الولاء والبراء عند الملحدين
بقلم عايض بن سعد الدوسري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يظن البعض أن مبدأ الولاء والبراء شأن خاص بالدين الإسلامي، أو على على أقصى مدى خاص بالأديان وروابط الإيمان، وهذا الأمر غير صحيح بتاتًا، فكل من يعتقد بفكرة مهما كانت، فإنه يحمل في قلبه هذا المبدأ لا محالة، ومعتقد لا يوجد فيه هذا المبدأ ليس معتقدًا!
فالأديان “السماوية”، والأديان الوضعية، والمذاهب “الإنسانية” الوضعية، كالشيوعية والعلمانية والوجودية …إلخ، كلها تؤمن وتمارس مبدأ الولاء والبراء، ولا يمكن أن يقوم إيمان أو اعتقاد بفكرة ما لا ولاء لها ولا براء ممن عاداها، حتى الإلحاد الذي هو أشد تطرفًا وشراسة في هذا الباب!
ومن الشواهد على ذلك، وهي كثيرة جدًا: أن المفكر والفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه، مدير المعهد الأوروبي للعلوم الدينية منذ عام 2005، وكان مستشاراً للرئيس فرانسوا ميتران، حينما ألف كتابه (الأنوار التي تعمي)، انتفض أصحابه من الملحدين والعقلانيين، ورأوا فيه ردة عن الإلحاد والتنوير!
بماذا طالب في كتابه؟ طالب بالاعتدال تجاه الدين، ورفض تغول التطرف والغلو الإلحادي التنويري الذي يستبعد الدين تمامًا من الحياة العامة ومن المدارس والجامعة، ولا يسمح بوجهات النظر الأخرى ذات المرجعية الدينية، بل يرفض الإلحاد تدريس حتى تاريخ ظاهرة الدين، ولا حتى كالأساطير!
يقول هاشم صالح، المفكر العلماني النصيري، عن موقف العلمانيين والملحدين منه: “إن العلمانيين المتطرفين لم يغفروا له ما حصل، فالكثيرون من أصدقائه القدامى أداروا له ظهرهم، بل وأصبح بعضهم يتحاشى مصافحته أو السلام عليه إذا ما التقاه فجأة في الطريق أو في أحد الأماكن العامة. وقال له بعضهم صراحة: لقد خيبت آمالنا، لا، ما كنا ننتظر ذلك من مثقف عقلاني تقدمي مثلك!”.
ويعلق هاشم صالح، المفكر العلماني النصيري، على موقف العلمانيين والملاحدة من ريجيس دوبريه، بقوله: “الواقع أن بعض مواقف هؤلاء مفهومة ومشروعة…إن ريجيس دوبريه يوجه ضربات لئيمة وموجعة أحياناً لبعض فلاسفة التنوير”.
ومن المعروف أن الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه ظل على ما كانت عليه مبادئ وأصول فلسفة التنوير، لكنه بدأ يظهر أكثر تسامحًا وتعقلاً وإتصافًا بالمقارنة مع أصحابه من غلاة العلمانيين والملاحدة، الذين يكرهون الدين ويريدون استئصال كل شيء يتعلق به، وريجيس يريد أن ينبههم على استحالة ذلك.
يقول ريجيس دوبريه: “سيكون من مصلحة من يراهنون على خراب المعتقدات إعادة فتح أطلسهم”. وكانت مقولته هذه قد جاءت في سياق واسع كان من ضمنه صدمته ودهشته من عودة التدين في العالم وخصوصًا في العالم الإسلامي، وتمسك الناس به وسعادتهم وافتخارهم، في مقابل ضمور القناعة بالعلمانية والإلحاد.
وللفيلسوف ريجيس موقفه الأكثر اعتدالاً تجاه الإسلام بالمقارنة مع غيره، وهو يرى الهجوم على الإسلام من كل جهة، حيث يقول: “يكفي أن ننظر إلى أغلفة مجلاتنا، وواجهات مكتباتنا، وافتتاحيات صحيفتنا المفضلة، لنعلم أن هناك تركيزًا لا يمكن تجاهله على إصدار أحكام إطلاقية ومسيئة على الإسلام”.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع مداد