إعداد أحمد التلاوي
ليس بمعلومة جديدة، أن هناك تصاعدًا كبيرًا في حالة “الإسلاموفوبيا” في #أوروبا والغرب بشكل عام، حيث تحفل الصحف ووسائل الإعلام الغربية، وكذلك تقارير أجهزة الأمن والشرطة هناك بالأرقام التي تقول بأن هذا التصاعد قد وصل إلى الضعف والضعفَيْن عن أعوام وفترات سابقة.
ولقد بلغ هذا الوضع، أن دولاً مثل ألمانيا أو بريطانيا، قد بات ما تعرفه في شهر يتجاوز ما كان يقع في عام كامل في العقد الأول من الألفية الجديدة، بل إنه بالمقارنة بفترات أقرب، فإن الشهر الذي يساوي عامًا من قبل عقدين مثلاً، قد صار الشهر في الأعوام من (2015م)، وحتى الآن، يساوي عامًا كاملاً من الأعوام التي شهدت أشهرها هذه أرقامًا مضاعفة!
ففي ألمانيا، ووفق إحصائيات وزارة الداخلية الاتحادية، فإن ألف هجوم استهدف المسلمين ومساجدهم، في العام (2017م)، أُصيب فيها (33) شخصًا، وربطت بعض الأوساط ذلك بثلاثة أسباب، وهي الأهم في الأسباب في عموم أوروبا الغربية بشكل عام.
في ألمانيا ووفق إحصائيات وزارة الداخلية الاتحادية، فإن ألف هجوم استهدف المسلمين ومساجدهم، في العام (2017م)، أُصيب فيها (33) شخصًا.
السبب الأول، الاحتقان السياسي والاجتماعي في هذه البلدان بسبب استقبالها مئات الآلاف -وربما يدور الرقم حول مليونَيْ لاجئ- من السوريين وجنسيات عربية وإسلامية أخرى، خلال السنوات الماضية، مما أدّى إلى مصاعب أمنية واقتصادية، وكذلك حراك اجتماعي من القوميين المتطرفين، أدّى إلى صعود اليمين المتطرف وأحزابه، على النحو الذي جرى في الكتلة “الفرانكفونية”، والكتلة “الجرمانية” في الاتحاد الأوروبي.
أما السبب الثاني، فإنه يتعلّق بالهجمات التي تورّط فيها عدد من المهاجرين وأبناء الأقليات المسلمة في هذه البلدان، ومسَّت الروح القومية والدينية للمجتمعات المقيمة فيها.
السبب الثالث، خارج الغرب، ويتعلّق بالصراعات القائمة في العالم العربي والشرق الأوسط، سواء لجهة ممارسات بعض الجماعات المسلحة التي تربط نفسها بالمشروع الإسلامي والمقولات الأساسية للدين، أو حرب التشويه التي تشنها الأنظمة والحكومات ضد خصومها من التيار الإسلامي السياسي.
وعندما نقول “حالة”، فإننا نعني شيئًا أكبر من مجرد جرائم فردية أو حتى ما تقوم بها مافيات وعصابات عنصرية منظمة ضد المسلمين، وضد رموزهم، مثل المساجد، وإنما نعني –وهو الأخطر– أن الأمر قد تحوّل إلى وضع اجتماعي معادٍ للمسلمين هناك.
عندما نقول “حالة”، فإننا نعني شيئًا أكبر من مجرد جرائم فردية أو حتى ما تقوم بها مافيات وعصابات عنصرية منظمة ضد المسلمين، وضد رموزهم، مثل المساجد، وإنما نعني –وهو الأخطر– أن الأمر قد تحوّل إلى وضع اجتماعي معادٍ للمسلمين هناك
وقد تكون الصورة السابقة واضحة للبعض، أو أنها تعبّر عن حالة مستمرة، ولكن هذه الحالة في الآونة الأخيرة عرفت بعض الأحداث التي توضح أنها انتقلت من خانة العداء المكتوم تحت السطح، والذي يأخذ حيِّزَه في واقعة اعتداء هنا أو هناك، وإنما بات سياسة منظمة وعداءً ظاهرًا.
ففي بريطانيا، ظهرت رسائل بعنوان: “يوم عقاب المسلمين”، تم إرسالها إلى مسلمين وغير مسلمين، في عدة مناطق في بريطانيا، من بينها العاصمة لندن، ومدن: برادفورد، وكارديف، وشيفيلد، وليستر، ومقاطعة يوركشاير، ومنطقة ميدلاندز.
الرسائل التي تحقق فيها شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية، تحرِّض على صور متعددة من الاعتداءات بحق المسلمين، يوم (3 إبريل) المقبل، انتقامًا مما وصفوه بـ”غزو المسلمين” لأوروبا.
ومن بين ما جاء في الرسائل، ما أطلق عليه مرسلوه مسمَّى “نظام نقاط”، مثل أن يحصل من يقوم باعتداء لفظي على مسلم أو مسلمة، على (10) نقاط، ومن ينزع حجاب امرأة مسلمة، يحصل على (25) نقطة، كما دعت إلى إلقاء مواد حارقة على أوجه المسلمين، وأعطت ذلك (50) نقطة، وتفجير وحرق المساجد، وقالت إن ذلك يمنح مرتكب هذه الجريمة، ألف نقطة.
وعلى غرار جمعية “بيجيدا” المناهضة للإسلام والمسلمين، والتي ظهرت في ألمانيا أولاً، في أكتوبر من العام (2014م)، ثم انتشرت في دول أوروبية عدة بعد ذلك، فإن هناك جماعة في بريطانيا يُرمَز إليها بحرفَيْ “M.S” وهي اختصار عبارة “Moslem Slayer” أي “قاتل المسلمين”.
وهي جماعة عنصرية متطرفة تستهدف المسلمين والمساجد فى بريطانيا والولايات المتحدة، منذ العام (2017م) الماضي.
وبقطع النظر عن مآلات ما يجري في بريطانيا، وما إذا كان هذا المُهدِّد “المجهول” سوف ينفذ تهديداته من عدمه، فإن هذا الوضع يشير إلى أحوال خطرة يواجهها المسلمون في أوروبا والغرب.
بقطع النظر عن مآلات ما يجري في بريطانيا، وما إذا كان هذا المُهدِّد “المجهول” سوف ينفذ تهديداته من عدمه، فإن هذا الوضع يشير إلى أحوال خطرة يواجهها المسلمون في أوروبا والغرب
وحتى على المستوى الداخلي، في دول الغرب، فإن أداء الجمعيات والمؤسسات والمراكز الثقافية الإسلامية، ليست بهذا التأثير الذي يمكنه مواجهة هذا المد العارم من “الإسلاموفوبيا” في ظل العوامل السابقة، ولاسيما فيما يتعلق بأثر العمليات المسلحة التي يقوم بها أفراد مسلمون، أو محسوبون على جماعات وحركات “إسلامية”، تتبنى العنف منهاجًا لها.
كذلك، فإن مصالح حكومات هذه الدول مع الأنظمة والحكومات المستبدة الموجودة في عالمنا العربي والإسلامي، تقف حجر عثرة أمام جهود هذه الجمعيات والمؤسسات والمراكز الثقافية، باعتبار أن كثيرًا منها مرتبط بالإخوان المسلمين، وجماعات إسلامية أخرى عابرة للحدود، تواجه حروبًا حاليًا في بلدانها، حيث تفضل الحكومات الأوروبية والغربية مصالحها على حساب ما تدعي أنها تؤمن به من قيم حقوق الإنسان والديمقراطية.
مصالح حكومات هذه الدول مع الأنظمة والحكومات المستبدة الموجودة في عالمنا العربي والإسلامي، تقف حجر عثرة أمام جهود هذه الجمعيات والمؤسسات والمراكز الثقافية، باعتبار أن كثيرًا منها مرتبط بالإخوان المسلمين، وجماعات إسلامية أخرى عابرة للحدود، تواجه حروبًا حاليًا في بلدانها
على هذا النسق، يبدو المستقبل متشائمًا في وجه مسلمي أوروبا والغرب، ويبدو من خلال تجارب واجهت فيها أقليات مسلمة تهديد أو خطر الإبادة، كما جرى في البوسنة، وكما يجري الآن في ميانمار، ولم تحرك الحكومات العربية والإسلامية ساكنًا.
بل المدهش أن بعض الحكومات العربية، والإعلام الذي تسيطر عليه قد حَمَل على مسلمي الروهينجيا في أزمتهم الحالية، لمجرد قيام بعض الروهينجيا بالدفاع عن أنفسهم بالسلاح في مواجهة قاتليهم من قوات الأمن والجيش في ميانمار.
ثم نرى جولات وقادة الكثير من هذه الدول، في دول أوروبا المختلفة التي يواجه فيها المسلمون متاعب ومصاعب عدة، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، ولم يحاولوا بأية وسيلة مناقشة أوضاع المسلمين هناك، وإنما ناقشوا قضايا من صميم اهتماماتهم من زاوية بقائهم في مقاعد الحكم، مثل التحريض على بلدان إسلامية أخرى تتصارع أنظمتها معها.
وهذا الوضع لا يمكن وصفه سوى بعبارة واحدة، وهي أن الحكومات العربية والإسلامية إلا قليلاً منها، قد “باع” بالمعنى الحرفي للكلمة، قضايا مسلمي المهاجر والأقليات، حتى لو واجه المسلمون هناك خطر الإبادة !
(المصدر: موقع بصائر)