بين المعرفة والعقيدة
بقلم هاني مراد
لا تستوي المعرفة الباردة المتراخية، والعقيدة النابضة المتواثبة. فالمعرفة هي أن ترى رأيا، ثم تلحقه بدائرة ثقافتك. أما العقيدة، فهي إيمانك بتلك المعرفة حتى تسري في دمك، وتساكن قلبك، وتصبغ وجدناك، وتشاوب جسدك، فلا هي تنفصل عنك، ولا أنت تنفصل عنها.
صاحب العقيدة لهيف القلب، أرِق الجفن، مُسهّد الليل، يواصل الفكر في إحياء عقيدته، ويشرق قلبه وكيانه إن هي سَرَت كصحو فجر باسم، يبيد عتمة الليل ودُجنته، فلا يعرف إلا تجسيدها واقعا في فعل، ولا يعرف الراحة حتى يرى عقيدته تنبض بالحياة، وتسير متجسدة أمام عينيه! أمّا صاحب المعرفة، فخمول كسول، لا يكاد يعرف إلا الثرثرة الفارغة والكلام المزخرف الأجوف خالي الرصيد، وهي لديه كجوانب حياته الصورية، إن ذهبت جاء غيرها!
وتظل المعرفة جثة هامدة، لا روح فيها، حتى تحيا بروح العقيدة، وتظل كهفا مظلما، حتى ينيره شعاع العقيدة وبريقها. فالمعرفة لا تعرف التضحية، لكنّ العقيدة زهرة تُروى بدماء التضحية.
وصاحب المعرفة، يراها صوابا، قد يظهر أصوب منها غداً. أمّا صاحب العقيدة، فلا يعرف الشكّ فيها، فهي الحقّ دون شكّ، وهي الحقّ أمس واليوم وغدا!
والعقيدة أقوى وشيجة بالقلب، على حين أن المعرفة أكثر تعلقاً بالعقل. فترى العقيدة تسري بين المؤمنين بها حسب نقاء فطرتهم وصفاء قلوبهم، رغم تباين معرفتهم، ولا تسري المعرفة إلا بين ناقليها. فقد ترى الساذج مؤمنا رغم سذاجته، وترى العالِم كافرا، رغم نباهته!
وصاحب المعرفة، قد يبدّل رأيه وفق مصلحة أو هدف أو هوى. أمّا صاحب العقيدة، فلا يملك تبديلها، إذ لا يملكها، بل هي تملكه، فيبصر بها ما لا يبصر صاحب المعرفة بمعرفته.
إننا لا تنقصنا المعرفة النظرية بالعقيدة، بل تنقصنا العقيدة العملية بالمعرفة.
المصدر: موقع بصائر