بيان من مؤتمر الأمة حول الاعتداء الفرنسي الآثم على مقام النبي محمد ﷺ وخطاب مفتوح إلى رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان
الحمد الله القائل: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ [التوبة: ٣٣]
والذي أوجب على المؤمنين كافة نصرة رسوله ﷺ وتعزيره وتوقيره فقال: ﴿إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا . لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا﴾ [الفتح: ٨- ٩]
وتوعد جل جلاله من تركوا نصرة رسوله ﷺ وارتدوا عن دينه بأن يستخلف غيرهم فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾ [المائدة: ٥٤]
وصلى الله وسلم على النبي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، القائل ﷺ كما في الصحيحين: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
وقال أيضا ﷺ مبشرا المسلمين الذين في ثغور الجبهة الغربية يجاهدون الروم ويصدون حملاتهم الصليبية (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق، حتى تقوم الساعة).
وبعد..
إن (مؤتمر الأمة) إذ يحذر الأمة وشعوبها من خطورة الاعتداء الفرنسي الرسمي الآثم على مقام النبي محمد ﷺ -واتخاذه ﷺ شعارا للسخرية والاستهزاء من قبل ماكرون رئيس فرنسا باسم الدفاع عن العلمانية والليبرالية وفرض ذلك على المسلمين فيها لإجبارهم على الردة عن دينهم- ليدعو الأمة كلها شعوبا ودولا للتصدي لهذه الحملة الصليبية الجديدة والحرب على الإسلام وذلك بكل الوسائل السياسية والاقتصادية والإعلامية:
ومنها:
١- سحب سفراء الدول الإسلامية وطرد سفراء فرنسا.
٢- المقاطعة السياسية والاقتصادية لفرنسا.
٣- الوقوف مع المسلمين في فرنسا والدفاع عن حريتهم الدينية وحماية مقدساتهم.
كما يدعو (مؤتمر الأمة) الأمة وشعوبها إلى الاستمرار بمقاطعة فرنسا بعد إعلانها الحرب على مقام النبي ﷺ، والاعتصام بحبل الله جميعا الذي به قوتهم، كما قال تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون﴾ [آل عمران: ١٠٣].
وإن أوجب صور الوحدة هي الوحدة السياسية بين دولها وشعوبها، والوحدة العسكرية في ساحات المعركة، كما قال تعالى: ﴿وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين﴾ [الأنفال: ٤٦].
وقال ﷺ كما في الحديث الصحيح: (إن الله يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم).
وقال أيضا في الصحيحين في بيان المخرج من الفتن العامة: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)..
وقد أثبتت المقاطعة الشعبية في العالم الإسلامي للبضائع الفرنسية قوة الأمة وشعوبها، وقدرتها على التأثير الدولي، إذا وجدت القيادة المركزية الراشدة، التي توجه طاقتها نحو الأهداف المشتركة..
ولم يبلغ العدو الفرنسي في عدوانه على الأمة ودينها ورسولها ﷺ إلا بسبب ضعفها وتشرذمها منذ سقوط خلافتها التي حافظت طوال ١٣٠٠ عام من تاريخ الإسلام على وحدتها وسيادتها وأمنها وأقامت دينها وشريعتها وحضارتها منذ بيعة أول خليفة للنبي ﷺ أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى السلطان عبدالحميد رحمهم الله جميعا..
ولقد تداعت الأمة بعلمائها وزعمائها بعد إلغاء الخلافة إلى النظر في هذه النازلة التي فرضها على تركيا المحتل البريطاني الفرنسي في الحرب العالمية الأولى، فعقد شيوخ الأزهر ومفتي مصر وعلماء الأمة (مؤتمر الخلافة) بالقاهرة في يوم الثلاثاء ١٩ شعبان ١٣٤٢هـ – ٢٥ مارس سنة ١٩٢٤م
والذي جاء في قراراته وتوصياته (ولما كان مركز الخلافة في نظر الدين الإسلامي ونظر جميع المسلمين له من الأهمية ما لا يعدله شيء آخر لما يترتب عليه من إعلاء شأن الدين وأهله، ومن توحيد جامعة المسلمين، وربطهم برباط قوي متين – وجب على المسلمين أن يفكروا في نظام الخلافة وفي وضع أسسه على قواعد تتفق مع أحكام الدين الإسلامي، ولا تتجافى مع النظم الإسلامية التي رضيها المسلمون نظما لحكمهم، غير أن الضجة التي أحدثها إلغاء مقام الخلافة جعلت العالم الإسلامي في اضطراب لا يتمكن المسلمون معه من البت في هذه النظم، وتكوين رأي ناضج فيها، وفيمن يصح أن يختار خليفة لهم إلا بعد الهدوء والإمعان والروية، وبعد معرفة وجهات النظر في مختلف الجهات.
لهذه الأسباب نرى أنه لا بد من عقد مؤتمر ديني إسلامي يدعى إليه ممثلو جميع الأمم الإسلامية؛ للبحث فيمن يجب أن تسند إليه الخلافة الإسلامية).
انتهى.
وقد عقد أولئك العلماء عدة اجتماعات ورأوا وجوب إرجاء هذا الأمر حتى تخرج الأمة وشعوبها من حال الضعف السياسي الذي هي فيه..
وقد دعا الفقهاء الدستوريون من المسلمين كالشيخ عبدالرزاق السنهوري في كتابه (نظام الخلافة) إلى ضرورة إقامة (مجلس للخلافة) يؤسس لعودتها من جديد، وكذا دعا إليه المفكرون المخلصون كمالك بن نبي الذي كتب في مجلة الوعي (عدد 63 / 1970)
داعيا لعودة وحدة الأمة من خلال استعادة نظام الخلافة حيث يقول: (يجب من الآن أن نعيد النظر في قضية “الخلافة الإسلامية”، فقد باتت ضرورة عالمية وحيوية… وليكن لها أي اسم، ولكن ليكن هدفها توحيد الصف الإسلامي والرأي الإسلامي في كل مكان على ظهر الأرض، وإن كنت أتفاءل بكلمة “مجلس الخلافة” وليشترك فيها كل العالم الإسلامي، ولكن لنبدأ في إعلان وجودها من الآن… وقد يظن المعارض لنا أنه يستطيع إفحامنا، متخذًا من ظروف العصر وتشابك مشكلاته، وظهور أنماط الحكم الجديدة في عالم اليوم، يتخذ من كل هذا ذريعة لإسكات الصوت الإسلامي المطالب بإحياء منصب الخلافة من جديد، وما هذه الحجة التي تبدو في مظاهرها وجيهة، لا تنقصنا الأدلة على بطلانها من أساسها، وهي: كانت الخلافة نظامًا حيًا واقعًا لم يختفِ من الحياة السياسية إلا منذ نحو نصف قرن فقط، وكان يضم شعوبًا متعددة الأجناس والألوان والألسنة والقوميات في عصور لم تتميز بما يمتاز به عصرنا الحاضر من وسائل الاتصال التي جعلت العالم كله وكأنه رقعة واحدة متصلة الأجزاء والأركان) انتهى.
وإن الأمة اليوم وهي تجاهد المحتل الغربي لاستعادة سيادتها ونهضتها ووحدتها وتواجه مشروع (صفقة القرن) و(بيع القدس) ومشروع (التطبيع الصهيوني العربي) -بعد مئة عام من إلغاء الخلافة- لفي أشد الحاجة إلى دولة إسلامية مركزية تتحمل مسئولية تهيئة الظروف السياسية لتحقيق توصيات مؤتمرات علماء الأمة باستعادة (نظام الخلافة)، واستئناف مشروع (الجامعة الإسلامية)، الذي عمل من أجله السلطان عبدالحميد الثاني رحمه الله..
والعمل مع شعوب وقوى الأمة كافة، وقادة الرأي فيها من أهل الحل والعقد من العلماء والمفكرين والسياسيين، ومن انحاز إليها من دولها وحكوماتها، على تحقيق (مشروع الأمة الواحدة والخلافة الراشدة) التي بشر بعودتها النبي ﷺ، الذي جعل دولة الخلافة وريثة دولة النبوة كما في الصحيحين: (إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول، فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم).
وبناء على كل ما سبق فإن (مؤتمر الأمة) ليدعو تركيا -وريثة الخلافة العثمانية الإسلامية- ورئيسها المظفر رجب طيب أردوغان لتحمل هذه الأمانة الشرعية العظيمة، وتحقيق هذه البشارة النبوية، كما قال النبي ﷺ: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، وكما حقق العثمانيون الأوائل بقيادة السلطان محمد الفاتح البشارة النبوية في فتح القسطنطينية..
وإن تركيا اليوم مرشحة لاستعادة دورها التاريخي لريادة العالم الإسلامي من جديد وقيادته نحو الوحدة والتحرر من نفوذ المحتل الغربي، وتحرير فلسطين واستعادة القدس والمسجد الأقصى، وصد الحملات الصليبية التي احتلت المنطقة واستباحت شعوبها وأوطانها، وأهانت مقدساتها، وحاربت دينها، ونهبت ثرواتها، كما جرى في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا وأذربيجان ومالي، حتى بات نفوذ هذه الحملات الصليبية اليوم يهدد أمن الحرمين الشريفين بشكل مباشر وغير مسبوق..
ومع نهضة تركيا اليوم وريادتها السياسية والاقتصادية وهجرة علماء الأمة ومفكريها وقادة الرأي إليها من كل أقطار العالم الإسلامي بات متاحا تحقيق هذه المهمة التاريخية والإستراتيجية التي طالما دعا إليها علماء الأمة وزعماؤها وذلك من خلال:
١- تشكيل مجلس شورى أهل الحل والعقد لتمثيل الأمة وشعوبها.
٢- تأسيس هيئة إسلامية عالمية لاستفتاء شعوب الأمة بشكل مباشر حول كل قضاياها المصيرية.
٣- اختيار هيئة من علماء الفقه الإسلامي وخبراء القانون الدستوري لوضع رؤية لنظام الخلافة الإسلامي لتحقيق الاتحاد بين شعوب الأمة مع المحافظة على خصوصية كل شعب في بلده واحترام التعددية والتنوع المذهبي والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في تحقيق الوحدة كالاتحاد الأوربي..
إن الأمة وشعوبها اليوم قد أصبحت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإنجاح مشروع الوحدة الإسلامية بعد كل ما تعرضت له من حروب ونكبات عجزت دولها الوطنية والقومية عن مواجهتها وحدها وفشلت فشلا ذريعا عن حماية شعوبها ودينها وأمنها وسيادتها واستعادة مقدساتها، كما فشلت مؤسساتها الرسمية كمنظمة التعاون الإسلامي عن تحقيق آمال شعوبها في تحقيق الوحدة، مما يجعل شعوب الأمة تتحمل المسئولية التاريخية في المضي مع تركيا لإقامة (مشروع الأمة الواحدة والخلافة الراشدة) لتحقيق وعد الله للمؤمنين بالاستخلاف الثاني في الأرض:
﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون﴾ [النور: ٥٥]
وأن يكون هذا الاستخلاف الثاني بالتعاون اليوم بين تركيا والمهاجرين إليها من كل أقطار الأمة الإسلامية؛ ﴿الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز﴾ [الحج: ٤٠]
(مؤتمر الأمة)
الأمين العام
أ د حاكم المطيري
صدر في يوم مولده الشريف ﷺ
الخميس ١٢ ربيع الأول ١٤٤٢
الموافق ٢٩ اكتوبر ٢٠٢٠م
(المصدر: موقع تيلغراف)