بنو إسرائيل وميراث الأرض: لمَن العاقبة في الصِّراع العربي-الإسرائيلي؟ – 6 من 6
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
جهود تعزيز التفاهم العالمي وتأسيس ‘‘الأخوَّة الإنسانيَّة’’
يحرص البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة السادس والستِّين بعد المائتين، على إجراء رحلا تبشيريَّة في العالم الإسلامي، تستهدف نشر رسالة التسامُح الديني، والتبشير بدعوة يسوع المسيح إلى المحبَّة والإخاء. زار البابا فرنسيس مصر في 28 أبريل من عام 2017 ميلاديًّا، في أوَّل زيارة من نوعها لبابا الفاتيكان لمصر، منذ زيارة البابا يوحنا بولس الثاني أوائل عام 2000. حظيت زيارة البابا فرنسيس بحفاوة كبيرة من شيخ الأزهر، الدُّكتور أحمد الطيِّب.
تعرِّف موسوعة ويكيبيديا الرَّقميَّة بالدُّكتور أحمد الطيِّب وسيرته ومسيرته العلميَّة كما يلي:
تعليقًا على إشارة المقال المعرِّف بالطيِّب إلى انتمائه إلى أسرة تعتنق الصُّوفيَّة، نضيف ما نشرته صحيفة الأهرام المصريَّة الشَّهيرة عن هذا الجانب لدى شيخ الأزهر.
وقد أثنى الاتحاد العالمي للطُّرق الصوفيَّة على زيارة البابا فرنسيس لمصر في 2017، كما نشر موقع البوَّابة نيوز.
لحضور المؤتمر العالمي للأخوَّة الإنسانيَّة، وصل البابا فرنسيس إلى الإمارات العربيَّة المتَّحدة في 3 فبراير 2019، في زيارة امتدَّت ليومين، تزامنت مع زيارة شيخ الأزهر، أحمد الطيِّب، لحضور المؤتمر ذاته، كما نشرت شبكة بي بي سي.
وأصدر المؤتمر العالمي للأخوَّة الإنسانيَّة وثيقة وقَّع عليها بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر، سُمِّيت ‘‘وثيقة الأخوَّة الإنسانيَّة’’، تحضُّ على التعايش السلمي الآمن، في ظلِّ التهديدات باشتعال حرب عالميَّة ثالثة، قد تكون الفتنة الطائفيَّة من أسبابها. ويأمل المؤتمر تجنيب العالم ويلات قد تجرُّها تلك الحرب، مع اعتراف بغياب العدالة في توزيع الثَّروات والموارد يعاني سكَّان العالم بأسره منها.
جدير بالذِّكر أنَّ إسرائيل كانت من بين المحطَّات التي مرَّ عليها البابا فرنسيس في زياراته إلى الشَّرق الأوسط، حيث زارها أواخر مايو 2014، ضمن حملته لإرساء السَّلام العالمي. حرص البابا على زيارة مؤسسة ياد فاشيم-יָד וָשֵׁ، وهي عبارة عن مركز للأبحاث عن أحداث الهولوكوست، أو المحرقة اليهوديَّة التي راح ضحيَّتها عددٌ من اليهود تُقدِّره الإحصاءات اليهوديَّة بـ 6 ملايين شخص، ومتحف لتخليد ذكرى الضَّحايا. وقد نشر موقع يورو نيوز الإخباري لمحات عن تلك الزيارة في 26 مايو 2014.
وتعبيرًا منه عن تأسُّفه على ضحايا الهولوكوست، عمد البابا فرنسيس إلى تقبيل أيدي النَّاجين من الهولوكوست، ومن بينهم كان ديفيد روكفلر، إمبراطور المال الأمريكي، وسلسل عائلة روكفلر، صاحبة التَّاريخ الطَّويل في دعم الحركة الصُّهيونيَّة، ولعلَّ أهم آثارها في إسرائيل تشييدها متحف روكفلر، أو متحف فلسطين للآثار، وهو هو متحف أثري يوجد في القدس الشرقيَّة، يضمُّ بين جدرانه آثارًا اكتُشفت في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني.
ووفق ما ينشر موقع Geni الإسرائيلي للأبحاث في علم الأنساب، يكون ديفيد روكفلر هو الحفيد الرَّابع والتِّسعين للملك داود، الشخصيَّة الموازية لشخصيَّة نبيِّ الله داود في المصادر الإسلاميَّة، والمذكور في أسفار صموئيل الأوَّل والثَّاني والملوك الأوَّل في العهد القديم.
بطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زار البابا فرنسيس النُصب التَّذكاري لضحايا الإرهاب، في حضور شمعون بيريز، السِّياسي الإسرائيلي المخضرم، ورئيس إسرائيل وقتها.
ودعا البابا الرَّبَّ أن ينتهي الإرهاب، مستندًا إلى النُّصب الَّذي حُفرت عليه أسماء المدنيين الإسرائيليين ممَّن فقدوا أرواحهم في ‘‘هجمات شنَّها مسلَّحون فلسطينيُّون’’. أعرب نتنياهو، الواقف إلى جانبه، عن شُكره على ذلك الدُّعاء، قائلًا “لا نعلِّم أبناءنا أن يزرعوا قنابل، بل نعلِّمهم السَّلام. مع ذلك، علينا أن نبني جدارًا يعزلنا عمَّن يعلِّمون نقيض ذلك”، متَّهمًا الزُّعماء الفلسطينيين بالتحريض.
والبابا فرنسيس هو رابع بابا للفاتيكان يزور إسرائيل، والأوَّل ليضع إكليلًا على قبر تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونيَّة. يجدر هُنا التَّذكير بموقف البابا بيوس العاشر من هرتزل، حيث أرسل له في يناير 1904 ميلاديًّا، رسالة تعبِّر عن رفض الكنيسة الكاثوليكيَّة الاعتراف بأحقيَّة اليهود في تأسيس دولة إسرائيل بسبب رفض اليهود الاعتراف بيسوع المسيح، نبيًّا وإلهًا. نعيد التذكير بأنَّ العهد الجديد لم يتضمَّن أيَّ إشارة عن عهد الرَّب لأبرام، أو عن دولة قوميَّة لبني إسرائيل، كما لم يذكر يسوع في الأناجيل أيَّ شيء عن ذلك العهد، أو عن دولة إسرائيل العالميَّة. وقد فصَّلت الدراسة بعنوان ‘‘مخطوطات البحر الميِّت وعقيدة بني إسرائيل الحقيقيَّة’’، ما أثارته الدُّكتورة زينب عبد العزيز، أستاذ الحضارة الفرنسيَّة في جامعتي القاهرة والأزهر، في كتابها المساومة الكُبرى: من مخطوطات قُمران إلى المجمع المسكوني الثاني (2008)، عن التغيُّر الكبير في موقف الفاتيكان من اليهود بعد اكتشاف مخطوطات كهوف قُمران، في منطقة البحر الميِّت، عام 1947، تزامنًا مع قرار الأمم المتَّحدة بتقسيم فلسطين. وكان من أهم الأمور التي أثارتها عبد العزيز في دراستها أسباب تبرئة اليهود من دم المسيح عام 1965 ميلاديًّا، وسماح بابا الفاتيكان بحذف آيات من الأناجيل تسيء إلى اليهود، مع تسليط الضُّوء الأصول اليهوديَّة للمسيح والحواريين، في تماهٍ ملحوظ مع العقيدة البروتستانتيَّة بعد قرون من الصراعات الطائفيَّة.
ولا دليل على تسامُح بابا الفاتيكان مع عقيدة بني إسرائيل الأصليَّة، المؤمنة بثنائي إلهي من ذكر وأنثى تولَّد الخَلق عن اقترانهما، وبأنَّ العضو الذَّكري الإلهي يحتوي على بذرة الخَلق، أقوى من تقبيل البابا فرنسيس فخذ مُجسَّم ليسوع النَّاصري في مهده. منطقة الفخذ هي الأقرب إلى العانة في جسم الإنسان، والإصابة في تلك المنطقة قد يؤدِّي إلى العجز الجنسي لدى الرِّجال، كما أثبتت الدراسات العلميَّة.
يستدعى الحديث في هذا السِّياق الإشارة إلى المواجهة بين يعقوب و ‘‘إنسان’’ تبيَّن له لاحقًا أنَّه الرَّب، كما يروي سفر التَّكوين. تصارع يعقوب مع ذلك الرَّجل، فضرب الرَّجل يعقوب في “حُقِّ فَخْذِهِ“؛ لمعرفته بأنَّ ذكورته، التي ترمز إلى الخصوبة والنمو وتضاهي القدرة الإلهيَّة على الخَلق، مهدَّدة في حال إصابة تلك المنطقة “فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ” (إصحاح 32: آيتان 24-25). يتمسَّك يعقوب بعدم إطلاق الرَّبَّ من بين يديه، إلَّا بعد أن يباركه الرَّبُّ؛ فباركه الرَّبُّ، وغيَّر اسمه إلى ‘‘إسرائيل’’، كما تخبرنا الآيات التَّالية “وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ»” (إصحاح 32: آيات 26-28). وتؤكِّد عبارة “لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ” أنَّ القدرة الجنسيَّة المرتبطة بمنطقة ‘‘حقِّ الفخذ’’ هي وسيلة يعقوب في اجتياز التحدِّي مع الرَّب.
لن نعيد تحليل قول الله تعالى في آخر آيتين في مجموعة الآيات من سورة البقرة (47-123) موضع الدِّراسة “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (123)”، ولكن نتساءل: تُرى ما هي الحكمة الإلهيَّة في تكرار هاتين الآيتين بنفس الصِّيغة بعد سرد أهم ملامح انحراف بني إسرائيل عن ‘‘ملَّة أبيهم إبراهيم’’، ونقضهم ‘‘عهدهم مع ربِّهم’’، وتقاعسهم عن أداء ‘‘الأمانة’’؟
(المصدر: رسالة بوست)