بإقصاء جديد للسُّنة.. هل تعود “الطائفية” إلى العراق؟
ظهرت الطائفية السياسية في العراق بعد غزو البلاد في 2003، واكتسبت بعداً رسمياً من خلال توزيع مناصب الدولة فيما سمي بـ”المحاصصة”، منذ مرحلة مجلس الحكم الذي تشكل في يوليو من نفس العام، وبلغت أوجها خلال ولايتي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، (2006 – 2014).
وأخطر ما في المحاصصة -التي تعتمد توزيع المناصب الحكومية الرئاسية والوزارات وفقاً لما تحدده المحاصصة بحسب الطائفة والقومية- شمولها مؤسستي الدفاع والداخلية، اللتين تناط بهما حماية الحدود والأمن الداخلي، وتؤديان دوراً محورياً في ترسيخ قواعد الحكم في البلاد.
وبناءً على توزيع خريطة القوة على الساحة العراقية استأثر الشيعة بوزارة الداخلية، ورفضت القوى السياسية الشيعية المساومة عليها إلى يومنا هذا، بينما أسندت وزارة الدفاع للسنة في خلال الحكومات المتعاقبة، ومع وجود القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء وهو من حصة الشيعة) يصبح دور وزير الدفاع هامشياً.
وباستمرار العملية السياسية تباعدت المسافات بين القوى السياسية السنية؛ بسبب الصراع المحتدم بين أطرافها، وتدخل دول الإقليم في دعم طرف على حساب طرف آخر، وهو ما تسبب بضعف تأثير العرب السنة في عموم المشهد.
ومن ثم هيمنت القوى الشيعية على وزارة الدفاع، على الرغم من بقاء رأس الوزارة سني الهوية، لكن بتعبير الشارع العراقي فإن هذا الوزير يكون محسوباً على “سنة المالكي”، في إشارة رمزية إلى السنة الذين يوالون التيارات الشيعية في العراق.
هدوء بعد عاصفة
بداية الطائفية ظهرت مع تشكيل “سلطة الائتلاف المؤقتة” التي ترأسها الحاكم الأمريكي بول بريمر، عقب غزو البلاد، وكانت أولى خطواتها حلّ الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، بحسب المحلل السياسي ضياء الزبيدي.
الزبيدي أشار في حديثه لـ”الخليج أونلاين” إلى أن “خطوة بريمر مهدت لتغيير البنية الأمنية والإدارية للعراق؛ من خلال تعيين وزراء شيعة خاصة في الوزارات الأمنية، على اعتبار مساندتهم للقوات الغازية، وفي نفس الوقت استبعدت السنة الذين انضم أغلبهم إلى المقاومة”.
وأضاف: “الخطوة التالية كانت فيما عرف باجتثاث البعث (حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يحكم البلاد قبل 2003)، الذي أصبح لاحقاً قانون المساءلة والعدالة، ومن خلاله أُقصي التكنوقراط الذين كانوا يديرون الدولة في خلال المرحلة السابقة من عمرها، وبموجبه تمت تصفية أي صوت معارض للنظام الجديد؛ بتهمة الانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي”.
الطائفية بلغت أوجها وتحولت من المستوى السياسي إلى الاجتماعي، ووصلت إلى أقصى قوتها عام 2006؛ بعد تفجير مرقدين يقدسهما الشيعة في سامراء شمالي بغداد، لتتحول إلى حرب أهلية استمرت حتى 2009.
الزبيدي رأى أن “الطائفية بما خلفته من تدمير للبلد وإهدار للموارد كانت السبب في عدم وصول المالكي إلى الولاية الثالثة، على الرغم من الدعم الإيراني والتواطؤ الأمريكي”.
واستطرد يقول: “السنة والأكراد وقفوا صفاً واحداً في وجه المالكي؛ فكانت النتيجة فرض حيدر العبادي على رأس الحكومة، وهي الخطوة التي شقت صف حزب الدعوة إلى شقين”.
وتابع المحلل السياسي العراقي: “فترة العبادي كانت فترة سكون الطائفية وتراجعها إلى أدنى مستوياتها، وهو ما انعكس في استتباب نسبي للأمن، وتحسن في الوضع الاقتصادي، وتراجع الخطاب الطائفي؛ ما شكل مصالحة ضمنية غير معلنة”.
وواصل: “إذا كانت طائفية المالكي هي التي حالت بينه وبين الولاية الثالثة فإن تسامح حكومة العبادي (2014-2018) وتراخي القبضة الشيعية على مقدرات البلد أثارت نقمة الشيعة عليه، وهو ما حرمه من الولاية الثانية في تقديري”.
طائفية عهد “الحشد”
ظهور تنظيم الدولة في الساحة العراقية صيف 2014، قلب موازين القوى، وأوجد فكرة أن الجيش الضعيف الذي هزم أمام مئات من المسلحين اللانظاميين غير قادر على حماية البلاد؛ وهو ما دفع المرجعية الشيعية في النجف، ممثلة بالمرجع علي السيستاني، إلى إصدار فتوى “الجهاد الكفائي”، التي بموجبها تشكلت مليشيا الحشد الشعبي.
وبدعم حكومي لا محدود شارك الجيش العقائدي في هزيمة “داعش”، ليتحول إلى بطل وقوة سياسية ضاربة، بدأت تتوغل في داخل المؤسسات الحكومية حتى فرضت وجودها وسيطرتها على مقدرات الدولة.
وجاءت انتخابات مارس 2018 التشريعية فكانت القوائم السياسية الداعمة للحشد على رأس الفائزين؛ لتبدأ مرحلة جديدة سيطر فيها اليمينيون الشيعة على الدفة، لتعود الطائفية وتطل برأسها من جديد بعد سكون شابها في مرحلة حكم العبادي.
عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، محمد الكربولي، فتح أبواب الحديث عن الظاهرة، الاثنين (22 أبريل)، حين أكد أن وزارتي الدفاع والداخلية تشهدان إقصاءً للكفاءات الوطنية لأسباب طائفية.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن الكربولي قوله: إن “مظاهر الإقصاء الطائفي المقيت عادت إلى مؤسسات الدولة، وعلى وجه الخصوص في وزارتي الدفاع والداخلية، وفي الأجهزة الأمنية”.
وأضاف الكربولي: إن “المئات من الكفاءات الوطنية تحرم من تولي مناصب قيادية في تلك المؤسسات، حتى الصغيرة منها، حيث يتم إقصاء الكفاءات من دورات إعداد القادة والأركان لأسباب طائفية بحتة”، مؤكداً أن “الواسطة هي المعتمدة، حتى في تعيين القادة العسكريين والمديرين العامين للأجهزة الأمنية، بغض النظر عن القدرة والكفاءة”.
حسام الراوي، عضو التيار المدني العراقي، أكد وجود دعوات متصاعدة لإعادة النظر في التوازن الطائفي والديني والقومي داخل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية.
وأضاف: “لا بد من الاعتبار بما حصل قبل ظهور داعش للوجود، وعدم تكرار الأخطاء السابقة بجعل الجيش وأجهزة الأمن حكراً على طائفة واحدة؛ وهو ما أسهم في زيادة الشرخ الطائفي في البلاد، وارتفاع الانتهاكات التي يرتكبها أفراده بدوافع طائفية”.
الراوي دعا إلى “تفعيل المادة التاسعة من الدستور التي تنص على أن تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ أو إقصاء”.
وأشار إلى أن “عودة الانتهاكات والمخالفات التي ارتكبت في المدن السنية قبل اجتياح داعش تعني إنتاج نسخة أبشع من هذا التنظيم، فهذه البيئة الموبوءة تنتج مثل هذه الأفكار الهدامة”.
تجدر الإشارة إلى أن تعيين وزير داخلية جديد في حكومة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، تعطل منذ تشكيل الحكومة بعد انتخابات مارس 2018؛ بسبب إصرار الحشد الشعبي على تعيين رئيسه فالح الفياض على رأس الوزارة التي لا تزال تُدار بالوكالة بسبب هذا الخلاف.
ويخشى الشركاء السياسيون من أن يتحول تعيين الفياض إلى عودة عنيفة للطائفية، وسيطرة أقوى لإيران على الوزارة الحساسة؛ لذلك شهد اختيار الفياض فيتو شارك فيه التيار الصدري والقوى السنية وبعض الجهات الكردية.
(المصدر: الخليج أونلاين)