مقالاتمقالات مختارة

تعريف النظرية الفقهية

تعريف النظرية الفقهية

بقلم د. إسماعيل عبد عباس

تعريف النظرية لغة واصطلاحًا:

النظرية لغة: لم ترد لفظة النظرية في لغة العرب إلا أن أصلها الذي اشتقت منه، وهو النظر أصلٌ صحيح ترجع فروعه إلى معنى واحد، وهو تأمل الشيء ومعاينته، ثم يُستعار ويُتسع فيه، فيقال: نظرت إلى الشيء أنظر إليه: إذا عاينته؛ كقوله تعالى: ﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴾ [الصافات: 88]، ويقولون: نَظَرتُهُ؛ أي: انتظرته[1].

 

والنظَر: الفكر في الشيء، تقدُّره وتقيُّسه منك، ونظر إلى الشيء أي أبصره وتأمله بعينه، وفيه تدبرٌ وتفكر [2]، وهو نشاط ذهني هدفه العلم والمعرفة ويقابله العمل، ويُقَال أَمر نَظَرِي وَسَائِل بَحثه الْفِكر والتخيل، وعلوم نظرية قل أَن تعتمد على التجارب العملية ووسائلها، والنظرية: قَضِية تثبت ببرهان.

 

والنظرية التي من النظر: مصدر صناعي، وتجمع على: نظريات، فهي إذًا ذلك المفهوم المشترك المجرد بين حقائق النظر المختلفة الدالة على ما تجتمع به من خصائص[3].

 

النظرية اصطلاحًا:

هي قوة يتم بها إدراك الأمور الكلية والمعاني المجردة، تقابلها العملية[4]، أو ما يوضح الأشياء والظواهر توضيحًا لا يعول على الواقع، فهي فرض علمي يربط قوانين عدة بعضها ببعض، ويردها إلى مبدأ واحد يمكن أن نستنبط منه حتمًا أحكامًا وقواعدَ، وهذا هو المقصود في دراستنا.

 

وأما في الاصطلاح الفقهي، فإنه لم تعرف النظرية كمصطلح متداول في الموروث الفقهي، فهي مصطلح مستحدث، أو مولد كما يقول أهل اللغة، استعمله العلماء والباحثون المعاصرون الذين جمعوا في دراساتهم بين الفقه والقانون، وبوَّبوا المباحث الفقهية على هذا النمط الجديد، وأفردوا مؤلفاتهم على غراره[5]، يقول الدكتور السنهوري: “إن الفقه الإسلامي في مراجعه القديمة لا يوجد فيه نظرية عامة للعقد، بل هو يستعرض العقود المسماة عقدًا عقدًا، وعلى الباحث أن يستخلص النظرية العامة”[6].

 

ونجد أن بعض من كتبوا في النظريات الفقهية بشكل عام[7]، أو في بعض النظريات كنظرية الملكية، ونظرية العقد، ونظرية الحق، ونظرية الالتزام وغيرها[8]، لم يُحددوا معنى النظرية، وإنما دخلوا في موضوعاتهم مباشرة دون أية مقدمات تُحدد ما يريدونه بذلك، وذلك على أساس أن هذه من الأمور المعلومة والتي لا تحتاج إلى بيان[9].

 

وبعضهم منع إطلاق لفظة النظرية؛ معللًا ذلك بأنها مصطلح غربي النشأة، ولسنا محتاجين إليه لوجود مصطلح القواعد والأصول، وفيهما غناء عنه، وهذا على حد تعبير الدكتور عمر الأشقر[10].

 

تعريف النظرية الفقهية باعتبارها علمًا:

عَرفَ العلماء المعاصِرون النظريةَ الفقهية بتعريفات عدة، كان من أبرزها:

1) تعريف الدكتور مصطفى الزرقا (ت1999م) رحمه الله، بأنها: “تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى التي يؤلف كل منها على حِدَة نظامًا حقوقيًّا موضوعيًّا منبثًّا في الفقه الإسلامي”[11].

 

2) ويعرفها الدكتور وهبة الزحيلي (ت2015م) رحمه الله بأنها: “المفهوم العام الذي يؤلف نظامًا حقوقيًّا موضوعيًّا تنطوي تحته جُزْئِيات مُوزعة على أبوابِ الفقه المختلفة”[12].

 

3) وعرفها علي الندوي: “بأنها موضوعات فقهية أو موضوع يشتمل على مسائل فقهية أو قضايا فقهية، حقيقتها أركان وشروط وأحكام، تقوم بين كل منها صلة فقهية، تجمعها على وحدة موضوعية تحكم هذه العناصر جميعًا”[13]، كنظرية الملك، ونظرية العقد، ونظرية البطلان[14].

 

4) وعند د. محمد عثمان شبير هي: “نظام عام لموضوع فقهي خاص، تنطوي تحته مسائل وفروع فقهية عديدة تتعلق بتعريف الموضوع وبيان مقوماته من أركان وشروط وموانع وضوابط وبيان آثاره وتحديد أسبابه ونهايته”[15].

 

5) وعرفها د. هيثم الرومي بأنها: “مجموعة أصول وقواعد وأحكام فقهية ذات صلة موضوعية وعلاقات متعددة من شأنها تفسير عامة ما هو داخلٌ في موضوعها من الجزئيات”[16].

 

وإذا أمعنا النظر في التعاريف السابقة، نجد أنها على الرغم من وجود مشتركات تقترب في دلالتها على محتوى النظرية؛ إذ تتعلق بالأركان والشروط والضوابط والآثار، وأنها تتصف بالعُموم والشمول والكلية، إلا أن أغلبها لم تتَّفق على توصيف دقيق للمراد بالنظرية، فمن أوصافهم: نظام عام أو شامل، مجموعة قواعد وأحكام، مفاهيم أو قاعدة كبرى، أو موضوعات فقهية.

 

وقد يعود سبب ذلك إلى حداثة التأليف في هذا النوع من الدراسات الفقهية، وبدء تدوينها بمحاكاتها للدراسات الدستورية والقانونية، أو لسبقها في الظهور لأنواع أخرى من الدراسات الفقهية كالنظام الفقهي، ولذا نجد التعاريف المتأخرة ابتعدت عن التوصيفات التي وردت في باكورة التعريف بالنظرية الفقهية[17].

 

والذي أراه والله أعلم أن النظرية الفقهية هي: “دراسة متكاملة للقواعد الكلية والأحكام الفرعية التي تتعلق بعموم موضوعٍ من بيان مفهومه وأركانه وشروطه وموانعه وآثاره وتطبيقاته”.


[1] معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، 5 /444.

[2] لسان العرب: لمحمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، 5 /215.

[3] المعجم الوسيط: لإبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبدالقادر، محمد النجار، 201.

[4] ينظر: فقه المآلات للجميلي 9.

[5] ينظر: المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية، لعلي جمعة محمد، 26.

[6] مصادر الحق: 6/ 19 – 20.

[7] وللدكتور محمد الزحيلي كتاب بعنوان (النظريات الفقهية) ولم يُعرف فيه النظرية الفقهية، ولم يحدد معنى النظرية عنده.

[8] ينظر: ما كتبه الإمام محمد أبو زهرة في نظرية العقد في مؤلفه (الملكية ونظرية العقد)، وألف الأستاذ بدران أبو العينين بدران في نظرية الملكية والعقد كتابًا بعنوان (نظرية الملكية والعقود)، وكتب الدكتور أحمد محمود الخولي في نظرية الحق كتابًا بعنوان (نظرية الحق بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي)، وألف الشيخ مصطفى أحمد الزرقا كتابًا بعنوان (نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي).

[9] ينظر: نظرية الشبهة في الفقه الاسلامي، لعبدالله سعيد ويسي، 24.

[10] المعجم الوسيط: لإبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبدالقادر، محمد النجار، 201.

[11] المدخل الفقهي العام، الزرقا، (ج1/ص329).

[12] ينظر: تأريخ الفقه الاسلامي 208.

[13] القواعد الفقهية، للندوي، 55.

[14] النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية، لأحمد فهمي أبو سنة، 44.

[15] القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، لمحمد شبير، 25.

[16] الصياغة الفقهية في العصر الحديث، لهيثم بن فهد بن عبدالرحمن الرومي، 518.

[17] ينظر: نظرية الجزاء للزيدي 23.

(المصدر: شبكة الألوكة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى