مقالاتمقالات مختارة

«الناس على دين ملوكهم»

«الناس على دين ملوكهم»

بقلم أ. محمد إلهامي

ربما حُلَّت نصف معضلات أفكاري في اليوم الذي أيقنت فيه أن «الناس على دين ملوكهم» لا أنهم «كما يكونوا يُولَّى عليهم».

أتذكر ذلك اليوم.. كان قبل عشرين سنة تقريبا.. ولم تأتِ هذه العشرين إلا بما يزيدني قناعة بهذا واستمساكا به.

فيما قبلها كانت الحيرة تضرب خيمتها في نفسي.. أين الخلل؟ ومن السبب؟ وكيف الحل؟!

ولستُ الآن بصدد التدليل على هذا أو سوق البراهين له.. لكن ثمة ملاحظة جديرة بالإشارة إليها!

رأيتُ الذين يضعون المسئولية عن الشعب، منصرفين عن معارك الأمة الكبرى، ممتنعين عن مجالدة الطغيان أو إنكار منكره، منصرفين إلى مجالدة الشعوب وسبها والطعن فيها، معركة سهلة لذيذة.. فليس هناك من اسمه «الشعب» لكي ينتفض دفاعا عن نفس وسمعته وردًّا على من يظلمه ويشتمه!

معركة سهلة لذيذة، يمكنك بعدها أن تنصرف إلى خاصة شأنك، ترى أنك فعلتَ ما عليك، وأنك أحسن من الناس، وأنهم لم يبلغوا أن يصلوا إلى مستوى عقلك وفهمك وثقافتك وأخلاقك وحكمتك البالغة!

فإذا حَشَرَكَ الزمان -رغم أنفك- في معركة بسيطة مع مجرم أو ظالم، وجدتَ في جعبتك من أدوات الحكمة ما يسمح لك بمجاملته والتلطف له ومداراته، وربما نفاقه بصريح العبارة وجميل النظم!

وترى بعد هذا أنه من الضرورات والاضطرارات والإكراهات التي يجوز معها ما لا يجوز.

فإذا كنتَ أيها الحكيم العاقل الخبير قد أجزتَ لنفسك نفاق الحاكم مضطرا، فلم لم تعذر بهذا الشعب؟

والشعب -كما تراه- جاهل ليس عنده علمك، ومنحط ليس عنده خلقك، وسفيه ليس عنده حكمتك، ومتبع لشهوته ليس عنده حلمك وتعففك!!

إن معركة الإصلاح في جوهرها معركة حكم وسلطة.. إلى الحكم والسلطة ترنو كل حركات الإصلاح والإفساد، فمن وصل إليها وغلب عليها ألزمَ الناسَ أفكارَه وأخلاقَه وطباعه!

ولذلك وجد كل نبيٍّ ملأً في وجهه، هم مَنْ تولَّوْا حربه ومواجهته والتضييق عليه، فإذا غلبهم اتبعه الناس، وإذا غلبوه هلكوا ومعهم الناس.

يقول قائل: ولكن الذين يحكموننا هم منا، من هذه الأرض، ويتكلمون بألسنتنا، ودرجوا من قبائلنا وعشائرنا!

وأقول: في عصر النظام العالمي، والدولة المركزية، والفجوة الكبيرة في التسلح بين السلطة والناس، لا بأس أبدا أن يُقال بأن هؤلاء الذين يحكموننا إنما نزلوا علينا من الجوّ، ووُضِعوا في مكانهم بغير إرادتنا ورغما عنا، ولكل طحين نخالة!

وكانت مهمة الاحتلال، ثم هذا النظام العالمي، أن يستخرج الأقليات ليُمَكِّنَها، أو يدعم من كان أكثر شرا وأعرق في الخيانة ليُنَصِّبَهم حُكَّامًا.

وها هي أمتنا تشهد وترى بنفسك.. كيف إذا غلب عليها حاكم فحركها للكفاح ضد الصهاينة -مثلا- اتبعوه وضربوا أمثلة في البسالة، وكيف إذا عليها من يسوقها للتطبيع وجد فيها نخالة تغني بالعبرية وتفلسف لجمال وحلاوة العلاقة مع الصهيونية وتتبرع بأرضها الخاصة لإقامة السفارة الإسرائيلية!! وبعضهم يزيد فيقول: وأنا أؤيد فتح سفارتين إسرائيليتين في بلدنا لا واحدة!

ألا صدق قول المتنبي في حالنا لا في حال زمنه:

سادات كل قبيل من نفوسهمُ .. وسادة المسلمين الأعبدُ القزمُ

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى