مقالاتمقالات مختارة

الولاء والبراء من أهم أصول الإيمان

الولاء والبراء من أهم أصول الإيمان

بقلم د. صفاء الضوي العدوي

الولاء معناه: المحبة والمودة والقرب والنصرة، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء أمر قلبي في أصله .. لكن يظهر على اللسان والجوارح .. فالولاء لا يكون إلا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين كما قال سبحانه: (( إنَّمَا ولِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا .. )) .. فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والإشفاق عليهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم وتشييع ميتهم ومواساتهم وإعانتهم والسؤال عن أحوالهم، وغير ذلك من وسائل تحقيق هذا الولاء.

والبراءة من الكفار تكون: ببغضهم – ديناً – وعدم بدئهم بالسلام وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم – شرعاً – وجهادهم بالمال واللسان والسنان، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم.

إن الولاء والبراء من الإيمان، بل هو شرط فيه، كما قال سبحانه: (( تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ولَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ )) [المائدة:٨٠ – ٨١] .

ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذه الآية تضمنت جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط؛ فحرف “لو” تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط. قال تعالى: (( ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ )) قال شيخ الإسلام: فدل ذلك على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، إذ لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. اهـ

قال تعالى: (( لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ويحذركم الله نفسه )) [آل عمران ٢٨] .

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: “نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكفار، وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك فقال تعالى: (( ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ )) أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فهو

بريء من الله، كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً .. )) [النساء ١٤٤] ، وقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ )) .

البراء من الكفار أوثق عرى الإيمان:

والولاء والبراء أوثق عُرى الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم : “أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله” رواه أحمد وهو حديث حسن.

وروى الإمام أحمد أيضاً من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن “تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكافر” . وهو حديث حسن

قال أحد كبار العلماء: إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم أي الولاء والبراء، بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده.

وعلى الرغم من وضوح هذه القضية وضوحاً لا يقبل الالتباس إلا أن قطاعاً كبيراً من المسلمين جهلوا هذه الحقيقة، وذهلوا عن هذا الأصل العظيم، فترتب على ذلك أن دخلت الأمة (١) في طاعة الكافرين، ووالت اليهود والنصارى، وركنت إليهم ركوناً مهيناً، والتمست صلاح دنياها بذهاب دينها، فما صلحت لها الدنيا ولا هي أبقت على دينها كما يجب.

وبرزت صور موالاة الكفار في أمور منها:

– محبة الكفار وتعظيمهم ونصرتهم على حرب أولياء الله، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض، ورميها زوراً وبهتاناً بالقصور والجمود وعدم مسايرة العصر ومواكبة التقدم الحضاري، واستبدالها بالقوانين الوضعية الكفرية، رغبة في استرضاء الكافرين، وحرصاً على مودتهم.

– السماح للدعوات الفكرية الهدامة كالقومية والعلمانية للبروز في ساحة الفكر والإعلام والتعليم وسائر مناحي الحياة، بل وتشجيعها ودعمها، فبثت سموم الغزو الفكري حتى أثرت تأثيراً خطيراً على الأجيال في العقيدة والأخلاق. (١) إلا من رحم الله.

– التركيز الشديد على إثارة النعرات القومية لإضعاف رابطة الأخوة الإيمانية بين المسلمين، تلك الرابطة التي يتهاوى دونها كل روابط الأرض من عرق ودم ووطن وجنس ولون.

فأخرج ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً” .

قال شارح كتاب التوحيد: عند بيان معنى قوله “ووالى في الله: هذا بيان للازم المحبة في الله، وهو الموالاة، وفيه الإشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجرد الحب، بل لابد مع ذلك من الموالاة التي هي لازم الحب، وهي النصرة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين باطناً وظاهراً، وقوله” وعادى في الله ” هذا بيان للازم البغض في الله، وهو المعاداة فيه، أي إظهار العداوة بالفعل كالجهاد لأعداء الله والبراءة منهم، والبعد عنهم باطناً وظاهراً، إشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب، بل لابد مع ذلك من الإتيان بلازمه. قال تعالى { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده } .

فالولاء في الله هو: محبة الله ونصرة دينه، ومحبة أوليائه ونصرتهم، والبراء هو بغض أعداء الله ومجاهدتهم، وعلى هذا سمّى القرآن الكريم الفريق الأول: أولياء الله، والفريق الثاني: أولياء الشيطان.

البراء من الكفار ضرورة إيمانية:

قال تعالى مبيناً هذه الحقيقة: (( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاًّ ولا ذِمَّةً .. )) ، وقال تعالى: (( مَا يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ولا المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ .. )) ، وقال سبحانه: (( ودَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم .. )) .

والتاريخ في القديم والحديث شاهد على ذلك .. وما فعله اليهود في الماضي وما يفعلونه في هذه الأيام في إخواننا المسلمين في فلسطين، وما قد يفعلونه مستقبلاً أوضح برهان على ذلك.

وما أحسن قول أبي الوفاء بن عقيل (ت ٥١٣ هـ) مشيراً إلى معيار الإيمان الصحيح:

إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة.

وإن من شُعَب موالاة الكفار، مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كما قال سبحانه: { ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ .. } [البقرة: ١٠٢] .

ومنها عدم تكفير الكفار أو التوقف في كفرهم أو الشك فيه، أو تصحيح مذهبهم.

تنبيه:

ومع وجوب بغض الكفار والبراءة منهم، فإن ذلك لا يمنع من حسن المعاملة مع غير الحربيين منهم، وينبغي علينا أن ننتبه لهذا الفرق بين البغض والبراءة الذين هما من مقتضى الإيمان، وبين حسن معاملة غير الحربي منهم على مقتضى العدل والإحسان، فإنه يقع أحياناً خلط ولبس في هذا الأمر فلزم التنبيه.

وإن من أعظم ثمرات القيام بهذا الأصل: تحقيق أوثق عرى الإيمان، والفوز بمرضاة الله الغفور الرحيم، والنجاة من سخط الجبار جل جلاله

ثمرات القيام بالولاء والبراء:

ومن ثمرات القيام بالولاء والبراء: السلامة من الفتن .. قال سبحانه: (( والَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسَادٌ كَبِيرٌ )) [الأنفال:٧٣] .

يقول ابن كثير رحمه الله أي أن تجانبوا المشركين، وتوالوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس وهو التباس واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل. اهـ

ومن ثمرات تحقيق هذا الأصل: حصول النعم والخيرات في الدنيا، والثناء الحسن في الدارين، كما قال أحد أهل العلم: “وتأمل قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام (( فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ ومَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ ويَعْقُوبَ وكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِياً * ووَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِياً )) [مريم: ٥٠] ، فهذا ظاهر أن اعتزال الكفار سبب لهذه النعم كلها ولهذا الثناء الجميل – إلى أن قال – فاعلم أن فرط اعتزال أعداء الله تعالى

والتجنب عنهم صلاح الدنيا والآخرة بذلك، يدل على ذلك قوله تعالى: (( ولا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ )) [هود:١١٣] “.

وهذا أمر مشاهد معلوم، فأعلام هذه الأمة ممن حققوا هذا الأصل قولاً وعملاً، لا زلنا نترحم عليهم، ونذكرهم بالخير، ولا يزال لهم لسان صدق في العالمين .. فضلاً عن نصر الله تعالى لهم والعاقبة لهم .. فانظر مثلاً إلى موقف الصديق رضي الله عنه من المرتدين ومانعي الزكاة .. عندما حقق هذا الأصل فيهم .. فنصره الله عليهم وأظهر الله تعالى بسببه الدين .. وهذا إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقف موقفاً شجاعاً أمام المبتدعة في فتنة القول بخلق القرآن .. فلا يداهن ولا يتنازل .. فنصر الله به مذهب أهل السنة وأخزى المخالفين .. وهذا صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يجاهد الصليبيين – تحقيقاً لهذا الأصل – فينصره الله تعالى عليهم ويكبت القوم الكافرين .. والأمثلة كثيرة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى