مقالاتمقالات المنتدى

بين الدولة الإسلامية والمدنية .. رؤية شرعية نقدية

بسم الله الرحمن الرحيم

بين الدولة الإسلامية والمدنية رؤية شرعية نقدية

 

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

لتحميل المقال بصيغة بي دي أف pdf يرجى الضغط هنا: بين الدولة الإسلامية والمدنية رؤية شرعية نقدية

 

يعتبر مصطلح “الدولة” في الفكر الفلسفي اليوناني القديم مصطلحًا شائعًا جرى تعريفه مرارًا منذ افلاطون ومن جاء بعده، ويعتبر هذا المصطلح أنموذجًا لتلك المصطلحات التي تقبل التباين، والمُحمَّلة بحمولة أيديولوجية وفكرية متنوعة!

والتعبير بمصطلح الدولة في كتب الفقه السياسي الإسلامي والسياسة الشرعية جاء متأخرًا نسبيًّا عن مصطلحات أخرى لها دلالاتها اللغوية والشرعية المحددة، مثل: الإمامة، والخلافة، والولاية، والإمارة، والملك ونحوها.

وإذا كان مصطلح الدولة اليوم يرادف الإمامة والإمارة فينبغي أن يعرف بنفس تعريفاتها.

وعليه فإن الدولة في الفقه السياسي الإسلامي:  رياسة تامة وزعامة عامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا.

 أو هي: خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.

 وقد انتهى فقهاء السياسة الشرعية المعاصرون إلى أن الدولة: سلطات عامة مستمدة من الشريعة الإسلامية تحكم شعبًا يقيم على أرض.

ومقومات الدولة الإسلامية هي: –

  • سلطة مستمدة من الشريعة.
  • شعب من المسلمين وغيرهم.
  • أرض لذلك الشعب.

 أو: – أمة موعودة بالتمكين.

  • أرض موروثة.
  • سلطة واستخلاف.
  • نظام هو الإسلام “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم… الآية”

أما الدولة في المفهوم الاشتراكي فهي:  أداة للسلطة السياسية في المجتمع الطبقي.

 والدولة في الليبرالية الألمانية: وضع قانوني وشخص معنوي!

 وفي الليبرالية الانجليزية والفرنسية: نظام سياسي اجتماعي ضروري. ولا اختلاف بينهم على بناء الدولة على أسس ثلاثة: الشعب، والإقليم، والهيئة الحاكمة.

يتفق الفكر الاشتراكي مع الليبرالي على استبعاد الدين كمقوم من مقومات الدولة، لأنه خرافة وأكذوبة عند الاشتراكيين، أو لأنه لا داعي لوجوده في سياق الحكم عند الليبراليين!

أما الدولة في المفهوم الإسلامي فهي وثيقة الارتباط في أصولها الحاكمة، وقواعدها الضابطة، ومقاصدها العامة بالنصوص.

وهذا الموقف الإقصائي للدين عند الأوروبيين سببه ما عرف ببلادهم مما أطلق عليه لقب “الدولة الدينية” أو “الدولة الثيوقراطية”  والتي قامت على افتراض طبيعة إلهية للحاكم جعلته مقدسًا معصومًا! أو أنه بشر مختار من قبل الإله بطريقة غير مباشرة، واختيار الأفراد له هو في الحق: تسيير وليس تخييرًا!

ولقد كانت دولة الكنيسة جديرة بالسقوط وهي تدعي كذبًا أنها تحكم باسم الله! وتتبنى ما يناقض حقائق العلم، وبدهيات الفطرة، وتدخل في صراعات مع العلماء تارة، ومع القصر أخرى!  فارتبط حكم تلك الحقبة بالرجعية الظلامية المخالفة للعلم التجريبي، والمتخلفة عن ركب التحضر؛ فسقطت غير مأسوف عليها!

ولم يعرف التاريخ الإسلامي على امتداده الدولة الدينية الثيوقراطية التي حكمت منذ القرون الوسطى في أوروبا!  فلم يحكم الخلفاء باسم الله، ولم يكونوا مقدسين، ولا معصومين، ولم يحكموا بالحق الإلهي ولا مفوضين بالحكم من الله! كما لم يتبنوا نظريات باطلة تتعلق بالكون ولا صبغوها بصبغة دينية!

والدولة في التاريخ الإسلامي كان لها صورتان: الإمامة العظمى وهي الخلافة، والإمامة الصغرى وهي إمارة على إقليم أو سلطنة كانت تتبع دولة الخلافة أو تستقل عنها، وقد عرف التاريخ الإسلامي مبكرًا الدولة الأموية بالأندلس مستقلة عن الخلافة العباسية كما وجدت دول وسلطنات متعددة بنفس الصفة.

وعلى أنقاض الدولة الدينية قامت دولة جديدة وصفت بأنها الدولة المدنية، وقد قامت على أسس محددة،هي:

  • الحرية الدينية المطلقة، بما في ذلك حرية الإلحاد والتنقل بين المعتقدات كافة! فلا صلة للدين بالدولة ولا بالنظام العام الذي أقامه القانون.
  • رفض الكهنوتية كاتجاه سياسي، يفرض ثقافته.
  • الفصل الكامل بين السلطة الزمنية المدنية وسلطة الكنيسة الدينية.
  • المساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن الانتماء الديني أو الطائفي أو المذهبي.

 وبعد رحلة طويلة قامت الدولة المدنية على الفصل التام بين الديني والدنيوي

ومن العوامل التي ساعدت على قيام الدولة المدنية اللادينية ما يلي:

  • تبني حركة الإصلاح البروتستانتي لمبدأ الفصل بين الدين والدولة.
  • فلاسفة ذلك العصر الذين مجدوا السلطة السياسية ورفعوها فوق الدينية، بدءا من هوبز وجون لوك وانتهاء بروسو.
  • الثورة الفرنسية وقيام دولتها المدنية.
  • تدشين وتفعيل مصطلح الليبرالية وإعلاء مبدأ الحرية الفردية.
  • مشاركة اليهود في إقصاء فكرة الدين في أوروبا ليواجهوا بذلك ألوانًا من التمييز ضدهم.
  • إقصاء الطبقة البرجوازية للكنيسة عن السياسة.
  • تعاليم دينية تقول: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

وبعد رحلة معاناة طويلة جرى فيها إقصاء الكنيسة بدينها ودولتها، فلا تداخل ولا تنازع، وانطلقت الحياة بعيدا عن خرافات كنسية، وأوهام علمية فرضت باسم الدين، وبعد ممارسة سياسية علمانية لقرون يأتي السؤال: هل تمكنت أوروبا من إقصاء الدين وتأثيراته على المجتمعات الغربية وحكوماتها المدنية؟

الجواب بالنظر إلى عدة جوانب هو: لا فالسلوك السياسي الانتخابي والفردي لم ينفصلا وقد جاء رؤساء أمريكا جميعا من المسيحيين البروتستانت باستثناء جون كنيدي الكاثوليكي!  ولم يتوقف النشاط الكنسي، بل قاد حركات التحرر القومي، كما خاضت الكنيسة حروبًا للحفاظ على الدراسات الدينية ضد علمنتها

لقد بات واضحًا أن الدين له ارتباط وثيق بالحياة السياسية الغربية؛ بل هو يمثل عصب الإدراك السياسي الغربي، وأحد أهم المنطلقات لفهم النموذج المدني للحكم! وهو يدل على أن الانفصال المدعى بين الدين والسياسة الغربية كان نظريًا؛ بغية الوصول لحلٍّ للمعضلة السياسية الناشئة عن مجازفات الكنيسة!

ومما هو جدير بالذكر عدم وجود تاريخ يرصد في الشرق لفتح الباب أمام الدولة اللادينية قبل كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق والذي صدر مع سقوط الخلافة (١٩٢٥م) وهذا له دلالته! وهذا العرض التاريخي يرد على من يزعم أن العلمانية في الشرق المسلم كنظام للحكم يحقق المصالح ويدفع المفاسد، وتستقيم معه أحوال الدولة.

والساعون اليوم لعلمنة الدولة في الشرق العربي المسلم، عليهم أن يفهموا عن الغرب أنه لم يقبل بالقطيعة بين الدين والسياسة، مع ما في دينه وكنيسته وتاريخه وواقعه من انحراف، فكيف بالشرق المسلم مع ما عليه دينه وتاريخه وحضارته ودولته من صلاح واستقامة، وتوافق نظري وعملي على حد سواء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى