مقالاتمقالات مختارة

النازية الهندية في عهد مودي (2-2) .. 200 مليون مسلم تتخذهم الحكومة الهندوسية أعداء

النازية الهندية في عهد مودي (2-2) .. 200 مليون مسلم تتخذهم الحكومة الهندوسية أعداء

كتبه: دِکستر فِلكِنز
ترجمه: أسامة خالد

تَتِمَّة..

أخذت رنا أيوب ما توصلت إليه من نتائج عائدةً إلى محرريها. ولكن بعد مراجعة النصوص، قرر المحرر تارون تيجبال عدم نشر التقرير. كانت المحادثات المسجلة في الغالب لمسؤولين يَذكُرون تورط مسؤولين آخرين – غالباً ما كانا مودي وآمِت شاه. أخبرني تارون تيجبال أن ما أراده هو أن يعترف أشخاصٌ بجرائمهم. قال لي: “التقاليد الأساسية لعملية الاستدراج هي أنه لا يكون جيداً إن لم يتهم الشخص نفسه. إن قُلت لي: ‘لقد أجريتُ محادثة مع شخص ما، وأخبَرَني أن توم، ودِكْ، وهاري كذا وكذا، وأن ذاك الشخص موقنٌ أن توم يأخذ أموالاً من فلان، وأن هاري فَعَلَ كذا وكذا مع فلان، فإن هذا لا يعني شيئاً. إنها مجرد ثرثرة رخيصة’ “.

كانت رنا أيوب مقتنعةً بأن تارون تيجبال قد رضخ لضغوط من حزب B.J.P. قالت لي: “لقد رضخ، كنتُ داخل الحلقة المقرَّبة لمودي وآمِت شاه.. أقرب ما يمكن.” لكن تارون تيجبال أنكر هذا، ووقف محررون آخرون إلى جانبه.

ولأن رنا أيوب كانت عازمة على نشر القصة كتبت مسودة كتاب ووزعته على دور النشر والصحف والمجلات الإنجليزية. كلهم رفضوا عرضها. قال البعض إن الكتاب كان متحيزاً جداً وقال معظمهم إن طُرُق الحصول على المعلومات يمكن أن تعرِّضهم لدعاوى قضائية. أخبرني عددٌ من المحررين سرِّاً بأنهم يعتقدون أن عمل رنا أيوب كان فاضحاً، لكن كان من المستحيل نشره. أخبرني كريشنا براساد – الذي كان آنذاك رئيس تحرير مجلة “Outlook”: “أردنا أن نقتطف من الكتاب لغلاف مجلتنا، لكن انتشر الخبر وبدأت المكالمات الهاتفية. ببساطة لم نتمكن من القيام بذلك.”

بحلول عام 2012، أصبح مودي القائد الأكثر شهرة في الهند من حزب B.J.P، وكان يبدو من المرجح أن يترشح لرئاسة الوزراء. قالت رنا أيوب: “رأى الجميع النذير بالخطر القادم. كان مودي سيفوز، ولم يرغب أحد في إبعاده”. استمرت رنا أيوب محاوِلةً العثور على ناشر، لكن لم يُنشَر شيء. أخبرتني أنها أصيبت بحالة ذعر شديد، واعتمدت على مضادات الاكتئاب للسنوات الأربع التالية. في عام 2013، اتُّهِم تارون تيجبال – محرر تيهيلكا – باعتداءٍ جنسي وقضى سبعة أشهر في السجن قبل إطلاق سراحه بكفالة. (يصرُّ على براءته، والقضية ما تزال جارية). انهارت المجلة بالكامل. قالت رنا: “اعتقدت أنها كانت النهاية”.

عندما بدأ مودي ترشحه لمنصب رئيس الوزراء في خريف عام 2013، لم يروِّج لنفسه كقائد قومي صليبي بل كرجل إدارة خبير وصاحب رؤيةٍ كان قد ترأس ازدهاراً اقتصادياً في غوجارات. كان شعار حملته: “الأيام الجميلة قادمة”. أظهرت نظرة فاحصة إلى البيانات أن اقتصاد ولاية غوجارات لم ينمُ تحت إدارته بوتيرة أسرع مقارنة بمن سبقه – كان النمو المتسارع “حكاية منسوجة بشكل خيالي” كما قال براساد – المحرر السابق. ومع ذلك، فإن العديد من الشركات الكبرى في الهند أغرقت حملته بالتبرعات.

كان مما ساعد مودي التصور الذي انتشر بشكل كاسح لدى العامَّة بأن حزب الكونغرس، الذي كان في السلطة طوال نصف القرن الماضي، قد أصبح متعجرفاً وفاسداً. كان تقاعسهم متجسداً بعائلة غاندي التي سيطر أعضاؤها على الحزب ولكنهم بدَوا خجولين وبعيدين عن الناس. راهول غاندي – رئيس الحزب (وحفيد نهرو) – أطلق عليه الإعلام الهندي لقب “الأمير المتردد”.

وفي المقابل كان مودي وفريقه منضبطين وذوي تركيز واستجابة. قال لي معلق سياسي هندي قابل جماعة راهول غاندي ومودي: “جماعة راهول غاندي يجعلون رؤساء الوزارات – الذين سافروا عبر البلاد لرؤيتهم – ينتظرونهم لأيام. إنهم لم يكترثوا لهم”. أما جماعة مودي، فقد كانوا يُدخلونهم مباشرة”. في حين أن قادة الكونغرس كانوا يتصرفون غالباً كما لو أن من حقهم أن يَحكُموا، فقد قدَّم قادة حزب B.J.P أنفسهم على أنهم نُسَّاكٌ وأصحاب التزام وليسوا عرضة للفساد. مودي – الذي يُقال إنه يمارس عدة ساعات من اليوغا كل يوم – كان يرتدي عادةً ثياباً بسيطة، وكان أفراد عائلته يعملون في وظائف متواضعة وكانوا غائبين بشكل واضح عن المناصب الحكومية العليا. ومهما كانت الادعاءات الأخرى التي أحاطت به، فلا يمكن اتهامه بالجشع.

فاز حزب B.J.P بالنسبة الأكبر من مجموع الأصوات، ووُضع مودي على رأس الائتلاف الحاكم. فاجأ الكثير من الهنود بحكم موقعه كرئيس للوزراء عندما تحدى الناس أن يواجهوا المشاكل التي لم تُعالَج. إحداها كانت التغوط في الأماكن العامة، وهو سبب رئيسي للمرض في جميع أنحاء الهند. أعلن في خطاب مبكر ألقاه في دلهي عن برنامج على مستوى البلاد لبناء مراحيض عامة في كل مدرسة، وهو تحسن أرضى به الكثير من الهنود. كما عالج مودي سلسلة من عمليات الاغتصاب الجماعي التي كانت منتشرة بكثرة متحدثاً بلغة حديثة قائلاً: “الآباء يسألون بناتهم مئات الأسئلة، لكن هل تجرَّأ أيٌّ منهم أن يسأل أبنائه إلى أين يذهبون؟”
هذا الخطاب رسم المسار العام لمودي في رئاسة الوزراء، أو على الأقل في جزء منها. عندما كان شاباً، نَذَرَ أن يبقى عازباً، ولم يبدِ أي إشارة علنية إلى أنه أخَلَّ بهذا النذر. ولعدم وجود أعباء عائلية، كان يعمل باستمرار.

قال لي المعلق السياسي الهندي: “عندما يكون لديك هذا النوع من القوة، هذا النوع من الشغف، فأنت لست بحاجة إلى الرومانسية”. ركز مودي في غوجارات على مشاريع كبيرة، واكتساب ودِّ صانعي السيارات وإيصال الكهرباء إلى القرى. وكرئيس للوزراء.. أحدث إصلاحاً شاملاً لقوانين الإفلاس وبدأ بحملة لبناء الطرق بمليارات الدولارات.

نجحت جهود مودي لتغيير صورته في الغرب أيضاً. رحَّب كُتَّاب الأعمدة في الصحف في الولايات المتحدة بتشديده على مسألة الأسواق والكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، زار مودي شبكة واسعة من الأمريكيين من أصل هندي ممن رحبوا بنجاحه في جلبه للهند إلى الساحة العالمية. أسقطت إدارة أوباما بهدوء حظر التأشيرة المفروض عليه. عندما التقى مودي بأوباما – ولم يكن قد مضى وقت طويل على توليه منصبه وقتها – زار الاثنان النصب التذكاري لمارتن لوثر كينغ جونيور، وهو رجل قال مودي إنه معجب به. كان مودي أثناء إقامته في اجتماع عشاء مع أوباما، لكنه وضع طهاة البيت الأبيض في معضلة: لقد كان صائماً لـ ‘نافاراتري’، وهو مهرجان هندوسي.. شرب مودي الماء فقط في الاجتماع.

أخبرني المعلق السياسي الهندي، الذي التقى بمودي خلال فترة ولايته الأولى، أنه شخصياً كان حادَّاً ومحباً للاستطلاع إلا أنه لم يكن مضطرباً؛ كان يمزح بشأن القرود التي كانت تفسد حديقته، وناقش بسعادة خفايا المشاريع التي كانت تشغل اهمامه. أهمها المياه: كانت المياه الجوفية في الهند تتدهور بسرعة (انخفضت بنسبة واحد وستين في المائة خلال العقد الماضي)، وكان مودي يحاول الاستعداد لمستقبل يمكن أن تتعرض البلاد فيه للجفاف. عرض أيضاً خلال الاجتماع قائمة مفصلة من الدول التي كانت في حاجة إلى مختلف المتخصصين – المحامين والمهندسين والأطباء – من النوع الذي يمكن أن توفره الهند، نظراً لضخامة عدد الخريجين فيها. قال المعلق: “إنه ذكي، شديد التركيز.. ومتشدد بعض الشيء.”

بعد تولي مودي للسلطة بفترة ليست بطويلة خمدت قضية شوراب الدين شيخ التي تورط فيها صديقه القديم آمِت شاه. بحلول عام 2014، كان آمِت شاه قد توقف أساساً عن حضور جلسات الاستماع. عندما أمر القاضي آمِت شاه بالحضور، أُبعِد عن القضية في تحدٍ للمحكمة العليا.

كما اشتكى القاضي الجديد بريجوبال لويا من عدم حضور آمِت شاه للمثول أمام المحكمة. وقال لعائلته وأصدقائه إنه يتعرض “لضغوط كبيرة” لكي يرفض الدعوى، وقال لهم إن رئيس المحكمة العليا في بومباي قد عرض عليه ستة عشر مليون دولار لإفشال القضية. (لم يتسن الوصول إلى رئيس المحكمة العليا للحصول منه على تعليق). مات بريجوبال لويا بعد فترة ليست بطويلة في ظروف غامضة. قال تقرير الطبيب الشرعي إنه تعرض لنوبة قلبية، لكن بحسب ‘كارافان’ وهي مجلة إخبارية هندية رائدة.. التفاصيل الواردة في التقرير كان يبدو أنها قد زُوِّرت. الترتيبات اللازمة لإعادة جثمان بريجوبال لويا لم يقم بها مسؤولون حكوميون بل قام بها أحد أعضاء منظمة R.S.S. وصل جثمانه مضمَّخاً بالدم. طلبت عائلة بريجوبال لويا إجراء تحقيق رسمي في سبب وفاته لكنها لم تُحصل على ذلك.

أُحيلت قضية آمِت شاه إلى قاضٍ ثالث وهو إم بي غوسافي الذي أسقط جميع التهم بعد أقل من شهر قائلاً إنه لم يجد “سبباً كافياً للاستمرار” بالقضية. ولم تثمر الجهود اللاحقة لمحاسبة أي شخص على وفاة شوراب الدين شيخ. ومع اقتراب محاكمة المتهمين الباقين، انقلب اثنان وتسعون شاهداً على الادعاء، وقال بعضهم إنهم يخشون على حياتهم.. وأُسقِطت التهم عن المتهمين. أُبعِد راجنيش راي – وهو الضابط المكلف بالتحقيق في قضية آمِت شاه – عن القضية. وعندما تقدم بطلب للتقاعد المبكر.. عُلِّق عمله.

في الوقت الذي أُسقِطت فيه التهم، كان مودي قد نصب آمِت شاه رئيساً لحزب B.J.P ورئيساً للائتلاف الحاكم – مما يجعله فعلياً ثاني أقوى رجل في البلاد.

في عام 2016، قررت رنا بعد أربع سنوات من محاولة العثور على ناشر لكتابها أن تنشره بنفسها. كانت لدى رنا أيوب نوع من الحماية بحكم أن كتابها كان باللغة الإنجليزية وسيقرؤه فقط من هم من النخبة الهندية، وهم مجموعة صغيرة جداً لا يهتم بها حزب B.J.P. في شهر مايو عُرِضَ الكتاب للبيع على أمازون وفي المكتبات في جميع أنحاء البلاد. سمَّت رنا كتابها: “ملفات غوجارات: تشريح الحقائق المخفية”. “Gujarat Files: Anatomy of a Cover Up.”

يروي كتاب “ملفات غوجارات” أهم المناقشات التي دارت بين رنا أيوب وكبار المسؤولين أثناء محاولتها معرفة ما حدث خلال فترة رئاسة مودي وآمِت شاه للولاية. ليس كتابها عملاً مصقولاً، بل يشبه كتيباً للمطلعين السياسيين أسرَعَ بنشره شخصٌ لا وقت لديه للتحقق من علامات الترقيم أو توضيح الاختصارات أو الخوض في الخلفية التاريخية للقضايا التي نوقشت. قالت لي رنا أيوب: “لم يكن لدي الموارد الكافية للتفكير في كل ذلك. أردت فقط أن أنشر القصة”. وتتمثل ميزة الكتاب في أن قارئه يشعر أنه يحضر حفلة كوكتيل لقوميين هندوس، يتحدث بصراحة عن الأسرار التي أُخفيت لفترة طويلة. قالت رنا أيوب: “الأمر وما فيه أن الجميع سمع الحقيقة، لكن ليسوا متأكدين. في كتابي يمكنك سماعها من مصدرها”.

كان آشوك نارايان من بين أولئك الذين “استدرجَتهم” رنا أيوب، وكان يشغل منصب وزير الداخلية في غوجارات أثناء أعمال الشغب. وفقاً لرنا أيوب، قال آشوك نارايان إن مودي قرر السماح للقوميين الهندوس بالسير في موكب بجثث ضحايا هجوم القطار. قال آشوك نارايان إنه حذَّر مودي من أن “الأمور سوف تخرج عن السيطرة” ولكن دون جدوى. وعندما قاوم.. التفَّ مودي من ورائه. وقال أيضاً: “إن إحضار الجثث إلى أحمد أباد أشعل الأمر برمته، لكنه [مودي] هو الشخص الذي اتخذ القرار”.

أضاف آشوك نارايان أن V.H.P – الذراع الديني لمنظمة R.S.S – قد قام باستعداداتٍ لشن هجمات واسعة النطاق ضد الطائفة المسلمة وكان فقط يبحث عن ذريعة. وقال آشوك نارايان: “لقد خطط الذراع الديني V.H.P لكل ذلك. كان الأمر شنيعاً”، مضيفاً أنه يعتقد أن مودي كان مشتركاً في الخطة منذ البداية. قال: “كان [مودي] يعرف كل شيء”.

أخبر جي سي رايغار – مسؤول كبير بالشرطة – رنا أيوب أن الخطة الأولية كانت تتضمن السماح للهندوس بالقيام بانتقام محدود بشأن الهجوم. لكن العنف انتشر بسرعة كبيرة لدرجة أن حكومة مودي لم تعد قادرة على إيقافه. قال: “إنهم لم يريدوا استخدام القوة ضد مثيري الشغب – ولهذا السبب خرجت الأمور عن السيطرة”.
جي سي رايغار – من بين آخرين – أخبر رنا أيوب أن قرار السماح بالانتقام من المسلمين تم تناقله خارج سلسلة القيادة الطبيعية: من المسؤولين حول مودي إلى ضباط الشرطة الذين كان يُعتَقد أنهم يكنُّون عداوات طائفية. وقال جي سي رايغار عن المسؤولين: “كانوا يخبرون أناساً من الذين أجبروهم في الماضي.. كانوا يعرفون من سيساعدهم”.

وتحدث بعض المسؤولين عن عمليات القتل بطريقة عادية جداً، كما لو أن المسلمين كانوا يستحقون القتل. وقال بي سي باندي – مفوض الشرطة السابق في أحمد آباد: “كانت هناك أعمال شغب في أعوام 1985، 1987، 1989، 1992، وفي معظم الأوقات تعرض الهندوس للضرب – وكان للمسلمين اليد العليا، لذلك هذه المرة – في عام 2002 – كان يجب أن يحدث ذلك، كان ذلك انتقامُ الهندوس”.

صار بي سي باندي يوجِّه رنا أيوب وفقاً لمنطقه: “هذه مجموعة من المسلمين يذهبون ويشعلون النار في قطار – فماذا سيكون رد فعلك؟”
“ترد ضربتهم بأخرى؟”

قال بي سي باندي: “نعم، تردِّي عليهم بضربة. لقد أتيحت الفرصة، فرُدِّيها لهم. لماذا ينبغي أن يعترض أي أحد؟” لقد أقنعَتْها محادثات كهذه بأن أعمال الشغب قد حدثت لأن الأشخاص الموجودين في السلطة أرادوها أن تحصل” كان الأمر كما لو أن القطع المفقودة من أحجية تركيب الصور قد بدأت تظهر.”

كما قال العديد من الضباط إن آمِت شاه كان قد قاد عمليات قتل خارج سلطة القضاء – من ضمنها قتل المتهم بأعمال الاغتيال ‘شوراب الدين شيخ’ وقتل الشهود على حادثة قتله. قوَّت المحادثات بشأن آمِت شاه قناعة رنا أيوب بأن الكثير من المشتبه بهم جنائياً قد تم القضاء عليهم بطريقة مماثلة. كتبت: “كان من الواضح أن ما وجدناه كان مجرد غيض من فيض”.

تقول رنا أيوب: حتى الآن “بيعت ست مئة ألف نسخة من كتاب ‘ملفات غوجارات’ وتُرجم الكتاب إلى ثلاث عشرة لغة. قال لي هارتوش سينغ بال، المحرر السياسي في مجلة ‘كارافان’: “ما يجعل الأمر مقنعاً هو معرفة أن هؤلاء هم أكبر اللاعبين فيما حدث. إنهم يتحدثون في لحظات لا مبالاة، وهم يؤكدون ويضيفون معلومات إلى تلك التي نعرفها عنهم عن طريق المصادر الأخرى حتى الآن، ولكن ليس بهذا القدر من المعلومات من الداخل. وفجأة نضع مكبر صوت في قلب الغرفة مع الأشخاص الذين يعرفون كل شيء”.

ربما كان العامل الرئيسي الذي أحدث ضجة كبيرة لكتاب “ملفات غوجارات” هو المناخ الذي ظهر فيه. بحلول عام 2016، بعد عامين من ولاية مودي الأولى، كان في خِضمِّ حملة لسحق أي صوت يتحدى النظام الجديد.

انتشرت بشكل كبير تغريدةٌ على تويتر اقتُبس فيها كلام نُسب زوراً إلى رنا أيوب تطلب فيه التسامح مع المسلمين الذين اغتصبوا أطفالاً. تبعتها تغريدات مزيفة أخرى، من ضمنها واحدة مزيفة تعلن فيها كراهيتها للهند. ورداً على ذلك، كتب شخص يدعى فيجاي سينغ تشوهان، “لا تدعيني أراك على الإطلاق، أو سنخبر العالم بأسره بما نقوم بفعله مع فاجرة مثلك. احزمي حقيبتك وارجعي إلى باكستان.”

غالباً ما تتعرض الصحافيات في الهند إلى شكل قبيح بشكل استثنائي من الإيذاء. كانت التهديدات التي تلقتها رنا أيوب مماثلة لتلك التي أُرسلت إلى غوري لانكيش، وهي صحفية وناشرة كتب من ولاية كارناتاكا الجنوبية. كانت غوري لانكيش قد قدمت تقريراً عنيفاً ضد القومية الهندوسية وعن العنف ضد النساء وأفراد الطبقات الاجتماعية الدنيا. كما نشرت كتاب رنا أيوب مترجماً إلى لغة الكانادا، وهي اللغة السائدة في الولاية. وفي سبتمبر، 2017، بعد أن قاست غوري لانكيش حملة طويلة من الهجمات عبر الإنترنت، قام رجلان بإطلاق النار عليها خارج منزلها ثم هربا على دراجة نارية.

أخبرتني نيها دِكسِت – التي قدمت تقارير رائدة عن حزب B.J.P – أنها تتلقى تهديدات بالقتل والسُباب الجنسي باستمرار. قالت: “كل يوم، استقبل ثلاثمائة إشعار فيه محادثات عن كيفية اغتصابي وقبيله”. بالنسبة إلى نيها دِكسِت وآخرين ممن تستهدفهم هذه الحملات، من المريع جداً أن يبدو أن الإساءة قد أقرها حلفاء بارِزون لمودي. أرتني رنا أيوب تغريدةً لـ ‘فايبهاف أغاروال’ – وهو شخصية إعلامية يتحدث غالباً باسم B.J.P – يذكر فيها إساءة جنسية لرنا أيوب. يقول في التغريدة: “تريدين أن ترقصي في المطر وتبتلِّي ثم بعدها لا ترغبين بالإصابة بالتهاب رئوي”. وذلك إيحاء بأنها تستحق كل الإساءات التي وُجهت إليها.

براتيك سينها مهندس برامج سابق ومؤسس موقع Alt News، الذي يتتبع المعلومات المضللة عبر الإنترنت. وصف براتيك سينها عملية ذكية على وسائل التواصل تعمل باسم B.J.P. وفي عام 2017، قامت مجموعته باكتشاف نموذجي، عندما أصدر موقع ٌلأنصار حزب B.J.P وهو Hindutva.info مقطعاً مصوراً فيه طعن مروِّع بالسكين. تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي كدليل على أن المسلمين كانوا يقتلون الهندوس في ولاية كيرالا. بونيت شارما – مسؤول في منظمة R.S.S ويتابعه مودي على تويتر – روَّج مقطع الفيديو قائلاً إن المقطع يجب أن يجعل “دماء الهندوس يغلي”. لكن عندما تتبَّع موقع Alt News مصدر الفيديو، ظهر أنه يصور عملية قتل قامت بها عصابة في المكسيك.

أخبرني براتيك سينها أنه يعتقد أن بعضاً من أكثر منشورات التواصل الاجتماعي عدوانية يتم تحريضها بواسطة “خلية تكنولوجيا معلومات” يعمل بها ويمولها أناس موالون لحزب B.J.P. قال إن الأشخاص المنتسبين إلى B.J.P يدعمون مواقع إنترنت تروِّج للدعاية الموالية لمودي وتهاجم أعداءه. وقال: “إنهم منظَّمون وسريعون. لقد أتقنوا القيام بذلك منذ زمن طويل في غوجارات”.

عندما أحكم مودي قبضته على الحكومة، استخدم قوتها لإسكات المنافذ الإعلامية الرئيسية. في عام 2016، بدأت إدارته تتحرك لسحق شبكة الأخبار التلفزيونية NDTV. كانت تلك القناة – منذ بداية بثها في عام 1988 – واحدة من أكثر القنوات الإخبارية حيوية وأكثرها مصداقية. في هذا الربيع – حين فُرِزت الأصوات في الانتخابات العامة – تلقى موقعها على شبكة الإنترنت 16.5 مليار زيارة في يوم واحد. وفقاً لشخصين مطَّلِعين على الوضع.. سحبت إدارة مودي تقريباً جميع الإعلانات الحكومية من الشبكة – أحد مصادر دخلها الرئيسية – وضغط أعضاء حكومته على الشركات الخاصة للتوقف عن شراء الإعلانات. سرَّحت هذه القناة مؤخراً حوالي أربعمائة موظف – أي ربع موظفيها. ويقول الصحفيون الباقون إنهم لا يعرفون كم من الوقت يمكن أن يستمروا. قال لي أحدهم: “إنها أيام عصيبة”.

تلك السنة، وجد كاران ثابار – الصحفي الذي سأل مودي عما إذا كان يريد التعبير عن الندم بشأن أعمال الشغب في غوجارات – أنه لا يوجد أحد من حزب B.J.P يريد أن يظهر على برنامجه الليلي أبداً. فجأة لم يعد كاران ثابار – وهو أبرز صحفي تلفزيوني في البلاد – قادراً على تغطية مواضيع سياسية بفعالية. اكتشف عندها أن أعضاء حكومة مودي كانوا يدفعون رؤساءه في العمل لإبعاده عن البث. قال لي كاران ثابار: “إنهم يجلبون التعاسة للمرء.. ‘نعتقد أنه ليس من الصائب إبقاؤه معنا’.” (شبكته – الهند اليوم – تنفي أنها قد تأثرت بـ “ضغوط خارجية”.) في عام 2017 أبدى رؤساؤه في العمل ترددهم في تجديد عقده، لذلك ترك العمل في الشبكة.

وفي العام الماضي، بوبي غوش – محرر صحيفة هندوستان تايمز، وهي واحدة من الصحف التي لها القدر الأكبر من الاحترام في البلاد – نظَّم سلسلة تتبَّع فيها العنف ضد المسلمين. التقى مودي بمالك الصحيفة على انفراد، وفي اليوم التالي طُلب من بوبي غوش المغادرة. في عام 2016، أجرت مجلة Outlook الهندية تحقيقاً مثيراً للقلق قامت به نيها دِكسِت، وكشف أن منظمة R.S.S عرضت أن ترسل عشرات الأطفال الفقراء في ولاية آسام إلى المدارس، ثم أرسلتهم إلى معسكرات هندوسية قومية ليُلقنوا فكرياً في الجانب الآخر من البلاد. وفقاً لشخص على دراية بالوضع، تعرض مالكو مجلة Outlook – وهي إحدى أكثر الأُسَر ثراءً في الهند، وتعتمد أعمالها على موافقات حكومية – لضغوط من إدارة مودي. قال الشخص: “لقد كانوا سيدمرون إمبراطوريتهم”. بعدها بوقت ليس بطويل استقال كريشنا براساد – المحرر العامل في مجلة Outlook منذ فترة طويلة.

قالت كل من رنا أيوب ونيها دِكسِت أنه لا يوجد إعلام رئيسي يرعى عملهما. قالت لي رنا أيوب: “الكثير من المراسلين الجيدين في الهند يعملون ‘فريلانس’ (عمل حر ومستقل).. لا يوجد أي مكان نذهب إليه”. حتى الأخبار التي يفترض أن تسبب فضيحة.. تأثيرها ضئيل. في يونيو، ذكرت مجلة بزنس ستاندرد Business Standard أن حكومة مودي كانت تضخّم معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي بما يقارب الضِعف. أثار التقرير غضباً عاماً، لكن مودي لم يعتذر، ولم يُجبَر أي من المسؤولين على الاستقالة.

فقط عدد قليل من الجماعات الصغيرة تُقدِّم تغطية قوية بشكل منتظم. أبرزها – مجلة The Caravan وموقع إخباري يسمى The Wire – يوظف حوالي سبعين صحفياً – وهو عدد بالكاد يكفي لتغطية مدينة كبيرة، ناهيك عن بلد يزيد عدد سكانه عن مليار شخص. في عام 2017، بعد أن نشر موقع The Wire خبراً عن تعاملات تجارية مشبوهة يديرها ابن آمِت شاه، بدأ وزراء مودي بالضغط على الجهات المانحة التي تقدم الدعم للموقع للتوقف عن تقديم التمويل. كما رفع ابن آمِت شاه – الذي نفى هذه الادعاءات – دعوى قضائية كان الدفاع فيها مكلفاً. أخبرني سيدهارث فاراداراجان – المحرر المؤسس للموقع – أنه يكافح ليس فقط ضد الحكومة بل وأيضاً ضد وسائل الإعلام المذعنة للحكومة. وقال: “نعتقد أن الناس في هذا البلد يقدِّرون قيمة حرياتهم وديمقراطيتهم – وأنهم سيدركون عندما تتلاشى حرياتهم. لكن قسماً كبيراً من وسائل الإعلام منشغل بإخبارهم بشيء مختلف تماماً.”

غالباً ما يحصل أنصار مودي على أخبارهم من قناة RepublicTV، التي تعرض مباريات صراخ وتشهير علني، وشتائم لاذعة للجميع باستثناء أنصار مودي الأكثر عبودية له. تأسست قناة RepublicTV عام 2017 بدعم من حزب B.J.P. ويبرز فيها أرناب غوسْوامي، وهو خريج من جامعة أكسفورد يقوم بدور الجلاد العمومي لمعارضي أنشطة مودي. في برنامج اعتيادي في عام 2017، ذكر غوسوامي قانوناً يفرض على دور السينما دور النشيد الوطني، وتساءل عما إذا كان ينبغي مطالبة الناس بالوقوف له؛ قال ضيفه واريس باثان – وهو عضو مسلم في مجلس الولاية – إنه ينبغي أن يكون مسألة اختيار. صرخ غوسوامي في واريس باثان: “لماذا لا تستطيع الوقوف؟”. قبل أن يتمكن باثان من الإجابة بدأ يصرخ به: “لماذا لا تستطيع الوقوف؟ ما هي مشكلتك في ذلك؟ سوف أخبرك بالسبب.. لأنه.. – سأخبرك بالسبب.. سأخبرك.. سأخبرك لماذا.. ممكن أخبرك؟ إذاً لماذا لا تتوقف حتى أخبرك لماذا؟ لا تكن ضد القومية! لا تكن ضد القومية! لا تكن ضد القومية!”

عدم وجود تدقيق صحفي أعطى مودي حريةً هائلة للسيطرة على مجريات الأحداث. لم يكن هذا أكثر وضوحاً مما كان عليه في الأشهر التي سبقت إعادة انتخابه في عام 2019. أدار مودي حملة قيل إنها تكلف حوالي خمس مليارات دولار بدعم من حلفائه في مجال الأعمال التجارية. (تكلفتها بالضبط غير معروفة، بسبب القوانين الضعيفة المتعلقة بتمويل الحملات.) ومع ذلك، كان مودي يفقد الزخم مع اقتراب التصويت.. ما أعاقه هو الاقتصاد الذي لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب. في 14 فبراير، فجر مهاجِم انتحاري سيارة محملة بالمتفجرات في قافلة عسكرية هندية في كشمير فقتل أربعين جندياً. نشَّط الهجوم مودي: ألقى سلسلة من الخطب العدائية، مصرَّاً على أن “دماء الناس تغلي!” وألقى باللوم في الهجوم على باكستان – الخصم الأكبر للهند – وأرسل الآلاف من الجنود إلى كشمير. أطلق أنصار حزب B.J.P هجوماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث هاجموا باكستان وأشادوا بـ مودي باعتباره “نَمِراً”. وتضمن أحد المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي الذي انتشر بكثرة تسجيلاً هاتفياً لمودي يواسي فيه إحدى الأرامل.. اتضح أن التسجيل يعود لعام 2013.

في السادس والعشرين من فبراير، أمر مودي بشن غارات جوية ضد ما زعم أنه معسكر تدريبي لمسلَّحين في بلدة بالاكوت. ووصفت وسائل تواصل متعاطفة معه العملية بالانتصار الكبير.. فقد ضخت الكثير من الصور لمكان مدمَّر. وادعت – نقلاً عن مصادر رسمية – مقتل ثلاثمائة مسلح. لكن المراسلين الغربيين الذين زاروا الموقع لم يعثروا على أي دليل على حدوث أي وفيات.. لم يكن هناك سوى عدد من الحفر ومنزل مدمر قليلاً وبعض الأشجار الساقطة. تبيَّن أن العديد من المنشورات الموالية لمودي كانت افتراءً محضاً. أشار براتيك سينها – من قناة Alt – إلى أن الصور التي زُعِم أنها تصور المسلحين الباكستانيين القتلى إنما أظهرت في الواقع ضحايا موجة حر. صورٌ أخرى – زعموا أنها من الضربات الجوية – كانت مأخوذة من لعبة فيديو تدعى” Arma 2 “.

ولكن في بلد فيه مئات الملايين أُمِّيُّون أو شبه أمِّيِّين، مرَّت الفكرة الضخمة. ارتفعت نسبة أصوات مودي في صناديق الاقتراع وانتهى الأمر بفوزه. فاز حزب B.J.P بأغلبية في مجلس النواب، مما جعل مودي أقوى رئيس وزراء منذ عقود. أخبر آمِت شاه – نائب مودي – مجموعة من العاملين في الانتخابات أن شبكات التواصل الاجتماعي للحزب كانت قوة لا يمكن وقفها. قال: “هل تفهم ما أقوله؟ نحن قادرون على إيصال أي رسالة نريدها للعامَّة – سواء كانت تسرّهم أو تغضبهم.. حقيقيةً كانت أم زيفاً.”

بالنسبة للكثيرين، كان انتخاب مودي للمرة الثانية يوحي أنه كشف سراً رهيباً في قلب المجتمع الهندي: أنه “يمكن لزعيم البلاد إقناع الهندوس بمنحه سلطة لا حدود لها من خلال نشره خطاباً طائفياً خبيثاً”. قدمت حكومة مودي في الأشهر التالية سلسلة مبادرات استثنائية تهدف إلى إحكام الهيمنة الهندوسية. كان أبرزها – إلى جانب إلغاء الوضع الخاص لكشمير – إجراءٌ يهدف إلى سحب الجنسية من حوالي مليونين من سكان ولاية آسام الذين عَبَرَ أكثرهم الحدود قادمين من دولة بنغلاديش المسلمة منذ عقود. في سبتمبر، بدأت الحكومة ببناء مراكز احتجاز للمقيمين الذين أصبحوا غير شرعيين بين عشية وضحاها.

انتشر شعور باليأس بين العديد من الهنود الذين كانوا ما زالوا متمسكين بالرؤية العلمانية الشاملة لمؤسسي الدولة. قال لي براساد – محرر مجلة Outlook السابق: “كان غاندي ونهرو من الشخصيات التاريخية العظيمة، لكنني أعتقد أنهما كانا حالة استثنائية. الأمر مختلف جداً الآن. لقد انهارت المؤسسات – الجامعات ووكالات التحقيق والمحاكم ووسائل الإعلام والهيئات الإدارية والخدمات العامة. وأعتقد أنه لا توجد إجابة يقبلها العقل لما حدث، سوى أننا تظاهرنا بأننا كنا كما كنا طوال خمسين أو ستين عاماً. لكننا الآن نعود إلى الشكل الذي نريده دائماً، ألا وهو سحق الأقليات وحشرهم في زاوية وإطلاعهم على أماكنهم ولغزو كشمير ولإفساد وسائل الإعلام، ولجعل الشركات خدماً للدولة. وكل هذا في ظل انتعاش شديد للهندوسية. أصبحت الهند الدولة التي لطالما أرادت أن تكون”.

في 31 مارس 2017، توجه مزارعٌ مسلم من منتجي الألبان اسمه بيهلو خان إلى مدينة جايبور مع العديد من الأقارب لشراء بقرتين لمشروعه. في طريقه إلى المنزل، أغلق مجموعة من الرجال الطريق وحاصروا شاحنته واتهموه بالتخطيط لبيع الأبقار كلحوم. الأبقار مقدسة عند الهندوس، ومعظم الولايات الهندية تحظر قتلها. لكن بصفة عامة يسمح القانون بأكل لحم الأبقار التي ماتت بشكل طبيعي والاستفادة من جلودها – وهي وظائف غالبا ما يمتهنها المسلمون والطبقات الدنيا من الهندوس، وهذا يجعلهم عرضة لاتهامات زائفة. جرَّ الرجال بيهلو خان وأقاربه من الشاحنة وبدأوا بضربهم والصراخ فيهم بنعوت معادية للمسلمين. قال ابن أخيه: “لقد أريناهم أوراق شراء الأبقار، لكن هذا لم يكن مهماً بالنسبة لهم”، نُقِل خان إلى المستشفى حيث توفي بعد ذلك بوقت قصير.

تمكن أقارب خان من التعرف على تسعة من المهاجمين. كان معظمهم أعضاء في ‘باجرانغ دال’ – أحد فروع منظمة R.S.S. ولكونها تتألف ظاهرياً من الشباب فإنها توفر القوة البدنية اللازمة والحراسة لأعضاء حزب B.J.P. كما تَورَّط هذا الفرع بسلسلة من جرائم قتل للمسلمين في جميع أنحاء البلاد.

في جايبور، التقيت بـ آشوك سينغ، رئيس فرع باجران دال في راجستان. أخبرني آشوك سينغ أنه ورجاله ملزمون بالدفاع عن الأبقار من الوباء المتمثل بسرقتها وقتلها. تحدث لعدة دقائق عن قداسة البقرة. وقال إن كل حيوان فيه ثلاثمائة وستون مليون إله، وحتى روثه فيه أكاسير مفيدة للبشر. قال آشوك سينغ عن المسلمين: “إنهم يذبحونها ويقتلونها. إنها مؤامرة”. واعترف بأن أعضاء فرع باجران دال شاركوا في إيقاف خان، لكنه أصر على أن من قتله هم أشخاص آخرون. قال: “كان هناك الكثير من الغوغاء. لم يكن لدينا القدرة على السيطرة عليهم.”

ألقي القبض على المهاجمين الذين تعرف عليهم أقارب خان ووجهت إليهم تهم، لكن أهل الأهالي تعاطفوا معهم. بعد أن رفض المدعي العام قبول شهادة أي من الشهود أو تسجيلات الفيديو في الهواتف الخلوية كأدلة، تمت تبرئة جميع المهاجمين. قال لي قاسم خان وهو محامي العائلة: “لقد زُوِّرت القضية”. “قُرِّرت النتيجة قبل المحاكمة.”

وفقاً لـ فاكت تشيكر ‘FactChecker’، وهي منظمة تتعقب العنف الطائفي من خلال مسح تقارير إعلامية : كان هناك ما يقرب من ثلاثمائة جريمة كراهية بدوافع دينية في العقد الماضي – جميعها تقريباً حصلت منذ أصبح مودي رئيساً للوزراء. لقد قتل الغوغاء الهندوس العشرات من الرجال المسلمين. أصبحت جرائم القتل، التي غالباً ما يحرِّض عليها أعضاء فرع باجران دال، تُعرف باسم “عمليات القتل الغوغائي”، والتي تثير الرعب الذي اجتاح الجنوب الأمريكي بعد إعادة الإعمار. تتم عمليات القتل الغوغائي على خلفية الهستيريا التي أحدثتها منظمة R.S.S وحلفاؤها: الذعر الحاصل لدى الغالبية العظمى التي تُقدَّر بمليار شخص من كونها ضحية لأقلية أصغر بكثير.

عندما يُقتل المسلمون بهذه الطريقة، فإن مودي لا يقول شيئاً وبما أنه نادراً ما يعقد مؤتمرات صحفية فإنه لا يُسأل عنهم مطلقاً. لكن مؤيديه غالباً ما يُحَيُّون القتلة. في يونيو 2017، رجل مسلم اسمه عليم الدين أنصاري – كان قد اتُّهم بالاتجار الغير قانوني بالبقر –ضُرِب حتى الموت في قرية رامغاره. أُدين أحد عشر رجلاً بالقتل– من ضمنهم زعيم محلي من حزب B.J.P. لكن أُطلق سراحهم في يوليو الماضي بانتظار الاستئناف. عند إطلاق سراحهم، قابل جايانت سينها ثمانية منهم – وهو وزير الطيران المدني من حزب B.J.P. جايانت سينها، وهو خريج جامعة هارفارد ومستشار سابق في شركة ماكينزي آند كومباني، ألبس الرجال أكاليل الزهور وقدم لهم الحلويات. وقال حينها: “كل ما أقوم به هو احترام الإجراءات القانونية”.

أثار القوميون الهندوس في شمال الهند الذعر حول فكرة أن الرجال المسلمين يشاركون في حملة سرية لإغواء نساء الهندوس للزواج والدعارة. كما هو الحال مع الهستيريا المتعلقة بقتل الأبقار، يتشكل الصخب في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مثل واتساب، حيث تنتشر الشائعات بشكل عشوائي. الفكرة المعروفة باسم “جهاد الحب”: [يتظاهر المسلم بحب الفتاة غير المسلمة طمعاً في أن تعتنق الإسلام] – تكمن جذورها في صورة الذكر المسلم الذي لا يفكر إلا في الجنس، يتقوَّى باللحم البقري ويتصيَّد النساء الهندوسيات الجذَّابات. أي رجل مسلم يُشاهَد مع امرأة هندوسية فإنه عُرضة للهجوم في العديد من المناطق. قبل عامين أنشأ وزير ولاية أُوتار براديش – من حزب B.J.P – فرقاً مضادة لهذه الظاهرة، والتي وجهت مضايقات للرجال المسلمين ممن يُعتقد أنهم يحاولون إغواء النساء الهندوسيات. أُوقِف عمل الفرق بعد أن قامت العصابات بضرب عدد من الرجال الهندوس خطأً.

في قريةٍ في ولاية هاريانا، تحدثْتُ مع امرأة هندوسية شابة تدعى عائشة. قبلها بعام، قابَلَت عائشة رجلاً مسلماً يدعى عمر، وهو بائع للطب الروحي كان يزور منزلها لعلاج والدتها. أحب كل منهما الآخر، وقررا أن عائشة ستعتنق الإسلام ويتزوجان. قالت إن عائلتها شعرت بالرعب. هربت عائشة مع عمر في إحدى الليالي إلى قريته التي تبعد بضعة أميال، وتزوجا في مسجد، وانتقلا إلى أقاربه. قالت عائشة إن عائلتها حاولت لعدَّة أشهر إقناعها بالطلاق وذات مرة أحضر لها والدها مسدساً وورقة انتحار لتوقعها. قالت: “كنت حزينةً للغاية، وتقريباً وافقته في ذلك”.

بينما كان عمر يركب دراجته في إحدى الليالي، تبعه رجلان على دراجات نارية (سكوتر). سحب أحدهم مسدساً وقتل عمر. بقيت عائشة مع عائلة عمر وقالت إنها لن تعود إلى عائلتها أبداً. وقالت: “أنا متأكدة مائة في المائة من أن أهلي مسؤولون عن وفاة زوجي”.

عندما كانت رنا أيوب طفلة، اجتمعت مجموعة من الرجال كل صباح للصلاة والتدريب على فنون الدفاع عن النفس في ميدان يقع في آخر الشارع الذي يطل عليه منزلها. شكل الرجال فرعاً محلياً لمنظمة R.S.S، ورددوا في بعض الأحيان شعارات تمجِّد السيادة الهندوسية: “تحية لدولة الهند الأم”. كان الرجال ودودين وحريصين على تجنيد المسلمين. لكنها علِمت في المدرسة أن أحد أتباع منظمة R.S.S كان قد قتل غاندي، لذلك بقيت وشقيقها ‘عارف’، بعيدة عنهم. قالت: “كنا نشاهد بافتتان، لكنني لم أكن أحب أن أكون هناك.”

في وقت مبكر من صباح أحد الأيام في أحمد آباد، في ملعب بمدرسة إليزبريدج المحلية رقم 12، كنت أنظر إلى هناك عندما قام عشر رجال برفع العلم الزعفراني لمنظمة R.S.S. تراوحت أعمارهم بين الثامنة عشرة والثالثة والستين، وكانوا جميعاً رشيقين وذوي لياقة بدنية، وكان العديد منهم يرتدون السراويل القصيرة ذات اللون الخاكي المميِّزة للجماعة. بدأوا بوضعيات يوغا وتمارين رياضية. ثم أخرجوا عصيّاً خشبية طويلة وبدأوا بأداء التدريبات العسكرية. (قال أحد قادة منظمة R.S.S ذات مرة إن كوادر الجماعة يمكن تجميعها للقتال أسرع من الجيش الهندي).

انتهى الرجال وشكلوا نصف دائرة على الأرض، وصلَّوا للإله الهندوسي.. الشمس: “يا أيتها المشرقة! يا مبددة الظلام! يا مصدر الحياة!” وانتهوا بصراخ: “النصر للهند”.

بعد ذلك، ضحك الرجال – كان من ضمنهم مهندسٌ ومحامٍ وتاجر ملابس وشرطي – وربَّت بعضهم على ظهر الآخر. لقد شكلوا معاً فرع ‘بالدي’ لمنظمة R.S.S، وهو واحد من أكثر من ثلاثين ألفاً عبر الهند. بالدي هو حي ذو أغلبية هندوسية بنسبة كبيرة، ولكن أقرب جيب للمسلمين – والذي تعرض للهجوم في عام 2002 –يبعد أقل من ميل واحد. في هذا الصباح، لم يكن هناك الكثير من الحديث عن السياسة. قال لي طالب اسمه نيهال بوراسين: “أنا هنا فقط لأحافظ على لياقتي”.

للحصول على شرح أكمل لنظرة منظمة R.S.S إلى العالم، تحدثت إلى سودهانشو تريفيدي، وهو عضو دائم أصبح الآن المتحدث الرسمي باسم B.J.P. أخبرني سودهانشو تريفيدي خلال العشاء في فندق أمباسادور في دلهي أن منظمة R.S.S مكرسة لنشر “هندوتفا”: وهي فكرة أن الهند هي قبل كل شيء أمة للهندوس. وقال إن منظمة R.S.S أكبر منظمة من نوعها في العالم. وفي وجودها لمدة أربعة وتسعين عاماً، كانت قد ترسخت في كل جانب من جوانب المجتمع الهندي.

تقول المنظمة إنها تدير حوالي ثلاثين ألف مدرسة ابتدائية وثانوية، وتدير مستشفيات في جميع أنحاء الهند، وخاصة في المناطق النائية وأن لديها ثاني أكبر شبكة من النقابات المهنية في الدولة وأكبر شبكة من المزارعين، وأكبر منظمة للرعاية الاجتماعية تعمل في الأحياء الفقيرة. جاء حزب B.J.P – الحزب السياسي المهيمن في الهند – في آخر السلسلة التي سردها. “لذلك، يمكنك أن ترى في مخطط الأشياء بأكمله – مقارنة بما تفعله منظمة R.S.S – ما يفعله حزب B.J.P قليل. في الواقع، إن منظمة R.S.S كانت تتحول بسرعة إلى دولة داخل دولة – مسيطرة على الهند من الداخل. أعلنت المنظمة خلال الصيف أنها ستنشئ مدرسة لتدريب الشباب ليصبحوا ضباطاً في القوات المسلحة. هذا العام، وقَّع أكثر من مائة وخمسين من الضباط السابقين والرجال المجندين على خطاب يدين استخدام “غير مقبول أبداً” للجيش لأغراض سياسية. كانوا يشيرون إلى نسبة مودي الفضل لنفسه في الضربات عبر الحدود في باكستان، وإلى التفاخر بالجيش الذي أبداه بعض الساسة في حزب B.J.P بوصفه “جيش مودي”.

أخبرني سودهانشو تريفيدي أن مفتاح فهم الهند الحديثة هو قبول أن “الهندوسية ليست ديانة ببساطة، بل إنها طريقة للحياة”. أي شخص يولد في الهند هو جزء من الهندوسية. ولذلك تزدهر جميع الديانات الأخرى الموجودة في الهند بسبب الهندوسية.. وتتبع للهندوسية. وقال “ثقافة الإسلام محفوظة هنا بسبب الحضارة الهندوسية”.

كجزء من مشروع هندوتفا يقوم قادة حزب B.J.P بإعادة كتابة الكتب المدرسية في جميع أنحاء البلاد، ويحذفون معظم تاريخها الإسلامي – ومن ضمنه تاريخ المغول، وهم أباطرة مسلمون حكموا الهند لمدة ثلاثة قرون. غيَّر حزب B.J.P أسماء الأماكن المغولية إلى أسماء هندوسية. في العام الماضي غُيِّر اسم محطة سكة القطار ‘مغولساراي’ – التي بُنيت في وسط الهند منذ قرن ونصف – إلى دين ‘دايال أُبادهيايا’، وهو زعيم هندوسي قومي يميني. ‘الله أباد’ – مدينة يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة – تسمى الآن ‘براياراج’، وهي كلمة سنسكريتية تشير إلى مكان تقديم الأضحية. في نوفمبر، عادت قصة ‘أيوديا’ القديمة إلى الأخبار مرة أخرى، عندما سمحت المحكمة العليا في الهند ببناء معبد هندوسي في موقع مسجد بابري. في قرار مكوَّن من ألف صفحة، لم تقدم المحكمة أي دليل على أن المعبد قد دُمِّر لبناء المسجد، وأقرت بأن المسجد قد هدمه مجموعة من الغوغاء الغاضبين. ومع ذلك فقد سلمت الموقع للحكومة، مما سمح لحزب B.J.P بمباشرة بناء المعبد.

أخبرني سودهانشو تريفيدي أنه لا يوجد أحد في منظمة R.S.S. يكِنُّ عداوة للإسلام. لكنه قال إنه من المهم أن نفهم إلى أي مدى تدهور الإيمان. “المجتمع الأكثر ثقافة في الهند هم الفارسيون، وهم أقلية. وثاني أكثر مجتمع مثقف هم المسيحيون، وهم أقلية. المجتمع الأكثر ازدهاراً هم طائفة الجين، وهم أقلية. أكثر أصحاب المشاريع الريادية هم طائفة السيخ، وهم أقلية. أول عالم نووي في الهند كان فارسياً، وهو من الأقلية. فما هي المشكلة مع المسلمين إذن؟ سأخبرك. لقد أصبحوا أسرى للفكر الجهادي”.

عندما احتُجِزَت رنا أيوب والمصوِّرة في المستشفى في سريناغار، وجدْتُ مكاناً للاختباء في الجهة المقابلة من الشارع. كانت رنا أيوب ستواجه تبِعات خطيرة إذا تبين أنها أدخلت شخصاً أجنبياً خلسةً. خرجتا بعد حوالي ساعة وقالت رنا أيوب إن ضابط مخابرات استجوبهما باهتمام ثم أطلق سراحهما موبِّخاً إياهما: “لا تعودا”.

في صباح اليوم التالي، توجهنا إلى قرية باريغام الواقعة بالقرب من موقع الهجوم الانتحاري الذي كان الدافع وراء غارات مودي الجوية على باكستان. سمعنا أن قوات الأمن الهندية قد اجتاحت المدينة واحتجزت العديد من الرجال. يحظى التمرد بدعم كبير في القرى الواقعة خارج العاصمة، وقد اتَّسم الطريق المؤدي إلى باريغام بوجود الأكياس الرملية والأسلاك الشائكة لنقاط التفتيش التابعة للجيش الهندي. كانت الطرقات مهجورة في معظم المسافة التي قطعناها إلى هناك.

في القرية، أوقفت رنا أيوب السيارة لتتحدث إلى بعض أهل المنطقة. اكتشفت خلال بضع دقائق مع من يجب أن نتحدث أولاً: شابير أحمد، وهو صاحب مخبز محلي. وجدناه متربِّعاً على شرفته وهو يقشر كومة ضخمة من اللوز. في المقابلات تخفف رنا أيوب من وتيرة النقاش المعتادة في المناظرات؛ أخذت مكاناً من الشرفة كما لو كانت قادمة من أجل زيارة قصيرة. أخبرها أحمد – ذو الخمسة وخمسين عاماً – أنه خلال عمليات المسح، جاءت مركبة مصفحة إلى منزله بعد منتصف الليل. هرع عشرات الجنود من قوات ‘راشتريا رايفلز’، وهي وحدة مسلحة من الجيش الهندي لمكافحة التمرد، وبدأوا في تحطيم نوافذ بيته. وقال إنه عندما جاء أحمد وابناه إلى الخارج، جرَّ الجنود ُ الشابَين إلى الشارع وبدأوا بضربهما. قال أحمد: “كنت أصرخ طلباً للمساعدة، لكن لم يخرج أحد. كان الجميع خائفين للغاية.”

انضم إلينا ابْنا أحمد على الشرفة. وقال أحدهما – واسمه مُظَفَّر – إن الجنود استشاطوا غضباً من شبابٍ ألقَوا حجارةً على دورياتهم. جرُّوا مُظَفَّر إلى الشارع باتجاه المسجد ثم أمره أحد الجنود قائلاً: “إرمِ الحجارة إلى المسجد كما كنت تلقي الحجارة علينا”.

قال مُظَفَّر إنه نُقل هو وأخوه علي إلى قاعدة محلية، حيث قيَّدهما الجنود على كراسٍ وضربوهما بعصي الخيزران. وقال “ظلوا يسألونني: ‘هل تعرف أي واحد ممن كانوا يرمون الحجارة؟’ وظللت أقول إنني لا أعرف أي واحد منهم، إلا أنهم ظلوا يضربونني”. وقال مُظَفَّر إنه عندما أغمي عليه ربط جندي منهم أقطاب كهربائية على ساقيه وبطنه وصعقه بالكهرباء. رفع مُظَفَّر بنطاله وكشف بقعاً من الجلد المحروق على ساقه من الخلف. لقد استمر الأمر هكذا لبعض الوقت، قال إنه كان يغمى عليه، وعندما يستعيد وعيه، يبدؤون بضربه مرة أخرى. وقال: “كانت تحدث لجسدي تشنجات”، ثم بدأ يبكي.

بعد إطلاق سراح مُظَفَّر وعلي، نقلهما والدهما إلى المستشفى المحلي. قال مُظَفَّر: “لقد كسَّروا عظامي. لم أعد أستطيع أن أسجد لله”.

كان من المستحيل التحقق من حكاية الأخوين، ولكن كما هو الحال مع العديد من الروايات التي سمعناها أنا ورنا أيوب في القرية.. كان الألم مقنعاً. قالت لي رنا أيوب: “أنا نسخة أكثر تحضراً قليلاً من هؤلاء الناس. أنا أرى ما يحدث.. الدعاية والكذب وما تفعله الحكومة للناس. لكن لدي كل شيء مشترك مع هؤلاء الناس. إنني أشعر بألمهم”.

في أحد الأيام، مشينا أنا ورنا أيوب بعد الظهر في شارع سورا، وهو حي قاحل في المدينة القديمة لسريناغار، وكان الحي مَوْقِعاً لعدة مواجهات مع قوات الأمن. في الوقت الذي وصلنا فيه إلى هناك، كانت الشرطة والجيش قد انسحبوا، ومن الواضح أنهم رأوا أن الشوارع الضيقة جعلت رجالهم غير محصنين أبداً. أخبرنا أهل الحي أنهم يرَون سورا أرضاً محررة أخذوا عهداً على أنفسهم بمهاجمة أي شخص من الحكومة يحاول الدخول. بدا كل جدار فيه مليئاً بالكتابات. إحدى الخربشات كانت: “التغيير الديموغرافي غير مقبول!”

شعر الكشميريون الذين قابلناهم أنهم محاصرون وأن أصواتهم قد قُمِعت. وقال يونس – وهو صاحب متجر – عن وسائل الإعلام الهندية: “الأخبار الحقيقية.. لا ينشرونها أبداً”. قبلها بأيام قُبض على ابنه عاشق البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وتعرض للضرب على أيدي قوات الأمن تماماً كما حصل معه هو قبلها بثلاثين عامٍ. وقال: “لم يسأل أحد ٌأبداً شعب كشمير عما يريدون.. إن كانوا يريدون البقاء مع الهند أو الانضمام إلى باكستان أو أن يصبحوا مستقلين. لقد سمعنا الكثير من الوعود. لقد رفعنا جُثثاً بأيدينا، ورؤوساً منفصلة عن الأجساد، وأرجلاً مبتورة، ووضعناها كلها في قبور”.

ما يزال الكثير من الكشميريين يرفضون قبول السيادة الهندية، ويتذكر البعض الوعد الذي قطعته الأمم المتحدة في عام 1948، بأن الاستفتاء سيحدد مستقبل الولاية. مُنِحت كشمير وضعاً خاصاً – محفوظ في المادة 370 – ومُنِحت صلاحيات كبيرة في الحكم الذاتي. لم تتحقق معظم تلك الصلاحيات. ابتداءً من أواخر الثمانينيات، حوَّل التمرد المسلح – الذي تدعمه باكستان – المنطقة إلى ساحة حرب. الصراع في كشمير هو بصورة عامة حربُ كمائن وهجمات انتقامية. يقوم المتمردون بضرب قوات الأمن الهندية فترد قوات الأمن بحملات قمع. لدى جماعات مثل ‘هيومن رايتس ووتش’ سجلات مفصلة لانتهاكات من كلا الجانبين، ولكن بشكل استثنائي الانتهاكات من جانب الحكومة الهندية.

ادَّعت منظمة R.S.S وآخرون من القوميين الهندوس أن الجهود المبذولة لتهدئة الكشميريين خلقت ديناميكية فشل ذاتي. وقالوا إن التمرد خنق التنمية الاقتصادية، وأن المادة 370 كانت تقيِّد الاستثمار والهجرة، وتؤدي بالمنطقة إلى التخلف. بدا قرار مودي بإلغاء المادة بمثابة نقطة النهاية المنطقية لنظرة منظمة R.S.S إلى العالم: الجمود الكشميري ستكسِره قوةٌ هندوسية ساحقة.

بينما كنت أنا ورنا أيوب نتجول في كشمير، بدا من غير الواضح كيف تنوي الحكومة الهندية الاستمرار. النشاط الاقتصادي قد توقف.. المدارس مغلقة.. عُزِل الكشميريون عن العالم الخارجي وعن بعضهم البعض. أخبرنا طبيب في سريناغار: “لدينا أعداد ضخمة من حالات الاكتئاب”. حَذَّر العديد من الكشميريين من أن الانفجار قد يكون على الأرجح لحظة رفع الإجراءات الأمنية. قالت امرأة تدعى دوشديا “إن مودي يفعل ما فَعَلَه في غوجارات منذ عشرين عاماً عندما دهس المسلمين بجرَّارٍ هناك”.

كتب صاحب العمود في صحيفة ‘براتاب بهانو ميهتا’ أن “الديمقراطية الهندية تفشل” في كشمير. وأشار إلى أن مسلمي البلاد – الذين قاوموا التطرف إلى حد كبير – سيستنتجون أنه ليس لديهم شيء آخر يلجؤون إليه. وكتب أن “حزب B.J.P يظن أنه سيحول كشمير إلى ولاية هندية عادية.. إنما ما سنراه هو احتمال تحويل الهند إلى كشمير كبيرة: قصة الديمقراطية الهندية المكتوبة بالدم والخيانة”.

زرت أنا ورنا أيوب حي ‘مهجو ناغار’ في سريناغار، الذي تركه العديد من الشباب للانضمام إلى المسلحين. كان الحديث في الشارع عن زوجين: نزير وفامِدا اللذَين أعتُقِل ابنهما – اسمه مؤمن – في الحملة. جاء رجال مسلحون من قوة شرطة الاحتياط المركزية إلى بيتهم في وقت متأخر في إحدى الليالي. أشار مدنيٌ ملثم – من الواضح أنه مخبِر – إلى مؤمن. ثم أخذه الجنود معهم.

وجدنا فامِدا في منزلها، جاثية ركبتيها. أخبرتنا أنها ذهبت في صباح اليوم التالي للمداهمة إلى قاعدةٍ لقوة شرطة الاحتياط المركزية، حيث احتُجِز ابنها. قال لها إنه تعرض للضرب. قالت: “لقد توسلت إليهم أن يعيدوه إليّ، لكنهم لم ينظروا في الأمر”. وعندما عادت فامِدا في اليوم التالي، أخبرها الشرطة أن مؤمن نُقل إلى السجن المركزي بالمدينة. لكن الحراس قالوا إنه نُقل إلى سجن في ولاية ‘أوتار براديش’، الواقعة على الجانب الآخر من البلاد. أخبروها: “لا فائدة من البكاء يا خالة”.

قالت فامِدا إنهم لم يخبروها بالتهم الموجهة ضد مؤمن. يَسمَح قانون مكافحة الإرهاب الهندي لقوات الأمن باحتجاز أي كشميري لأي سبب أو حتى بدون سبب لمدة تصل إلى عامين. خلال العقود الثلاثة التي مرت بها كشمير في تمرد صريح اختفى عشرات الآلاف من الرجال، والكثيرون لم يرجعوا. قالت: “يجب أن أقبل أنني لن أراه مرة أخرى”.

في منزل فامِدا تجمعت صديقاتها حولها، بينما وقف رجال من الحي خارج النوافذ المفتوحة. جلست رنا أيوب قبالتها وقد تلامست ركبتاهما. بينما كانت فامِدا تتكلم، كان بعض الرجال يتكلم عنها، وفي كل مرة كانت رنا أيوب تقول لهم أن يصمتوا: “لا توبخها يا عم، لديها ما لديها من مشاكل”.

بدأت فامِدا محافظة على صبرها، لكنها فقدت رباطة جأشها تدريجياً. أمسكت رنا أيوب بيديها وقالت: “ابنك سيعود إليك. الله كبير”. لم يواسِ ذلك فامِدا. لقد كان مؤمن عامل بِنَاء، وكان يغطي احتياجات الأسرة بأكملها، ومن ضمنها دواؤها لمرض الكلى الذي تعاني منه. بدأت أفكار فامِدا تخرج متقطعة: “لقد أخبرتُه.. لا ترمِهم بالحجارة.. أخذه أحدهم.. شخص ما قد قُبِّض مالاً..” ثم بدأت تنشج وتتنهد. بدأت رنا أيوب في البكاء أيضاً. قالت: “لا أستطيع تحمل المزيد. هذا كثير للغاية.”

ودَّعت رنا أيوب فامِدا، ووعدتها بالعودة ومعها دواء الكِلى. (بعد بضعة أسابيع، فعلت ذلك). لقد كان يتملَّكنا شعور بالخطر.. أننا كنا نشهد بداية شيء سيستمر لسنوات عديدة. قالت رنا أيوب: “أشعر بهذا لكوني مسلمة. هذا يحدث في كل مكان في الهند.”

مضينا بصمت لفترة من الوقت. اقترحْتُ عليها أن الوقت ربما قد حان لمغادرة الهند.. أن المسلمين ليس لهم مستقبل هناك. لكن رنا أيوب كانت تراجع دفتراً.. قالت: “أنا لن أغادر. لا بد لي من البقاء. سأكتب كل هذا وأقول للجميع ما حدث.”

(المصدر: مجلة كلمة حق)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى