مقالاتمقالات مختارة

الوراثة النبوية بين الأمانة والخيانة

الوراثة النبوية بين الأمانة والخيانة

 

بقلم فضيلة د. عبدالوهاب بن لطف الديلمي (عضو رابطة علماء المسلمين)

 

1 ـ حديث: “إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر”(1).

2 ـ بقاء الدين مرهون ببقاء العلم، قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129 ].

3 ـ واجب العلماء قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة:159 ].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [البقرة: 174-175].

4 ـ واجب العامة ، قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل:43]. وقال تعالى: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ [طه: 114] . وقال تعالى: ﴿ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾[البقرة: 22 ]. وقال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد:19] .

5 ـ التحذير من علماء السوء وذم سلوكهم قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ [ التوبة: 24]. وقال تعالى: ﴿ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187] . وقال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44] .

في الحث على طلب العلم، والعمل بما علم:

ولقد جاء من كلام الخطيب البغدادي: « لا تأنس بالعمل، ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم، ما دمت مقصراً في العمل، ولكن أجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما. وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته»(2). وقال بعض الحكماء: لأن أدع الحق جهلاً به، أحب إلي من أن أدعه زهداً فيه. وفي حديث: “لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه”(3)، قال مالك بن دينار: « إن العلم إذا طلب للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً أو فخراً ». وقال فضيل بن عياض: « لا يزال العالم جاهلاً بما علم حتى يعمل به فإذا عمل به كان عالماً».

ـ التحذير من الازدياد من العلم بدون عمل: قال داود الطائي: إن العلم آلة العمل فإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟

ـ ترهيب الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف:3]. وفي الحديث: “يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلانا ما شأنك ؟ أليس كنت تأمرننا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه “(4). وكان سفيان الثوري يقول: «ليتني لم أكتب العلم، وليتني أنجو من علمي كفافاً لا علي ولا لي». عن جبير بن نفير ، قال حدثني عوف بن مالك الأشجعي: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- نظر يوماً إلى السماء فقال: “هذا أوان يرفع العلم” فقال له رجل من الأنصارـ يقال له: زياد بن لبيد ـ يا رسول الله يرفع العلم وقد أثبت ووعته القلوب؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة” ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله، فلقيت شداد بن أوس، فحدثته بحديث عوف بن مالك، فقال: صدق عوف، ألا أخبرك بأول ذلك يرفع؟ قلت بلى؟ قال: الخشوع حتى لا ترى خاشعاً”(5).

ـ التحذير من تعلم العلم للمباهاة والمماراة والرياء، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة “(6)، وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – المشهور الذي ذكر فيه أول الناس يقضى فيه يوم القيامة، ومنهم: “رجل تعلم العلم والقرآن، فأتى به الله فعرّفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وقرأت القرآن، وعلمته فيك، فقال: كذبت إنما أردت أن يقال: فلان عالم، وفلان قارئ، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار”(7).

ـ الترهيب من حفظ حروف القرآن وتضييع حدوده: عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت فقلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به”(8). كان يقول أيوب السختياني: لا خبيث أخبث من قارئ فاجر. وقال الفضيل بن عياض: إنما نزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس قراءته عملاً، قيل: كيف العمل به؟ قال: أي ليحلوا حلاله ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه.

وروى الخطيب البغدادي عن معروف بن فيروز الكرخي أنه قال: «إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شراً، فتح له باب الجدل، وأغلق عنه باب العمل» .

روي عن بعض السلف منهم عائشة وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري أنهم كانوا يقولون لمن يكثر التعلم منهم والمسألة: «هل علمتم بما عملتم فيقولون: لا، فيقولون: حتى تعلموا بما تعملون» وينهون الناس عن مجرد التكاثر في الحديث وكانوا يخافون من كثرة التحديث، مخافة أن لا يكون لوجه الله. وكانوا ينكرون على من يجتهد في تعلم النحو ليقيم لسانه حتى لا يلحن، وهو لا يقيم أفعاله على الحق فيقولون: «تلقى الرجل وما يلحن حرفاً، وعمله كله لحن».

ـ اغتنام الأيام، وزمن الشباب، وعدم التسويف “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”(9). “اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” (10).

التهافت على القضاء:

ـ جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي في ترجمة أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أن أبا جعفر المنصور كان يعرض على أبي حنيفة أن يوليه القضاء وكان أبو حنيفة يرد عليه بقوله: «اتق الله ولا ترع أمانتك إلا من تخاف الله، والله ما أنا بمأمول الرضا، فكيف أكون مأمون الغضب.. فقال له المنصور: كذبت، أنت تصلح فقال: قد حكمت على نفسك، كيف يحل لك أن تولي قاضياً على أمانتك وهو كذاب» . فعن أبي هريرة: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: “من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين”(11)، وعن ابن بريدة عن أبيه: أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: ” القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل قضى بغير الحق فعلم ذلك فذاك في النار وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة قاضيان في النار، وقاض في الجنة”(12).

ـ أين أصحاب الورع الذين كانوا يتهيبون تحمل مسئولية القضاء، وإذا كان القضاء فريضة على الكفاية، فأين أهلها اليوم، وأين معاقل العلم التي تغطي حاجة البلاد اليوم وفي المستقبل؟

ـ ها هو القانون الوضعي يفرض على أبنائنا ليخرج كوادر القانون ليفرض القانون علينا في المستقبل حين نفقد رجل الشرع.

ـ لا يدرس من الشريعة في كلية القانون ـ في الغالب ـ إلا القوانين المستمدة من الشريعة، وهذه القوانين في الأصل إنما صيغت لتيسر للقاضي وتعينه على الحصول على نص القانون في القضية المعينة، لكنها لا توصل أبناءنا بالعلوم الشرعية الأصلية التي استمدت منها هذه القوانين ليكون الأبناء على صلة بهذه العلوم، ومصطلحاتها، ومعرفة أقوال الأئمة وكيفية الاستنباط، ودليل كل إمام، وطرق الترجيح…

وهذا الأسلوب معناه أن يحال بين أبنائنا وبين كتب سلف هذه الأمة، حتى بمعزل عنها ولا يعرفون طريقة الاستفادة منها، فيكون موقفهم منها هو الجهل المطلق، والجاهل لا يستطيع الاستفادة من القوانين الشرعية إلا عند ما يكون عنده إلمام بحظ كبير من العلوم الشرعية.

ـ وإذا كان عندنا اليوم مجموعة من العلماء ينفذون طاقتهم في القضاء، فأين العلماء الذين يجب أن يشتغلوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأين العلماء الذين يحيون رسالة المسجد بإحياء العلم الشرعي فيها، وأين العلماء الذين يقومون بواجبهم في تعليم العلوم الشرعية في جامعة صنعاء. وهل كانت مهمة العلماء في الإسلام قاصرة على مجرد القضاء، ولا واجب عليهم سواه.

العلماء الربانيون:

جاء ذكر الربانيين في القرآن الكريم في مواضع منها :

1) قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران:79].

2) قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران:146].

3) قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة:44].

4) قال تعالى: ﴿ وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة:62-63 ].

قال الإمام علي – رضي الله عنه- في تفسير “الربانيين”: (هم الذين يغذون الناس بالحكمة، ويربون عليها).

المتطفلون على العلم: ـ “الجهل المركب” “مركب النقص”.

1 ـ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقول: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”(13).

2 ـ عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها- أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرة، فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم:”المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور”(14).

المتشبع الذي يتشبه بالشبعان وليس به، وبهذا المعنى استعبر للمتحلي بفضيلة لم يرزقها، وليس من أهلها.


 

 

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى