من المفارقات التي ربما تخفى على البعض أن «الإسلاموفوبيا» حاضر بقوة في دول البلقان، خاصة في الدول ذات الغالبية المسلمة التي تقع في غرب المنطقة؛ مثل كوسوفا وألبانيا والبوسنة.
ويقف خلف حملات «التخويف من الإسلام والمسلمين» في هذه البلدان شخصيات سياسية ومؤسسات إعلامية على أعلى المستويات في البلاد؛ وهو ما انعكس على المسلمين في تلك الدول، وأسفرت هذه الحملات عن تهميشهم وإقصائهم تدريجياً في المجتمع.
مصدر «الإسلاموفوبيا» في البلقان المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة!
نائبة في البرلمان وصفت الإسلام بأنه «دين مثير للاشمئزاز»!
للتعرف على أسباب تصاعد «الإسلاموفوبيا» في هذه الدول ذات الغالبية المسلمة في غرب منطقة البلقان، كان لـ«المجتمع» هذا الحوار مع الباحث أيوب هازيري، المدرس السابق للفقه بكلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا (العاصمة الكوسوفية)، والذي صدرت له 6 كتب، إضافة إلى عشرات المقالات المنشورة في وسائل الإعلام الألبانية.
* يعتقد البعض أن الدول ذات الغالبية المسلمة في منطقة البلقان ظاهرة «الإسلاموفوبيا» بها مصدرها السياسيون أنفسهم وليس الشعب، هل تتفقون مع هذا الطرح؟
– لا يوجد أدنى شك أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» حاضرة بقوة في منطقة البلقان، خاصة في غربها في المناطق الألبانية (ذات الغالبية المسلمة) مثل كوسوفا وألبانيا ومقدونيا وغيرها.
ومصدر «الإسلاموفوبيا» يأتي من أعلى المستويات سواء من قبل المسؤولين الحكوميين أو من قبل وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، لدرجة أنه لا يمر أسبوع دون أن تنشر وسائل الإعلام شيئاً يحض على التخويف من الإسلام والمسلمين.
ومثال على ذلك صحيفة «إكسبرس» التي تعمل بشكل دائم ومتواصل على تقويض مناخ التعايش بين شرائح الشعب في كوسوفا؛ من خلال نشرها لأخبار كاذبة وقصص مختلقة غير حقيقية تحمل في طياتها روح الكراهية إزاء الإسلام، وتحث على التخويف من المسلمين، وهذه الصحيفة يديرها مسيحي ومعه مجموعة أخرى من المسيحيين وشخصيات معروفة بكتاباتها العدائية للإسلام والمسلمين.
مثال آخر لدينا؛ تلك الصحفية «ألما لاما» التي أصبحت لاحقاً نائبة في البرلمان؛ فهي على الدوام تكتب مقالات وتدلي بتصريحات معادية للإسلام والمسلمين، حتى وصلت بها الدرجة لوصف الإسلام بأنه «دين مثير للاشمئزاز»، والمثير أنه تمت مكافأتها بتعيينها سفيرة لدولة كوسوفا!
والأمثلة على ذلك كثيرة، والعجيب أن بعض من يشعلون حملات «الإسلاموفوبيا» وغالبية كتاباتهم تتركز على التخويف من الإسلام والمسلمين وازدرائهم؛ نالوا جوائز عالمية تقديراً لكتاباتهم الأدبية والصحفية.
هذا يعني أنه لدينا في كوسوفا إعلام لديه حساسية مفرطة من أي شيء يتعلق بالإسلام والمسلمين، لمستوى وصل إلى مهاجمة وانتقاد أي مسؤول حكومي يدخل المسجد سواء للصلاة أو لأي مناسبة دينية من خلال نشر مقالات تنتقده باستمرار!
وفي مثال آخر؛ حينما نُشرت صورة لبعض الجنود وهم يصلون شنت وسائل الإعلام الكوسوفية على الفور حملة شعواء عليهم؛ بحجة أنهم لم يراعوا علمانية النظام في كوسوفا، وقاموا بأداء عبادات في وقت العمل!
كل هذا يحدث فقط إزاء المسلمين، بينما على الجانب الآخر نجد أن غالبية المسؤولين الحكوميين يذهبون للكنائس لتهنئة المسيحيين في أعيادهم، ولا تجرؤ أي صحيفة أو قناة فضائية على انتقادهم كما يحدث لو ذهب هؤلاء للمساجد في أعياد المسلمين؛ وهو ما جعل كثيراً من المسؤولين يترددون في الحضور بالمناسبات الدينية للمسلمين خوفاً من انتقادهم لاحقاً من وسائل الإعلام المحلية.
* هل ترون أن النظام العلماني في كوسوفا محايد أم معاد للتوجه الإسلامي للشعب الكوسوفي؟ وهل يشعر مسلمو كوسوفا بحرية تامة في التمتع بحقوقهم وحرياتهم الدينية؟
– من الواضح أن العلمانية بمفهومها المحايد إزاء الأديان جميعها موجودة على الورق فقط وغائبة في الممارسة العملية، فهذا ما نراه في الواقع.
وأبسط مثال على ذلك أنك تشاهد غالبية السياسيين أو جميعهم حاضرين في كافة المناسبات الدينية في الكنائس، بينما لا تراهم بهذا الحضور في المساجد خلال المناسبات الدينية والأعياد الإسلامية.
وفي الأعياد الإسلامية يكتفي المسؤولون بكتابة تهنئة بسيطة؛ بينما في أعياد المسيحيين تجري استعدادات كبيرة وعلى حساب السلطة الرسمية.
أما في المناهج الدراسية ترى الطلاب يدرسون سِيَراً لشخصيات مسيحية كاثوليكية، بينما الشخصيات الإسلامية التاريخية غائبة عن المناهج الدراسية، على الرغم من أن نسبة الكاثوليك في كوسوفا لا تتعدى 1% من تعداد السكان الذي يقترب من مليوني نسمة.
وبشكل عام؛ إذا ما تعرضت المناهج الدراسية للحديث عن الإسلام فإنها تتطرق بشكل سلبي، وتكاد مفردات العملية التعليمية تهيمن عليها الثقافة والأسماء المسيحية الكاثوليكية بشكل لافت للنظر، وكأن الرسالة المقصودة هي إضفاء الصبغة الكاثوليكية على الرموز الوطنية والقومية، وكأنك تفصل الإسلام تدريجياً عن الوطن الأم والقومية الألبانية وكأنها دخيل عليها وليست أصلاً فيها.
* هل تعتقدون أن فوز «ترمب» بالانتخابات الأمريكية لن يصعد فقط حملات الكراهية داخل أمريكا؛ وإنما سوف يساهم في تصعيدها كذلك على مستوى الغرب بشكل عام وكوسوفا ومنطقة البلقان بشكل خاص؟
– لا أعتقد أن النهج الأمريكي نحو دول البلقان سوف يتغير بتغير الرئيس، وأعتقد أن الرئيس الجديد سوف يتبع خطى الرؤساء السابقين في السياسة الأمريكية المتبعة نحو دول البلقان.
* هل حملات «الإسلاموفوبيا» لها تأثير على دور الأئمة والدعاة في كوسوفا؟ وما التحديات التي يواجهونها؟
– أعتقد أنه تم تثبيت نهج خاطئ في بلادنا؛ حيث إن حملات التخويف من الإسلام والمسلمين آخذة في الارتفاع المستمر، وأصبح الأصل بالنسبة لمسلمي البلاد المتمسكين بإسلامهم هو التهميش والإقصاء.
والأمثلة على ذلك أكثر من حصرها، بدءاً من منع الحجاب في المدارس، ثم اعتقال الأئمة بحجة دعمهم للإرهاب، على الرغم من إطلاق سراح معظمهم بعد عدم ثبوت أي تهمة عليهم، وفي ذات الوقت لم يتم الإفراج عنهم بحكم قضائي، لذا فإن روح العداء للإسلام والتخويف من المسلمين هي التي تسود الأجواء في كوسوفا وغيرها من دول غرب البلقان كذلك.
كذلك وعلى مدار العامين الماضيين، تم إغلاق العشرات من الجمعيات الإسلامية، في حين أن هناك في كوسوفا مئات من الجمعيات غير الإسلامية (مسيحية) تعمل بكل حرية ودون أي عوائق سواء من الدولة أو الإعلام.
أعتقد أن ازدواجية المعايير في التعامل وعدم المساواة هي السياسة المتبعة رسمياً وإعلامياً والتي يكون ضحاياها دوماً من المسلمين.
(مجلة المجتمع)