“النهضة بالقرآن”.. مبادرة جزائرية لتخريج 15 ألف حافظ لكتاب الله
عبد الله” و”محمد رضا” و”لينة”، فتاة وشابان من الجزائر، تمكنوا من حفظ القرآن الكريم كاملا في سن مبكرة، وبأقل وقت وجهد قياسا لما هو مألوف عند طلاب المساجد والزوايا الصوفية والمدارس القرآنية المنتشرة في بلادهم.
غير أن تفوقهم اللافت ما كان ليحصل لولا انخراطهم في “مشروع النهضة بالقرآن الكريم”، وهي مبادرة تطوعية أسسها مجموعة من الشباب الجزائري لخدمة القرآن العظيم حفظا وتلاوة وتدبرا.
تشتغل المبادرة على إعداد جيل حافظ لكتاب الله حفظا متقنا، مع مراعاة أحكامه وكذا فهمه والعمل به، والسعي لإنشاء مؤسسة وطنية للقرآن، تحوي تحتها مراكز للدراسات القرآنية في مختلف المجالات، ومعاهد للتحفيظ المكثف، وكذا مراكز لتعليم أحكام التلاوة وتدبر القرآن، يمتد نشاطها عبر كامل التراب الوطني، مع إقامة نشاطات نوعية وبرامج خاصة.
رؤية طموحة
وتقوم رؤية مشروع النهضة بالقرآن الكريم على تكوين 15 ألف حافظ لكتاب الله، من خلال المخيمات والدورات، مع إنشاء مركز دراسات متخصص وستة معاهد جهوية وفروع في 48 ولاية خلال عشر سنوات.
وترتكز فضاءات تنفيذ البرنامج على مخيمات جهوية ووطنية للحفظ المكثف خلال العطل الأكاديمية، حيث يمتد كل مخيم إلى عشرة أيام في العطلة الشتوية والربيعية، وإلى 12 يوما في العطلة الصيفية.
ويقدم المشروع كذلك دورات لتعليم أحكام التلاوة ونيل الإجازة، وأخرى في التفسير، وكذا التدبر وعلوم القرآن. كما يعتمد تطبيقا إلكترونيا لمتابعة الأفراد، ويستغل فضاءات الزوايا، والمعاهد الدينية والمدارس القرآنية.
جانب من فعاليات تكريم حافظي القرآن الكريم بمبادرة مشروع النهضة (الجزيرة)
جانب من فعاليات تكريم حافظي القرآن الكريم بمبادرة مشروع النهضة (الجزيرة)
البذرة الأولى
وعن ميلاد الفكرة الأولى، يقول مدير المشروع إبراهيم لعموري في تصريح للجزيرة نت، إنها جاءت عن طريق تنظيم دورة مكثفة لمجموعة محدودة من الطلاب في حفظ القرآن، وبفعل النجاح الباهر الذي حققته في فترة وجيزة من الزمن، أدرك القائمون عليها أنه في مقدورهم تطويرها وتعميمها على جميع الفئات وشرائح المجتمع الجزائري.
وبعد استشارة بعض المشايخ والدعاة -يوضح لعموري- جرى تنظيم تجربة أولية مصغرة خلال عطلة الربيع من عام 2013 بمدينة غرداية، لفائدة أربعين طالبا من مختلف الولايات، حيث شهدت الدورة تفاعلا كبيرا من المشاركين، حتى حفظ بعضهم 14 حزبا في تسعة أيام حفظا متقنا.
وبذلك عمل الفريق المشرف على توسيع الفكرة أكثر، حيث نظموا المخيم الصيفي في العام ذاته بتسجيل خمسة آلاف راغب في المشاركة، بينما جرى قبول 1200 طالب فقط لظروف الاستيعاب، موزعين على ست دورات.
الحصاد أرقاما وبشرا
وعن مردود مشروع النهضة بالقرآن الكريم خلال سبعة مواسم، فهو يحصي حاليا ما مجموعه 287 مخيما بمشاركة 17907 طلاب و597 حافظا لكتاب الله، كما استفاد 197 متفوقا من عمرة إلى البقاع المقدسة، كهدايا حصلتها المبادرة من المتبرعين.
وفي شهادته عن مزايا هذه التجربة التطوعية، يقول عبد الله بن دردوخ “بدأت رحلتي مع القرآن الكريم منذ الصغر، ولكن مما زاد في حفظي له هو مشروع النهضة، الذي أعطانا الجو الملائم للحفظ والمراجعة، فكنت أحفظ قليلا وأراجع كثيرا حتى ختمت القرآن”.
وكشف الطالب محمد رضا عماجي أنه تعرف على مشروع النهضة بالقرآن الكريم بواسطة شيخه، فكانت أول مشاركة له في عطلة الربيع من عام 2017 بالمخيم الجهوي للشرق الجزائري، حيث راجع حوالي 13 حزبا، لأن الأجواء هناك كانت رائعة ومحفزة، وهو ما مكنه من الحفظ الكامل في مخيم صائفة 2019.
وأكد في تصريح للجزيرة نت أنه تعلم أيضا أحكام التلاوة والتجويد، ونهل من علوم شتى ذات صلة بالقرآن والشريعة عموما، كما فاز بعمرة مجانية إلى بيت الله الحرام، معتبرا أن “المكسب المميز في مشروع النهضة هو التعرف على شباب محب للقرآن الكريم”.
أما الطالبة لينة حاج صادوق، فقد كانت بدايتها بحفظ عشرين حزبا على يد شيخها كروش موسى، وبعدها تعرفت على المشروع الذي غير حياتها، وفي مخيم 2019، أتمت حفظ آخر جزء لها من كتاب الله، ثم توشحت بتاج النور وزيارة البيت الحرام، مكافأة لها من المبادرة.
أفكار طموحة للمستقبل
وفيما يخص الرؤى التطويرية للمشروع، أكد مديره إبراهيم لعموري أن فريقا إداريا متخصصا يسهر على إنشاء أكاديمية إلكترونية للتحفيظ والإقراء والمتابعة، لتكون تكملة لعمل المخيمات، حيث تجمع بين المتابعة الإلكترونية والجلسات الميدانية للطلبة في العطل الأكاديمية.
وكشف أن الانتساب لها سيفتح صائفة 2020، وتكون الدفعة الأولى بـ 1200 طالب كتجربة أولية، على أن تتوسع إلى دفعات أخرى بعد تقييم المرحلة الأولى.
وأضاف أن “مشروع النهضة” يعمل حاليا على تأسيس فرق عبر كل ولايات الوطن، كما يخطط لتأهيل كافة الحافظين للحصول على إجازات في القراءة والإقراء، وتكوينهم ليصبحوا معلمين للقرآن الكريم، ولهذا خصص لجنة لمتابعة لهؤلاء، بها ثلاثة أقسام.
وأعرب في الختام عن أمله في أن ينجح المشروع في تصدير الفكرة إلى بلدان عربية وإسلامية بعد ثمانية مواسم من التجربة والنجاح والتطوير.
(المصدر: مجلة المجتمع)