مقالاتمقالات مختارة

بهادر شاه .. قصة آخر سلاطين المسلمين في الهند

بهادر شاه .. قصة آخر سلاطين المسلمين في الهند

بقلم مصطفى الأنصاري

 

بهادر شاه كان آخر سلاطين المسلمين في الهند بعد حكم إسلامي دام أكثر من ثمانية قرون

كانت إمبراطورية المغول المسلمين هي آخر دولة مسلمة حكمت الهند، وقد دام سلطانها نحو ثلاثة قرون، منذ أن أسسها ظهير الدين بَابُر في النصف الأول من القرن العاشر الهجري.

ثم أتى زمان ضعفت فيه هذه الدولة، واهتم حكامها بمصالحهم الخاصة، فانتهز نادر شاه حاكم إيران فرصة تردي دولة المغول المسلمين بالهند، وزحف عليها سنة 1153هــ/ 1740م، وأحدث بعاصمتها دلهي دمارا وعاد لبلاده بغنائم هائلة.

وقد ساعدت هذه الأوضاع الإنجليز في السيطرة على الهند تحت ستار شركة الهند الشرقية البريطانية، وانتهى الحال بأن دخل الإنجليز دلهي في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، وقد فقد المسلمون في الفترة التي استولى فيها الإنجليز على الهند ما كانوا يتمتعون به من إمساك بمقاليد الأمور، واحتكام إلى الشرع  في كل الشئون.

وفي ظل هذه الأجواء المتردية تولى بهادر شاه الثاني الحكم في الهند سنة 1254هــ/ 1838م، خلفًا لأبيه  محمد أكبر شاه الثاني، وكان الإنجليز في عهده قد أحكموا سيطرتهم على سلاطين الهند، الذين كانوا يتقاضون رواتب من الإنجليز، وصاروا موظفين لديهم.

ولم يكن عهد بهادر شاه أحسن حالا من عهد أبيه، فسياسة الإنجليز لا تزال قائمة على جعل أعمال الحكومة في أيديهم، في حين يبقى الحكم باسم السلطان المسلم، وكان هذا عملا خبيثا يفرقون به بين الحكم وبين الملك.

وقد فطن العلماء المسلمون في الهند لهذا العمل المخادع فعارضوا هذه السياسة، وأعلنوا أن الهند أصبحت دار حرب، وعلى المسلمين أن يهبوا للجهاد والثورة ضد الإنجليز.

في الوقت ذاته وجّه الإنجليز إنذارا إلى بهادر شاه الذي كان أسير القلعة الحمراء التي يسكنها في مدينة دلهي أنه آخر سلطان يسكن القلعة، وأنها ستصبح ثكنة عسكرية؛ وكان هذا يعني القضاء على دولة المغول المسلمين في الهند.

فاتحد أهل الهند من مسلمين وهندوس واختاروا السلطان بهادر شاه قائدا عاما للثورة، وقد قامت الثورة في دهلي دون تخطيط وافتقدت للقيادة الواعية القادرة على تحريكها، ولم يكن بهادر شاه يصلح لهذا الدور لكبره سنه.

واستطاع الإنجليز أن يعيدوا تنظيم أنفسهم وتجميع قوات هندية من الأمراء الموالين لهم، وانضم إليهم عدد من طائفة السيخ الذين كانوا يكرهون المسلمين، ونجح الإنجليز في القضاء على الثورة، وذلك في محرم 1274هــ/ سبتمبر1857م.

وبعد فشل الثورة قام الإنجليز بالقبض على بهادر شاه وأهل بيته وساقوهم مقيدين لمحبسهم، وفي الطريق أطلق أحد الضباط الإنجليز الرصاص على أبناء الملك وأحفاده فقتل ثلاثة منهم وقطعت رؤوسهم.

بدأ الإنجليز بعد القبض على بهادر شاه في محاكمته محاكمة صورية بمدينة دلهي في جمادى الآخرة 1274هـــ/ يناير 1858م، واتهموه بأنه تعاون مع الثورة هو وابنه ميزا مغل ضد الإنجليز، وأنه أمر بقتل الإنجليز رجالاً ونساء وأطفالاً وكانت تهمة كاذبة؛ فحين تولى قيادة الثورة كانت أوامره صريحة بعدم الاعتداء على الإنجليز غير المحاربين.

وبعد جلسات المحاكمة أصدر القضاة حكمهم بالإعدام ثم خفف الحكم إلى نفيه إلى مدينة رانكون عاصمة بورما سنة 1275هــ/ 1858م، ورحل هو وأسرته وبعض حاشيته إلى بورما وخصصوا له مكانًا لمحبسه بعيدًا عن مكان زوجته وأولاده، ثم أخضعوهم جميعًا بحراسة مشددة. وبنفيه سقطت دولة المغول المسلمين وانتهى الحكم الإسلامي في الهند بعد أكثر من ثمانية قرون متواصلة، ثم ظل بهادر شاه بـمحبسه حتى توفي سنة 1279هــ/ 1862م، وقد بلغ من العمر 89 سنة، قضى منها أربع سنوات في منفاه.

(المصدر: قصة الإسلام)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى