مقالات مختارة

النهضة التركية لصناعة المستقبل الإسلامي

بقلم يوسف قابلان / ترجمة وتحرير ــ تركيا بوست.

العالم يتّجه نحو شكله الجديد، ونحن نسبح في بحر من التناقضات.

رغم هذا الوضع المعقد والمتناقض، إلا أن هناك إمكانية القيام بمساع جديدة.

العالم يضيق، وتركيا توسّع أهدافها

العالم يضيق، وبينما هو كذلك تتّسع أهداف تركيا في الموازين العالمية وتمتد مجدّدا في الجغرافيا التي توجد عليها.

بلا شك أمامنا الكثير من التحديات. لا يتركونا في حالنا ولن يتركونا. لكن أفقنا واسع. لقد خرج السهم من القوس، واتساع الأفق يقدّم لنا عرضا تاريخيا مذهلا.

لاستغلال هذا العرض بشكل جيد لابد من التسلّح بفكر خارق يمكّننا من الحصول على الآمال المرجوة منه من خلال روح معطاء وإرادة بناءة بديناميكية حقيقية تستمد قوتها من عمق التاريخ لتصل بحماس إلى الطريق الصحيح.

من الواضح أن من يسمون بالمفكرين الأتراك يفتقرون لهذه الروح المعطاء والديناميكية الحقيقية.

شعب يصنع التاريخ

بالرغم من كل شيء، إلا أن مجتمعنا لديه قدرات تمنحه مقاومة ذاتية للنجاة من الغرق في بحر الشذوذ والمنكرات الذي تم إعداده لهذا الوطن، لتجريد شعبه الذي صنع التاريخ من الروح الإيمانية والصبر والتوكل التي يتسم بها.

ما شهدناه خلال الثلاثين عاما الماضية حينما اتّجه شعبنا نحو إزالة المعوقات المصطنعة التي زُرِعت أمامه، أثبت بما فيه الكفاية أنه شعب لديه ديناميكا مذهلة وقدرة غير محدودة نحو التقدم.

طيلة ما يزيد على ألف عام كنا الدرع الواقي الذي حمى قلعة الإسلام من أعتى الهجمات عبر التاريخ، وحقّقنا التجربتين السلجوقية والعثمانية اللتين منحتا الإنسانية العدالة والأخوة والسلام.

في العهد القريب حينما تحوّل كل العالم إلى مستعمرات للدول العظمى، في العصر الحديث كنا الوحيدين الذين أظهرنا مقاومة واستبسالا وإرادة لا ترضخ للاستعمار.

وهكذا فالأجيال القادمة لهذا الشعب ستكتشف الطريق نحو التقدّم بشكل معطاء يبني تجربة تاريخية جديدة لا يمكن تجاهلها.

هذا الشعب يرى أن المعوقات التي وُضعت أمامه خلال القرن العشرين شيء عارض وعابر. لذلك فهو حريص على ألا يسمح لأي تحرّك يمكن أن يطيح بطاقته ورصيده النضالي مرة أخرى.

اكتشاف الروح المعطاءة

لأنه أدرك أن هذه المعوقات عارضة وعابرة فهو يسعى لتجاوزها عبر إدارة ذاتية دون تدخّل خارجي.

أمامنا عشرات الطرق لتحقيق ذلك. سيضع شعبنا إصلاحات تخلّص مفكّريه ومثقفيه ومن يرسمون له الحياة الفكرية والاقتصادية من العمل لصالح قوى داخلية وخارجية، وتعيدهم للعمل من أجل أولوياتنا واحتياجاتنا.

أصبح لدى شبعنا الوعي الكافي ليعرف المَواطِن التي تخطئ فيها الدولة. إذا ما اتسع المجال أمام عالمنا الذهني الذي يمكنه أن ينفتح على العالم الخارجي ويتخلّص من الانغلاق الذي يجرّه إلى نزاعات وصراعات مفتعلة، حينها سندرك أن لدينا ديناميكية تزيد من وتيرة تحرّكنا وتدفعنا نحو تطبيقها على أرض الواقع.

تاريخ التناقضات الذي تم جرنا إليه خلال القرن العشرين أوصلنا إلى نتائج خاطئة وخادعة مؤدية إلى الهلاك. لذلك فهي فترة قصيرة جدا لمجتمع طالما صنع التاريخ.

علاوة على ذلك فالتاريخ الذي شهدناه في القرن العشرين مليء بالتجارب الصعبة والمستحيلة، لكننا تعلّمنا منه الكثير على كل حال.

لن يبعدنا أحد عن الإسلام

أصبح من الواضح جدا أنه من المستحيل إبعاد هذا الشعب عن الإسلام بأي حال من الأحوال.

حينما مضينا نحو المساهمة بخطاب وتصوّرات لها جذور محورية إسلامية قطعنا شوطا مهما يمكنه تجاوز المعوقات التي وُضِعت أمامنا بشكل سريع.

إذا أردتم التحقّق من ذلك فانظروا إلى ما كتبه المنظرون وعلماء الاجتماع الذين استندوا إلى تاريخ وحضارة الإسلام بشكل كبير، مثل ارنست جلنر وبرين تورنر وريتشارد بوليت وغيرهم من الذين عاشوا خلال الفترة منذ الستينات حتى الآن.

لذلك فنحن حتى الآن لم نكتشف أن لدينا روحا معطاءة وديناميكية ستقدّم لنا أشياء حماسية تحمل معنى ثابت للعالم الذي نعيش فيه، وتكشف لنا الشخصيات الضعيفة والمهتزة التي لا تخدم الإنسان وما أنتجته من مضمون للنفوذ الهش والتضليل من أجل مصالح ضيقة، كما أنها تمنحنا خطابا عميقا ومتينا متكاملا يمزج حياة المسلمين في الدنيا بحياتهم في الآخرة وتبيّن لنا أن التجربة الحديثة التي عشناها مجرد فترة عارضة وعابرة.

لكي ندرك أن الإسلام له روح معطاءة وإرادة بناءة يمنحهما للإنسان، يجب على تركيا أن ترفض العيش بالشكل المضحك والمحزن خارج أسوار التاريخ والجغرافيا الذي تم افتعاله لنبقى في دوامة المؤامرات وجلد الذات، وتنطلق لتنفتح على العالم والحضارة.

لكي يتحوّل هذا الكلام إلى عمل على أرض الواقع يجب علينا أن نحل مشاكلنا الداخلية أولا ثم ننطلق من عمقنا التاريخي وذكائنا الاستراتيجي لنتخلّص من أخطائنا.

الله الكريم يعلم أن هذا الشعب هو أمل الأمة من جديد ويعلم ما نحمله من همّ لهذه الأمة.

سنتجاوز هذه الأيام الصعبة بالروح التي نحملها وسيجري النهر ليصل قراراه.. حينها سيصنع هذا الشعب التاريخ من جديد وسيمضي في رحلة بناء طويلة بإذن الله.

المصدر: صحيفة يني شفق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى