مقالاتمقالات مختارة

النخب الوطنية وعلمنة الأفكار الوطنية والقومية 1 من 2

النخب الوطنية وعلمنة الأفكار الوطنية والقومية 1 من 2

بقلم معاذ السراج

خلال النصف الأول من القرن العشرين تعرضت المنطقة العربية لهزات عنيفة، وتغييرات جذرية، طالت بناها الثقافية والاجتماعية والسياسية، وانزاح من الأذهان شعار الدولة العربية الكبرى، وانفصمت عرى الوحدة السياسية ،وزرعت الحواجز والحدود بين الكيانات الجديدة المصطنعة. لكن المعضلة الأكبر تمثلت في اضطراب عوامل التماسك التاريخي لثقافة المنطقة، وحدوث تحولات عميقة في المفاهيم والأفكار، كانت كفيلة بتثبيت الواقع الجديد،  والحيلولة دون الرجوع عنه.

في هذا الإطار؛ يبرز العامل الذاتي ومسؤولية النخب الوطنية كواحد من أهم الأسئلة المفصلية التي وقع تجاهلها على الدوام، وكذلك إغفال دورها وتأثيرها في المحطات التاريخية المهمة، فبقيت بعيدة عن التناول والبحث والمراجعة.

في هذه الورقة؛ سنتناول التحولات التي طرأت على الفكرة القومية ومفاهيمها، وعلاقتها بالإسلام والعلمانية، من خلال الجوانب النظرية والعوامل التي تأثرت بها،  ومن خلال المواقف والسياسات التي انتهجتها النخب الوطنية تجاه هذه المسألة التاريخية المهمة.

–       القومية والنهضة :

منذ أن قامت حركة النهضة العربية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فإنها ارتبطت بالإسلام باعتباره الأساس الذي قامت عليه حضارة العرب وثقافته، والحصن الذي يقي مجتمعات المنطقة ،ويحافظ على وحدتها وتماسكها بوجه المخاطر التي تحدق بها من كل جانب.

ويؤكد البحث التاريخي الجاد ،أن أسئلة النهضة في تلك الفترة، كانت تدور حول  المواءمة بين حاجة المجتمعات العربية إلى التحديث والتطوير لمواكبة المتغيرات والمستجدات والخروج من دائرة الانغلاق والتخلف من جهة؛ وبين الحفاظ على الأصالة والجذور الثقافية والاجتماعية في مواجهة الموجات المتتالية من الغزو السياسي والثقافي القادمة من الغرب من جهة ثانية. يقول الدكتور وجيه الكوثراني في ندوة نشرتها “مجلة تاريخ العرب والعالم” سنة 1980 في عددها السابع عشر: “كانت الإشكالية : هل نلتحق بالغرب أم نقاومه، إذا أردنا أن نصل إلى النهضة القومية بمعناها العام أي بمعناها الحضاري وليس بمعناها الضيق”.

” كيف نقاوم الغرب ؟ كيف نحافظ على الأصالة؟ وهذا الخط المناهض للغرب والذي حاول أن يختار الأصالة في عملية الاستنهاض طُمس وضُرب، لماذا؟ لأن الدولة العثمانية كان قد اخترقها الغرب اختراقًا كاملًا، فتفككت وتمزّقت بفعل العوامل التي أتت بها الرأسمالية الغربية”.

من الناحية التاريخية، وفي الفترة التي سيطر فيها الاتحاديون على مقاليد السلطة بعد انقلابهم على السلطان عبد الحميد، برز العامل العروبي بقوة وتعززت الفكرة القومية أكثر فأكثر، وبخاصة بين عامي 1909 و1916، التي شهدت التطبيق الصارم لسياسة التتريك واشتداد المظالم التي ارتكبها الاتحاديون. لكن هذا النهج الذي نمّ عن عجز سياسي وحضاري، في فهم آليات الحكم العثماني، وطبيعة التنوع القومي والديني الذي تتركب منه الدولة، ما لبث أن انتهى إلى الفشل الذريع، ومع نهاية الحرب الكبرى انفتح الباب على مصراعيه أمام التجزئة الإقليمية والطوائفية، والنزعات المحلية والفئوية التي تمثلت النمط الغربي حول الفكرة القومية ،وأسقطتها على واقعها، بصرف النظر عن اختلاف الظروف والمسببات.

في المرحلة الاستعمارية، ستبرز قوى اجتماعية تشكّلت حديثًا و”انبهرت بالغرب انبهارًا كاملاً من مقولات وأفكار –عن قصد وعن غير قصد- .. والتحقت به ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا”، وستعمل هذه القوى على وضع صياغات جديدة لمفاهيم الأمة والوطنية والقومية، للحفاظ على التطلعات العروبية والوحدوية ولتتمكن من خوض نضالها ضد الاستعمار. لكن القوى الوطنية التي ستضطر في الواقع لخوض نضالها على الأرضية التي وضعها الاستعمار نفسه، لن تنجح بالقدر الكافي في الوصول إلى صيغة وطنية جامعة، بالمعنى الذي تتصوره الجماهير، والذي يعني وحدة شعوب تؤمن بنفس الأفكار والعقيدة والقيم، وهي الصيغة التي عمل الغرب على تحطيمها وتشويهها منذ بداية القرن العشرين، ولا يمكن أن تُستعاد إلا عبر شخصية وطنية ذاتية وحضارية.

–       قومية علمانية :

منذ بداية الحقبة الاستعمارية، سيكون التوجه العلماني أحد الخصائص المميزة للقومية، وسيترسخ تدريجيًا على حساب الولاءات الأخرى، ولاسيما الدين. وسيتضح تأثيره أكثر فأكثر، ليس في الشعارات والمصطلحات وحدها، بل حتى في المواقف والسياسات تجاه قضايا وطنية وفكرية حاسمة.

إلى جانب ذلك ، فإن العلاقات بالدول الأوربية والاندماج التدريجي في اقتصادها ،وانتشار التعليم الحديث، سيساعد في ولادة قوى وأفكار جديدة، وتكوين مناخ نفساني مختلف، تنمو فيه النزعات المحلية، ورابطة المال على حساب التضامن الديني والرابطة القومية التي بدأت شيئًا فشيئًا تفقد سيطرتها على الحيوات الفكرية لدى النخب والزعامات السياسية السورية ومفاهيمها الأيديولوجية.

وقد شهدت تلك الفترة بروز طبقة من المثقفين والسياسيين، كانوا يتقاسمون تجارب سياسية متشابهة وعلمانية في طبيعتها إلى حد بعيد. وحسب فيليب خوري، فقد تلقوا ثقافة وتعليمًا عصريا إمّا في أوربا أو في مدارس حديثة في دمشق وبيروت، وكانت لهم خبرة في الفروع الجديدة من الإدارة العثمانية، وتصدّروا المراتب الاجتماعية والسياسية خاصة، بصفتهم مؤهلين للدفاع عن القضية السورية بمصطلحات يفهمها الفرنسيون. ومن المؤكد أن الظروف والمستجدات التي طرأت على المنطقة في تلك الفترة أتاحت لهذه النخب الجديدة والمنفتحة على النمط الأوربي أن تتصدر الساحة الوطنية، وتشغل كافة المواقع السياسية والدبلوماسية والاجتماعية والثقافية، مستفيدة من هيمنتها على النشاطات التجارية والمالية والعلاقات العامة، وبخاصة تلك التي ارتبطت بالدول الأوربية، منذ أواسط القرن التاسع عشر.

وبطبيعة الحال فإن تفكير أولئك القادة سينعكس في إعطاء القومية نكهة علمانية، وسيتكون من خلالها تصور لدولة علمانية عربية مستقلة قائمة على مؤسسات غربية ،ولأمة عربية متماسكة بفعل تاريخها ولغتها وثقافتها وأرضها المشتركة. “كان أولئك القادة حريصين على تقديم أفكارهم وتصوراتهم تلك، بنكهة علمانية خالصة”. وبحسب فيليب خوري، فقد أتاح لهم دخولهم كشركاء سياسيين إلى جانب سلطة الانتداب، وتشكيلهم حكومة وطنية، أن  يقدموا تصوراتهم ورؤاهم إلى فرنسا وعصبة الأمم، ضمن فكرة أمة سورية – عربية موحدة ومستقلة، تضمن حقوق الأقليات الدينية والعرقية.

ومع حرصهم الدائم على المضمون العلماني لأفكارهم، إلا أنهم كانوا يتوجهون إلى الجماهير السورية بخطاب آخر يتجنبون فيه اللهجة العلمانية الفاقعة، تحاشيًا للاصطدام بالثقافة السائدة والتعرض المباشر لقناعات الناس وقيمهم، ومع ذلك فإن هذا التصادم سيتكرر حدوثه مرارًا في الفترات التالية,، وسيكون أحد المؤشرات الهامة على الافتراق المتزايد في الأفكار والمفاهيم والرؤى.

على أن التأثير الأكبر لتلك التحولات سيظهر من خلال تحويل الحركة الوطنية  إلى حركة سياسية؛ تكون الأداة الرئيسة لشريحة كبيرة من النخبة السياسية السورية، من أجل التوصل إلى احتكار النفوذ السياسي في الساحة المحلية..

 ونظرًا لثقافة تلك الشريحة وطبيعة تنشئتها، فإنها ترى صراحة أن الشريعة الإسلامية أصبحت قديمة ولابد من استبدالها. ولن تلبث أن تُظهر تبرمًا تجاه المسائل الدينية، التي ستكون في قلب النضال الشعبي ضد الفرنسيين.

ولابد من القول هنا : إن تلك السنوات شهدت بالفعل انحسارًا واسعًا لمكانة الإسلام ودوره في الحياة الثقافية والاجتماعية، وانعزالًا تامًا عن الحياة السياسية، في مرحلة عانت فيها المجتمعات الإسلامية كثيرًا من الجهل والتخلف والانغلاق. ومع هذا كله، فليس من السهل التسليم بمقولة أفول الإسلام أو انتهاء دوره، فقد ظلّ الدين هو المحرك الأول لروح الثورة والمقاومة ضد المحتلين، كما أنّ جذوة النقاش حول التحديث والإصلاح الديني ظلت متقدة وإن خبت نارها أحيانًا.

–       سلطة وطنية علمانية :

يمكن القول : إن النهج العلماني كان هو السمة الغالبة على السلطة الوطنية التي أدارت الأوضاع السياسية في البلاد إلى جانب الفرنسيين، والشخصيات التي تعاقبت عليها طيلة المراحل المختلفة، ابتداء من حزب الشعب إلى الكتلة الوطنية وسائر التنظيمات السياسية والأيديولوجية ظهرت تباعًا؛ إلّا أنه من المهم الإشارة إلى أن

القادة الوطنيين أظهروا انحيازًا دائمًا إلى جانب الرأي العام، ولاسيما في القضايا الدينية الحساسة التي بدت وكأنها تمثل “رموزًا مهمة لمناهضة الحكم الفرنسي”. وعلى الرغم من الحسابات السياسية التي تفرض نفسها في كثير من الأحيان، إلا أن التوافق الوطني كان هو الآخر يفرض نفسه في ترتيب سلم الأوليات لدى الإصلاحيين والساسة والزعماء الوطنيين، يقول فيليب خوري:

“ولو فعلوا خلاف ذلك لانهار أساس نظام الدعم الذي قام عليه نفوذهم وقوتهم”.

إلا أن سلطة الانتداب لم تتوقف عن التحريض وإثارة القلاقل، وبخاصة في المسائل الدينية، التي احتفظت تجاهها بنهج سلبي على الدوام، وبحسب فيليب خوري، فإن فرنسا تصرفت في كثير من الأحيان كدولة مسيحية، وتعمّدت إذلال المسلمين والحط من شأن عقيدتهم وتقاليدهم. وفي أحد الأمثلة الصارخة، فإنّها لم تكف عن محاولة فرض الإشراف المباشر على المؤسسات دينية كالأوقاف التي كانت توفر لسلطة الانتداب جزءًا رئيسًا من مداخيلها؛ كما أنها اتخذت سلسلة متلاحقة من الإجراءات في محاولة لتغيير قانون الأحوال الشخصية، وفي إحدى الحالات أصدرت دستورًا علمانيًا يتناقض مع واقع المجتمع ودينه ومبادئه، تضمن ما عُرف في ذلك الوقت بقانون الطوائف، “الذي فهمه الزعماء المسلمون في حينها بأنه يستهدف البنى الاجتماعية والأعراف والتقاليد السائدة”.

ومع أن هذه التغييرات لاقت استياء عامًا، واتفق علماء الدين والقوى الوطنية والسياسية على رفضها، إلّا أن هذا الرفض بدا في كثير من الأحيان وكأنه بدوافع سياسية وليس انتصارًا للدين، كما بينت العديد من الوقائع، ما أعطى مؤشرات على أن الفجوة بين التوجهات حول الدين ودوره آخذة في الاتساع. ونتج هذا في الواقع عن اختلاف المواقف تجاه السياسات الفرنسية سواء نتيجة التوجهات الأيديولوجية، أو بدافع تجنب الاصطدام مع سلطة الانتداب ، لاسيما في فترة ما عُرف “بالتعاون المشرّف”.

ومن المعروف أن سلطة الانتداب عملت بدأب على نشر الرذيلة والفساد، وافتتحت الكثير من الحانات والملاهي التي تقدم الخمور، وتدير موائد القمار وتعرض الراقصات ،وحرصت على نشر مظاهر السفور والملابس المتحررة، وكانت النساء البرجوازيات يرتدينها في الأماكن العامة (ومنهن زوجات كثير من السياسيين وقادة الكتلة الوطنية)، بالإضافة إلى تأسيس نواد مختلطة، وفرت فرصة الاحتكاك بالفرنسيين وإقامة الحفلات المشتركة بينهم وبين النخبة السياسية وعائلاتها.

وقد اعتبرت هذه المظاهر في حينها منافية للأعراف والتقاليد السائدة، وزادت أكثر فأكثر من كثرة الاحتجاجات وحدتها، وفي بعض الأحيان ضد الحكومة الوطنية نفسها. إلا أن تلك الاحتجاجات، لم تؤثر على المواقف الوطنية لقادة الجمعيات والمثقفين الإسلاميين، التي تزايدت نشاطاتها في ثلاثينات القرن الفائت. وتدل وقائع تلك الفترة، على أن هذه الجمعيات، وفي أسوأ الظروف، لم تتخذ موقفًا معارضًا من الكتلة الوطنية خلال توليها الحكم، رغم خلاف التوجهات والمواقف في بعض الأحيان. ودلّت الوقائع أيضًا على أن أولئك الإسلاميين – وحسب فيليب خوري –  مدركون لحدود ما يمكن أن يفعلوه تجاه القضايا الوطنية والقومية من جهة، وتجاه المسائل الداخلية من جهة أخرى. وتجلى ذلك في موقفهم من الدستور والملابسات التي أحاطت به، وفي موقفهم من قضية فلسطين، حين ضغطت الجمعيات على حكومة الكتلة الوطنية لدفعها إلى المزيد من دعم الثورة في فلسطين، وكانت هي التي تمدها بالرجال وبالسلاح وبالدعم المعنوي.

لكن وقائع عديدة، تشير أيضا إلى أن الاتجاه العلماني كان آخذًا في التمكن والرسوخ شيئًا فشيئًا، لاسيما وأنه انفرد بإدارة السياسة المحلية إلى جانب الفرنسيين.

ففي صيف عام 1928، أنجز فارس الخوري وفوزي الغزي بتكليف من الجمعية التأسيسية دستورًا من 115 مادة، استوحيت مواده من أنظمة ديمقراطية أوربية، وتبنى هذا الدستور جمهورية برلمانية ذات مجلس واحد ينتخب لمدة أربعة أعوام باقتراع شامل يتم على مرحلتين، ومع أنه كان بصورة عامة دستورًا مقبولًا ،ولم يتم الاعتراض عليه، حتى من علماء الدين والمثقفين الإسلاميين، ومع أن الفرنسيين أنفسهم لم يخفوا ارتياحهم لتأكيد بنود الدستور على “المساواة بين جميع افراد الطوائف الدينية كافة”، مع “حرية ممارسة الشعائر الدينية، والمساواة بين مدارس الطوائف”، إلا أنهم – أي الفرنسيين – بادروا إلى إظهار استيائهم من مادة تنص على “أن نقاط السلطة التنفيذية تُناط برئيس للجمهورية يقتضي أن يكون مسلمًا”, واعتبروا أن هذه المادة بالية، وشاركتهم في ذلك بعض الأوساط العلمانية السورية.

وفي 5 آذار 1936، أصدر الفرنسيون مرسومًا يقضي بتنظيم الجماعات الدينية، لكن السوريين استقبلوه بفتور، ولم يعمل به قط، ما دفع الفرنسيين لإصدار مرسوم معدل رفضته مجددا المؤسسات الدينية الإسلامية، وخصوصًا جمعية العلماء التي كان يرأسها الشيخ كامل القصاب، وتزايد الضغط حينها على حكومة جميل مردم بك التي رفضت المرسوم بدورها.

يرى فيليب خوري “أن الذي دفع إلى أن تثور ثائرة القادة الدينيين، هو أن المرسوم الذي جرى تعديله في منتصف كانون أول 1938، أجاز من ضمن ما أجاز أن يبدل المسلم دينه وأن تتزوج المسلمة من غير المسلم”، وعلق بالقول: “لم يسبق للفرنسيين أن أساؤوا اختيار قضايا بالقدر الذي أساؤوا فيه اختيار قضية الأحوال الشخصية، ولاسيما أن السوريين لم يكونوا قد استفاقوا بعد من صدمة التنصل من معاهدة 1936،واعتبر المسلمون أن الفرنسيين عاملوهم كطائفة بين عدة طوائف فأصابوا بالتالي جذر مفهوم المسلمين للدولة”.

هذه الحادثة وأمثالها عززت من الخلاف حول المسائل الدينية بين العلماء والمثقفين الإسلاميين من جهة، وبين النخب السياسية والحكومة الوطنية من جهة أخرى، ليتحول هذا الخلاف في سنوات لاحقة إلى صدامات مباشرة يسقط فيها ضحايا، كما حدث عام 1944، بسبب احتفال أزمعت إقامته جمعية نقطة حليب في نادي الضباط الفرنسيين ودعت إليه النساء السوريات وعلى رأسهم زوجات الزعماء الوطنيين، وبمقدار ما كانت هذه الحادثة مزعجة لكافة الأوساط إلا أنها أوضحت المدى الذي يمكن أن يذهب إليه التمادي في تبني السلوكيات والثقافات الأوربية العلمانية، لاسيما تلك المعادية للدين والمنافية للتقاليد العامة..

على أننا نعود إلى القول مرة أخرى ،بأن الوعي العام في تلك الفترة والذي كان متأثرًا بالموقف من الاحتلال الفرنسي بالدرجة الأولى، لم يسمح باستثارة الخلافات الداخلية، سواء منها ما تعلق بالسياسة أو المجتمع، إلا في نطاقات محدودة، وغالبًا ما كان يتم احتواء المشكلات من هذا النوع بما عرف عن السوريين من حلم وأريحية، وقد سبق للشيخ علي الطنطاوي، على سبيل المثال، أن انتقد مبالغة قادة “الجمعية الغراء” في احتجاجات عام 1944،واعتبر أنها تعلقت بقشور المشكلة وليس بجوهرها، وأبدى أسفه على أن تلك المواقف عجّلت بحلّ “الجمعية الغراء”، ومصادرة أملاكها، وهو الأمر الذي لم يكن محبذًا الوصول إليه.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى