مقالات مختارة

تعريف الإسلام بالتقسيم

بقلم سيكو توري – اسلام أون لاين.

ما سبق ذكره من الاختلاف الداخلي عمدته الفرق الإسلامية في فهم وشرح أصل من أصول الدين أو اتخاذ موقف في مسألة جديدة بعد وفاة الرسول عليه السلام ولا نص فيه. الاختلاف في أمر نظري و إيماني يحدد نظرة الإنسان إلى الكون والحياة والإنسان (الإيمان والتصوّر). الاختلاف الداخلي هنا منطلقه الاختلاف في طريقة عبادة الله (العمل) بعد هذا الإيمان.

ولا شك أن الاختلاف الداخلي المتعلق بالفقه أكبر من المدارس الفقهية المعروفة: الحنفية والماليكة والشافعية والحنبلية، إذ وجد علماء أكثر فقها من أئمة هذه المدارس (مثل الزهري، ابن عُيينة، الليث..)، إلا أنه لم يكتب لمدارسهم الحياة، ولم يرزقوا بحواريين يحملون بشاراتهم ويكتبون عنها بيانا وتأصيلا واحتجاجا. وأمثلة الاختلاف في العمل هو في كيف يصلي المسلم، وكيف يحج، ويصوم، ويدفع الزكاة وأحكام المرأة، وغيرها من المعاملات والبيوع واللباس والأنشطة اليومية، لا في مسائل أصول الدين!

“النظرة الواحدية” الضيقة – إن صح الوصف – والتعصب لمدرسة مّا ساد فترة في تاريخ الإسلام، ونُوقشت مسائل منبثقة من ذلك، من مثل حكم إمامة الشافعي للحنفي وغيره، ومثل حكم زواج الشافعية من مالكي وغيرها! لكن الأجمل أن علماء المسلمين استطاعوا أن يرفعوا من وعي عامة المسلمين في تقبّل مثل هذه الاختلافات الداخلية، فخمدت نار الاختلاف نوعا ما، واستوعبوا بعضهم البعض، بخلاف الاختلاف في الفرق الإسلامية فلم ينجح فيه الاستيعاب مثلما ناله الاختلاف في العمل.

الاختلاف الداخلي في الإسلام (الفكر الإسلامي)

اتسم ما سبق من اختلافات (الفرق، والمذاهب) بأن كلها من نتاج التراث الإسلامي، وأغلب التسميات ودراسة المسائل ترجع إلى ما بين أوائل القرن الثاني إلى القرن الرابع أو الخامس، مرورا بما لحق من عصور التاريخ الإسلامي وصولا إلى العصر الحاضر وفق التطورات التي تطرأ على فروع المسائل المذكورة.

في العصر الحديث؛ عصر الاستعمار وما بعد الاستعمار نظر علماء المسلمين إلى الاختلاف السائد بينهم إلى أنه فكر إسلامي أو نتاج خطاب إسلامي، سواء المتعلق منه بفهم الإيمان وأصول الدين أو المتعلق بالعمل وفروع الدين. ولم ينظروا إليه نظرة “تختلف أمتي إلى سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة”. ففرقوا بين الفكر الإسلامي وبين الإسلام، أي فرقوا بين الإسلام بناء على فهم عالم من العلماء واجتهاده، وبين الإسلام الثابت في القرآن والسنة، وراحوا محاولين التجاوز عن المنهج والأسلوب القديم في النظر إلى الاختلاف باحثين عن طرق مناهضة الاستعمار ووحدة الأمة وإرجاع مجدها وحضارتها والتأصيل للواقع الذي فُرق فيه بين الدين والحياة. تم تعريف الفكر الإسلامي أو الخطاب الإسلامي على أنه: ما يلقيه عالم من علماء المسلمين حول قضية من قضايا الإسلام استجابة لأمر جديد طارئ أو مفسرا لقضية إسلامية قديمة بما يتفق مع الواقع الجديد وفق القرآن والسنة وفهم منهجيات العلماء في التاريخ الإسلامي. فما موقف الإسلام من الآخر، ومن المرأة، والنظام الإسلامي السياسي ودور الدين في النهضة وبناء إنسان حر كريم منتج يخاف الله.

نتج لنا جراء هذا مسمى التأصيل والتغريب، والإصلاحي، الحركة الإسلامية، والاتجاه التربوي، والعقلية، والجهادي، والوسطية، والعقلانية.

التكفير في الإسلام

لعل بهذا يتبيّن من الوهلة الأولى الاختلاف بين الإسلام وغيره من الأديان، كما تبين الاختلاف الداخلي بين المسلمين أنفسهم – باختصار شديد -. ويفترض أن نعرف من هو المسلم لنعرف من هو الكافر، بحسب التعريف بالتقسيم. إلا أننا نجد أنفسنا أمام معضلة أخرى تصلح أن نعيد كل ما ذكرنا آنفا. فالتكفير عمل اجتهادي في شطره المهم. يعني:

ـ الاختلاف بين الإسلام وغيره من الأديان: يحدد المسلم ويحدد غير المسلم. فكل من آمن بأصول الدين الستة في الإسلام فهو مسلم على أن يعيش وفق تعاليم الإسلام (العمل)، وعليه، فكلمة إسلام تفابل لهندوسية والبوذية والسيخية واليهودية والنصرانية وغيرها من الأديان. وكلمة مسلم تقابل أتباع الديانات الأخرى. لعله لا إشكال في هذا.

ـ الاختلاف الداخلي: الذين آمنوا بأصول الدين طرأ بينهم اختلاف وفق ما رأينا. ونخن أمام موقفين في هذا:

ـ إما أن تكفر كل فرقة غيرها وتحصر الإسلام في فهمها هي، وتعين نفسها بالسلطة والقوة ساعية لفرض رأيها باسم التدين.

ـ أو تعترف بأن ثمة أصول جامعة قبل هذه الاختلافات الطارئة. فتحاول إيجاد سبل أخرى للحوار والتفاهم، ما يعرف اليوم: بالتعددية، والتعايش وقبول الآخر، ما اتسم بالخطاب الديني الوسطي، أو الجديد.

وهذان الاحتمالان هو ما نجده في الاختلافات الداخية المذكورة أعلاه، لعل القارئ يسمح لي بنقل قول ابن حزم: “وذهبت طائفة إلى أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا وإن كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنه الحق فإنه مأجور على كل حال إن أصاب الحق فأجران وإن أخطأ فأجر واحد، وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي رضي الله عن جميعهم، وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم لا نعلم منهم في ذلك خلافا أصلا إلا ما ذكرنا من اختلافهم في تكفير من ترك صلاة متعمدا حتى خرج وقتها أو ترك أداء الزكاة أو ترك الحج أو ترك صيام رمضان أو شرب الخمر”

أخيرا هذه التقسيمات والتصنيفات السابقة من نتاج “نظرية الدين والتدين”، وثمرتها، حيث يعنى بــ”الدين” الإيمان، ويترتب على ذلك الخلاف بين الإسلام وباقي الأديان، ويعنى بالتدين السلوك والعمل، ويترتب على ذلك الاختلاف الفقهي، أما اختلاف الفرق فمرجعه ليس إلى الدين بل فهم معين لأصل من أصول الدين أو الحديث عن واقعة جديدة واتخاذ موقف فيها بالاستناد إلى دليل، بينما التنوع في الفكر الإسلامي أو الخطاب الإسلامي فعمدته المنهجية الغالية في فهم قضايا الأمة الطارئة بعد الاستعمار وتقديم الحل المناسب. بقيت الإشارة إلى أنه لا يشترط أن يكون الدين أو الأيديولوجية أو الإيمان سبب العداء والحروب، السلوك الإنساني المترتب على إيمانه هو سبب العداء، ويمكن أن يهذب ذلك بالفهم والوعي، ويمكن أن تدرس هذه المعلومات بأقل نبرة عدائية ممكنة عبر اتخاذ الخطاب المناسب. وهكذا فلا بد من التفريف بين الدين، والفرقة الدينية، والمذهب الديني والخطاب الديني أو الفكر الديني، وإنها لطامة لو قدّم أي خطاب أو فرقة أو مذهب نفسه على أنه الدين، فذاك الإقصاء الكلي القائم على الجهل والتسرع في الحكم فالعدوان باسم التدين، أو التقليد الأعمى نتيجة منهج تربوي معين رُبي المريد عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى