مقالاتمقالات المنتدى

الموقف الشرعي من الانتخابات التركية

الموقف الشرعي من الانتخابات التركية

 

بقلم عارف بن أحمد الصبري “عضو هيئة علماء اليمن” (خاص بالمنتدى)

 

السؤال:
ما هو الموقف الشرعي للمسلمين بشأن الانتخابات التركية المقررة في 14/مايو /2023م؟

الجواب:
تناولت الجواب في مسائل:
مسألة:
المسلم لا يعبد إلا الله، ولا يعبده إلا بما شرع.

مسألة:
المسلم مكلف بعبادة الله تعالى وحده، وللتكليف شرطان:
هما العلم بالحكم الشرعي، والقدرة على القيام به.

مسألة:
معرفة الحكم الشرعي يأخذه العالم من القرآن والسنة.
ويصل إليه العامي بسؤال العالم الورع، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)

مسألة:
ما لا قدرة للمكلف عليه فليس مكلفاً به، قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)
فلا تكليف إلا بمقدور.

مسألة:
المعجوزُ عنه غيرُ داخلٍ في التكليف.
كما أن المعجوز عنه لا يكون سبباً في ترك المقدور عليه.
وفي القاعدة الشرعية: (لا يسقط الميسور بالمعسور).

مسألة:
من عَلِم الحكم الشرعي، وعمل به في أي واقعةٍ بقدر الوسع، فقد قام بالمطلوب الشرعي كما يجب.

مسألة:
التغيير نسبيٌ إضافي:
والواجب على كل مسلمٍ في أي نازلة
يتفاوت من شخصٍ إلى آخر بحسب المعرفة والقدرة.
فما يجب في حق شخصٍ قد لا يجب على شخص آخر.
ولا يصح أن يكون فعل شخصٍ مقياساً لفعل غيره.

مسألة:
من الظلم محاسبة الفرد أو الجماعة عما ليس في مقدورها أو تحميلها تبعات ما ليس من إنتاجها، كما أن من الظلم مطالبتها بمعالجة أوضاعٍ ليست من إنتاجها، وقد حِيل بينها وبين تطبيق رؤيتها في الحل في واقعٍ وضعت فيه العراقيل أمامها، ولم يُمكَّن لها فيه.

مسألة:
لا بد هنا من استحضار الواقع الذي نعيشه لمعرفة ما يجب فعله، وللحكم على تصرفات الأفراد والجماعات والدول.

مسألة:
إن الأمة الإسلامية اليوم تعيش في مرحلة الاستضعاف وهو وضعٌ عارضٌ على خلاف الأصل.
لأن الأصل المطلوب شرعاً هو التمكين لدين الله في الأرض حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
ولوضع الاستضعاف تأثيرٌ في الفتوى والحكم على الوقائع والأحداث.

مسألة:
للاستضعاف أحكامٌ كلية نجملها فيما يلي:
أولاً:
حرمة القبول بوضع الاستضعاف؛ لأنه على خلاف الأصل وهو التمكين لدين الله.
ثانياً:
وجوب التعامل مع وضع الاستضعاف وفق الوسع والقدرة.

ثالثاً:
وجوب العمل على تغيير وضع الاستضعاف ودفعه بقدر الوسع.

وللقيام بهذه الأحكام فالواجب الشرعي بصورةٍ إجمالية كما يلي:
أولاً:
بيان ما يجب على الأصل كما هو في حكم الله كبيان لا كفتوى في واقعة معينة.
ثانياً:
فعل ما يمكن وفق الوسع والقدرة.
ثالثاً:
الإعداد للوصول إلى ما يجب أن يكون أي إلى المطلوب الشرعي على الأصل.

وبناءً على ذلك فإنه لا بد من الجمع بين بيان ما يجب وفعل ما يمكن والإعداد للوصول إلى ما يجب أن يكون.
لأن الاقتصار على بيان ما يجب دون فعل ما يمكن لا يجوز فالميسور لا يسقط بالمعسور ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم).

وكذلك لا يجوز فعل ما يمكن بدون بيان ما يجب؛ لكيلا يصبح الاستثناء أصلاً، وحتى لا يتصور الناس أن ما يمكن هو ما يجب، وهو الغاية التي نهدف للوصول إليها.

كما أنه لا يجوز الاقتصار على بيان ما يجب وفعل ما يمكن بمعزلٍ عن الإعداد للوصول إلى ما يجب أن يكون؛ لأن الوصول إلى ما يجب أن يكون هو غاية التكليف، وهو الأمر الاستراتيجي بمقابل الفعل المرحلي الذي تقتضيه الحاجة
والضرورة.

مسألة:
من الظلم مطالبة الأفراد والجماعات بما ليس في مقدورهم فعله، أو تحميلهم تبعات ما ليس من فعلهم، أو مطالبتهم بمعالجة المشكلات التي ليست من إنتاجهم، أو مطالبتهم بإصلاح الأوضاع في بيئةٍ لا يتحكمون بها ولا يتاح لهم معالجتها بمنهجهم ووسائلهم، فضلاً عن العراقيل والمعوقات التي توضع أمامهم وتحول بينهم وبين ما يهدفون إليه من الخير للناس.

مسألة:
توصيف الانتخابات في تركيا:
تركيا منذ سقوط الخلافة العثمانية صار بلداً تحكمه العلمانية، والانتخابات في تركيا استحقاق دستوري، ومفردةٌ من مفردات الديمقراطية العلمانية.
والاختيار في هذه الانتخابات بين فريقين:
الأول:
فريقٍ هم سَدنةُ العلمانية وحراسها، وهذا الفريق مدعوم من خصوم الإسلام في الداخل والخارج.

الثاني:
فريقٍ يسعى لاستعادة مكانة تركيا التاريخية وأسلمتها، وهذا الفريق يمثلون أنصار التدين بالجملة، و هم محاربون من كثيرٍ من دول الكفر.

ااالحكم على الانتخابات التركية من زوايا مختلفة:

مسألة:
الأصل في الإسلام اختيار الولاة على أساس الكفاءة والأمانة، بالشروط الشرعية المقررة في بابها، قال تعالى: (إن خير من استأجرت القوي الأمين)

ولا يجوز شرعاً أن يُقبَل في الترشيح لأي ولاية من لا يصلح، ولا بد أن يكون جميع المرشحين ممن يصلح.

مسألة:
يجب على المسلم اختيار الأصلح ولا يجوز لمسلمٍ أن يختار أو يولي من يصلح مع وجود من هو أصلح منه؛ فإن من استعمل على عصابةٍ رجلاً وفي القوم من هو أصلح منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)

مسألة:
في مرحلة الاضطرار إذا انحصر الاختيار بين فاسدٍ وأفسد وجب على المسلمين اختيار الفاسد لاحتمال أخف الضررين.

مسألة:
إذا أمكن الاختيار على أساس الأصلح والأكفأ، فالحمد لله رب العالمين، وذلك هو الواجب الشرعي.

أما إذا كان المسلم في بلدٍ لا يمكنه الاختيار إلا بين سيءٍ وأسوأ مثلاً، فإن الحكم الشرعي هنا مبناه على اختيار الأقل ضرراً، والأقل فساداً، والأقل شَراً، والأقل عداوةً للإسلام والمسلمين.

مسألة:
إن اختيار الأقل ضرراً في مرحلة الاضطرار واجبٌ شرعيٌ متعينٌ على المكلفين.
وفي القاعدة الفقهية: (يجب ارتكاب أخف الضررين والحرامين)
فإذا تعين على المكلف الوقوع في أحد الحرامين وجب عليه شرعاً ارتكاب أقلهما تحريماً.

مسألة:
العلمانية في تركيا:
العلمانية في تركيا ليست من إنتاج حزب العدالة الذي يرأسه أردوغان، ولست في مقام المدافع عن أردوغان وحزبه، وإن كنت أحسن الظن بهم.

مسألة:
بالنسبة لحزب العدالة بزعامة أردوغان، إن كانوا في هذه الظروف ليس في مقدورهم إلغاء العلمانية وتحكيم الشريعة الإسلامية، فلا يلحقهم إثمٌ؛ لأن ما عجزوا عنه ولا طاقةَ لهم به فإنهم غيرُ مكلفين به.
وإن عملوا للتمكين لدين الله، وَسَعَوا لإصلاح ما فسد وتدرجوا في ذلك بحسب الوسع والقدرة، فقد قاموا بالمطلوب الشرعي، وهم مأجورون غيرُ مأزورين.

مسألة:
بالنسبة للناخب التركي:
يجب أن يعلم أن الحكم والتشريع حقٌ خالصٌ لله.
وأنه ما دام عاجزاً عن تطبيق الشريعة في تركيا، فإنه غير مكلف بتطبيقها على الدولة، ولا يلحقه إثمٌ.
على الناخب التركي أن يطبق من الشريعة كل ما يتيسر له مما هو في مقدوره.
يجب على الناخب التركي وجوباً عينياً الوقوف مع أردوغان وحزب العدالة؛ لأنه اختيارٌ للفريق الذي يقاوم العلمانية بقدر الوسع، بمقابل الفريق الذي يؤمن بالعلمانية ويحرسها.

مسألة:
بالنسبة للمتردد من الناخبين الأتراك:

إن كان يخالف أردوغان في بعض اجتهاداته مثلاً، فلا يجوز له انتخاب مرشح المعارضة العلماني لأجل خلافه مع أوردغان.

وإن كان يتصور هذا الناخب أن أردوغان علماني مثلاً، فيجب عليه كذلك انتخاب أردوغان وحزب العدالة لأنه على الأقل أخف ضرراً من المعارضة التي تتبنى العلمانية صراحةً.

ومن كان يحب تركيا، ولا يحب أردوغان وحزبه فلا يسعه إلا اختيار أردوغان؛ لأجل مصلحة وعزة وكرامة وقوة تركيا.

مسألة:
بالنسبة للأحزاب والأشخاص التي لها خلفية إسلامية:
لا يجوز لهم الوقوف في صف المعارضة التي تتبنى العلمانية وتدعم المثليين والشذوذ الجنسي مهما كان خلافهم مع أردوغان وحزبه.

مسألة:
بالنسبة للذين لهم موقف من الديمقراطية العلمانية وأنها كفر وهي كذلك:
فلا يسعهم إلا اختيار أردوغان وحزبه؛ لأن المقاطعة أو الوقوف مع المعارضة العلمانية هو اختيار وتمكينٌ للديمقراطية العلمانية.

مسألة:
بالنسبة للمسلمين غير الأتراك:
يجب عليهم الوقوف مع أردوغان وحزبه؛ لأنه الأنفع للإسلام والمسلمين، أو حتى إذا كانوا ممن يسيؤون الظن به؛ لأنه على أسوأ الأحوال الأقل ضرراً والأقل شراً على الإسلام والمسلمين، واختيار الأقل ضرراً يكون متعيناً، وإذا تعين فمعناه أنه يجب شرعاً مناصرته ومساعدته ودعمه للفوز لأنه أصلح للمسلمين في هذه الحال.

وعلينا جميعاً حسن الصلة بالله تعالى والاستعانة به سبحانه، واللجوء إليه بالدعاء والضراعة بأن يصلح أحوال المسلمين وأن يجمع كلمتهم على كلمة التوحيد.

وأخيراً وأولاً:
علينا إخلاص العمل لله وتنقيته من حظوظ النفس والجماعات والمناطق والفئات والتجرد للحق
وتطهير القلب من كل غلٍ وحقدٍ أو بغضٍ على مسلم من المسلمين.
وأسأل الله القبول َوالعون والتوفيق والسداد والنفع للعباد والبلاد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى