مقالاتمقالات مختارة

الهجرة .. جهد بشري وتوفيق إلهي!

الهجرة .. جهد بشري وتوفيق إلهي!

بقلم محمد عبد الرحمن الصادق

إن الهجرة سُنة قام بها الأنبياء جميعاً استجابة لأمر الله تعالى لكي يجدوا متنفساً جديداً وأرضاً خصبة تنمو فيها الدعوة ويشتد عودها ويكثر أتباعها وتؤتي ثمارها بإذن ربها.

– استهلال وتوضيح

بداية لابد من التأكيد على حقيقة تاريخية ثابتة وهي أن الهجرة النبوية لم تكن في شهر المحرم كما يعتقد كثيرون إنما كانت الهجرة النبوية في ليلة 27 صفر سنة 14 من البعثة النبوية، الموافق 12 سبتمبر سنة 622 م، حيث وصل النبي صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين الموافق 8 ربيع الأول، أو 12 ربيع الأول ثم انتقل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول الموافق 27 سبتمبر سنة 622 م، وعمره يومئذٍ 53 سنة. ومن ذلك اليوم سُميت بمدينة الرسول، بعدما كانت تُسمى يثرب.

سبب اتخاذ المسلمين تقويماً لهم ولماذا بدأ تقويم المسلمين بشهر المحرم

* جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري: “أن أبا موسى كتب إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرّخ بالمبعث، وبعضهم أرّخ بالهجرة، فقال عمر: (الهجرة فرّقت بين الحق والباطل فأرّخوا بها)، وذلك سنة سبع عشرة. فلما اتفقوا قال بعضهم: ابدأوا برمضان. فقال عمر: (بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم)، فاتفقوا عليه”.

وعن ميمون بن مهران قال: “رفع لعمر صك محله شعبان فقال: أي شعبان! الماضي أو الذي نحن فيه، أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئاً يعرفونه فذكر نحو الأول”.

وروى الحاكم عن سعيد بن المسيب قال: “جمع عمر الناس فسألهم عن أول يوم يكتب التاريخ، فقال علي: من يوم هاجر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وترك أرض الشرك، ففعله عمر”.

وهناك آراء أخرى لا يتسع المجال لذكرها وما ذكر فيه الكفاية.

– تعلمت من الهجرة

* علمتني الهجرة أن التربية الإيمانية والصبر على البلاء والتضحية والبذل والعناء في مكة كانوا ثمناً لهزيمة مشركي مكة ويهود المدينة وفتح الروم وفارس.

* علمتني الهجرة أن حسن الإعداد وحسن التخطيط وحسن الأخذ بالأسباب المشروعة دون اعتماد سوى على الله وحده كلها قواعد ينطلق منها المسلم وحين يُفرِغ فيها كل جهده وطاقته تسبقه أسباب السماء بمدد لم يخطر للمسلم على بال.

* علمتني الهجرة أن للمسلم جنة في الدنيا يحملها بين جنبيه، يملأ بها صدره، ويتشبع بها فؤاده. إن هذه الجنة هي الإيمان العميق الذي يُثمر عزة وكرامة وقوة وصرامة فلا خنوع ولا مذلة ولا دنية ولا استسلام حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

* علمتني الهجرة أن من أفضل نعم الله تعالى على العبد أن يكون بيته كله عاملاً لدين الله، كذلك كان بيت الصديق رضي الله عنه، أب يرافق الحبيب صلى الله عليه وسلم في رحلته، وأم تتعهد الأبناء وتدير شئون البيت، وابن يأتي بالمعلومات والأخبار، وابنة تحمل الطعام للغار. ما أعظمها من تربية وما أجمله من فهم وما أروعه من بيت!!

* علمتني الهجرة حسن توظيف الطاقات حتى يكون الجميع في العمل شركاء فلا فضل ولا منة لأحد. إن الدعوة تحتاج للفدائي الشاب كعلي، وللمهاجر في العلن كعمر، وللمهاجر تحت القهر كصهيب، وللخادم الأمين كعامر بن فهيرة، وللفتاة الحذرة الواعية كأسماء بنت أبي بكر، كما تحتاج لخبرات الآخرين دون استدراج ولا تنازل ومهادنة كما فعل النبي ﷺ حين استأجر عبدالله بن أريقط دليلاً لهما في الطريق إلى المدينة ولم يكن قد أسلم بعد.

– خاتمة وتوصية

* إن الهجرة المباركة ما نجحت إلا بتوفيق من الله تعالى بعد الأخذ بكل الأسباب المادية والمعنوية لنجاحها وهذا يعلمنا كيف نخطط لكل أمر في حياتنا مهما كان صغيراً.

* إن من الواجب علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة نحاسِب فيها أنفسنا قبل أن نـُحاسَب ونزن فيها أعمالنا قبل أن توزن علينا.

* إن من الواجب علينا أن نضع لعامنا هذا هدفاً نبيلاً طموحاً وأن يسأل كل واحد منا نفسه (من أنا؟ وماذا أريد؟ وكيف السبيل؟ وما هي الفرص والمعينات؟ وما هي المثبطات والعقبات والتحديات؟) عسى الله تعالى أن يطلع على صِدق نياتنا فيعيننا ويجبر كسرنا وأن يأخذ بأيدينا إليه إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى