بقلم أبو ذر القصراوي – موقع أمة بوست
أرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء بدين واحد وهو الإسلام، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [آل عمران: 19]، أي الشّرع المبعوث به الرّسل المبني على التوحيد[1]، فالدّين واحد عند الله وهو الإسلام وهو التوحيد، أما الشّرائع فتختلف من نبي لآخر، قال عليه الصلاة والسّلام: (أنا أولى النّاس بابن مريم الأنبياء أولاد علّات وليس بيني وبينه نبيّ) [رواه مسلم]، قال جمهور العلماء معنى الحديث أصل إيمانهم واحد وشعائرهم مختلفة فإنهم متفقون في أصول التوحيد وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف[2]، فإن دلّ هذا على شيء فإنه يدل على أهمّية توحيد الله سبحانه وتعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وخطورة الشّرك الذي ينافي هذا التوحيد وينقضه، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى المشركين خالدين في النّار وحرم عليهم الجنة، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة: 72].
النّبي صلى الله عليه وسلم آخر الرّسل الذين بعثهم الله تعالى للدعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، فأدى عليه الصلاة والسلام الأمانة ونصح الأمة وأقام على النّاس الحجّة، قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت من شيء يقرّبكم إلى الجنّة إلا وأمرتكم به، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا ونهيتكم عنه) [السلسلة الصحيحة]، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفورا، ومما يتعّجب الإنسان منه في زماننا هذا أن يجد فرقًا مشركة بالله كافرة تنتسب إلى الإسلام كذبا وبهتانا، وتعيث في الأرض فسادا وظلما وعدوانا، فتقتل المسلمين الموحدين وتنكل بهم وتحسب أنها تحسن صنعا، قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهفك 103- 104]، ومن هذه الفرق وأشدها ظلما وعدوانا فرقة النّصيريّة الباطنية، فمن هي هذه الفرقة وكيف نشأت وما هي عقائدها؟.
النّصيرية وألقابهم
النّصيرية حركة باطنية، وطائفة من غلاة الشّيعة، تُنسب إلى رجل يدعى محمد بن نصير النّميري يكنى أبا شعيب، أصله من فارس، وكان من الشيعة الإثني عشرية، عاش في القرن الثالث الهجري، وتوفي حوالي عام (270ه)، ويتوزع النّصيريّون في كل من تركيا وسوريا ولبنان.
واسم “النصيرية” هو الاسم الذي غلب على هذه الفرقة الضالة المارقة عن الإسلام، وهم لا يحبّون هذه التّسمية، ويتضايقون منها لأسباب يزعمونها، منها: أنه أطلق عليهم بدافع من العداوة والعصبية وذريعة لاضطهادهم، وزعموا أيضا أن الأتراك هم الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم “نصيرية” نسبة إلى الجبال التي يسكنونها نكاية بهم واحتقارا لهم. وقد ذكر المستشرق “ريسو” أن سبب تسميتهم بالنصيريين هو وجود صلة بينهم وبين تسمية نصارى أو نصراني، لما رآه من المشابهة بينهما في كثير من أعيادهم، وتقديس كل منهما للخمرة، والتعاون الحاصل بينهما في مواجهة الأزمات. ولكن الأقرب إلى الصّواب أن هذه التسمية إنما أخذت من اسم مؤسس طائفتهم أبي شعيب محمد بن نصير البصري النميري[3].
يطلق عليهم أيضا اسم النميريّة، كما أطلق عليهم الأتراك أيضا اسم (سوره ك)، وتعني بالعربية المنفيين أو المساقين، وأصبح بعدها الناس يلفظونها (سوراك)، وما زالت طوائف منهم لحد الآن تدعى هكذا.
يحبّ النّصيرية أن يلقبوا بالعلويّة، فينسبوا بذلك إلى علي بن إبي طالب رضي الله عنه الذي تبرأ من الشيعة وغلوهم فقتلهم وحرقهم بالنار كما هو معلوم، وقد ذكر بعض المختصين أن هذه التّسمية كانت فرارا من حقيقتهم الكفريّة الشّركية، فإن الانتساب إلى عليّ يسمح لهم بتغطية زندقتهم وشركيّاتهم.
نشأة النّصيريّة وكيف وصلت إلى الحكم في سوريا؟
للشيعة 12 إماما يعتقدون فيهم العصمة ويدّعون أنهم يعلمون الغيب، ويعتقدون أن هناك أشخاصا يعتبرون أبوابا إلى هؤلاء الأئمة ووارثوا علمهم، فيعتقدون أن سلمان الفارسي رضي الله عنه باب علي رضي الله عنه، وهكذا لكل إمام بابا، ويعتقد النصيريّون أن الحسن العسكري أحد أئمتهم المعصومين بابه وحامل علمه ابن نصير، وقالوا أن ابنه محمد بن حسن العسكري وهو المهدي عند الرافضة لا باب له، ولم يعتقد الرّوافض نفس الاعتقاد فانفصل عنهم ابن نصير وأسس فرقته، وكلهم على نفس الضلال والكفر والشرك.
اتخذ محمد بن نصير من مدينة سامراء مقرا له، وظل المرجع الأعلى للمذهب النصيري … وكان (قد ادعى النبوة) وأن الذي أرسله هو أبو الحسن علي ابن أبي طالب، وكان يقول بالتناسخ، والغلو في أبي الحسن ويقول فيه الربوبية، وبالإباحة للمحارم.
عند وفاة محمد بن نصير حل محله باب آخر هو (أبو محمد عبد الله بن محمد الحنان الجنبلاني) وكان يقيم في بلدة (جنبلا) الإيرانية، فلذلك اشتهر بلقب الفارسي. وقد أحدث ابن النصيريين طريقة صوفية عرفت (بالطريقة الجنبلانية) …. وكان قد سافر إلى مصر ….. وهناك تمكن من استمالة الحسين بن حمدان الخصيبي لطريقته ومذهبه … وبعد رجوعه إلى بلدة (جنبلا) تبعه تلميذه الخصيبي، ودرس عليه تعاليم المذهب …. ثم خلفه بعد وفاته سنة 287ه فأصبح رئيسا دينيا ومرجعا أعلى للنصيريين، ثم ترك الخصيبي بلده (جنبلا) الفارسية …. وتوجه إلى العراق….. واتخذ من مدينة بغداد مقرا له…… ثم أخذ بالتّجوال بين أتباعه داعيا ومرشدا…. حتى استقر به المقام في مدينة (حلب) حيث هلك فيها عام 346ه[4] .
وهكذا كلما مات طاغوت منهم قام آخر حتى تمكنوا في آخر الأمر من السيطرة على سوريا وتولي الحكم وسيادة المسلمين فيها، فبعد الحرب العالمية الأولى وبعد الانتداب الفرنسي وبالتحديد مع قيام الثورة ضد الانتداب اتخذ النصيرية موقفا سلبيا من الاستقلال، داعمين بذلك فرنسا النصرانية، ولما أحست فرنسا بقرب خروجها من سوريا قامت بتقوية شوكة النصيرية، فقد كانت تسمح لهم بالدّراسة في المدارس العسكرية ليصبحوا ضباطا وعسكريين، في حين كانت تمنع أهل السنة من ذلك.
مع ظهور حزب البعث السوري ظهر التعصب للقومية العربية على حساب الولاء والبراء الإسلامي، فاجتمع بذلك الكثير تحت هذه الرّاية بما فيهم النصيرية، ولكن دبر النصيرية مكيدة للجميع وتمكنوا في الأخير من الإطاحة بالحكم، فأصبح النصيري الهالك حافظ الأسد رئيسا للبلاد ليبدأ في سياسته الاستئصالية من اغتيالات وإبادات جماعية وخطف وسجن لأهل السنة في سوريا، وبعد موته قام مقامه بشار الكلب الأسد ليرفع شعار: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون، فعاث في الأرض فسادا وأهلك الحرث والنسل ووالى أعداء الله وحارب الإسلام والمسلمين واستعان بروسيا، فأنفقوا مليارات الدولارات للقضاء على الإسلام والمسلمين في سوريا ولكن الله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36]، وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) [آل عمران:10]، وقال تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
عقائدهم الشركية المنافية للإسلام.
النصيرية فرقة تتّسم بالعزلة والسّرية، فهم يكتمون عقائدهم عن غيرهم ويُسمّونها بالأسرار، وهي عبارة عن آراء باطنية ومجموعة من العقائد الوثنية، وقد قام أحد منهم بالكشف عن تلك الأسرار بعد أن كشف أمرهم وتحقق من وثنيتهم، وهو الكاتب سليمان أفندي الأذني صاحب كتاب الأحكام السليمانية الذي قام فيه بكشف أسرار هذه الطائفة الوثنية المشركة بعد أن تحول إلى النصرانية الكفرية المحرفة، وقد كلفه ذلك حياته فقد تم اغتياله من طرف أتباع طائفته.
-
تأليه علي رضي الله عنه.
جاء في كتاب الهالك سليمان أفندي أن أحد صورهم والتي تسمى النسبة يقولون فيها: أحسن توفيقي بالله وطريقي لله وأحسن سمعي واستماعي من شيخي وسيدي ومرشدي المنعم علي كما أنعم الله عليه بمعرفة ع م س (العين معناه علي، والميم معناه محمد، والسين معناه سلمان الفارسي) وهي بشهادة أن لا إله إلا علي ابن أبي طالب الأصلع الأنزع المعبود ولا حجاب إلا السيد محمد محمود[5].
ويقولون في سورة الإمامية: اشهدن عليّ أيّها النجوم الزاهرة والكواكب النايرة والأفلاك الدايرة بأن هذه السورة المرئية المعاينة الناظرة هي علي ابن أبي طالب القديم الأحد الفرد الصمد الذي لا يتجزأ ولا يتبعض ولا ينقسم ولا يدخل في عدد فهو إلهي وإلهكم[6].
لا شك أن هذا الكلام أمر عجيب، لا ينطق به إلا مشرك مريب، فمجرد سمعه فقط يجعل المرء يشمئز أيما اشمئزاز ولو لا أننا نقوله من باب التحذير من هذه الطائفة الزائفة لما ذكرنا ذلك، فكلام كهذا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
-
سبّ الصحابة والطعن فيهم.
يبغض النّصيرية الصحابة الكرام رضي الله عنهم ويصفونهم بأبشع الأوصاف ويسبونهم ويعتقدون كفر أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم والله سبحانه يقول في صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100]، ولكن هم لا يتبعون سور القرآن بل يتبعون ما يوحيه إليهم الشيطان، فقد كتب لهم أحد علمائهم كتبا منها مجموع الأعياد المشهورة في الشتائم على أبي بكر وعمر وعثمان ويسمى أبا بكر الضد الأول وعمر الضد الثاني، وعثمان الضد الثالث، وتحسبهم النّصيرية ذات الشيطان[7].
-
استحلال الحرام.
أول من سلك هذا المسلك الخبيث مؤسس الطائفة الهالك ابن نصير النميري، حيث ورد عنه أنه كان يقول ب: إباحة المحارم، ونكاح الرجال بدعوى أن ذلك من التواضع والتذلل[8]، كما يستحلون الخمر ويقدسونها، ويزعمون أن الله يتجلى فيها، ويسمونها عبد النور فينسبونها إلى الله عز وجل، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ولا يحبون رؤية شجرة العنب تقطع أو تحرق ويستبشعون ذلك، وربما عَدّوا ذلك من الكبائر.
-
قولهم بتناسخ الأرواح ونفي البعث.
يعتقدون بتناسخ الأرواح، فالأرواح الصالحة عندهم تحل في النجوم، ولهذا يسمّون عليا أمير النحل أي أمير النجوم، والأرواح الشريرة تحل في أجسام الحيوانات التي هي في نظرهم نجسة، كالخنازير والقرود وبنات آوى[9].
لا يؤمن النّصيريون بالبعث ولا بالحساب أو العقاب كما أسلفنا .. فهم يعتقدون أن المؤمنين النصيريين عندما يموتون تنتقل أرواحهم إلى درجة أفضل من الدرجة التي كانت فيها …. إلى أن يبلغ درجة (الإصطفاء) وهي فوق درجة النبيين، ثم يرتقي إلى درجة (الحجاب) فدرجة (الباب) فدرجة (الإيمان)[10].
خاتمة.
هذا هو حال هذه الطائفة الخبيثة التي غلت في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فوصل بهم الأمر إلى أن عبدوهم من دون الله. يجب أن يعلم أن هناك بعض عوام النصيرية وبعض مشايخهم من لا يصل إلى هذه الدرجة فتجده ينكر التناسخ وينكر ألوهية علي رضي الله عنه ويؤمن بأنه هناك يوم للحساب، ولكن أقل أحوالهم أن تجدهم من الرافضة الإماميّة المشركة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإن الرجوع إلى الحق والتوحيد، خير من التمادي في الباطل والشّرك، (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [يونس: 25].
المصادر
– جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، تفسير الجلالين، الطبعة الثالثة، دار الحديث، القاهرة- مصر، 2001، ص 68[1]
– أبو زكريا يحيى النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج.15، الطبعة الأولى، المطبعة المصرية بالأزهر، مصر، ص.120[2]
– عز الدين رمضاني، “النصيرية الحقيقة والواقع” ، مجلة الإصلاح، الفضيلة للنشر والتوزيع، العدد 27، 2011،ص.33.[3]
– سليمان الحلبي، طائفة النصيرية تاريخها وعقائدها، الطبعة الثانية، الدار السلفية، الصفاة- الكويت، 1984، ص.39- 40.[4]
– سليمان أفندي الأذني، الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية، ص.14.[5]
– تقي شرف الدين، النصيرية دراسة تحليلية، ص.136[8]
– غالب بن علي عواجي، فرق معاصرة، ج.2، الطبعة الرابعة، المكتبة العصرية الذهبية، جدة- السعودية، 2001م، ص.549. [9]