مقالات

تكفير الناس .. بين التسيب والإنضباط

بقلم :  الشيخ ونيس المبروك

فَتَحَ الصراعُ السياسي ، والجرائمُ التي صاحبته البابَ أمام شبهة تكفير المسلمين التي اشتهرت بها بعض الفرق المنحرفة ، وأود ذكر بعض القضايا التي قد تعين في وضع هذا الأمر في نصابه ، وتعيده إلى سياقة ، وفق طرائق أهل السنة في الاستدلال والاعتدال ، وسأضعه في نقاط مختصرة ما أمكن :
1- من ثبت عقد اسلامه ، فلا يخرجه من الدين ارتكاب الكبيرة من الآثام المحرمة إلا إذا استحل تلك الكبيرة ، وأنكر حرمتها وهو يعلم
2- تكفير المسلمين بالتأويل أو الشبهات أو لارتكابهم حراما وظلما وعدوانا دون استحلاله ،والتسرع في الحكم عليهم دون توفر الشروط ، هو كبيرة من الكبائر وجريمة شرعية ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك، إلا حار عليه) ، أي رجع الوصف عليه، أو استدرجه الله للوقوع فيما وصف أخاه به.
3- العبرة في أحكام الآخرة هي بالحقائق لا بالأشكال ، ولهذا فالناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام
• مسلم الدنيا والآخرة ، وهو من أظهر الإسلام وعمل به ، ومات عليه
• مسلم الدنيا كافر الآخرة ، وهو من أظهر الإسلام وتظاهر بالعمل به ، وأبطن الكفر .
• كافر الدنيا والآخرة ، وهو من أظهر الكفر ومات عليه .
• كافر الدنيا مسلم الآخرة ، وهو من أظهر الكفر وعمل به ، وسبقت له قبل الموت خاتمة الإيمان ولم يطلع الناس على ذلك .

4 -العبرة في أحكام الدنيا ، هي الأخذ بالظاهر دون الشق على الصدور ، فمن ولد لأبوين مسلمين وعاش في مجتمعات مسلمة ونطق بالشهادتين ، حكمنا عليه بالإسلام ، وفوضنا سره لله .

5- لا يخرج المسلم من الإسلام إلا ما أدخله فيه ، فمن انشرح صدره لنقض كلمة التوحيد ، أو أنكر معلوما من قطعيات الدين ، أو قام بعمل كُفري لا يحتمل التأويل ، عن علم ودون إكراه ، فقد ارتد عن الإسلام وحكمنا عليه بالردة.

6- يجب أن نفرق بين الكفر المطلق وبين تكفير المُعين ، و بين الكفر وبين الكافر ، فقد يكون القول أو الفعل كفرا ، ولكن لا يكفر صاحبه لعدم توفر شروط تكفيره أو وجود موانع شرعية تمنع دون الحكم عليه .

7- الحكم بالردة يترتب عليه تفريق الأزواج وعدم الدفن في مقابر المسلمين ، ومنع التوارث ، وغير ذلك من الأحكام ، ولهذا فهو حكم قضائي يحتاج لإقامة البينات والأدلة ، واستنطاق المتهم ، وحواره ، واستتابته ..

8- ارتكاب الحرام والاستهانة به يضعف الإيمان في القلب ويقود المرء للردة مع مرور الوقت ، فالكبائر بريد الكفر ، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب ، فللذنوب شؤم كبير على صاحبها ، وتنزع بركة الرزق والعلم والصحة والذرية ، وتغضب الرب ، ولكن تعظيم معصية الله تبارك وتعالى ليست مبررا لتكفير المسلمين ، فنحن لا نكفر مسلما لارتكابه الكبيرة ، ولا ندخل أحدا جنة ولا نارا ، ولا نلعن معينا ، ونرجو للجميع الهداية وحسن الخاتمة .

9- يشترط للحكم بردة المسلمين وكفرهم عدة شروط ، أهمها :
• أن لا يكون مكرها على ذلك ، بل يكونَ مختارًا لفعله أو قوله ، قال تعالى ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
• أن لا يكون جاهلا بالحكم الشرعي ولم تبلغه الحجة ، فقد قام بعض الصحابة بأفعال ظاهرها الكفر سبب عدم معرفتهم للحكم ، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة : “إن تكفير المُعَيَّن ،….موقوف على أن تبلغَه الحجة النَّبويَّة، التي يَكْفُر مَن خَالَفَها، وإلاَّ فليس مَن جهل شيئًا مِن الدِّين يَكْفُر”
• أن لا يكون متأولا ، أي فعل الفعل الذي يخرج من الملة ، أو يعتقد الإعتقاد عن شبهة دليل ويظن أنه مشروع وفيه قربى إلى الله ، والدليل ماذكره النبي صلى الله عليه وسلم من قصة الرجل الذي أمر أولاده إذا مات أن يُحَرِّقُوه؛ لئلا يبعثه الله، ومغفرة الله له ” فالمتأول الحريص على وصف الإسلام ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من ذلك الرجل الذي ظاهر كلامه الشك في قدرة الله تعالى .
• أن لايكون مخطئا ، أو قام بالفعل أو القول عن غير قصد ، لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة الذي قال: (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك) : أخطأ من شدة الفرح ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في دعاء المؤمنين ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) أن الله تعالى قال: قد فعلت .

10- يجب على المسلمين أن لا يسامروا ويكثروا من مجالسة من يستهين بالدين وجلال الله تعالى ويستهزيء بأحكامه ، إلا إن كان بقصد دعوتهم وتعليمهم ، لأن تكرار مجالستهم تذهب بجلال الله تعالى في النفوس ، وتسوغ مداهنة الذين يخوضون في آيات الله ، وقد قال الله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
***
أكرر نصحي لأهلي وبخاصة الشباب منهم ، بعدم التورط في هذه الكبيرة ، وتقليد المتجاسرين على عقائد الناس ، وأن يفرقوا بين رد الظلم والعدوان والبغي ، والدفاع عن المال والعرض ، وبين تكفير الظالم والباغي والمغتصب للمال والعرض ، وأن يلجموا نزوات العواطف الدينية بنظرات العقول وأحكام الشرع ، وعند الله تعالى يلتقي الخصوم ، ويومها توضع الموازين القسط ولا تظلم نفس شيئا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى