَّ البروتوكولات، الَّتي عُثر عليها في بافاريا بالصُّدفة عام 1784م، تعود لحكماء صهيون، أو أنَّ اليهود هم وراء كلّ بلاء في العالم من السَّخف، موضحًا أنَّ انضمام الكثير من اليهود إلى الحركات السّريَّة لا يعني أنَّ كافَّة يهود العالم من الأشرار أو صهاينة، مضيفًا أنَّ من اليهود مَن يعارضون السّياسات الصُّهيونيَّة. يذكّر المؤلّف الكندي بأنَّ جميع اليهود المنضمّين إلى الجمعيَّة الاشتراكيَّة الأولى قد تمَّ التَّخلُّص منهم، سواءً بالقتل أو بالسَّجن، بعد 7 سنوات من وصول لينين إلى الحُكم في روسيا البلشفيَّة. ومن المتداول أنَّ وايسهاوبت وبايك قد دأبا على استغلال اليهود والاتّهام بمعاداة السَّاميَّة في تنفيذ مخطَّطات كنيس الشَّيطان، وربَّما يكمن في ذلك تحميل اليهود مذمَّة التَّآمر على البشريَّة. ومن بين الأكاذيب الَّتي ردَّدها الإعلام المسيَّس، أنَّ الشُّيوعيَّة هي أصل كلّ داء، وليس ذلك سوء افتراء من افتراءات كنيس الشَّيطان، الَّذي روَّج عملاؤه قبيل الحرب العالميَّة الثَّانية لأنَّ النَّازيَّة هي أمُّ الشُّرور، وأنَّ استئصالها واجبٌ، ممَّا منَح المبرّر لاندلاع الحرب حينها. وربَّما يتكرَّر الأمر هذه الآونة مع إثارة العداء تجاه الإسلاميين، واعتبارهم رأس التَّآمر في العالم، ولعلَّ في ذلك ما يمهّد لمواجهة التَّيَّار السّياسي الإسلامي في حرب عالميَّة ثالثة قد دقَّت طبولها وحان وقتها لإخضاع ما بقي من دار الإسلام لسُلطان أباطرة المال، عبدة الشَّيطان. تعمل الشُّيوعيَّة، تمامًا مثل النَّازيَّة، على السَّيطرة على عقول البشر في سبيل تقبُّل الأيديولوجيَّة المادّيَّة للسَّيطرة على العالم، والَّتي هي في الأصل من تصميم كنيس الشَّيطان. استعان كنيس الشَّيطان بالشُّيوعيَّة والنَّازيَّة معًا في خدمة خططه السّريَّة، تمهيدًا لإشعال “حرب أو ثورة شاملة”، يُحكم خلالها الكنيس السَّيطرة على العالم، حيث “يبلغ الحصاد الشَّيطاني من الأرواح ذروته” (ص205).
مؤامرة المتنوّرين على الفاتيكان
يبدو أنَّ ظاهر عداء الطَّائفة النُّورانيَّة تجاه الكنيسة الكاثوليكيَّة هو أنَّها تحتفظ بسلطة دينيَّة ودنيويَّة في آن واحد، وفي ذلك ما يتعارض مع سياسة فصْل الدّين عن سياسة الحُكم، الَّتي يتزعَّمها العلمانيون. غير أنَّ الحقيقة هي أنَّ كاثوليكيَّة روما هي وريثة الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة، وهي ذاتها الَّتي دمَّرت الهيكل الثَّاني في أورشليم، وطردت بني إسرائيل من الأرض المقدَّسة عام 70م، ومن المرجَّح أنَّ مخطَّطات كنيس الشَّيطان لتدمير الأديان جميعها يدخل تحت طائلتها القضاء على المذهب الكاثوليكي، الَّذي تعتنقه الشَّريحة العظمى من مسيحيي العالم. ويوضح غاي كار أنَّ آدم وايسهاوبت نقَل سهامه تجاه إيطاليا منذ أواخر القرن الثَّامن عشر الميلادي، بعد إشعال الثَّورة في فرنسا وتداعي الإمبراطوريَّة الحاكمة هناك. كثَّفت الطَّائفة النُّورانيَّة جهودها في إيطاليا، وكان هدفها الأوَّل “تدمير الفاتيكان”، حتَّى أنَّ أعضاء الطَّائفة الشَّيطانيَّة هناك كانوا يتساءلون “كيف يمكننا أن ندمّر جميع الحكومات وجميع الأديان، إذا لم ندمّر الفاتيكان قبل كلّ شيء” (ص207). وقد كان مخطَّط ألبرت بايك، ومعه جوزيبي مازيني، والَّذي كان مدير الحركة الثَّوريَّة العالميَّة في إيطاليا، ومن بعده أدريانو ليمّي، خلفته على المنصب، هو إضعاف الفاتيكان تدريجيًّا، مع استمرار استقطابها للبشر، حتَّى يبلغ عدد معتنقي المذهب نصف المليار، وحينها سيُجرُّ كافَّة مسيحيي العالم إلى “الكارثة الاجتماعيَّة الكبرى مع الشُّعوب المسيطَر عليها من قِبل الشُّيوعيين الملحدين” (ص207). جدير بالذّكر أنَّ بيانات مركز بيو الأمريكي للأبحاث لعام 2011م بشأن عدد الكاثوليك في العالم تشير إلى أنَّه قارب 1.1 مليار شخص، وتأتي البرازيل في مقدّمة دول العالم من حيث عدد معتنقي المذهب، وتحتفظ إيطاليا وفرنسا وبولندا وإسبانيا بالعدد الأكبر من معتنقي المذهب في أوروبَّا.
إحصاء تقديري لأعداد معتنقي مختلف المذاهب المسيحيَّة-موسوعة ويكيبيديا الرَّقميَّة
نصيب المرأة من مخطَّط كنيس الشَّيطان
سبقت الإشارة إلى أنَّ تدمير مفهوم العائلة، باعتبارها نواة المجتمع، من بين أهمّ أهداف برنامج ألبرت بايك للسَّيطرة على العالم، كما سبقت الإشارة إلى أنَّ الانغماس في الشَّهوات الحسيَّة من بين أهمّ وسائل السَّيطرة العقليَّة والجسديَّة على البشر. وبالطَّبع، للمرأة نصيب من هذا المخطَّط، يتلخَّص في تدمير النَّمط الشَّائع للعفَّة والتَّفاني في خدمة أفراد العائلة والاعتدال السُّلوكي، واستبداله بنموذج جديد من المساواة مع الرَّجل في ميدان العمل، والامتناع عن تأسيس عائلة، بل والتَّخلّي عن مبدأ العفَّة، مع الزَّعم بأنَّ الهدف من ذلك هو “تحرير المرأة من عبوديَّة الجسد والعقل والرُّوح” (ص209). غير أنَّ الهدف هو تأسيس مجتمع جديد، تلعب فيه المرأة دورًا يضعها مع الرَّجل على قدم المساواة، بل ويرفعها عن في الدَّرجات، وفي ذلك ما يحطُّ من مكانة المرأة، وفيه تحدٍّ صارخ لقول الله تعالى “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ” (سورة النّساء: الآية 34). ويلفت وليام غاي كار النَّظر إلى دور السّينما في تنفيذ مخطَّط الشَّيطان، من خلال تقديم النّساء في أدوار الفاجرات، والدَّعوة إلى الحريَّة في ممارسة الجماع مع أيّ شخص، حتَّى يترسَّخ في أذهان المراهقات ألَّا حرجَ في الزّنا، وأنَّ التَّحرُّر من القيود الاجتماعيَّة من متطلَّبات عصر الحداثة.
هذا، وقد أبرمت الجمعيَّة العامَّة للأمم المتَّحدة اتّفاقيَّة دوليَّة تحت اسم Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women، أو اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة بالاسم المختصر CEDAW، أو سيداو. قد ينخدع البعض في اسم الاتّفاقيَّة، ويعتقد أنَّ هدفها هو حماية النّساء من العنف والتَّمييز وهضم الحقوق، لكنَّ الهدف الجوهري هو تحدّي كافَّة النُّصوص الإسلاميَّة المنظّمة لحياة المرأة في المجتمع الإسلامي. ويذهب البعض إلى حدّ افتراض أنَّ هدف اتّفاقيَّة سيداو هو تفكُّك الأسرة، ونشْر الممارسات غير الشَّرعيَّة، وإباحة قتْل الأبناء، والتَّساوي مع الرَّجل في الميراث. وقد وصل الأمر ببعض دعاة العلمنة إلى الدَّعوة إلى تعطيل العمل بآيات الميراث في القرآن الكريم، والاحتكام إلى القوانين الوضعيَّة في الميراث، وفي غير ذلك من المسائل الَّتي وردت فيها نصوص ثابتة في القرآن أو السُّنَّة، مع الزَّعم بأنَّ تلك النُّصوص للتَّعبُّد فقط.
كنيس الشَّيطان وراء البروتوكولات الشَّهيرة
يدحض وليام غاي كار أن تُنسب البروتوكولات الَّتي تكشف عن مخطَّط تآمري لتدمير الحكومات والأديان في العالم، إلى حكماء صهيون، مفترضًا أنَّها من تدبير كنيس الشَّيطان، ولا يمكن أن تكون مؤامرة يهوديَّة ترمي إلى فرْض سيطرة بني إسرائيل على العالم. يشدّد الكاتب على أنَّ كنيس الشَّيطان لا يضمُّ يهودًا، إنَّما من أولئك الَّذين ورد وصفهم في سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي بأنَّهم “الْقَائِلِينَ: إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ الشَّيْطَانِ” (رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 2، آية 9)، موضحًا أنَّ ليمّي، عضو كنيس الشَّيطان ومدير الحركة الثَّوريَّة العالميَّة في إيطاليا، هو الَّذي درَّب فلاديمير لينين على إشعال الثَّورة وإسقاط الحُكم القيصري في روسيا. كانت المحاضرات الَّتي عُثر عليها وأُعطيت للعالم الرُّوسي سيرغ نيلوس بمثابة دليل إرشادي استُدلَّ به في إشعال الثَّورة البلشفيَّة عام 1917م، وكان زعماؤها من اليهود، ممَّا يعني أنَّ اليهود أنفسهم تسوقهم مخطَّطات كنيس الشَّيطان. كانت المطالبة بتطبيق نظام حُكم ليبرالي من بين ما تنصُّ عليه البروتوكولات، في محاولة لإضعاف سيطرة الحُكَّام على مقاليد الأمور في بلادهم، وهنا يأتي دور المتآمرين في “جمْع زمام الحكومة المتراخي بعضه إلى بعض في أيديهم” (ص266). ويدخل ذلك ضمن مخطَّط الإطاحة بالأباطرة والملوك بالاغتيال أو الثَّورات، خلال ما يُعرف باسم “عصر الإرهاب الثَّوري”، على أن يُستبدل سُلطان الحُكَّام بسُلطان الذَّهب، ويُوضع على رأس الحُكم فئة من الأثرياء الَّذين يتحكَّم فيهم كنيس الشَّيطان، ويسيّرهم بحسب أهوائه، استغلالًا لتهافتهم على المال.
يستغلُّ المتآمرون حالة الضَّعف الَّتي تمرُّ بها البلدان في أعقاب الحروب والثَّورات، ويقدّمون حينها المشورة والمساعدة لتلك البلدان، الَّتي ستضطر للقبول؛ فيثقل كاهلها بمزيد من الدُّيون القوميَّة لصالح المتآمرين، الَّذين أدخلوا تلك البلدان من الأصل في أزمات احتاجت من جرَّائها إلى مشورتهم أو قروض منهم. هكذا، تزداد سُلطة المتآمرين، العاملين في الخفاء، ومن ثمَّ المحصَّنين في مواجهة المسائلات والملاحقات، والقادرين بذلك على مواصلة إحداث الأزمات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الَّتي تخلخل بنيان البلدان الَّتي يستهدفونها. بعد نجاح هؤلاء في مهمَّتهم بعد سلسلة من الأحداث الفوضويَّة، هم يؤسّسون ديكتاتوريَّات مطلقة، تأخذ شكل الحُكم الدّيموقراطي، فقط لخداع العامَّ بأنَّهم انتقلوا من نظام حُكم سلطوي ظالم إلى نظام ليبرالي مُنصف. ويثير غاي كار مفارقة هامَّة، وهي أنَّ العامَّة، في أعقاب الثَّورات، يختارون “مدراء الحركة الثَّوريَّة العالميَّة” لقيادة بلدانهم، دون أن ينتبه البسطاء إلى أنَّ “عملاء كنيس الشَّيطان” هم المحرّك الحقيقي للأحداث، وأنَّ زعماء الثَّورة ما هم إلَّا واجهات يتوارى خلفها المتآمرون الكبار (ص268). ولعلَّ أكبر كذبة استُدرج العامَّة إلى تصديقها هي أنَّ “الشُّيوعيَّة هي حركة عمَّاليَّة تهدف إلى تدمير الرَّأسماليَّة من أجل إدخال حكومات اشتراكيَّة يمكن بعد ذلك أن تتَّخذ شكل عالم لا طبقي يتكوَّن من جمهوريَّات سوفييتيَّة (عمَّاليَّة) دوليَّة” (ص268-269). أمَّا الحقيقة، فهي أنَّ الرَّأسماليين من أباطرة المال هم مموّلو ومديرو الحركة الثَّوريَّة العالميَّة، وهم الَّذين دفعوا بعملائهم إلى أتون الثَّورات الشَّعبيَّة، ثمَّ وضعوهم على رأس السُّلطة لاحقًا، لتبدأ مرحلة استنزاف موارد البلدان، تارة تحت ذريعة تحصيل ضرائب تدخل جيوب المرابين مموّلي الثَّورات لتعويض ما أنفقوه في إشعال تلك الثَّورات وحتَّى نجاحها، وتارة تحت ذريعة تأسيس مشروعات تنمويَّة لا يستفيد منها سوى المنتفعين من رجال السُّلطة الحاكمة، الموالية في الأصل لعملاء كنيس الشَّيطان. يدعو غاي كار إلى الانتباه إلى المؤامرة على الشُّعوب بقوله (ص269):
آن الآن لنزيح الغمَّامات عن أعيننا لكي نتمكَّن من الرؤية بوضوح. إنَّ الحقيقة هي أنَّ أولئك الَّذين يديرون الحركة الثَّوريَّة العالميَّة في القمَّة، سمّهم كنيس الشَّيطان أو النُّورانيون (المتنوّرين)، أو ما شئتَ، يسيطرون على الذَّهب، والذَّهب يسيطر على كلّ جانب من جوانب الحركة الثَّوريَّة العالميَّة. إنَّهم الأشخاص الَّذين يسيطرون على الذَّهب، الأشخاص الَّذين نشير إليهم عادة على أنَّهم الرَّأسماليون، الَّين يموّلون ويديرون ويسيطرون على كافَّة الجهود الثَّوريَّة من أجل التَّمكُّن من اقتياد الجماهير (الغوييم) وإخراجهم مَّما يتعرَّضون إليه من اضطهاد، إلى خضوع جديد وتامّ-دكتاتوريَّة شاملة.
ينجح المتنوّرون في خداع الشُّعوب من خلال ادّعاء أنَّ نشاطهم الثَّوري يرمي إلى التَّحوُّل الدّيموقراطي في البلدان النَّامية، وتأسيس نظام جديد يتَّسم بالعدالة والمساواة والإخاء، بينما ليس مفهوم الدّيموقراطيَّة سوى خدعة استخدمها المتآمرون في إيهام العامَّة بأنَّ الزَّعماء الثَّوريين هم الأجدر على قيادة الأمم بعد سقوط الأنظمة الدّيكتاتوريَّة، بينما أثبتت التَّجربة أنَّ رجال عملاء كنيس الشَّيطان كانوا أشدَّ وحشيَّة في التَّعامل مع العامَّة من الأنظمة البائدة. من الشَّائع أنَّ أهداف الماسونيَّة هي ما سبقت الإشارة إليه، من تأسيس نظام جديد ينشر الحريَّة والمساواة والعدالة بين شعوب الأرض، لكنَّ الهدف غير المعلن هو تدمير الحكومات والأديان وتأسيس نظام شمولي على رأسه كنيس الشَّيطان. ولعلَّ من أهمّ الدَّلائل الَّتي تشير إلى أنَّ البروتوكولات الشَّهيرة تكشف عن مخطَّط لكنيس الشَّيطان، وليس لحكماء صهيون، أنَّ المؤتمر الصُّهيوني الأوَّل عُقد عام 1897م في مدينة بازل السّويسريَّة، بينما عُثر على البروتوكولات في بافاريا بالصُّدفة عام 1784م.
(المصدر: رسالة بوست)