مقالات

المسلمون في جنوب إفريقيا: التاريخ وطبيعة الوجود

بقلم الشيخ أحمد البان

موضوع المسلمين في جنوب إفريقيا مهم ولكنه شبه مهمل في الاهتمام الإسلامي العام، فهو مهم نظرا لما تكتسيه جنوب إفريقيا من أهمية استراتيجية كدولة ديمقراطية قوية ومستقرة؛ لذلك سنسلط الضوء على هذا الجزء من جسم أمتنا الإسلامية معتمدين على دراسة علمية كتبها الأستاذ عبدالقادر طيوب (أكاديمي ومتخصص في الدراسات الإسلامية وعلوم الأديان- جامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا)، وهي دراسة شاملة وموثقة.

يشكل المسلمون في جنوب إفريقيا نسبة تقترب من 3% من مجموع السكان، أغلبهم من أصول آسيوية ولا سيما الهند والمالاي، الذين أحضرهم المستعمرون الهولنديون إلى المنطقة في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، ولأنهم غير مسيحيين فقد تم تصنيفهم باعتبارهم كفارا،وقد كان من بين  هؤلاء علماء وشيوخ طرق صوفية لعل أبرزهم على الإطلاق الشيخ يوسف بن مقصر الذي يمثل وصوله عام 1694 نقطة تحول كبرى في تاريخ تطور الجماعة المسلمة في جنوب أفريقيا.

من نقد العنصرية إلى نقد الكنيسة

وقد تحول الخطاب الإسلامي في جنوب إفريقيا من الانشغال بكيفية التعامل مع الآخر والتأكيد على خطر الظلم ومناهضة خطاب الابرتهايد (نظام الفصل العنصري) والانخراط في النضال الوطني الحقوقي لدى الإمام عبد الله هارون الشهيد إلى تسليح المسليمن ضد المد المسيحي وإعطائهم أدوات نقد الخطاب الكنسي على يد الشيخ أحمد ديدات, ليتولى فريد إسحاق التركيز على العمل السياسي الذي لم يغب عن أي من الدعاة السابقين بحكم حضوره الأولي داخل المجتمع الجنوب إفريقي.

استطاع الإمام عبدالله هارون أن يؤسس مع بعض رفاقه رابطة كليرمونت للشباب المسلم في كيب تاون وكانت تهدف إلى:

– تدريب الشباب المسلم على تولي مهمة إمامة المساجد.

– إعطاء دروس دينيه للرجال والنساء في مسجد المدينة.

– حلقات ثقافية.

– إصدار النشرات والمجلات حول الإسلام والمسلمين.

أصدر الإمام عبد الله هارون دورية “المرآة الإسلامية” العام 1959، وإن كانت توقفت عن الصدور في عام 1964. ومن خلال التعاون مع بعض أصدقائه استطاع أن يصدر مجلة شهرية بعنوان “أخبار المسلمين”، حيث تولى رئاسة تحريرها. وكان لهذه المجلة تأثير واضح على الجماعة المسلمة في الكاب وغيرها من المناطق حيث اهتمت بالقضايا العامة والثقافية والاجتماعية والسياسية.

ولم يغض الإمام هارون الطرف أبداً عن (سياقه) المجتمعي، الذي كان مكبلاً بقيود نظام الفصل العنصري البغيض، فاستخدم رابطة الشباب المسلم لدعوة كثير من الأفراد والشخصيات العامة المناهضة لـ “الأبارتهيد”، وهو ما أسهم في أن يصدر في العام 1961 كتيبا بعنوان “الدعوة إلى الإسلام” الذي ينطوي على معارضة العنف في جنوب أفريقيا.

مجتمع واع ومنظم

و إذا كان القرن التاسع عشر هو قرن الزعامات الكارزمية، والشخصيات الإسلامية البارزة في جنوب أفريقيا، فإن مسلمي جنوب أفريقيا اهتموا خلال القرن العشرين بالعمل المؤسسي والجماعي الإسلامي، حتى إن البعض يطلق على هذا القرن اسم قرن (المنظمات الإسلامية). التي تقدر الآن بما يناهز 1500 منظمة وجمعية إسلامية, وفي ما يلي عرض لتاريخ الغمل المؤسسي في المجتمع المسلم بجنوب إفريقيا:

ـ  1920 قام الدكتور عبدالله عبدالرحمن بتأسيس “المنظمة السياسية الأفريقية”، والتي عرفت بعد ذلك باسم “منظمة الشعب الأفريقي”.

ــ 1923 تأسست جمعية “المالاي” بمنطقة الكاب، وذلك كمؤسسة دينية واجتماعية بالأساس.

ـ  1923 تأسيس جماعة “علماء الترنسفال” باعتبارها أول تنظيم لجماعة العلماء في جنوب أفريقيا.

ـ 1945 تم تأسيس “مجلس القضاء الإسلامي” في الكيب

ـ 1950 تم تأسيس “جماعة علماء ناتال” في ديربان، لتلبية الاحتياجات الدينية الروحية للمسلمين.

أحمد ديدات وتحصين العقيدة

لقد أخذ ديدات على عاتقه، مهمة الدفاع عن الإسلام، وسيما أن وجود الأقلية المسلمة في جنوب أفريقيا كانت تعيش في “محيط من المسيحية” على حد وصفه، وكانت تواجه عملاً منظماً أشبه بالهجوم اليومي من قبل جماعات التبشير المسيحية التي كانت تحاول نشر دعوتها من منزل لمنزل عن طريق الإلتقاء الشخصي المباشر.

لقد حاولت وسائل الإعلام، المملوكة للدولة العنصرية في جنوب أفريقيا، إفساد عقول المسلمين الذين لم تكن لديهم أدنى معرفة بمقارنة الأديان، فضلاً عن كونهم هدفاً لدعاية منظمة من قبل المبشرين المسيحيين. وعلى صعيد آخر فإن كلاً من الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الهولندية البروتستانتية اللتين قدمتا الأساس اللاهوتي لنظام الفصل العنصري، قد حملتا على كواهلها مهمة الهجوم على الإسلام باعتباره ديانة باطلة. وعليه فإن المناظرات التي أجراها ديدات، وحمل فيها على البيض، كانت بمثابة رد الاعتبار للمسلمين المضطهدين.

وعليه يرى بعض الدارسين، أن أسلوب أحمد ديدات الدعوي كان ينظر إليه باعتباره “حائط صد” لحماية المسلمين، باعتبارهم أقلية مضطهدة في المجتمع الجنوب أفريقي. أي أنه كان بمثابة حماية لهم ودعماً لهويتهم الإسلامية أكثر من كونه خطاباً دعوياً تبشيرياً موجهاً لغير المسلمين بغرض تحويلهم للإسلام.

حركة الشباب المسلم..المرأة أولا

نشأت هذه الحركة في ديسمبر 1970، على أيدي مجموعة من رجال الأعمال والمهنيين المسلمين. وقد عقدت الحركة اجتماعها الأول في مركز السلام، واتسمت مؤتمرات الحركة في سنواتها الأولى بالرمزية والحركية في آن وأحد. وقد ازدادت شعبيتها بسرعة إذ كان عدد الحضور في مؤتمراتها يتجاوز خمسة آلاف شخص.

ولعل أهم مناحي الجاذبية التي ارتبطت بدعوة حركة الشباب المسلم تتمثل في تتويج أنشطتها؛ حيث تضمنت إلى جانب المحاضرات الدينية، الألعاب والأنشطة الرياضية، وهو ما أعطى الانطباع للأسر المسلمة بأن الإسلام دين ودنيا ويمكن التعايش معه في بيئة لا تخلو من المتعة والاستمتاع بمباهج الدنيا.

وفي العام 1973 حيث تم افتتاح العديد من الفروع في مختلف أرجاء جنوب أفريقيا. وكان كل فرع يقوم بانتخاب مجلس تنفيذي يقوم رئيسه بمهمة تمثيله في المجلس الإقليمي. وتخضع المجالس الإقليمية للمحاسبة من قبل المجلس الوطني العام، الذي اتخذ مقراً له في ديربان. ويلاحظ أن المؤتمرات الوطنية للحركة كانت بمثابة برلمان حقيقي للحركة.

وقدا اعتمدت الحركة على عدة مبادئ أولها مبدأ وحدة الأمّة، وذلك لمواجهة الانحيازات العنصرية والولاءات الإثنية التي ظهرت بين مسلمي جنوب أفريقيا، ويتمثل المبدأ الثاني للحركة في التفاهم والتعليم، من خلال تيسير تعاليم الإسلام، ولعل تجربتها في جعل خطب الجمعة وصلاة التراويح باللغة الإنجليزية بدلاً من العربية، تدفع في هذا الاتجاه.

ويعتبر التركيز على المرأة أحد أهم هذه المبادئ، وقد حرصت الحركة منذ البداية على مشاركة المرأة في أنشطتها كافة، بما فيها الصلاة في المسجد، وقد واجهت الحركة انتقادات واسعة من قبل علماء جنوب أفريقيا، في ما يتعلق بمواقفها الفكرية والدينية، ولاسيما الموقف من المرأة وصلاتها في المسجد.

وتركيزا على المرأة ودورها فإن الحركة افتتحت فرعاً خاصاً للمرأة في هيكلها الإداري والتنظيمي، يقوم على أمره نساء أعضاء في الحركة. ويهدف هذا التنظيم النسوي إلى زيادة وعي المرأة وتمكينها اجتماعياً وسياسياً من خلال برامج مختلفة مثل التدريب، ومساعدة مرضى نقص المناعة المكتسبة.

وتنخرط حركة الشباب المسلم عموماً وفرعها النسوي، على وجه الخصوص، في برامج تربوية وتدريبية عديدة، ومن ذلك: المشاركة في عملية تنظيم ورش عمل، وحلقات دراسية حول قانون الأحوال الشخصية، والتوعية الصحية، والوقاية من مرض الإيدز، وما إلى ذلك.

في الختام، إن المجتمع المسلم في جنوب إفريقيا قليل (2.3%) ولكنه مؤثر ومحترم وممثل في الحكومة والسياسة والاقتصاد، ويتركز في عنصرين هما: ذوو الأصول الهندية ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي محترم ومتطور، وعنصر الزنوج وهم رغم تجاوزهم الإشكال القانوني إلا أنهم ما زالت غالبيتهم غير متعلمة ومنخرطة في الجريمة والانحراف، مما يستدعي تركيزا أكبر عليهم، كما يستدعي العمل على اختراق المجتمع الأبيض حتى يدخل في الإسلام.

المصدر: الاسلام اون لاين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى