المشروع النَّووي الإيراني وحقيقة تهديده لأمن إسرائيل 7 من 8
إعداد المشروع النَّووي الإيراني وحقيقة تهديده لأمن إسرائيل 7 من 8
الحلّ العسكري لمواجهة التَّهديد النَّووي الإيراني
يتناول افرايم كام، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي “يسرائيل هيوم”، في مقال تحت عنوان “كبْح جماح التَّهديد النَّووي الإيراني: الخيار العسكري”، إمكانيَّة نزوع السُّلطات الحاكمة في إسرائيل إلى استخدام العنف في مواجهة الخطر المحيط بالملف النَّووي الإيراني، في ظلّ استمرار نظام الملالي على مواصلة تخصيب اليورانيوم، ضاربًا عرْض الحائط بالالتزامات الَّتي قطعها على نفسه أمام المجتمع الدُّولي. فقد وقَّعت إيران في 14 ديسمبر 2004م مع الاتّحاد الأوروبي اتّفاقيَّة تلزمها بإيقاف نشاطاتها النَّوويَّة المتعلّقة بتخصيب اليورانيوم، في محاولة من المجتمع الدُّولي للتَّأكُّد من سلميَّة أهداف البرنامج النَّووي الإيراني. وكانت إيران قبل ذلك بعام، تحديدًا في أكتوبر 2003م، قد تعهَّدت أمام الحكومات الأوروبيَّة بإيقاف نشاطاتها النَّوويَّة، لكنَّها لم تلتزم إلَّا 6 أشهر فقط، مبرّرةً ذلك بعدم التزام أوروبا بتزويدها بخبرات نوويَّة تقنيَّة. ويوحي ذلك بأنَّ إبرام اتّفاقيَّة مع الاتّحاد الأوروبي لم يكن يعني الوصول إلى حلّ نهائي بشأن الملف النَّووي الإيراني؛ فقد يكون ذلك مجرَّد “خطوة تكتيكيَّة من جانب إيران هدفها مقاومة الضُّغوط القويَّة الَّتي تُمارَس عليها حاليًا، ودقّ إسفين بين الحكومات الأوروبيَّة والإدارة الأمريكيَّة” (صـ103). ويبدو أنَّ الخيار العسكري سيكون خيار الإدارة الأمريكيَّة، إن فشلت الجهود الدّبلوماسيَّة في حلّ الأزمة؛ ولا شكَّ في أنَّ فترة الإمهال الأمريكيَّة تجاوزت كلَّ الحدود المعقولة!
يوضح الباحث أنَّ الزَّعماء السياسيين الإسرائيليين منذ تسعينات القرن العشرين يشدّدون على خطورة التَّهديد الإيراني، ويعتبرونه الأسوأ في تاريخ الدَّولة العبريَّة، خشية امتلاك دولة الملالي، الَّتي تطبّق نظامًا أصوليًّا في الحُكم وتخطَّط لتأسيس دولة إسلاميَّة عالميَّة، سلاحًا تدميريًّا تقضي به على الدَّولة العبريَّة، كما تدَّعي وسائل الإعلام الإسرائيليَّة. ويكمن السَّبب في سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، كما يرى الباحث، في سعيها إلى مواجهة أي تهديد محتمل، سواءً من دول الجوار وعلى رأسها العراق، أو من إسرائيل وأمريكا. وبرغم تروّي إيران في استخدام السَّلاح النَّووي ضدَّ إسرائيل أو أمريكا بسبب خوفها من ردَّة فعل الخصم، لايزال المشروع النَّووي الإيراني يؤرق الكيان الصُّهيوني لعدَّة أسباب. على سبيل المثال، ليس من المستبعَد أبدًا أن توظّفه لأهداف تخريبيَّة ضدَّ إسرائيل، من خلال إطلاق حزب الله اللبناني صواريخ تحمل رؤوسًا نوويَّة على شمال الكيان. وقد يسفر عن تنامي القدرة العسكريَّة الإيرانيَّة إمكانيَّة إخضاعها كافَّة دول المنطقة العربيَّة لسيطرتها؛ فيوتّر ذلك من العلاقات الودّيَّة الَّتي تنشأ بين إسرائيل ودول المنطقة. والأهمّ من هذا وذاك أنَّ التَّسلُّح النَّووي الإيراني قد يشجّع دول المنطقة على الخوض في ذلك المجال، وقد تصبح إيران وجهة تلك الدُّول للحصول على التّقنيات النَّوويَّة؛ وقد ينتج عن ذلك تهديدٌ صريحٌ لإسرائيل، الَّتي ستُصبح حينها محاطة بترسانات نوويَّة من كافَّة الجهات، على حدّ قول الباحث.
يوضح افرايم كام أنَّ عمليَّة استهداف المفاعل النَّووي العراقي في يونيو 1981م مرَّت بسلام، دون إلحاق الأذى بأيّ من القوى الجويَّة المكلَّفة بتنفيذ العمليَّة، في ظلّ عجْز نظام صدَّام حسين حينها عن الرَّدّ، ومع غضّ المجتمع الدُّولي الطَّرف حينها عن إدانة إسرائيل. أمَّا في حالة إيران، فالأمر يختلف تمامًا؛ سواءً بسبب البُعد الجغرافي عن إسرائيل الَّذي سيعقّد عمليَّة استهداف المنشآت النَّووية، أو بسبب وجود العديد من تلك المنشآت في مناطق جبليَّة أو تحت الأرض. قد لا يفلح هجوم مفاجئ، كالَّذي شُنَّ لتدمير المفاعل العراقي، في تقويض القدرات النَّوويَّة الإيرانيَّة بالكامل؛ لأنَّ نظام الملالي يبدو وكأنَّه استفاد من التَّجربة العراقيَّة، ونجح في تحصين منشآته من أيّ اعتداء محتمل. ويُضاف إلى ذلك أنَّ وجود قوَّات أمريكيَّة وبريطانيَّة في العراق يزيد الأمر صعوبةً وتعقيدًا، حيث من الممكن أن تتعرَّض تلك القوَّات إلى هجوم إيراني انتقامي؛ ممَّا يعني أنَّ شنَّ هجوم على إيران لا بدَّ وأن يتمَّ بالتَّنسيق مع القوَّات الدُّوليَّة في المنطقة، وبخاصَّة في العراق. ويُذكر في هذا الصَّدد أنَّ إيران أصبحت الآن على إلمام واسع بالتّقنيات والموادّ الخام اللازمة لإنتاج سلاح نووي، بالإضافة إلى الخبرات الواسعة والطَّاقات البشريَّة المؤهَّلة لمباشرة تلك المهمَّة.
وما يزيد الأمر صعوبةً أنَّ إيران أنشأت مواقع سرّيَّة لتخصيب اليورانيوم وإعداد مستلزمات تطوير سلاح نووي، وهذا يعني أنَّها قد تعيد بناء مشروعها النَّووي في فترة وجيزة، إن تعرَّضت لهجوم غير رادع، أي هجوم يبرهن لنظام الملالي أنَّ أمريكا وإسرائيل لن تتنازلا عن إيقاف مساعي إيران النَّووية بأكملها. علاوة على ذلك، إذا تعرَّضت إيران لهجوم يستهدف منشآتها النَّوويَّة، فستكون حينها في موقع الضَّحيَّة، وسيمكنها حينها اكتساب تعاطُف المجتمع الدُّولي، الَّذي سيدين المعتدي عليها؛ بل وقد تتنصَّل حينها من كامل التزاماتها بخصوص السَّماح للمفتّشين الدُّوليين بمعاينة مواقعها. ويبدو أنَّ التَّصوُّر المنطقي الوحيد لعمليَّة ناجحة تستهدف المشروع النَّووي الإيراني هو أنَّ ذلك الهجوم “سيؤخّر استمرار هذا البرنامج لعدَّة سنوات فقط على الأقل، على أمل أن ينشأ نظام حُكم أكثر اعتدالًا يبدي رغبة للتَّخلّي عن هذا البرنامج في سياق حوار مع الولايات المتَّحدة والنّظام الجديد” (صـ110). ومن المتوقَّع أن يأتي ردٌّ إيراني على أيّ هجوم إسرائيلي، في صورة هجمات صاروخيَّة يشنُّها حزب الله اللبناني من جهة وميليشيات حركتي حماس والجهاد الإسلامي المواليتين لإيران من جهة أخرى، إلى جانب استهداف اليهود خارج إسرائيل؛ وقد يأتي ذلك الهجوم بغتةً وفوريًّا، وقد يتأخَّر لسنوات.
الخطر الإيراني وفق تقدير الكيان الصُّهيوني
يتطرَّق افرايم كام في مقال آخر تحت عنوان “تقييم إسرائيلي للتَّهديد النَّووي الإيراني” إلى موقف السّياسيين الإسرائيليين من التَّهديد الإيراني لدولة الاحتلال، في ظلّ التَّصريحات النَّاريَّة لكبار مسؤولي الكيان الصَّفوي، الَّتي تضنُّ على إسرائيل بحقّ الوجود ذاته. يقف الباحث الإسرائيلي عند تهديد علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرَّئيس الإيراني الأسبق (1989-1997م)، بإبادة إسرائيل، إذا ما استخدمت السَّلاح النَّووي في الإضرار بالمسلمين من حولها، مذكّرًا بواقعة اعتراض وحدة كوماندوس إسرائيليَّة السَّفينة “كارين إيه”، في 3 يناير 2002م، في البحر الأحمر، وهي في طريقها إلى الفلسطينيين، وكانت محمَّلة بـ 50 طنًّا من الأسلحة، منها صواريخ كاتيوشا قصيرة المدى وصواريخ مضادَّة للدَّبَّابات ومتفجرات شديدة الانفجار، كما أفاد مسؤولون إسرائيليون حينها. يري الباحث أنَّ تصريح رفسنجاني، إذا ما وُضع في الاعتبار مع استعداد نظام الملالي إلى إرسال ترسانة أسلحة مدمّرة كالَّتي ضُبطت على السَّفينة “كارين إيه”، يعني أنَّ التَّهديد الإيراني لإسرائيل صار تهديدًا وجوديًّا، خاصةً وأنَّ نظام الملالي يعتبر إسرائيل كيانًا غاصبًا زرعه الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين دون وجه حقّ، وينادي بالقضاء عليها بالكامل وتأسيس دولة فلسطينيَّة على أنقاضها.
كما يدَّعي الباحث، يرجع الصّراع الإيراني-الإسرائيلي إلى ارتباط نظام الشَّاه رضا بهلوي باليهود في فترة حُكمه واتّساع النُّفوذ الإسرائيلي في إيران وقتها؛ فاتَّخذت نظام الملالي موقفًا معاديًا لإسرائيل وحليفتها أمريكا، اللتين كانتا أكبر داعمتين للشَّاه ونظامه، الَّذي كان بعض رجاله يكيدون للنّظام الجديد. كان نظام الملالي كذلك يعي بأنَّ إسرائيل تحرّض أمريكا على ضرْب المنشآت النَّوويَّة الإيرانيَّة وفرْض العقوبات على إيران، سعيًا إلى إضعاف نظامها. وقد عني نظام الملالي بتطوير قدراته العسكريَّة على مدار السَّنوات التَّالية لتأسيس عام 1979م، وفي ذلك ما يثير المخاوف الإسرائيليَّة من تهوُّر ذلك النّظام الرَّجعي المتطرّف باستخدام ترسانته لتدمير إسرائيل، الَّتي يرى أنَّها تغتصب أرضًا مقدَّسة لدى المسلمين. ومن مكامن خطورة إيران، كما يشير الباحث، أنَّها كانت تزوّد الحركات الإسلاميَّة المقاوِمة للاحتلال منذ سنوات بالأسلحة، ولعلَّ فيما عُثر عليه على متن السَّفينة “كارين إيه” خير دليل، ويُضاف إلى ذلك الدَّعم معارَضة نظام الملالي للتَّصالح بين إسرائيل ودول الجوار السُّنّيَّة، لا سيّما تصالُح منظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة مع دولة الاحتلال وإبرام اتّفاقيَّة أوسلو عام 1993م.
ويعتبر افرايم كام أنَّ إرسال إيران للشَّحنة الكبيرة من الأسلحة على متن السَّفينة “كارين إيه” إلى الفلسطينيين فيه إشارة قويَّة على التَّقارب الكبير من نظام الملالي والسُّلطة الفلسطينيَّة، الَّتي نشأت بعد إبرام اتّفاقيَّة أوسلو، ومع ذلك يعترف نظام الملالي بشرعيَّتها، وأصبح يدعمها في مقاومة الاحتلال. ويبالغ الباحث في وصْف الدَّعم الإيراني للمقاومة الفلسطينيَّة وحزب الله اللبناني، معتبرًا أنَّ من أسباب انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان قسوة مقاومة حزب الله لقوَّات الاحتلال، وأنَّ الانسحاب الإسرائيلي من أجزاء من الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة قد يتكرَّر، إذا ما تواصَل الدَّعم الإيراني للحركات الإسلاميَّة المسلَّحة. وتكمن المشكلة في نجاح إيران في تطوير سلاح نووي في أنَّها ستصبح حينها قادرة على إخضاع محيطها العربي، والإضرار بالمصالح الأمريكيَّة والإسرائيليَّة في المنطقة. ومن اللافت أنَّ الباحث، وهو يكتب هذا المقال عام 2002م، كان يتوقَّع أن تتبنَّى إدارة جورج دابليو بوش موقفًا صارمًا من نظام الملالي، بعد أن وصفت إيران بأنَّها جزءٌ من “محور الشَّرّ”، معتقدًا أنَّ في ذلك إشارة على أنَّ “آمال الإدارة الأمريكيَّة في الحوار مع إيران قد تلاشت، وأنَّها ستتبنَّى موقفًا أكثر قوَّة من شأنه أن يحتوي التَّهديد الإيراني” (صـ132). غير أنَّ التَّجربة أثبتت كذب تلك التَّوقُّعات، وأنَّها ربَّما كانت للاستهلاك الإعلامي وإيهام العامَّة بصرامة أمريكا في مواجهة الخطر النَّووي الإيراني. ما حدث هو أنَّ أمريكا غزت أفغانستان والعراق، جارتي إيران، بمساعدة نظام الملالي، دون اتّخاذ أيّ خطوة جادَّة لتأديب ذلك النَّظام أو إيقاف نشاطه النَّووي.
(المصدر: رسالة بوست)