مقالاتمقالات مختارة

الموقف الشرعي من الحكم العسكري في مصر(1)

الموقف الشرعي من الحكم العسكري في مصر(1)

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

مع زيادة الأوضاع سوءا في مصر وتوالي الكوارث التي أصابت بلادنا الحبيبة من قتل وترويع وتفريط في مياه النيل وغير ذلك على يد من يتحكمون بالقرار السياسي في البلاد ومع ارتفاع بعض الأصوات المتملقة التي تنادي بأن هؤلاء حكام لهم شيء من الولاء فإن الحاجة أصبحت ملحة لمعرفة الحكم الشرعي في هؤلاء، وتوصيفهم بمقياس الشريعة حتى يُعلم على وجه الدقة كيفية التعامل مع هذا الحكم وفق أصول الشريعة المكرمة..

وهذا ما سنحاول بيانه في المباحث القادمة..

1- صورة المسألة:

وقبل أن نذكر الحكم الشرعي في هذه الطائفة ، ونستدل على ما نراه فيها من نصوص الوحي، نقول أولا إنه من المعلوم فقها أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ لذا وجب علينا إيضاح صورة المسألة في بداية الحديث حتى يمكننا ذكر الحكم الشرعي المترتب على تلك الصورة.

فما هي إذن صورة ما حصل في مصر إجمالا والتي يتفق عليها عقلاء الناس ومن ليس محسوبا على مناصرة الظالمين ؟

نقول باختصار إن ما حدث هو  قيام مجموعة من العسكر يتزعمهم عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك بالسيطرة على الحكم بقوة السلاح مصحوبا بتأييد من دول الكفر الغربية وثلة من منافقي العرب مردوا على النفاق..

 أعقب ذلك قتل الآلاف بميدان رابعة وغيره وحرق جثثهم إلى جانب استباحة الأموال ومصادرة الحريات والحكم ظلما على عشرات الآلاف من المعتقلين بالسجن والإعدام ويضاف إلى ما سبق كله موبقات تمس هوية المجتمع المسلم ودينه وتقديم العسكر لولاء صريح علني لليهود بتعاون غير مسبوق معهم فيما سُمي بصفقة القرن ضد إخواننا فى فلسطين؛ بل ضد أهلنا في سيناء.

وتلك أفعال يمكننا القول بوضوح إنها من جملة الإفساد في الأرض؛ وأن القائمين بها من عتاة المجرمين المخالفين لأصول الإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي. رواه مسلم عن أبي هريرة..

2-بيان التوصيف الشرعي :

ولعلنا نبدأ الآن في بيان التوصيف الشرعي لهذه الأفعال السابق ذكرها والتي قامت بها عصابة متعددة الوظائف والمهام شملت كل من : السيسي ومن معه من قيادات الجيش، والشرطة، والوزراء، و زمرة من الإعلاميين، و عدد كبير من قضاة الزور، وشيوخ السلطة، ورجال أعمال، وعدد كبير من البلطجية، والمُوالين والمؤيدين والمفوضين لهم.

و هؤلاء جميعا ضالعون بارتكاب عدة جرائم يعاقب عليها الشرع وتستوجب من المؤمنين الإعداد للبدء بالمواجهة الحاسمة معهم .. و أبرز جرائمهم هي :

أولا : البغي والظلم :

وهي جريمة جلية ثابتة لا تحتاج لبحث كبير عقب ما أسلفناه من إراقة الدماء وتوسيع دائرة القتل والجرح و نهب الأموال ومصادرتها وهتك الأعراض.

وقد بين القرآن أن فاعل هذا الجرم قد استوجب العقاب قال الله تعالى : إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّۚ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ [الشورى: 42].

قال الطاهر بن عاشور: وحُكْمُ هذه الآية يشمل ظُلمَ المشركين للمسلمين(ويشمل ظلم المسلمين بعضهم بعضًا )..
وقال الإمام الطبري في تفسيره : يقول تعالى ذكره: إنما الطريقُ لكم أيها الناسُ [يعني: في العقاب] على الذين يَتَعَدُّون على الناس ظلمًا وعُدوانًا بأن تُعاقبوهم بظلمهم .

ويعني  الإمام بالنص المذكور القصاص من هؤلاء المعتدين والذي يعد بنص الآية واجبا شرعيا حتى وإن كثر عدد المشاركين، أواشتدت منعتهم .. فقد روى مالك في الموطأ : عن سعيد بن المسيب، وغيره ، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل خمسة أوسبعة برجل – أو صبي – قتلوه قتل غِيلَةٍ وكانوا من صنعاء فقال: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعًا).

ثانيا: موالاة الكفار على المؤمنين:

وجريمتهم التي نقصدها هنا هي موالاة الكفار موالاة حربية عسكرية ثابتة عليهم بعدة أفعال منها ضرب الطائرات الصهيونية لأهداف عديدة في سيناء بموافقة وتعاون من دولة السيسي .. وهذا الفعل تحديدا يدخل في باب الخروج من الدين من تحت عباءة النفاق الأكبر. ودليل ذلك قوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ. سورة المائدة.

قال الإمام الطبري في تفسيره لها : ومن يتولَّ اليهود والنَّصارى دون المؤمنين فَإِنَّهُۥ مِنْهُم ..

ويقول : فإنَّ مَن تولاهم ونصرهم على المؤمنين؛ فهو مٍن أهل دينهم وملتهم؛ فإنه لا يتَوَلَّى مُتَوَلٍّ أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسَخِطَهُ، وصار حُكْمُهُ حُكْمَهُ .

وجاء في تفسير الوسيط للواحدي : وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُم .. قال ابن عباس: كافرٌ مثلهم، وقال الزجاج: من عاضدهم على المسلمين فإنه معهم.

و إلى جانب تلك الصورة السابق ذكرها من المولاة فإن من صور موالاتهم الثابتة أيضا صورة أخرى أورد ذكرها الشيخ محمد نعيم ياسين  في كتاب الإيمان موضحا إن من موالاة الكفار : استعارة قوانينهم ومناهجهم في حكم الأمة – إلى قوله – فمن اجتمعت عندهم هذه الأمور أو قدر منها، وكان ذلك له خُلقاً وعادة، فقد أقام الدليل على أنه راض بكفر الكافرين، فيكون مثلهم، بل منهم، ولاينجيه من الكفر إلا إيمان جديد وإقلاع عن موالاة الكفار.

وهذا الكلام الأخير يوصلنا للجريمة الثالثة التي يرتكبونها والتي نناقشها تحت العنوان القادم.

ثالثا: الامتناع عن تحكيم الشريعة و محاربتها :

يقول الله عز وجل (وأن احكم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون).

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  :

ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد عليه الصلاة والسلام فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً).

يقول  الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله بكتابه (التشريع الجنائي):

إن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر، واستباحة إبطال الحدود، وتعطيل أحكام الشريعة، وشرع ما لم يأذن به الله. إنما هو كفر وردة، وأن الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتد واجب على المسلمين، وأقل درجات الخروج على أولي الأمر عصيان أوامره ونواهيه المخالفة للشريعة.

وقال الأستاذ عبد القادر عودة أيضا : ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر بالامتناع في عصرنا الحاضر الامتناع عن الحكم بالشريعة الإسلامية وتطبيق القوانين الوضعية بدلا منها، والأصل في الإسلام أن الحكم بما أنزل الله واجب .

وفي ذات المعنى قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن:

إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك، ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك، ويتحرجون من هذه ولا يتحرجون من تلك، إن هؤلاء لا يقرؤون القرآن، ولا يعرفون طبيعة هذا الدين، فليقرؤوا القرآن، كما أنزله الله، وليأخذوا قول الله بجد (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام: ١٢١].

ولعنا نكمل في المقالات القادمة إن شاء الله بعد هذا العرض الإجمالي الموجز باقي المباحث التي تخص الموقف الشرعي من الحكم الحالي في مصر.

(المصدر: موقع البوصلة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى