متابعات

تصور لمحتوى خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي .. السلام العبري في ثوبه الجديد

تصور لمحتوى خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي

السلام العبري في ثوبه الجديد

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

 

بنيامين نتنياهو في الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأسبوع ليقابل الرئيس الأمريكي في لقاء قصير يجدد فيه الرئيس الأمريكي المتصهين؛ الذي تجري الصهيونية في دمه مجرى الشيطان في دم ابن آدم، والذي يمتلأ حمضه النووي بالصهيونية، دعمه الكامل للكيان الذي يشارك أمريكا قيمها الكبرى ورسالتها في العالم كمنارة للأمم وواحة للديموقراطية والحرية والتعددية!، ثم يتوجه للكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب ليخطب فيهم للمرة الرابعة في سابقة لم تحدث لسياسي غير أمريكي من قبل، وليتجاوز عدد المرات التي خاطب فيها ونستون تشرشل السياسي البريطاني الشهير وأحد بناة الكيان الصهيوني الرئيسيين، والذي خاطب هذين المجلسين ثلاثة مرات من قبل.

يحمل نتنياهو على كتفيه هموماً كثيرة وهو يدخل الكونجرس، بعد أن بلغ الغاية في العمل السياسي للكيان الصهيوني، وجاوز السبعين من عمره، كما يحمل آمالاً متجددة في الاستمرار في رئاسة وزراء الكيان، تحملها روح كافرة لا تعرف للآخرة تصديقاً، وتحلم بمجد خالد قبل مغادرة الكابينت والحياة ليخلد في تاريخ الكيان الصهيوني كأحد الملوك العظام كما يحب أن ينادى “الملك بيبي”، كما سيخلد في النار إن شاء الله إن لم تتداركه رحمة الله ويتوب ويبين ويصلح ما أفسده عمره كله.

كما يحمل هذا القاتل المحترف؛ على علم وخبرة وتجربة واعتقاد، كل ما اكتسبه من مهارات، وما تعلمه من فنون الدجل والديماغوجية السياسية والبراعة الخطابية، وكل ما حصله من خبرات في مخاطبة هذه المؤسسة التشريعية الأمريكية؛ من خلال شبكة علاقات مع المتنفذين والسياسيين الأمريكيين مدعوماً من الإيباك المنظمة الصهيونية الأمريكية المتحدثة باسم اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية، وسيوظف حصيلة هذا كله في خطابه الذي سيلقيه هذا الأسبوع، والذي ظل قرابة شهرين يعد له ومجموعته المقربة في الكابينت ومستشاره للأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر.

هذا الخطاب الذي ربما سيكون خطاب النهاية لمستقبله السياسي كرئيس لوزراء الكيان الغادر، أو فاتحة لمرحلة جديدة من الاستمرارية التي حالفه الحظ فيها كثيراً، حين تعلم في مسيرته السياسية الحافلة في كل لحظاتها بدماء إخواننا الفلسطينيين وسرقة أراضيهم وتدنيس مقدساتنا، أن المسافة بين النصر والمأساة كانت غالبًا بضعة سنتيمترات فقط.

يأخذ نتنياهو كل ذلك في يد، وفي اليد الأخرى يحمل فيها توراته المحرفة أو تاريخهم الدموي ليقرأ منهما قصة أو قصتين مزورتين، أو يزور معانيهما ليستدر عطف الصهاينة المسيحيين واليهود الذين دعوه ليخطب فيهم، وسيقف بجواره بعضاً من المغتصبين للأرض من أُسر الأسرى الأحياء والأموات الذين أسرتهم حماس في غزوة الطوفان، وبعضاً من أُسر القتلة من عصابات القتل المسماة بجيش الاحتلال الذين قتل أبنائهم جنود الله من حماس في غزوة الطوفان، يستدر بهم عطف هؤلاء وأتباعهم الذين سيتابعون خطابه الموعود.

هذه هي حمولة نتنياهو إلى أمريكا يدخل بها على الرئيس المتصهين، وعلى مجلسي الكونجرس الذي ظل طوال تاريخه على مدار قرن كامل يحمل على عاتقه مسئولية بناء الكيان الصهيوني في فلسطين، والحفاظ على استمراريته حتى اليوم، وإلى أن يشاء الله بالتخلص منه عندما يحين وعد الآخرة على يد عباد لله فيجوسوا خلال الديار ويكون وعداً مفعولاً، كما فعل مجاهدو غزة في غزوة طوفان الأقصى التي هي مقدمة الملحمة الكبرى إن شاء الله.

لماذا يدعو مجلس الكونجرس نتنياهو؟

بعكس ما قد يظن كثير من العرب والمسلمين كان الكونجرس الأمريكي سباقاً للدعوة لبناء الكيان الصهيوني وزرعه في فلسطين، ومحاضر جلساته تشهد بذلك وتأييده للصهيونيين الأوائل لا تخفى إلا على جاهل بأعداء الأمة الحقيقيين، حيث أنه تم تلقيننا معلومات مغلوطة عن حداثة دعم الأمريكان للصهيونية وكيانها اللقيط وقت قرار التقسيم وما بعده لكن الحقيقة غير ذلك تماماً.

فالتاريخ يحدثنا أن: قيام الوطن القومي اليهودي مدين بالكثير للرئيس ويلسون وعدد من الشخصيات الامريكية من أمثال صديقه القاضي لويس برانديس وفليلكس فرانكفورتر[1]، وكان الكونجرس الأمريكي متساوقاً في ذلك مع رئيسه الأمريكي والبريطانيين في سعيهم لتأسيس الكيان منذ الحرب العالمية الأولى، ووعد بلفور، ثم صك الانتداب، ومروراً بكل تفاصيل الهجرة الصهيونية لفلسطين، وتمكين الوكالة الصهيونية من بناء كافة المؤسسات التي انتهت بإعلان الدولة الصهيونية في سنة 1948م.

فهذا هو “” الكونجرس في اجتماعه السابع والستين يوم 30 يونيو 1922م يقرر بالإجماع أن الولايات المتحدة تحبذ انشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين[2].

ثم كانت اللحظة الفارقة الأخرى في تأييد هذين المجلسين للصهيونية بعدها بعشرين عاماً، حيث شهدت بدايات أربعينيات القرن الماضي ضغطاً مستمراً وقوياً على الحكومة الأمريكية من الكونجرس والرأي العام للوصول الى حل أمريكي لمشكلة فلسطين. وكانت الحركة السياسية الاولى في الثاني من نوفمبر سنة 1942م، عندما أصدرت لجنة فلسطين الامريكية التي أُعيد تأليفها، والتي تضم ثمانية ستين من الشيوخ ومائتين من النواب بياناً اعلنت فيه استنكارها للكتاب الابيض البريطاني الداعي لتقسيم فلسطين ووقف الهجرة اليهودية، حيث انتهز دعاة الصهيونية مثل هذه البادرة المواتية فاستغلوها أقصى حدود الاستغلال وبنجاح كبير بحيث بات الامريكيون لا يفكرون في موضوع فلسطين إلا على الأسس الصهيونية.

وقدمت مشاريع قرارات في مستهل عام 1944م إلى مجلس النواب والشيوخ هذا نصها: “يقرر المجلس أن تستخدم الولايات المتحدة كل امكانياتها لفتح أبواب فلسطين لهجرة يهودية حرة ومطلقة ولضمان توفير الفرص الكاملة لاستعمارها ليضمن الشعب اليهودي في النهاية إقامة دولة يهودية حرة وديموقراطية في فلسطين”[3].

ولكن لم يوافق المجلسان على هذا المشروع، لأن المستر هنري ستيمسون وزير الحرب الامريكي تدخل في اللحظة الأخيرة محذراً المجلسين من “أن الاستمرار في بحث هذا المشروع ضار بسير الحرب بصورة ناجحة” وتوقف النقاش في مشروع القرار تنفيذاً لرغبة وزارة الحرب، وكان هذا القلق ناتجاً الى حد ما عن الأسباب التي قدمها ستمسون الى الكونجرس. حيث كانت الاعدادات قائمة على قدم وساق في جنوب انجلترا لأكبر عملية في الحرب وأكثرها خطورة، وهي غزو أوروبا، وكانت إثارة عداء العرب في مثل هذا الوقت مع خطر تحويل بعض القوات عن هذا المشروع العظيم إلى جهات أخرى من الأمور التي يجب تجنبها مهما كان الثمن. وقدر الكونجرس هذا الوضع تمام التقدير وكان صهيونيو امريكا حكماء الى الحد الذي “لم يصروا فيه في ذلك الوقت بالذات” على محاولة الحصول على تأييد الكونجرس لبرنامج بلتيمور”[4].

لكن الكونجرس في نهاية سنة 1945م، أعاد البحث في مشروع القرار الذي قدم إليه في عام 1944م، لتأييد برنامج بلتيمور، والذي كان قد أجل البحث فيه بعد تدخل المستر ستمسون وزير الحرب كما ذكرنا، واتخذ الكونجرس في التاسع عشر من ديسمبر قراراً يتبنى برنامج بلتيمور ويطلب إلى حكومة الولايات المتحدة أن تضمن “فتح أبواب فلسطين لدخول اليهود بحرية الى تلك البلاد… وأن تتوفر هناك فرصة كاملة للاستعمار والتنمية بحيث تكون لهم الحرية في بناء فلسطين كوطن قومي لليهود لا في بناء وطن قومي لليهود في فلسطين”[5].

 وجاء في نص القرار:

“حيث ان الكونجرس في اجتماعه السابع والستين يوم 30 يونيو 1922 قرر بالإجماع أن الولايات المتحدة تحبذ انشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين” وحيث أن اضطهاد اليهود المجرد من الرحمة في أوروبا أوضح الحاجة إلى وطن لهم، وحيث أن الرئيس أيد هذه الحاجة بالسماح لمائة ألف يهودي بالدخول إلى فلسطين، وحيث أن تدفق اليهود إلى فلسطين قد أدى إلى تحسين أحوالها.. وحيث أن الرئيس ورئيس الوزارة البريطانية قد اتفقا على تعيين لجنة تحقيق “لذلك فإن المجلس الممثل للأمة (مجلسا النواب والشيوخ) يقرر بالإجماع أن الاهتمام الذي أبداه الرئيس في حل هذه المشكلة كان في محله، وأن الولايات المتحدة سوف تستعمل مساعيها لدى الدولة المنتدبة لجعل أبواب فلسطين مفتوحة لدخول اليهود بحرية الى ذلك البلد إلى أقصى قدرته، وسوف تتوفر هناك فرصة كاملة للاستعمار والتنمية، بحيث تكون لهم الحرية في استئناف بناء فلسطين كوطن قومي لليهود، وبالاشتراك مع سائر عناصر السكان لجعل فلسطين كومونويلث ديموقراطياً حيث يكون الجميع بغض النظر عن الجنس والمذهب متساوين في الحقوق”[6].

هذا هو موقف الكونجرس الأمريكي؛ والذي ازداد تحيزاً للصهيونية وصنيعتها إسرائيل حتى اليوم، وما نراه من دعم دائم لهذا الكيان مادياً وسياسياً هو تطبيق لقرارات صارت جزءاً من بنية السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية، لا يمكن لرئيس ولا لمجلسي الكونجرس الانحراف عنها. وفي ضوء ذلك يمكننا أن نقرأ كيف سيخاطب نتنياهو هذين المجلسين وماذا سيقول لهم ؟

عناصر خطاب نتنياهو

تعلم نتنياهو من تربيته البيتية حيث الأب والجد متخصصون في الصهيونية، وتعليمه الأكاديمي في ماساشوستس، وخبراته الطويلة في المشهد السياسي الصهيوني، وخبرته العسكرية كمقاتل: أن يكون موجزاً، وأن يستخدم الخطاب الشعبوي البسيط، وأن لا يجامل على حساب قضيته ومعتقده، وأن يركز على نقطة رئيسية واحدة يريد الوصول إليها، ويمهد لها بمدخل يناسب طبيعة المخاطبين بحديثه. وهذا ما سيقوم به خلال مدة خطابه التي لن تتجاوز الخمسة وأربعون دقيقة.

مدخل الخطاب: يميل نتنياهو دائماً؛ عند خطاب مؤيدي الصهيونية والكيان الصهيوني، إلى الحديث المفعم بالعواطف والذي يجلب له التأييد من مستمعيه الجاهزين لاستقبال ما يقول. لذلك فإنه بعد أن يقدم الشكر لأعضاء المجلسين، ويداعب البعض منهم بشكل شخصي، ويشكر أمريكا راعية إسرائيل، وشريكتها في النشأة والمصير والحلم والأمل والغاية، سيبدأ بسرد قصة الشعب اليهودي الذي عاش عمره مطارداً مهدداً، والذي أصر على البقاء والحلم والأمل ونشر النور في العالم، وكيف استطاع بجهده وبيده، وبمعاونة الغرب الذي يشاركه تلك القيم، ويعطف عليه ويحميه، أن يقيم له دولة قوية مرهوبة الجانب، وربما سيقص عليهم قصة شخصية، أو قصة من قصص التوراة، أو التاريخ اليهودي المتعلقة بما سيقوله، ليربط الأذهان والقلوب بما سيقوله فيما بعد طوال خطابه. وربما سيكرر مقولته “لقد عدنا مراراً وتكراراً من الموت”، ويحكي كيف كان جزءاً من الجيل الجديد من الأطفال اليهود الذين أصبحوا قادرين على العيش في الدولة اليهودية بعد بضع سنوات فقط من مذبحة مليون ونصف المليون طفل يهودي في المحرقة، باعتبار أن ذلك كان معجزة. وربما استغرق ذلك خمس دقائق أو أكثر قليلاً.

بعدها سيدخل في صلب موضوعاته التي يريدها، فهذه هي فرصته الأخيرة: ليتوج ملكاً جديداً لإسرائيل في التاريخ، ولكي يستمر رئيساً للوزراء، ولكي يجدد التحالف الأمريكي الصهيوني على أسس جديدة تناسب العهد الجديد والمرحلة الحالية وما بناه طوال عقود من عمره السياسي.

سيبدأ نتنياهو بإيران وسيختم بها، ثم يثني بالإرهاب الفلسطيني، ويربطه بالإرهاب الإيراني وخطره الداهم على العالم، ليكون ذلك مدخله للسلام العبري الذي يريده في نسخته الأخيرة بعد كل تطورات ما بعد غزوة طوفان الأقصى، والذي يمثل جوهر وصلب رؤيته لحاضر ومستقبل المنطقة العربية التي تقودها إسرائيل برعاية أمريكية.

ففي خلال الوقت المتبقي للخطاب سيطرح نتنياهو رؤيته لحل الأزمة في غزة، وسيدعو لقبول الصفقة التي رعاها الرئيس الأمريكي وأقرتها الأمم المتحدة، ويعلن موافقته عليها في ضوء رؤيته لسلام قائم على القوة والشراكة الإقليمية بين الكيان ودول التتبيع والتطبيع العربي، باعتبار أن الحل بيد هذا التحالف الجديد الذي يدعو إليه بقيادة أمريكا؛ وليس بيد إسرائيل وحدها، بعد ما جرى في السابع من أكتوبر، فالأمر لم يعد يصلح ليكون بين الكيان والفلسطينيين؛ الذين ليسوا محل ثقة لنتنياهو والشراذم الصهيونية التي يحكمها بعد تهديد وجودهم، وسيؤكد ويشدد على أن التهديد الذي تمثله الفصائل الجهادية الفلسطينية بدعم من إيران لم يعد خطراً على إسرائيل وأمريكا والغرب فقط، بل إنه يهدد تلك الأنظمة العربية التي أدركت ذلك وتوافقت معه على محاربته، لأنه العقبة الوحيدة في حلول السلام العبري الذي يحمل الرخاء لجميع من في المنطقة، ومن ثم فالحل يتحمل تبعاته وتمويله الجميع.

وسيعيد مقولاته المتهافتة التي ظل يكررها على مسامع مؤيديه في الكيان وفي أمريكا وفي الأمم المتحدة ومع قادة دول التطبيع الترامبي، وهي: أن الأساس الحقيقي للسلام في منطقتنا هو الأمل الذي ينبع من القوة، والإدراك اللاحق من جانب جيراننا بأن إسرائيل هنا لتبقى. فالسلام يصنع مع من لم يعد عدواً. والسلام يصنع مع من يريد السلام، وليس من لا يزال ملتزماً بتدميرك. وأن السلام ليس مشروطاً بإجراء مفاوضات مع الفلسطينيين بل بالشراكة مع دول المنطقة والتطبيع معها, وأن السلام العبري الذي يقبله ويجب أن يؤيده فيه أعضاء المجلسين، هو السلام القادر على: ضمان أمن دولة يهودية خالصة للكيان؛ وهو يعني فيما يعني ضمنياً رفض أي تنازل عن أراض تابعة للكيان في الضفة ناهيك عن كل القدس. وهو  السلام الدافئ بين الشعوب لا سلام الهدن المؤقتة، (وهو يعني ضمن ما يعني إعادة كتابة تاريخ المنطقة جديد وإعادة كتابة معاني وجود العرب؛ وفي القلب منهم الفلسطينيون، ليتقبلوا الأعداء الصهاينة كجزء طبيعي من منطقتنا وينسوا كل تاريخ الصراع، وما يستتبعه ذلك من تغييرات في مناهج التعليم ومفاهيم العقيدة الدينية)، وثالثاً فإن هذا السلام لا بد أن يرتبط بشبكة متينة ومتداخلة؛  يصعب إن لم يستحيل فصمها، من الشراكات الاقتصادية العملاقة، والتي توجد فيها فوائد كبيرة عبارة عن علاقات تجارية واستثمارات وعلوم وحداثة وطيران وسياحة ورخاء يطال الجميع ينسيهم الصراع ويحل محله المصالح والمتع والاستهلاك.

ومن ثم فإن موازين القوة وتحولات المشهد السياسي تقتضي رؤية جديدة للسلام تقوم على وجود تجمع سياسي اقتصادي ثقافي إقليمي يمسك بزمام العملية السلمية ليحقق السلام الذي يؤمن لإسرائيل وجودها، ويضمن الرخاء للمنطقة، وينزع أي ذرة كرامة لدى الفلسطينيين، ويخلي ذاكرتهم تمام من أي حق لهم في فلسطين والقدس ليعيشوا في إطار إدارة محلية فيما تبقى من الضفة وغزة؛ هذا إن لم يتم تهجيرهم إلى مصر والأردن والدول المحيطة أو لأمريكا وكندا واستراليا كما كان مخططاً قبل غزوة طوفان الأقصى، في ظل مباركة عربية لذلك كله على مستوى القيادة والشعوب.

هذا هو الحل الذي يضمن للجميع الفوز: الكيان يفوز بفلسطين كاملة ليتوسع فيها ويضمن بقائه، والأمريكان ومن وراءهم يضمنون طرق المرور وموارد الثروات والأسواق الواسعة لتصريف السلاح وباقي تجارتهم، ويأمن المطبعون العرب على عروشهم، وما تبقى من شعب فلسطين يعيش ليأكل ويشرب ويلبس ويتمتع كما تتمتع باقي الأنعام في كل عاصمة عربية ويحل السلام العبري.

ثم سيعود في نهاية خطابه ليهاجم إيران بكل قوة، وليوضح كيف سيتحقق ذلك كله ليؤكد أن هذا السلام العبري الجديد لن يتحقق ولن يقبل به الكيان إلا بعد التخلص من التهديد الإيراني الذي تسبب للجميع في الخسارة: فقد أفسد مخطط التهجير بدعمه لحماس وغزوة الطوفان، وأفسد مخطط التطبيع بإحراج آل سلول الذين كانوا يجهزون تاج الزعامة الزائفة ليلبسوه لابن سلول الذي ليس بمحمد ولا يسلم منه بشر ولا حجر في أمة أحمد، وأفسد على أبناء الخيانة في باقي النظم التابعة فرحتهم بالتخلص من معاني الجهاد التي تقض مضاجعهم وتقلق منامهم على فرش الحكم الوثيرة.

فالحل هو حلف جديد لكل هؤلاء يفرض صفقة القرن بشكل جديد

وفي الختام سيدعو نتنياهو آخر فقرات خطابه المسرحي ليصعدوا إلى جانبه على منصة الخطابة، ليقدمهم لإخوانهم الداعمين لهم من أعضاء مجلسي أكبر قوة لها الكلمة العليا في الصراع الوجودي بين العرب والصهاينة، فينادي على أسر الأسرى والقتلى بأسمائهم ليقولوا كلمات موجزة عن مأساتهم ومناشدتهم إخوانهم الأمريكان ليحرروا الأسرى ويوقفوا التهديد الوجودي لأمة صغيرة العدد تريد أن تعيش في سلام في محيط من الكراهية، ليختم الخطاب بأن ” شعب الأمل”، سيظل صامداً قوياً كما ينشدون دائماً في نشيدهم الوطني، “هاتيكفا”، الذي يعني الأمل. وكما نهضوا من رماد الهولوكوست، سينهضوا من رماد السابع من أكتوبر ويهزموا الإرهاب الإسلامي بقيادة إيران. ثم يحيي أمريكا لتبدأ مسرحية جديدة من التصفيق والتأييد والمزايدات الانتخابية والأوهام التوراتية المسيحية التي تمهد لتعهدات جديدة ودعم جديد لتوأم أمريكا في النشأة والمسار والمصير.

نقاط رئيسة سيركز عليها الخطاب

1-مخاطبة أعضاء الحزبين بصيغة محايدة دون الانحياز لأي مرشح منهما، وطمأنة الأميركيين أن إسرائيل تظل ملتزمة تماماً بالقيم الديمقراطية المشتركة والمسار الدبلوماسي مع الفلسطينيين في ضوء مفهوم السلام العبري.

2- تجنب انتقاد الرئيس بايدن وحزبه الديموقراطي، لأن هذا الحزب ومؤيدوه من اليهود سيظلون مصدر دعم حيوي لأمن إسرائيل على المدى الطويل.

3- إظهار التزام إسرائيل المستمر بأولويات إدارة بايدن ومصالح أمريكا فيما يتصل بالحرب، مع ربط ذلك بضرورة زيادة المساعدات لإسرائيل.

4-التأكيد على ضرورة عدم الضغط من جانب الإدارة الأمريكية؛ أيا كانت، على الكيان من أجل قبول حل الدولتين إلا في ضوء مفهوم السلام العبري.

5- التأكيد على أن التطبيع مع المملكة العربية السعودية يحتاج رؤية جديدة للصراع تتحمل فيها السعودية مهامها الجديدة وموقعها في عملية السلام سياسياً ومادياً مقابل السلام والحماية الموعودة من قبل أمريكا والشراكة الكاملة مع إسرائيل في قيادة المنطقة.

5-طمأنة اليهود الأميركيين بأن إسرائيل تظل ملتزمة بالقيم الديمقراطية المشتركة بين الشعبين، بما في ذلك المحاكم المستقلة القوية، والمساواة المدنية، والتعددية الدينية، وسيادة القانون. نبذ الأفعال المتطرفة التي تشير إلى فجوة القيم بين إسرائيل واليهود الأميركيين.

هذا تصور لما يحلم به ويخطط له نتنياهو وأركان إدارته وخبراء التخطيط الصهاينة بالشراكة مع نظرائهم في أمريكا وأوروبا والأنظمة التي تحكم الدول العربية، وهو حلم مشروع لاستعمار يرى مصالحه ويسعى لها، ولكن تظل الكلمة النهائية لله وحده في هذا الصراع الذي كتب في محكم تنزيله “لأغلبن أنا ورسلي”، ووعد بإفناء هؤلاء الظلمة عندما يحين وعد الآخرة على يد عباد لله مخلصين.

وحتى يحين ذلك اليوم تبدو أحلام وخطط وأوهام نتنياهو والعصابة التي تدعمه بمختلف أشكالها الضالة المضلة معلقة في الهواء حيث الريح الهوج تحيط بها من كل جانب، فالقضية لم تعد أمريكية أوروبية صهيونية صرف، والمنطقة لم تعد ملكاً لهم وحدهم، فالقصعة العربية يتنازعها أقطاب جدد أشد بأساً ومراساً وأكثر طمعاً وجشعاً ممثلين في الصين وروسيا والهند، ولن يترك هؤلاء القصعة بسهولة، وهنا تقع أولى صعاب مشروع نتنياهو والذين معه، وهناك الأهم والدائم والأبدي والأقوى، هناك يد القدرة الإلهية التي أخرجت المارد الفلسطيني من قمقمه ليجوس خلال الديار في السابع من أكتوبر، وهي قادرة بقدرة القدير المقتدر أن تبعث هذه الأمة من جديد لتفسد مخططات وأحلام وأوهام الفريقين المتنازعين على مقدرات أمتنا، وتخرج لنا رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ وما ذلك على الله بعزيز.

والمهمة اليوم وغداً وما تبقى من هذا القرن تقع على عاتق كل مؤمن حقيقي بالله ورسوله ورسالته للرحمة بالعالمين ليكون جزءاً من هذا الجيل الجديد والرجال الصادقين ويبذل كل ما وهبه الله من مواهب شخصية وقدرات مادية ومالية من أجل بعث جديد لأمتنا قبل أن تغرق في ظلام جديد في تيهنا الذي طال واستطال.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم

[1] كرسيتوفر سايكس، مفارق الطرق إلى إسرائيل، ترجمة خيري حماد، ص441-442.

[2] كرسيتوفر سايكس، مفارق الطرق إلى إسرائيل، ترجمة خيري حماد، ص 467.

[3] كرسيتوفر سايكس، مفارق الطرق إلى إسرائيل، ترجمة خيري حماد، ص 442-443.

[4] كرسيتوفر سايكس، مفارق الطرق إلى إسرائيل، ترجمة خيري حماد، ص442-445

[5] كرسيتوفر سايكس، مفارق الطرق إلى إسرائيل، ترجمة خيري حماد، ص466-467

[6] كرسيتوفر سايكس، مفارق الطرق إلى إسرائيل، ترجمة خيري حماد، ص467 هامش المترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى