مقالاتمقالات مختارة

المسلمون الروهينجا: تاريخ مثقل بالمجازر وحاضر يتكرر فيه الخذلان

المسلمون الروهينجا: تاريخ مثقل بالمجازر وحاضر يتكرر فيه الخذلان

بقلم د. ليلى حمدان

في الوقت الذي خفت صوت ذكرهم، لا يزال يعيش المسلمون الروهينجا تبعات الإبادة العرقية الوحشية التي تعرضوا لها قبل سنوات، وأضحى حلم الوطن والمسكن والأمن أسمى أمانيهم، حيث لا تزال تتربص بهم آلة الحقد البوذي حتى في مخيمات اللاجئين خارج بورما.

ومأساة الاضطهاد بجميع أنواعه قديمة في بورما لاجتثاث المسلمين والقضاء على دينهم، فسجلت في هذه الأرض أبشع وأقبح الوسائل والمجازر، وراح ضحية ذلك ملايين المسلمين قهرًا وعدوانًا.

واليوم يعيش المسلمون الروهينجا كشعب مشرّد بلا وطن ولا هوية ولا حقوق، بعد قيادة حكومة بورما الحرب عليهم وتنصلها من كل مسؤولية. 

بورما بلغة الجغرافيا

‏تقع بورما في جنوب شرق آسيا وهي تمتد بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب على امتداد خليج البنغال، يحدها من الشمال الشرقي الصين ومن الشمال الغربي الهند وبنجلاديش، وعرفت باسم بورما إلى غاية عام 1409هـ (1989م) حيث غيرته الحكومة البورمية العسكرية إلى “ميانمار” تزامنًا مع تغييرها للترجمات الإنجليزية التي أطلقت على أسماء المناطق.

وعاصمة بورما هي “نايبيداو” ويتحدث معظم سكان البلاد اللغة البورمانية، مع أقليات تتحدث لغات محليّة متعددة.

وترجع أصول سكان بورما بحسب تركيبتهم العرقية، فالبورميون المسلمون ينحدرون من سلالة شعوب مسلمة من العرب والفرس والأتراك والهنود والمورو ومسلمو البنغال والبشتون والصينيون والملايو.

وتشمل بورما سبع ولايات وسبع مناطق ما يشكل مجموع 14 منطقة وولاية إدارية قبل أن تتحد في جمهورية واحدة؛ وهي ولاية كاشين، ولاية كايا، ولاية كاين، ولاية تشن وإقليم ساجينج وإقليم تانينساري وإقليم باغو وإقليم ماغاوي وإقليم ماندالاي وولاية مون وولاية راخين (أراكان) وإقليم يانغون وولاية شان وإقليم آيياروادي.

أغلب سكان بورما يدينون بالبوذية ويعتبر‏ الإسلام الديانة الثانية بعد البوذية.

وتتميز بيوت البورميين بكونها ريفية بدائية مصنوعة من الخيزران المسقوف بالقش وتكون مرتفعة عن أسطح الأرض؛ لحفظها من الفيضانات والحيوانات المفترسة.

خلفية تاريخية

كانت بورما ولاية تابعة للهند قبل أن تنفصل عن حكومة الهند البريطانية في عام 1356هـ (1937م) على إثر استفتاء انتهى بتحولها إلى مستعمرة بريطانية منفصلة لأهداف سياسية للاحتلال. وقد أعقب هذا القرار ارتفاع عدد المسلمين في بورما، بعد هجرة موجات جديدة من المسلمين الهنود إلى المنطقة فضلًا عن استجلاب البريطانيين المحتلين للمسلمين الهنود للعمل في الأعمال المكتبية والتجارة.

عدد المسلمين في بورما

يبلغ عدد سكان بورما نحو 54 مليون نسمة بحسب إحصاءات 1440هـ (2019م)، ويبلغ عدد المسلمين حوالي 10 مليون بنسبة 20%، معظمهم في إقليم أراكان المسلم الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 5,5 مليون نسمة. هذا قبل حملات الإبادة العرقية الأخيرة والتهجير القسري حيث انخفض العدد ولا تتوفر حاليًا إحصائيات بشأنه.

ويجدر الذكر أن حكومات بورما تتعمد التقليل الكبير لعدد المسلمين، حيث يحصر الإحصاء الحكومي نسبة المسلمين في 4% من سكان بورما فقط، كما أشار لهذا التقليل تقرير حرية الاعتقاد الدولي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية سنة 1427هـ (2006م) إذ يتعمد الإحصاء الحكومي تقليل غير البوذيين. بينما تقدر تقارير الزعماء المسلمين النسبة بنحو 20% من إجمالي عدد السكان.

ويعيش المسلمون في بورما على شكل مجتمعات صغيرة. ويتوزعون على الولايات البورمية بحسب أصولهم العرقية.

كيف وصل الإسلام إلى بورما

وصل عبر عدة طرق:

–  عن طريق التجار: حيث كان التجار العرب يتنقلون من شبه الجزيرة العربية مرورًا بالهند وسريلانكا وبلاد البنغال وبورما وتايلاند وإندونيسيا وماليزيا والعكس، وكان لهم الفضل في نشر الإسلام لصدقهم وأمانتهم وحسن أخلاقهم ومعاملاتهم مع الناس، ولاجتهادهم في دعوة الناس إلى الإسلام.

–  عن طريق الفتح الإسلامي: وذلك على إثر مسير جيوش المسلمين إلى بلاد فارس مرورًا بهضبة الأفغان سنة 31هـ (652م) وجبال هندكوش وسليمان وحوض السند وبلاد التركستان وحتى حدود الصين. كما عبروا القارة الهندية حتى دلتا نهر الجنجر والبرهموبترا (بنجلاديش) وجنوب هضبة الدكن [1]. حتى وصلوا إلى أراكان.

–  عن طريق التتار: عندما غزا التتار بورما في عام 686هـ (1288م) بقيادة أميرهم المغولي “سوجا” شقيق الإمبراطور “محب الدين لاورانجزيب” الذي حكم الهند. حيث استقر الأمير “سوجا” وعدد من أتباعه في أراكان لكونها منطقة زراعية خضراء خلابة، ونشروا فيها الإسلام.

تاريخ المسلمين في بورما

وصل المسلمون إلى بورما على ساحل تانينثاري حيث مرت قوافل البحارة والتجار المسلمين بالعديد من الدول في هذه المنطقة كالهند وسريلانكا والسواحل الجنوبية الغربية من بورما (أراكان) إضافة إلى الجزر الواقعة إلى هذا الخط الملاحي الموصل إلى إندونيسيا وغيرها.

وكان العرب آنذاك سادة البحر وتشير الروايات التاريخية أنهم وصلوا إلى ميناء أكياب في عام 172هـ (788م) في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد [170هـ – 193هـ (786 – 809م)] راجعين من الجزر المجاورة في المحيط الهندي فتحطمت سفينتهم بسبب طوفان في المحيط الهندي، وبعد طول معاناة تمكنوا من الوصول إلى مدينة أكياب وهم في تعب وإرهاق شديدين فاستقروا في المدينة ثم انتهزوا الفرصة للدعوة إلى الله ونشر تعاليم الدين الحنيف في ولاية أراكان [2].

‏فبارك الله في صدقهم واعتنق الكثير من عبدة الأوثان الإسلام، وتزاوج المسلمون مع المجموعات العرقية المحلية مثل الأراكانيين والشان والكارين والمون وغيرهم وأصبح لهم ذرية وأحفاد [3]. وكان من المسلمين في بورما البحارة والتجار والأسرى والرحالة والدعاة وغيرهم ممن وصل لهذه الأرض مسلمًا أو أسلم فيها.

ويقول د. أحمد رمضان شقلية: “لقد كان للتجار العرب من المسلمين دورهم الفعال في نشر الإسلام وضم بلاد عديدة إلى العالم الإسلامي، وأهمها ولاية حيدر آباد في الهند وجزر القمر والصومال وتنزانيا وساحل كينيا والملايو وجزر الهند الشرقية وإندونيسيا وتايلاند وسريلانكا وجزر أندمان ونيوكوبار وسيشل وبلاد بورما، وقد ساعد في ذلك التنقل الدائم للقوافل الإسلامية”. [4]

واستفاد البوذيون من المسلمين ومهارتهم العالية في الملاحة البحرية، وكانت أول آثار هؤلاء المسلمين تشييد المساجد؛ حيث ذكر المؤرخ هاروي في تاريخ بورما أن كثيرًا من المساجد توجد على طول سواحل البحر من آسام إلى سواحل ملايا وتسمى هذه المساجد باسم “بدرمقام”، وبنيت هذه المساجد قبل القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، واستمر وصول العرب إلى أراكان حتى من البصرة من العراق وبنوا لهم “بليدة” خاصة تسمى الآن بصرة أو باصرة، وأكد هاروي وصول الرحالة المسلمين، ومنهم الرحالة الكبير سليمان عام 133هـ (751م) والرحالة خير ذادابة في عام 229هـ (844م) والرحالة ابن الفقيه في عام 289هـ (902م) والذين قدمت كتبهم مصادر هامة عن تاريخ بورما.

وانتظم المسلمون تدريجيًا في حكم إسلامي وأسسوا سلطانهم الإسلامي وذلك قبل أن يؤسس الملك أناوراتا الإمبراطورية البورمية الأولى سنة 435هـ (1044م) في باغان.

واشتهرت مملكة أراكان الإسلامية كدولة راسخة مستقلة لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، منذ عام (833هـ حتى عام 1199هـ) (1430م حتى عام 1785م) عرفت خلالها عدة حكام ملوك مسلمين، تقدرهم بعض البحوث بـ 48 ملكًا مسلمًا حكموها على التوالي، وبقي من آثار هذه الحقبة عملات معدنية كتب عليها كلمة لا إله إلا الله، وآثارًا إسلامية من مساجد ومدارس عريقة.

كما عرفت بنشاط القضاة المسلمين مثل القاضي دولت والقاضي ماردان موجور وغيرهم الكثير. وجميع الآثار والدلائل تؤكد على قدم الإسلام في هذه البلاد التي يذكر التاريخ من أشهر ملوكها محمد حنيف وعيسى ثو وأمير حمزة وغيرهم.

وخلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين (الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين) حكم أراكان أسرة مسلمة تعرف باسم أسرة الملك نوري، واستمرت مستقرة إلى عام 1031هـ (1622م)، اشتهر خلالها ملكها سليمان شاه، وشيخ شاه وعلي خان وغيرهم من ملوك وحكام.

ومن الحقائق التي لا يزال يعتز بها المسلمون في أراكان أن نظام تنصيب الملوك في تاريخهم كان يشترط لملوك أراكان قبل توليهم الحكم الحصول على شهادة الفضيلة في العلوم الإسلامية.

واستفادت المملكة الإسلامية في بورما من خبرات البحارة والتجار المسلمين على طول الساحل البورمي الممتد من ساحل أراكان (راخين)، وساحل دلتا إيراوادي وساحل تانينثاري والجزر البورمية. واستمر صعودهم واستقواؤهم وساعدهم في ذلك حكمهم الكامل للمنطقة وحسن إدارتهم لها وتأسيسهم لسلطات الموانئ وتشييدهم للعديد من المساجد التي كان لها دورها الحيوي في تنظيم حياة المجتمعات.

ويسجل التاريخ امتلاك المسلمين لأسطولين صغيرين يعرفان بـ “الأرهي” و”سلامات” وقائد أسطول الأرهي كان عربيًا.

وامتدت العلاقات السياسية للمملكة الإسلامية في عام 1123هـ (1711م) إلى أن وصلت إلى المغول حيث جرى تبادل السفارات والوفود مع إمبراطور المغول بهادر شاه.

وكانت هذه الحقبة -حقبة المملكة الإسلامية في أراكان- مرحلة ذهبية، لم يعرف مثلها المسلمون في هذه المنطقة ولا يزالون يفتقدونها إلى اليوم.

عصر الاحتلال البوذي

الروهينجا

الراهب ويراثو هو المحرض الأول على قتل المسلمين في أراكان. وضعته مجلة التايم في غلافها وقد وصفته بوجه الارهاب البوذي.

لم تستمر الأمور بنفس حال السيطرة والاستقرار والازدهار حيث كانت المملكة الإسلامية تحت أنظار البوذيين الذين كانوا يتوجسون خيفة من أن يستمر صعودها في المنطقة مع سرعة انتشار الإسلام في بورما، مما يهدد ملكهم، فشن الملك البوذي بوداباي حملة شرسة على أراكان في عام 1199هـ (1785م) واحتلها وجعلها جزءًا من مملكة بورما البوذية، واستمر احتلالهم حتى جاء الاحتلال البريطاني.

ومع أن بداية الاحتلال كانت في منتهى الوحشية وانطلقت بسلسلة مجازر دامية ومقتل الكثير من المسلمين ونهب أملاكهم إلا أنه مع مرور السنين بدأ الملوك البوذيون يثقون بالمسلمين لما شاهدوه من نبلهم ورقي أخلاقهم وأمانتهم؛ فتقلد المسلمون مناصب هامة في الدولة البوذية ومن ذلك يذكر التاريخ أن الملك أناوراتا كان لديه وحدات مسلمة في جيشه وحرسه الخاص. كما عهد الملك أناوراتا لعربي مسلم بتدريس ابنه الأمير ساولو، وبفضل هذه العلاقة شغل ابن المعلم المسلم واسمه رحمان خان منصب حاكم لمدينة باغو (أو بيغو) وتعرف أيضًا باسم أوسا.

كما عمل المسلمون في وظائف حساسة بسبب ثقة ملك بورما بهم في وقت لم يكن ملوك بورما يثقون أبدًا في بني عمومتهم من بني جلدتهم؛ حيث كان سائدًا في ذلك العصر قاعدة “من يقتل الملك يصبح ملكًا مكانه”، ولذلك يروي التاريخ البورمي قصص أبناء قتلوا آباءهم وإخوة قتلوا إخوتهم في سبيل العرش.

ويعتبر الملك بودابايا (1195هـ – 1234هـ /1781م – 1819م) من أسرة كونباونغ أول ملك بورمي اعترف برعاياه المسلمين بموجب مرسوم ملكي، وسن قوانين خاصة لحل الخلافات التي تنشب بين مسلمي بورما حول مواضيعهم الخاصة. وكان للمسلمين الدور الأساسي في حروب الملك مع الإنجليز.

وفي حكم الملك باغان مين في بورما والذي تعتقد بعض الروايات التاريخية أنه كان مسلمًا (حكم خلال الفترة الممتدة من 1262هـ إلى 1269هـ /1846م إلى 1853م)، عيّن باغان حاكمًا مسلمًا اسمه “يو شوي أوه” للعاصمة “أمارابورا” آنذاك، وعيّن له وزيرًا مسلمًا أيضًا يدعى “يو باينج” اشتهر ببناء جسر من خشب الصاج طوله ميلان، يعبر بحيرة “تاونج ثا مان”، ولا يزال الجسر موجودًا إلى الآن حيث أصبحت المنطقة المحيطة متنزهًا للسياح.

وشهد عصر الملك باغان توظيف المسلمين في وظائف شتى في كل المستويات، كما شهد عصره أيضًا إعدامات بعض المسلمين؛ حيث اعتقل محافظ أمارابورا، باي ساب ومساعده يوبين وحكم عليهما بالإعدام.

وبعد عزله على يد شقيقه بعد الحرب مع الإنجليز استلم الملك مندون الحكم وكان متسامحًا مع مسلمي بورما، وقلدهم مراتب عالية في الجيش والحكومة، وكان يكرمهم ويمنحهم الأراضي للسكن ولبناء المساجد منها مسجد “كون يو”، كما ساهم في تشييد بعض هذه المساجد بالتبرع بعدة أعمدة من خشب الصاج من قصره الخاص بل وسمح ببناء مسجد في قصره ليصلي فيه حرسه الشخصي من المسلمين. وأبعد من ذلك فقد ساهم في بناء استراحة في مكة مخصصة للبورميين عند أداء مناسك الحج تسمى استراحة الطاووس.

وفاة آخر سلاطين المسلمين المغول في بورما

بعد احتلال الإنجليز للهند اعتقلوا “بهادر شاه” وهو آخر سلاطين مغول الهند المسلمين وحاكموه محاكمة صورية في دلهي في عام 1274هـ (1858م)، بتهمة التعاون وابنه مع الثورة ضدهم، فحكموا عليه ابتداءً بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى النفي إلى مدينة رانكون عاصمة بورما، وبالفعل تم نفي بهادر شاه مع أسرته وبعض أفراد حاشيته في عام 1275هـ (1858م)، وبنفيه سقطت دولة المغول الإسلامية في الهند للأبد، بعد أكثر من ثمانية قرون مشرقة بحكم الإسلام في الهند لتتحول الأخيرة ضمن مستعمرات التاج البريطاني إلى غاية عام 1367هـ (1947م).

وقد مات بهادر شاه في منفاه سجينًا في بورما وتم دفنه بتاريخ 1279هـ (1862م). وتطور حال المسلمين بعد هزيمة الملك “ثيباو من” أمام البريطانيين سنة 1302هـ (1885م)، فأسس المسلمون في بورما عدة منظمات اجتماعية ودينية.

الاحتلال البريطاني

الروهينجا

وما لبثت أن تحولت أنظار الإنجليز بعد الهند إلى بورما فاحتلوها في عام 1239هـ (1824م) وقاموا بضمها إلى حكومة الهند البريطانية التابعة للاحتلال، وفي عام 1356هـ (1937م) جعلت بريطانيا بورما مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية وعرفت بحكومة ميانمار البريطانية.

وقد أبدى المسلمون عزمًا وجلدةً مرهبة في محاربة الاحتلال البريطاني فبدأ الإنجليز بتأجيج العداء البوذي ضدهم؛ لشغلهما بالاقتتال عن الاحتلال.

وهكذا، لإخماد ثورة المسلمين في بورما على قوات الاحتلال البريطاني، شغلهم المحتل بإذكاء نيران الحروب الأهلية والفتن الداخلية باللعب على وتر الأحقاد بين البوذيين والمسلمين.

ولم يكن التخطيط عشوائيًا بل مدروسًا، فقد طرد الإنجليز المسلمين من وظائفهم واستبدلوهم بالبوذيين لإضعاف شوكة المسلمين ونفوذهم في البلاد بداية. ويدخل في ذلك مصادرة أملاكهم وتوزيعها على البوذيين ومطاردة المسلمين بالسجن والاعتقال، تزامنًا مع تحريض البوذيين ضد المسلمين ودعمهم بالأسلحة لأجل ذلك، فسجل التاريخ على إثر عملية التأجيج المخزية للإنجليز عمليات إبادة مريعة قادها البوذيون بحق المسلمين فراح ضحيتها الملايين، من أشهرها مجزرة أراكان عام 1361هـ (1942م) على أيدي العصابات الماغ الأركانية “سنغ شوانغ ومنغ شهابو” حيث أعدمت بدم بارد ما لا يقل عن 100 ألف مسلم معظمهم من النساء والأطفال والعجزة وسيطروا على المدن التي كانت تحت يد المسلمين مثل بوتع وكيوكتو وراسيدونغ وممبيا ورابشونع.

ولم يكتف البوذيون الأنجاس بقتل المسلمين وإسالة أودية من دمائهم الزكية ولا إحراق مدنهم وقراهم وتدمير ممتلكاتهم بل عمدوا أيضًا لاغتصاب الآلاف من النساء وقتلهن والتمثيل بأجسادهن بتمثيل يدمي القلوب، وبقروا بطون آلاف الحبالى فكان مشهدًا من الإجرام لا يقدر على إيفائه حقه وصف!

وكان من تداعيات هذه الحرب الشرسة إغلاق المعاهد والمدارس الإسلامية وحتى المحاكم الشرعية التي نسف بعضها بالمتفجرات لتقف الحركة العلمية والدعوية الإسلامية في البلاد! وبينما شغل الاحتلال البريطاني البورماويين بالحروب الأهلية والإبادات للمسلمين انشغل هو بنهب الثروات والخيرات.

بعد الاحتلال البريطاني

استقلت بورما عن الاحتلال البريطاني في عام 1367هـ (1948‏م) بعد 88 عامًا نهب فيها خيرات البلاد وفرق شمل شعبها وزرع بينهم الأحقاد التي لا تنسى. وخلال هذه الفترة في عهد حكومة “أونو” أحبط المسلمون أيما إحباط، وخاب أملهم في أن تتم معاملتهم كجزء من الشعب البورمي بكامل حقوقه حيث وقع الاحتلال البريطاني على اتفاقية تقضي بضم إقليم أراكان المسلم رسميًا إلى بورما على أن تعطي حكومة بورما حق تقرير المصير للروهينجا بعد عشر سنين ولكنه شرط لم يتحقق إلى اليوم.

انقلاب الجنرال “ني وين” وإعلان الاشتراكية

الروهينجا

الجنرال ني وين.

استمر حال المسلمين في عناء وتهميش بعد الاستقلال لكن في عام 1382هـ (1962م) وقع الانقلاب البورمي لما شكل بداية حكم الحزب الواحد والهيمنة السياسية للجيش في بورما ليمتد على مدار 26 عامًا.

شهدت البلاد خلالها توسيعًا لدور الجيش في الاقتصاد والسياسة وبيروقراطية الدولة، وأحكم الجنرال “ني وين” قبضته على البلاد لـ 26 عامًا هذه ثم 12 عامًا أخرى بعد مسرحية انتخابه بالطريقة الثورية الاشتراكية رئيسًا لـ «الجمهورية الاشتراكية لاتحاد بورما» في عام 1394هـ (1974م)، وكان قد أعلن أن بورما دولة اشتراكية وذكر علنًا بأن الإسلام هو عدو الدولة الأول وساندته في شيطنة الإسلام حملاته ضد هذا الدين التي كانت تقودها وسائل الإعلام الحكومية، وبدأت مرحلة من الاضطهاد المفزعة عاشها المسلمون في خذلان تام.

ووجه “ني وين” تهمًا بما يسمى “الإرهاب” ضد المنظمات الإسلامية مثل اتحاد مسلمي عموم بورما، فكانت هذه التهم السبب وراء انضمام المسلمين إلى جماعات المقاومة المسلحة للقتال من أجل تحصيل حقوقهم. [5]

وفي عام 1398هـ (1978م) وزعت الحكومة البورمية على المواطنين البورماويين بما فيهم المسلمين بطاقات جنسية وخضعت عملية التوزيع لشروط صارمة خشية أن يتسلل أجانب بينهم يحصلون على حقوق الجنسية.

لكنها ما لبثت أن سحبت البطاقات من المسلمين لتتركهم لمصيرهم بدون هوية ولا جنسية. ثم أطلقت يد العصابات البوذية في عملية إبادة وحشية هدمت فيها المنازل والقرى والمزارع وشرّد فيها المسلمون إلى غاية حدود بنجلاديش، حيث تشير التقارير في عام ‎1398هـ (1978م) إلى طرد مليون وخمسة وعشرون ألف لاجئ من مسلمي بورما إلى بنجلاديش.

ثم استقال وين عام 1408هـ (1988م) فخلفه الجنرال وين ماونك ليستلم بلدًا مدمرًا مضطربًا نتيجة فرض وين لسياسة اشتراكية مستوحاة من «ماركسية بوذية» كانت كارثية على بورما. وبذلك بسط الجيش يده على السلطة، واحتفظ المجلس العسكري بالسلطة لمدة 23 عامًا حتى عام 1432هـ (2011م)، لتشهد بورما مرحلة انتقال السلطة إلى حزب التضامن والتنمية الاتحادي المدعوم من العسكريين.

وخلال فترة الاشتراكية هذه أممت الحكومة أملاك المسلمين في أراكان بنسبة 90% ولم تؤمم من أملاك البوذيين سوى 10% فقط، وسحبت الأوراق النقدية من فئة الخمسين والمئة وتردت أحوال المسلمين لمستويات مدمرة.

واشتد التمييز العنصري ضدهم فتلاشى نفوذهم وضعفت قوتهم واضطر بعضهم للهجرة خارج البلاد بينما أعلن بعضهم اعتناق البوذية وارتد عن الإسلام طمعًا في الصلاحيات التي تقدمها الحكومة للبوذيين، واشترطت الحكومة على المسلمين للعيش في بورما بالتزام الثقافة البوذية واللغة البوذية والزواج من البوذيات وعدم لبس الحجاب وعدم إظهار مشاعر دينهم، فضلًا عن التسمي بأسماء بوذية وكتابة القرآن الكريم بحروف بورمية والتزام التعليم وفق الثقافة البوذية، وحتى الأضحية في عيد الأضحى كان يجب عليهم الحصول على تصريح من الحكومة لذبحها، فكانت مرحلة تضييق شديد.

أسباب هجرة المسلمين من بورما

شهدت مرحلة الحكم الاشتراكي هجرة كبيرة للمسلمين من بورما إلى دول العالم الإسلامي بعد أن أممت الحكومة أملاك المسلمين في أراكان بما فيها أوقاف المساجد والمدارس الإسلامية، وحظرت طباعة الكتب الدينية والمجلات والصحف الإسلامية، حيث شهدت هذه الفترة إتلاف نحو مئة ألف من الكتب الإسلامية بتمزيقها أو إحراقها أو استخدامها في تعبئة السلع. كما صودرت آلات الطباعة ومنع طباعة أي كتاب إسلامي ولا استيراده.

وحُرم المسلمون من جميع شعائر دينهم بما في ذلك الحج والأضحية وحتى التسمي بأسماء مسلمة، إضافة إلى المحاصرة الاقتصادية بحرمان المسلمين من العملات المتداولة. كما عمدت الحكومة الحاقدة إلى حلّ جميع المنظمات الاجتماعية والثقافية للروهينجا ومنعت أبناء المسلمين من مغادرة البلاد لطلب العلم. إضافة إلى اعتقال الأئمة والزعماء المسلمين المؤثرين وإعدام الكثيرين منهم أو سجنهم إلى أجل غير مسمى.

وطردت الحكومة كل مسلم يعمل في صفوف قوات الشرطة أو الأمن ولم تسمح لهم بالعودة إلا بإعلان الردة عن الإسلام. ونهبت متاجر ومزارع ومؤسسات المسلمين، في الحملات التي تقودها الشرطة والجيش والعصابات البوذية والتي دمرت خلالها المساجد والمكتبات والمدارس وتم تحويل عشرات المساجد إلى خمارات ومراقص ومعابد بوذية.

وأما أبناء المسلمين فبعد تدمير مدارسهم لم يبق لهم إلا مدارس البوذيين حيث يدرسون معظم المقررات التي لا تتناسب مع الإسلام، وتفرض عليهم تعاليم البوذية والشيوعية ويمنعون منعًا باتًا من تشييد مدارس إسلامية لهم.

أما النساء فكان مصيرهن بين الاغتصاب أو خدمة البوذيين في منازلهم أو العذاب والقتل.

وبعد تشريد المسلمين تم توطين المهاجرين البوذيين في أراضي المسلمين بهدف التغيير الديمغرافي لصالح البوذيين. بينما فرض على المسلمين تصاريح حكومية للتحرك داخل بلادهم فأصبحت حياتهم في معسكرات اعتقال حقيقية! فضلًا عن حرمانهم من فرص العمل، فارتفعت نسب البطالة، ولا يجد المسلمون عملًا إلا في مجال الزراعة لكن مقابله يدفعون ضرائب باهظة! هذا دون الحديث عن عمليات النهب والاستيلاء على المحاصيل بالقوة لتعيش المجتمعات المسلمة في فقر وحاجة طيلة حياتها.

لقد دمرت الحكومة البورمية اقتصاد المسلمين في أراكان، وفرضت عليها حياة متخلفة لإجبارهم على الرحيل!

وفي ظل هذه الأجواء من الاضطهاد لا يمكن للعلماء والشيوخ والدعاة النشاط فهم دائمًا تحت عدسات المراقبة الحكومية، تمنعهم من العمل وتضيّق عليهم الخناق وكثيرًا ما تزج بهم في السجون.

ومن غريب ما سجلته مشاهد الاضطهاد في بورما أن الجنود البورميين كانوا يجبرون المسلمين على حمل أمتعتهم إلى مسافات بعيدة ويمنعون توفير سبل المواصلات في المنطقة، فاجتمع سوء التغذية وقسوة الجلاد وقهر الرجال على المسلم الروهنجي!

تاريخ الاضطهاد

بدأت أول أمارات الاضطهاد للمسلمين في بورما في عصر الملك “باينوانغ” (957هـ – 997هـ) (1550 – 1589م). عقب استيلائه على باغو في عام 966هـ (1559م) حيث منع الذبح الحلال وأضاحي العيد وأعياد المسلمين، وفرض الاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية عليهم.

وعلى خطاه منع الملك “ألاينجبايا” الأكل الحلال بينما أعدم الملك “بوداوبايا” (1196هـ – 1234هـ) (1782م – 1819م) أشهر أربعة أئمة ميانمار المسلمين في مييدو بسبب رفضهم أكل لحم الخنزير. وينقل عن مسلمي مييدو وبورما أن إعدام هؤلاء الأئمة أعقبه سبعة أيام مظلمة على البلاد فاضطر الملك إلى إصدار بيان رسمي يعتذر فيه للمسلمين.

وازدادت وتيرة الاضطهاد بشكل لافت في ظل الحكم البريطاني حيث تسببت الظروف الاقتصادية السيئة في كراهية المسلمين الهنود الذين جلبهم الاحتلال، واندلعت ثورات مناهضة للهنود في الثلاثينيات من العام الميلادي، تعدت إلى كراهية المسلمين من كافة الأعراق. وفي حملة “بورما للبورماويين” التي أطلقها البوذيون اندلعت أعمال العنف ونهبت متاجر المسلمين ومنازلهم والمساجد وأحرقت بالكامل، واعتدي على المسلمين قتلًا وتشريدًا في جميع أنحاء بورما.

وفي بداية عام 1357هـ (1938م) سطر البوذيون مذبحة قتل فيها نحو 30 ألف من المسلمين، وأحرق نحو 113 مسجدًا، وفي عام 1361هـ (1942م) شهدت أراكان مذبحة أخرى أكثر وحشية بمقتل نحو 100 ألف مسلم.

ومنذ قبيل الحرب العالمية الثانية قبع المسلمون تحت وطأة الاضطهاد الاشتراكي الذي مارسه العسكر في حكم الجنرال ني وين وساءت أحوال المسلمين كثيرًا، وطردوا من الجيش، وأطلق عليهم البوذيون اسم “قاتلو بقر” واسم “كالا” وهي كلمة عنصرية مهينة تعني الأسود. كما اتهمت المنظمات الإسلامية بالإرهاب كما أسلفنا مثل اتحاد كل مسلمي بورما.

وتزامنًا مع إحكام الجيش قبضته على الحكم في بورما عام 1382هـ (1962م)، قام بطرد أكثر من نصف مليون مسلم. وفي عام 1398هـ (1978م) شهدت بورما حملة شرسة شردت فيها الحكومة أكثر من 300 ألف مسلم إلى بنجلاديش، وفي عام 1402هـ (1982م) ألغت جنسية المسلمين بوصفهم مستوطنين.

ومن المفارقات أن تصويت المسلمين لصالح المعارضة التي فازت في الانتخابات الوحيدة التي أجريت في بورما عام 1411هـ (1991م) انقلب لنقمة عليهم؛ حيث سرعان ما ألغيت نتائجها بعد ذلك، فكان عقاب تصويتهم للمعارضة طرد ما يقرب من نصف مليون مسلم إلى بنجلاديش.

وتكررت حملات البوذيين الحاقدين ضد المسلمين بتدمير مساكنهم ومتاجرهم ومساجدهم ومطاردتهم قتلًا وتشريدًا كما سجل ذلك في ماندلاي عام 1418هـ (1997م) وستوة وتوانغو في عام 1422هـ (2001م). وسجل التاريخ تواطؤ رجال الشرطة والجنود الذين إن لم يشاركوا في مجازر العصابات البوذية اكتفوا بموقف المتفرج على هذه المجازر ولم تدفعهم أعداد القتلى أو الإصابات للتحرك، ولا حجم الدمار والأضرار التي لحقت بمعظم ممتلكات المسلمين.

وتزامنًا مع حملات العنف ضد المسلمين كان الرهبان البوذيين كما في سنة 1422هـ (2001م) يوزعون كتيب بعنوان “ميو بياوك همار سوي كياوك تاي” أي (الخوف من ضياع العرق) والعديد من المنشورات المناهضة للإسلام.

وتم توزيع المنشورات بتسهيلات ودعم من جمعية اتحاد التضامن والتنمية وهي المنظمة التي أنشأها المجلس العسكري الحاكم، وذلك في أعقاب تدمير تماثيل بوذا بولاية باميان في أفغانستان. وجدير بالذكر أن جنود قوات المجلس العسكري شاركوا بأنفسهم في ضرب المسلمين وقمعهم وتدمير ممتلكاتهم ومساجدهم وبلداتهم. وأجبر المسلمون بعد ذلك على الصلاة في بيوتهم واعتزلوا المساجد.

الإبادة الجماعية بحق المسلمين في أراكان في عام 1433هـ (2012م)

في عام 1433هـ (2012م) صرح رئيس بورما “ثين سين” بوجوب طرد المسلمين الروهينجا من ولاية راخين (أراكان)، فتسلط البوذيون بالإبادة الجماعية على الروهينجا وبدأت هذه الإبادة بقتل الجيش البورمي والبوذيين 11 مسلمًا أنزلوهم من حافلات النقل وقاموا بإعدامهم بلا أدنى سبب فخرج المسلمون في احتجاجات عنيفة منددة بهذه الجريمة، لينقض عليهم الجيش البورمي بعد ذلك بأسرع ما يكون فقتل المئات من المسلمين وأحرقت آلاف المنازل والممتلكات. كل تلك الجرائم سطرت بأوامر من المخابرات العسكرية البورمية والرهبان البوذيين التابعين لها.

والمثير للأسى أن كل هذه المجازر التي كانت تتكرر في بورما بحق المسلمين كان يقابلها صمت وخذلان عالمي، حتى المنظمات المسماة حقوقية وإنسانية لم تسلط الضوء على مصاب الروهينجا إلا متأخرًا بعد أن نال منهم البوذيون كل منال.

وأشارت بعض تقارير هذه المؤسسات إلى أن عدد قتلى المسلمين في بورما وصل إلى 20 ألفًا في فترة اعتداءات شهر رجب 1433هـ (يونيو من عام 2012م). ولا شك أنه من الصعوبة بمكان تحديد عدد القتلى الحقيقي بسبب التعتيم الشديد الذي تمارسه حكومة بورما ولابد أنه يتجاوز 20 ألفًا.

ثم كم كان سهلًا إثارة الفتنة لإطلاق يد البوذيين بحق المسلمين، فيكفي الحكومة أن تتهم المسلمين بجريمة اغتصاب أو سرقة بلا أدنى بيّنة ليثور البوذيون ويقتلوا مقابلها مئات المسلمين ويدمروا الآلاف من منازلهم.

وتزامنًا مع حملات الإبادة ضد المسلمين تمنع الحكومة العاملين منهم من إطلاق لحاهم وارتداء الزي الإسلامي في دوائر العمل، وأعفي من أبى من عمله كعقاب له على عصيان الأوامر الحكومية، فطرد على إثر ذلك آلاف المسلمين من وظائفهم ممن رفض أن يتنازل عن حقه في ممارسة شعائر الإسلام.

ورصدت آخر موجات نزوح الروهينجا في عام 1438هـ (2017م) إثر حملة إبادة وحشية شنّها جيش بورما ضدهم. مما أجبر 740 ألفًا من الروهينجا على الفرار عبر الحدود باتّجاه بنجلاديش مشيًا على الأقدام لأميال طويلة تحت وطأة الجوع والمرض والخوف، بعد حملات من الاغتصاب والقتل الجماعي والحرق سلطتها عليهم عصابات البوذيين.

الروهينجا

كلمة روهنجيا اسم قديم لأراكان، وقال المؤرخ المشهور لتاريخ أراكان بومونق تان لوين: إن كلمة أراكان مشتقة من الكلمة العربية (ركن) وهو تشويه لكلمة (روهنجيا) ولكن رغم أن اسم أراكان والذي يعزى إلى العرب الذين سكنوا في هذه المنطقة يعتبر حقيقة تاريخية لا يمكن انتقادها.

واتفق المؤرخون على الحقيقة التاريخية الناصعة وهي أن الروهنجيين استقروا في منطقة أراكان قبل “الماغ” البوذيين لفترة طويلة ويسند ذلك آلاف المراجع التاريخية التي تؤكد ذلك. وعرف الروهينجا أول مملكة إسلامية مستقلة لهم في عام 833 هـ (1430م‏) على يد مؤسسها سليمان شاه.

ويعيش المسلمون الروهينجا في ظروف حرمان شديد اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، وحرموا من الخدمات الأساسية كالتعلم والصحة والبنية التحتية بل والوطن. على الرغم من أنهم يعيشون في إقليم غني بالثروات الطبيعية ويوجد فيها نفط وفحم كما أنه منتج رئيسي للخضروات والفواكه في بورما.

ولعل التركيز الشديد للبوذيين على إبادة المسلمين الروهينجا يرجع لتاريخهم الذي تميّز باستقلال بلادهم بمملكة إسلامية لقرون ولشدة تلاحمهم في مجتمع واحد مسلم يملك مقومات الاستقلال والاستمرار.

تداعيات حملات الإبادة على المسلمين الروهينجا

الروهينجا

لاجئون من إثنية الروهينغا المسلمة يضربون صورة وزيرة خارجية بورما اونغ سانغ سو تشي بخف في تظاهرة أمام سفارة بورما في كوالالمبور للتنديد بقمع مجموعتهم، 25 ت2/نوفمبر 2016 أ ف ب | أرشيف.

