مقالاتمقالات المنتدى

بشرى الفتح المبين (1)

بشرى الفتح المبين (1)

بقلم الشيخ: أنور بن قاسم الخضري (خاص بالمنتدى)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وأشهد ألَّا إله إلَّا الله، صدق عبده، وأنجز وعده، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أنَّ محمَّدًا النبي الخاتم، أدَّى الأمانة وبلغ الرسالة، وجاهد في الله حقَّ جهاده.
وبعد…
فإنَّ الأمَّة المسلمة اليوم تمرُّ بمنعطف حادٍّ جدًّا، حيث أحاط بها الأعداء مِن كلِّ حدب وصوب، يريدون القضاء على وجودها، ومِن ثمَّ القضاء على الإسلام الحقِّ، أو إخضاعها لهم بإسلام مشوَّه ليس فيه مِن ملامح الدين المنزل شيء غير المسمَّى وطقوس لا أثر لها في الحياة. وإذا كانت سنَّة الله تعالى اقتصت بعث الرسل على حين فترة، لاستنقاذ العباد وإبقاء نور النبوَّة والوحي حاضرًا في عالم البشرية، كي تقوم به الحجَّة على الناس أجمعين، واقتضت بعث المجدِّدين على رأس كلِّ مائة عام لهذه الأمَّة خصوصًا، باعتبارها الأمَّة الخاتمة التي لا يكون بعد نبيِّها رسالة أو نبوَّة، كان معلومًا مِن الدين بالضرورة أن يهيِّئ الله تعالى لهذا التجديد رجالًا عظماء، يمسكون بالكتاب، ويأخذون بحقِّه علمًا وتعليمًا، ودعوة وجهادًا، وحكمًا وقضاء، بحيث لا تجتمع أمَّة محمَّد على ضلالة، ولا تُستباح بيضتها فيفنى وجودها. وفي الحديث الصحيح، عن ثوبان مولى رسول الله، أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرضَ فَرَأَيتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبلُغُ مُلكُها ما زُوِيَ لي مِنها، وأُعطِيتُ الكَنزَينِ الأحمَرَ والأبيَضَ؛ وإنِّي سَأَلتُ رَبِّي لِأُمَّتي ألَّا يُهلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَلَّا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنفُسِهِمْ فيَستَبِيحَ بَيضَتَهُم، وإنَّ رَبِّي قالَ: يا مُحَمَّدُ.. إنِّي إذا قَضَيتُ قَضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ، وإنِّي أعطَيتُكَ لِأُمَّتِكَ ألَّا أُهلِكَهُم بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَلَّا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنفُسِهِم يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم، ولَوِ اجتَمَع عليهم مَن بأَقطارِها [أو قال: مَن بينَ أقطارِها]، حتَّى يَكونَ بَعضُهُم يُهلِكُ بَعضًا، ويَسبِي بَعضُهُم بَعضًا)، مسلم: 2889.
وحيث أنَّ الأمَّة المسلمة شهدت في منتصف العقد الثالث مِن القرن العشرين سقوط الخلافة الإسلامية، بتآمر عالمي وتواطؤ داخلي، ما عرَّض الأمَّة لكثير مِن المخاطر والتهديدات والنكبات والمصائب، حتَّى استُلِبَ مِنها المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فقد سعى العلماء والمصلحون لاستئناف العودة للكتاب والسنَّة، ومراجعة أحوال المسلمين في ضوء الدين الحنيف، مِن خلال جهود واسعة وكبيرة ومتعدِّدة الأوجه، بما أحيا طلب العلم، والدعوة إلى الله، والقيام بشعائر التعبُّد وإظهارها، والإحسان إلى الخلق، والتزام فضائل الأخلاق ومحاسن العادات، ومقاومة المحتلِّين ومجاهدة المعتدين والثورة على الجبابرة المجرمين، حتَّى أصبح هذا المدُّ مقلقًا لأعداء الله، ومرصودًا مِن قبلهم، ومستهدفًا بكلِّ وسائل التثبيط والإحباط والاختراق والتفريق وغيرها.
وخلال هذه الفترة تمكَّن اليهههود الصصصهاينة مِن الإفساد في الأرض المقدَّسة، وما حولها مِن البلدان، التي بارك الله فيها للعالمين، في مصر والشام والعراق والحجاز وغيرها. بل لقد منحهم قيام كيانهم المحتل ميزة على الصعيد العالمي، إذ باتت تستخدمهم القوى العظمى فزَّاعة لدول النفاق التي تأسَّست على انقاض دولة الخلافة، على جغرافيا العالم الإسلامي، ما سهَّل عليها نهب الثروات ونشر الرذيلة والربا وكلِّ صور الإفساد، السياسي والاقتصادي والأخلاقي والفكري والاجتماعي. فتحقَّق لليهههود علوٌّ غير مسبوق في الأرض، وأوشك أن يصبح كيانهم كيانًا شرعيًّا معترفًا به مِن قبل أنظمة النفاق العميلة، بما يزوِّر وعي الشعوب المسلمة، ويبطل حقَّ مقاومتهم وجهادهم على الأجيال القادمة. وظنُّوا أنَّ قواهم العسكرية وحصونهم وتحصيناتهم مانعتهم مِن قدر الله تعالى في إنفاذ ما أخبر عنه مِن التسليط عليهم. فأتاهم الله تعالى في 7 أكتوبر 2023م مِن حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب حتَّى فقدوا توازنهم، وأصيبوا بجنون العظمة الزائف، وشنُّوا حربًا عدوانيَّة على غزَّة لا هوادة فيها ولا رحمة، مستعجلين بذلك سخط الله وغضبه وعقوبته التي لا تتخلَّف عن القوم الظالمين المجرمين.
فإذا كان الأمر كذلك، فإنَّنا أمام أوَّل بشرى تتحقَّق قريبًا -بإذن الله تعالى- على أيدي أبناء الشعب الفلسطيني المسلم، وبالأخصِّ مِنهم المقاومين، وفي مقدِّمتهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ وإنَّ الله تعالى لا يخلف وعده، ولا يضيع أجر مَن أحسن عملًا، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فهو الحقُّ وهو العدل وهو العليم الخبير.

بشرى الفتح المبين (2)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى