ثورة التوابين قراءة تأريخية تحليليةعن ثورة جماعة التوابين 2من 4
إعداد د. هاني السباعي
رابعا: خروج التوابيين ومسيرهم لقتال جند الشام
“لما أراد سليمان بن صرد الخزاعي الشخوص سنة خمس وستين بعث إلى رؤوس أصحابه فأتوه، فلما أهل ربيع الآخر خرج في وجوه أصحابه، وكانوا قد أتوا للخروج تلك الليلة، فلما أتى النُخيلة دار في الناس فلم يعجبه عددهم، فأرسل حكيم بن منقذ الكندي والوليد بن عصير الكنانيّ، فناديا في الكوفة: يا لثارات الحسين! فكانا أول خلق الله دعوا: يا لثارات الحسين”[1]
“فأصبح من الغد وقد أتاه نحو ممّا في عسكره، ثم نظر في ديوانه فوجدهم ستة عشر ألفاً، فقيل له: إن المختار يثبط الناس عنك، إنه قد تبعه ألفان. فقال: قد بقي عشرة آلاف، أما هؤلاء بمؤمنين؟ أما يذكرون الله والعهود والمواثيق؟ فأقام بالنخيلة ثلاثاً يبعث إلى من تخلف عنه، فخرج إليه نحو من ألف رجل. فقام إليه المسيب بن نَجَبة فقال: رحمك الله! إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلاّ من أخرجتْه النية، فلا تنتظر أحداً وجدّ في أمرك. فقال: نعم”[2]
أقول: يتضح لنا مما سبق:
الأول: أن أول ضعف دبّ في صفوف التوابين هو تخلف معظم الجيش، فلم يأت إلا أربعة آلاف رجل من ستة عشر ألفاً. مما أثر في معنويات بعض المبايعين وكادوا أن ينصرفوا عن ابن صرد وأصحابه لولا تذكيره لهم بالعهود والمواثيق، ورغم ذلك لم يأت إلا عدد قليل في مقابل جيش ابن زياد الكثيف المنظم.
الثاني: قدوم المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب الذي طفق يثبط الناس عن جيش التوابين، ويزعم أنه مكلف من قبل محمد ابن الحنفية رضي الله عنه، مما ساعد على صرف الناس عن ابن صُرد، باعتبار المختار مكلّف من قبل أهل البيت. فكان صنيع المختار أول انشقاق في صفوف التوابين. مما أضعف قوتهم وثبط عزيمة عدد غفير منهم.
الثالث: نلاحظ مدى تأثر الأمير سليمان بن صُرَد بتخلف معظم أصحابه وهو يقول: ((أما هؤلاء بمؤمنين)) ((أما يذكرون الله والعهود والمواثيق؟)). والذي يعضد وجهة نظرنا أنه ظل بالنُخيلة ثلاث ليال يبعث إلى من تخلف عنه. حتى أشفق لحاله المسيبُ بن نخبة: ((إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلاّ من أخرجتْه النية)).
الرابع: قد يكون سبب تخلف أغلب جيش التوابين رغم بيعتهم لابن صرد في الخروج مع شعورهم بضعف جيش التوابين من الناحية التنظيمية بالمقارنة بجيش الشام رغم تقوى وصلاح التوابين. وقد يكون لحماس زائد وحرارة الإيمان اللحظية عقب مقتل الحسين رضي الله عنه، ثم لما حان الموعد بعد أربع سنوات من مقتل الحسين رضي الله عنه هبط مؤشر الحماس، ونزل منحنى الثأر لدم الحسين رضي الله عنه فآثر هؤلاء الذين تخلفوا السلامة والبقاء في بلادهم وديارهم. ومما لا شك فيه أن وجود المختار الثقفي كان له أثر كبير في تخلف هؤلاء المبايعين للتوابين.
نصائح بعض الولاة والمقربين للتوابين بالتريث وعدم الخروج
- نصيحة والي ابن الزبير رضي الله عنه، على الكوفة عبد الله بن يزيد الأنصاري:
“وبلغ عبد الله بن يزيد، وإبراهيم بن محمد بن طلحة خروج ابن صُرد، فأتياه في أشراف أهل الكوفة (..) فلما أتياه. قال عبد الله بن يزيد: إنّ المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يغشّه، وأنتم إخواننا وأهل بلدنا وأحبّ أهل مصر خلقه الله إلينا، فلا تفجعونا بأنفسكم، ولا تنقصوا عددنا بخروجكم من جماعتنا، أقيموا معنا حتى نتهيأ، فإذا سارعدونا إلينا خرجنا إليه بجماعتنا فقاتلناه.(..) وقال إبراهيم بن محمد مثله”[3]
بل إن عبد الله بن يزيد قال له: سنجعل لكم خراج (جوخى) إن أقاموا حتى يعدوا العدة لقتال عدوهم.. فأجابهم ابن صرد رضي الله عنه: “قد محضتما النصيحة واجتهدتما في المشورة، فنحن بالله وله، ونسأل الله العزيمة على الرشد ولا نرانا إلا سائرين”[4]
فألحّ عليهم والي الكوفة أيضاً لعلمه بضعفهم: “فقال عبد الله: فأقيموا حتى نعبّي معكم جريدا كثيفا (جمع كثيف) فتلقوا عدوّكم بجمع كثيف. وكان قد بلغهم إقبال عبيد الله بن زياد من الشام في جنود. فلم يقم سليمان، فسار عشيّة الجمعة لخمس مضين من ربيع الآخر سنة خمس وستين، فوصل دار الأهواز وقد تخلف عنه ناس كثير، فقال: ما أحبّ أن من تخلف عنكم معكم، لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا، إن الله كره انبعاثهم فثبطهم، واختصكم بفضل ذلك”[5].
أقول: نلاحظ أن تخلف الناس مستمر وفي اطراد. ورغم ذلك ساروا حتى مروا بقبر الحسين رضي الله عنه وبكوا وترحموا عليه. ثم ساروا إلى الأنبار. وفي الأنبار وصلتهم رسالة من والي الكوفة.
نص رسالة عبيد الله بن يزيد إلى جيش التوابين
“بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله بن يزيد إلى سليمان بن صرد ومن معه من المسلمين، سلام عليكم، أما بعد؛ فإنّ كتابي إليكم كتاب ناصح ذي إرعاء، وكم من ناصح مستغَشّ، وكم من غاشّ مستَنصح مُحبّ، إنه بلغني أنكم تريدون المسير بالعدد اليسير إلى الجمع الكثير، وإنه مَنْ يُرد أن ينقل الجبال عن مراتبها تكلّ معاولُه، وينزع وهو مذموم العقل والفعل. يا قومنا لا تُطمعوا عدوّكم في أهل بلادكم، فإنكم خيارٌ كلكم، ومتى ما يصبكم عدوكم يعلموا أنكم أعلامُ مصركم، فيُطمعهم ذلك فيمن وراءكم. يا قومنا، «إنهم إنْ يظهروا عليكم يرجموكم أو يُعيدوكم في ملَّتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً»، يا قومنا إن أيدينا وأيديكم اليوم واحدة، وإن عدونا وعدوكم واحد، ومتى تجتمع كلمتنا نظهر على عدونا، ومتى تختلف تهُنْ شوكتُنا على من خالفنا؛ يا قومنا لا تستغشّوا نصحي، ولا تخالفوا أمري، وأقبلوا حين يُقرأ عليكم كتابي. أقبلَ الله بكم إلى طاعته، وأدبر بكم عن معصيته. والسلام”[6]
فماذا كان جواب التوابين؟
أبوا وقام ابن صرد فيهم خطيباً: “أرى والله أنكم لم تكونوا قط أقربَ من إحدى الحسنيين منكم يومكم هذا؛ الشهادة والفتح، ولا أرى أن تنصرفوا عما جمعكم الله عليه من الحقّ، وأردتم به من الفضل”[7]
ثم كتب ابن صُرَد رسالة إلى عبد الله بن يزيد يثني عليه و يبين له سبب رفضهم الرجوع عن مقصدهم: “بسم الله الرحمن الرحيم للأمير عبد الله بن يزيد، من سليمان بن صُرد ومن معه من المؤمنين، سلامٌ عليك، اما بعد. فقد قرأنا كتابك، وفهمنا ما نويتَ، فنعم والله الوالي، ونعم أخو العشيرة، أنت والله من نأمنه بالغيب، ونستنصحه في المشورة، ونحمده على كل حال؛ إنا سمعنا الله عز وجل يقول في كتابه: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة» – إلى قوله: «وبشر المؤمنين». إن القوم قد استبشروا ببيعتهم التي بايعوا، إنهم قد تابوا من عظيم جرمهم، وقد توجهوا إلى الله، وتوكلوا عليه ورضوا بما قضى الله «ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير». والسلام عليك”[8]
هكذا قد بذل هذا الوالي قصارى جهده من نصح لجيش التوابين، إذ كان مشفقاً عليهم لعلمه بقلة عددهم، لذلك لما جاءه كتاب ابن صرد في عزمهم على المضي لقتال أهل الشام على حالتهم. “قال: استمات القومُ، أول خبر يأتيكم عنهم قتلُهم؛ وايم الله ليُقتلنّ كراماً مسلمين، ولا والذي هو ربهم لا يقتلهم عدوهم حتى تشتدّ شوكتهم، وتكثر القتلى فيما بينهم”[9]
هكذا توقع والي الكوفة نتيجة المعركة، ومصير التوابين، وليس ذلك رجما بالغيب بل يرجع ذلك للمعطيات التي ذكرناها عن قوتهم العسكرية.
- نصيحة عبد الله بن سعد بن نفيل
“فلما عزم سليمان على المسير قال له عبد الله بن سعد بن نفيل: إني قد رأيت رأياً إن يكن صواباً فالله الموفق، وإن يكن ليس صوابا فمن قبلي؛ إنا خرجنا نطلب بدم الحسين، وقَتَلَـتَه كلهم بالكوفة، منهم عمر بن سعد ورؤوس الأرباع والقبائل، فأين نذهب من ها هنا وندع الأوتار؟ فقال أصحابه كلهم: هذا هو الرأي”[10]
لكن الأمير سليمان بن صرد كان له رأي آخر: “فقال سليمان: لكن أنا لا أرى ذلك، إن الذي قتله وعبّأ الجنود إليه وقال لا أمان له (أي الحسين) عندي دون أن يستسلم فأُمضي فيه حكمي، الفاسق ابن الفاسق عبيد الله بن زياد، فسيروا على بركة الله فإن يظهركم الله عليه رجونا أن يكون مَنْ بعده أهون علينا منه، ورجونا أن يدين لكم أهلُ مصركم في عافية فينظرون إلى كل مَنْ شرك في دم الحسين فيقتلونه ولا يغشموا وإن تُستشهدوا فإنما قاتلتم الـمُحِلّين، وما عند الله خير للأبرار”[11]
إذن هناك رأيان:
الأول: يرى قتل الذين شاركوا في قتل الحسين رضي الله عنه وهم بين أيديهم في الكوفة.
الثاني: رأي الأمير وهو قتل الرأس المدير الذي لم يعط الحسين رضي الله عنه أماناً ولا عهداً ولم يعطه فرصة الرجوع إلى الحجاز. فهو أولى بالقتل على حد رأي ابن صرد رضي الله عنه. أما بقية الذين شاركوا في هذه الجريمة الشنعاء، فهم أقل وأهون.
أقول: نلاحظ أن كلا الرأيين له وجهة نظر معتبرة فالرأي الأول ينظر إلى حجم قوتهم العسكرية وعتادهم الحربي الضعيف، ومن ثم لم لا يقتلون من في أيديهم طالما ليتحقق شيء من المراد، وليكون نكالاً للآخرين الذين بالشام أو في غيرها من الأمصار، فهذا الفريق يتفق مع الرأي الثاني في التسليم بقتل من أصدر الأوامر بقتل الحسين وآل البيت رضي الله عنهم. لكنهم يرون ارجاء ذلك حتى تقوى شوكتهم.
أما الرأي الآخر فإنه ينظر إلى أن قطع رأس الأفعى أولى. وفيه ارواء الغليل وشفاء الصدور، وأن الابتداء بقتل من في الكوفة قد يثير حفيظة أقاربهم وذوويهم، ومن ثم الإتفاق على قتل الرأس أولى في هذه المرحلة.
وإزاء هذين الرأيين المعتبرين نرى أن القضية تختلف من حالة لأخرى: ففي حالة وجود جماعة قوية لها شوكة وعمق شعبي فمن الأولى ضرب الرؤوس وقتل أئمة الضلال، وليس معنى ذلك ترك من اشتركوا في قتل الحسين رضي الله عنه أحراراً يرتعون في الأرض وينعمون بالأمان، بل نحن ننظر إلى أولوية الخيار، وخاصة أن جماعة التوابين خرجت لمواجهة جيش نظامي؛ أي حرب ميدانية مكشوفة لكنها بهذا الوصف غير متكافئة. فلو أن التوابين اختاروا منهج ارهاب الخصم أو الكر والفر على طريقة حرب العصابات أو المدن لاختلف الحديث واختلف أيضاً التنظير ونظرتنا للأمور، فحرب العصابات لها أسلوب يختلف عن الحرب النظامية. فقد يقتل الزعيم أو الحاكم أو أعلى منصب في السلطة ولا يغير ذلك من حسم المعركة بل هي أشبه بحرب استنزاف لطاقات العدو وارهابه. أما ما فعله التوابون فإنهم خرجوا لحرب مكشوفة؛ أي مواجهة عسكرية مع نظام له جيش منظم وقوي.
لذلك نرى أن وجهة نظر الفريق الأول التي ترى الاكتفاء بقتل من شارك في قتل الحسين وآل البيت رضي الله عنهم؛ هؤلاء القتلة يعيشون معهم في الكوفة. فوجهة نظرهم قوية تتفق وطبيعة جيش التوابين وحجمهم القليل. فالقيام بعمليات في مثل حالتهم وإن كانت بسيطة إلا أنها تحقق مكاسب محدودة منها:
أ ـ ردع العدو وإرهابه.
ب ـ إحياء قضية الجهاد في نفوس الأمة كي تقوى عزيمتهم.
ج ـ إعادة الثقة إلى النفس المطربة.
ففي مثل هذه العمليات واستمرارها وخاصة مع من اشتهر عنهم بارتكاب جرائم وموبقات في حق الأمة. هذه ما يتناسب وطبيعة حركة التوابين.
وننبه على عدم إغفال الإستراتيجية العامة لخطة الحركة أو الجماعة بمعنى السير في خطوط متوازية من الإستمرار في تنمية قدرات الأتباع وتعبئتهم بقدر الإمكان والإستمرار في تدريبهم والإعداد الملائم لطبيعة الصراع القائم، فالفريق الأول نظر إلى واقع الجماعة الضعيف، والفريق الثاني حركته حرارة الإيمان، ولم يراع الأسباب الكونية. فقد ينهزم جيشٌ به نبيٌ مرسلٌ لعدم أخذهم بالأسباب التي خلقها الله لمثل هذه المعارك العسكرية. كما في (غزوة أحد 3هــ). وقد يحرز النصر أكفر خلق الله لأخذه بالأسباب التي شرعها الله لمثل هذه المعارك، كما حدث أيضاً في أُحد حيث انتصرت الوثنية – مؤقتاً – على المسلمين وهم صفوة البشرية وأتقاهم وأصلحهم ورغم ذلك هزموا، وللتدليل على صحة هذه الدعوى عشرات الأدلة من كتب التاريخ والسير، لكن نكتفي بهذا المقدار.
- نصيحة والي قرقيسيا
“ثم ساروا حتى انتهوا إلى والي قرقيسيا على تعبية، وبها زُفَر بن الحارث الكلابيُّ قد تحصن بها منهم ولم يخرج إليهم”[12].. إذن لقد أغلق والي قرقيسيا أبواب المدينة لما رأى التوابين – ليس خوفا من منازلتهم – بل لكراهته قتالهم إذا أرادوا قتاله، لأنه قد علم أنهم أهل صلاح وتقوى. ومما يعضد ذلك قول ابن الأثير في الحوار الذي دار بين المسيب بن نجبة وزفر بن الحارث: “فقال زفر: إنا لم نغلق أبواب المدينة إلا لنعلم إيّانا تريدون أم غيرنا، وما بنا عجز عن الناس وما نحب قتالكم، وقد بلغنا عنكم صلاح وسيرة جميلة”[13].. ثم أخرج لهم طعاماً، وأعطاهم خيلاً وسلاحاً، ثم نصحهم لعلمهم بأخبار الخصوم وعرض عليهم الرأي التالي: “إنه قد سار خمسة أمراء من الرَّقّة هم الحصين بن نُمير وشُرَحْبيل بن ذي الكَلاع وأدهم بن مُحْرِز وجَبَلَة بن عبد الله الخثعمي وعبيد الله بن زياد في عدد كثير مثل الشوك والشجر، فإن شئتم دخلتم مدينتنا وكانت أيدينا واحدة، فإذا جاءنا هذا العدو قاتلناهم جميعا. فقال سليمان بن صرد : قد طلب أهل مصرنا ذلك منّا فأبينا عليهم”[14].
وفي رواية الطبري أنه عرض عليهم أيضاً: ((أتاكم عدد كثير، وحدٌ حديد، وايم الله لقلّ ما رأيتُ رجالاً هم أحسن هيئةً ولا عدةً، ولا أخلق لكلّ خير من رجال أراهم معك؛ ولكنه قد بلغني أنه قد أقبلت إليكم عدّة لا تُحصى، فقال ابن صُرَد: على الله توكلنا وعليه فليتوكل المتوكلون، ثم قال زفر: فهل لكم في أمر أعرضه عليكم؛ لعل الله أن يجعل لنا ولكم فيه خيراً؟ إن شئتم فتحنا لكم مدينتنا، فدخلتموها فكان أمرنا واحداً وأيدينا واحدة، وإن شئتم نزلتم على باب مدينتنا، وخرجنا فعسكرنا إلى جانبكم؛ فإذا جاءنا هذا العدو قاتلناهم جميعاً”[15].
فكان جواب أمير التوابين أنه رفض أيضاً هذه العرض وقال له: لسنا فاعلين، وشكره على نصيحته.
لكن هذا الوالي كان خبيراً بالحروب، وعلى دراية بمنازلة الخصوم، وله خبرة في اختيار المواقع الإستراتيجية، فعرض عليهم خطة عسكرية عاجلة: “قال زفر: فبادروهم إلى عين الوردة وهي رأس عين فاجعلوا المدينة في ظهوركم ويكون الرستاق والماء والمادة في أيديكم وما بيننا وبينكم فأنتم آمنون منه، فاطووا المنازل، فوالله ما رأيت جماعةً قط أكرم منكم، فإني أرجو أن تسبقوهم، وإن قاتلتموهم فلا تقاتلوهم في فضاء ترامونهم وتطاعنونهم فإنّهم أكثر منكم، ولا آمن أن يحيطوا بكم، فلا تقفوا لهم فيصرعوكم، ولا تصفوا لهم، فإني لا أرى معكم رَجّالة ومعهم الرَّجّالة والفرسان بعضهم يحمي بعضاً، ولكن القوهم في الكتائب والمقانب ثم بثّوها فيما بين ميمنتهم وميسرتهم واجعلوا مع كل كتيبة أخرى جانبها، فإن حمل على إحدى الكتيبتين رحلت الأخرى فنفّست عنها، ومتى شاءت كتيبة ارتفعت، ومتى شاءت كتيبة انحطّت، ولو كنتم صفا واحدا فزحفت إليكم الرَّجالة فدفعتم عن الصفّ انتقض فكانت الهزيمة. ثم ودعهم ودعا لهم ودعوا له وأثنوا عليه.))[16]
[1] الكامل في التاريخ لابن الأثير 4/175-176.
[2] السابق
[3] الكامل في التاريخ 4/177.
[4] السابق.
[5] السابق.
[6] الطبري 5/592
[7] السابق.
[8] الطبري 5/593
[9] السابق 5/592
[10] الكامل 4/176
[11] السابق 4/176
[12] السابق 4/179
[13] السابق
[14] السابق 4/180
[15] الطبري 5/594
[16] الكامل 4/180
(المصدر: رسالة بوست)