تونس.. إلى أين؟؟
بقلم د. ياسر سعد الدين
تونس الدولة التي بدأت منها تباشير الربيع العربي، هل تكون الدولة التي ينتهي عندها ذلك الربيع؟؟ بغض النظر عن مالآت الأمور في تونس، غير أن القناعة التي أصبحت واضحة جلية عند جموع المثقفين العرب بل وحتى العامة بأن المجتمع الدولي لا يريد لشعوبنا أن تتمتع بحقها الأساسي في الحرية، ولا تريد لبلادنا حكاما منتخبين يمتلكون القاعدة الشعبية ليدافعوا عن مصالح بلادهم رافضين التبعية والاستعباد.
الغرب والذي كان يطبق الديمقراطية في بلاده ويحرمنا منها، ضاقت حتى ديمقراطيته حين بدا أن المسلمين فيه أصبحوا كتلة لها اعتبارها عددا وثقافة ومكانة. فها هي محاكم التفتيش تعود في فرنسا من جديد، تحارب المسلمين في دينهم وقرآنهم وتفرض على بناتهم خلع الحجاب وعلى أطفالهم لحم الخنزير. وها هي الحكومة الفرنسية تعبث بالإسلام وتحاربه بصراحة ووقاحة ووضوح وتقدم للمسلمين المسالمين والمحرومين من أي تمثيل في البرلمان (رغم أنهم يشكلون أكثر من 10% من السكان) خيارين لا ثالث لهم، إما الردة وإما الرحيل إلى بلادهم التي دمرتها فرنسا والغرب من خلال نهب ثرواتها، وفرض حكومات تابعة فاسدة، وحكاما مستبدين ظالمين مع شعوبهم وأدوات ومطايا لذلك الغرب والقوى الدولية.
قدمت النهضة تنازلات كبيرة وتراجعت عن القيادة وكان رشيدها راشد الغنوشي حكيما وحصيفا، وتشاركت في الحكم مع خصومها السابقين في سبيل الحفاظ على التجربة الديمقراطية وتجنيب البلاد أية أزمات وأعمال عنف تدخل بها في دوامات المجهول كما حصل في مصر. وتعرضت الحركة لحملات إعلامية قاسية وكاذبة وفاجرة، فاتهم الغنوشي بالفساد ودعم الإرهاب وتلقيه أموالا من دولة أجنبية، انصفه القضاء البريطاني العام الماضي أمام إدعاءات موقع ممول من الإمارات. ولكن الحملات أشرس وأوسع من أن تتفرغ للرد عليها حركة سياسية تشارك في حكم بلد دمره ونهبه دكتاتور سابق وجد الحماية والرعاية والحضن من دولة تحارب حريات الشعوب وتتآمر على الأمة ودينها وكرامتها. ولم ينقطع الكيد والتآمر على تونس والنهضة وكانت عبير موسي أداة تدمير وفتن واضحة جلية ممولة من الإمارات ومدعومة من الإعلام العربي الليكودي الحاقد على الحريات والمقدسات ومستقبل الشعوب العربية وكرامتها.
يريدون لتونس أن تنضم لمصر والدول الفاشلة والتي يحكمها فاشلون لا يخجلون من فشلهم، ولا يتحرجون من أكاذيبهم، ووعودهم التي نكثوها، وإيمانهم التي حنثوها، ويتحدثون بلغة سوقية تافهة هابطة فيزعمون كذبا ودجلا بأن الله سبحانه وتعالى يكلمهم، لا بل تجدهم فرحين متباهين بما يسمونها انجازات ودعم الغرب والصهاينة لهم وكأن مهمتهم الأساسية هي تدمير دولهم ومستقبل أجيالها من خلال مشاريع غير مجدية ورهن دولهم وشعوبها بقروض وديون فلكية. أثبت قيس سعيّد بأنه يمتلك بذور الاستبداد وأظهر قابلية شديدة لذلك وعلى الرغم من تصريحاته المضحكة ومواقفه الهزلية والتي كان منها رفضه للقاح كورونا ثم آخذه له، فإنه يزعم بأنه سينقذ البلاد من خلال انقلاب سيهوي في البلاد كما حصل في مصر إلى قيعان التردي والانهيار.
يختلف قيس سعيّد عن المستبدين العرب بأنه لا ينتمي لمؤسسة عسكرية يستند إليها ولا لكتلة حزبية يركن لها، هو يمتلك عواطف ومشاعر شعبية من طبقات غير مثقفة ممن خدعهم بمواقفهم التلفزيونية وتصريحاته البهلوانية، والتي سرعان ما تتبخر مع تدهور الأوضاع المعيشية ما بعد الانقلاب إن كتب له الإستمرار. تشير بعض التقارير أن المال الإماراتي والدعم الاستخباراتي الفرنسي نجحا في شراء ولاءات أمنية وعسكرية ممن سيقدمون الدعم لإنقلاب سعيّد وربما يتحول هذا الدعم لعنف وقمع واعتقالات وكبت للحريات كما في مصر وإدخال البلاد في أتون أعمال عنف. وإذا كانت تونس نجحت في محاربة الفكر الإرهابي من خلال إطلاق الحريات ومشاركة الإسلاميين في الحكم، فإن ما حصل سيعطي ذخيرة فكرية وعقدية لتيارات عنف قد تتشكل ردا على الانقلاب والدعم الفرنسي والغربي له. وفيما يراهن البعض على حكمة قيادة جيش تونس وتاريخه المشرف بضبط إيقاع الأحداث، فإنه من الصعب معرفة حجم الإختراق الإسرائيلي لمواقع القوى في تونس والذي تمثله وتنوب عنه في تونس كما في العالمين العربي والإسلامي، أبوظبي.
بتقديري أن الضحية الأولى بعد مستقبل تونس وحرياتها قد يكون الرئيس التونسي نفسه، ففي المرحلة القادمة سيتحمل هو نفسه الفشل والأوضاع الكارثية والأحوال المعيشية الصعبة، وبما أنه لا ينتمي للمؤسسة العسكرية فقد يكون كبش فداء لها ولا استغرب أن يُقتل بأيديهم إذا ما شجعهم وحرضهم وفتح الباب لهم لممارسة العنف بحق خصومه السياسيين.
المصدر: ترك برس