استمر المسلمون في العيش تحت وطأة حملات عسكرية متواصلة على مدنهم وبلداتهم وقراهم منذ عام 1367هـ (1948م‏)، وتشرد الملايين منهم في الدول المجاورة كمثل بنجلاديش وباكستان وبعض دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية، ورصدت التقارير عقب الإبادة في عام 1433هـ (2012م) تحديدًا على الحدود البورمية التايلاندية أكثر من 150 ‏ألف مسلم في ولاية مون، وعشرات الآلاف على الحدود الصينية في ولاية الكاشن وأكثر من مليون مسلم في منطقة الأحراش وغيرها، تزامنًا مع تخطيط استيطاني عمد لتوطين البوذيين بين قرى المسلمين في شمال غرب أراكان حيث الأغلبية المسلمة؛ لتقليل نسبة المسلمين في هذه المنطقة، ولتسهيل عمليات الاضطهاد والاعتداء على المسلمين لإجبارهم على الفرار.

وأكد بيان الجمعيات والمنظمات الروهنجية في تايلاند بأن معظم ضحايا الهجمات الأخيرة التي يشنها البوذيون هم من النساء والشيوخ والأطفال، وأن الشباب فروا نحو الغابات والجبال. ورغم أن الممارسات البوذية القبيحة والعدوانية تسببت في تهجير حوالي من 3 إلى 4 ملايين مسلم وأسفرت عن مئات الآلاف من القتلى ولا تزال الأعداد غير نهائية، لم نشاهد تنديدًا بهذه المجازر في سجل الإرهاب العالمي ولا تحريكًا للجيوش الغربية لإحلال السلام في أراكان!

واليوم بعد تشريد من تشرد من الروهينجا في رحلات الموت مشيًا على الأقدام وفي القوارب على البحر والتي عاش خلالها المسلمون أهوالًا وموتًا وقصص الخذلان، وغرق من غرق منهم في عرض البحر ودفن من دفن منهم في مقابر جماعية، يقبع من نجا منهم في مخيمات اللاجئين التي تحدث فيها أحداث أخرى تحمل إشارات لاستمرار حملة الإبادة الحاقدة عليهم حتى مع ابتعادهم عن أراضيهم الأم.

ثم كان لحملات الإبادة الجماعية تداعيات ثقيلة على مجتمعات المسلمين في بورما، ففضلًا عن تشرد الملايين وافتقادهم لحقوق المواطنة، انتشرت الأمية والجهل بينهم. وكل ما يتوفر لهم من مدارس هي البوذية التي تحارب الإسلام لاجتثاث هويتهم المسلمة تحت غطاء تعليم الثقافة البورمية. كما أن المصالح الاقتصادية للمسلمين تضررت بشكل كبير فأصبح الفقر صفة سائدة.

وفشلت الاتفاقات الدولية من إصلاح أوضاع المسلمين، مثال على ذلك اتفاقية دكا التي وقعتها بورما مع بنجلاديش من أجل عودة اللاجئين إلى موطنهم في أراكان، ولكن بعد عودة أعداد كبيرة منهم تعرضوا لتضييق البوذيين الذين نهبوا بيوتهم وسلطوا عليهم اعتداءاتهم من جديد فاضطر المسلمون إلى الفرار مرة أخرى بأرواحهم بحثًا عن الأمان.

أما من بقي في بورما ولم يتمكن من الخروج فكثير منهم بقي مصيره مجهولًا، أو العيش تحت أبشع طرق الإذلال اللاإنساني واستفزازات القوات الميانمارية التي لا تتوانى في التحرش بالروهينجا المسلمين في الطرقات والتعدي عليهم بالضرب والسلب والنهب والإهانة والقسوة والسجن رجالًا ونساءً وأطفالًا دون أدنى رحمة.

فضلًا عن المكر من الحكومة الميانمارية التي تماطل في حل المشكلة وتأمين المستضعفين الروهينجا وكفّ يد المعتدين البوذيين، والاعتراف بهم كمواطنين لهم كامل الحق في هذه الأرض. [6]

ورغم حجم الاضطهاد والقمع والقتل بقيت الدعوة الإسلامية حية في قلب السجون ومخيمات اللاجئين، فعلى قلة ذات اليد أنشأ المسلمون مدارس قرآنية محلية مصغرة واجتهدوا في حفظ ما أمكنهم من نصاب العلم لحفظ الدعوة لله وهويتهم ووجودهم من الاندثار أمام كل عوامل الإبادة التي سلطت عليهم. ولا تزال أخبار انتشار الإسلام مستمرة حتى في عمق السجون، ويعد هذا الأمر بحد ذاته إنجازًا وانتصارًا للروهينجا المسلمين.

المنظمات الإسلامية

ولأن الإسلام دين عمل وحركة، انعكس هذا الفهم للإسلام على المسلمين في بورما، بتأسيس منظمات وحركات جهادية ودعوية متعددة منذ بداية مأساة المسلمين في هذه البلاد، منها منظمة التضامن الروهنجي الإسلامية في ولاية أراكان، وجبهة التحرير الإسلامية في ولاية الكاريني التي تأسست في عام 1403هـ (1983م)، ومنظمة الفرقة السابعة في ولاية الكارن، ومنظمة الفرقة الجنوبية قطاع “تنا ساريم”، وحركة الشباب المسلم في العاصمة رانجون، ورابطة الطلاب المسلمين التي تأسست عام 1397هـ (1977م)، وجمعية العلماء الروهنجيين في أراكان، وجمعية علماء الإسلام، وجمعية مسلمي بورما ومنظمة الجهاد الإسلامي.

وظهرت حديثًا تزامنًا مع الحملات الأخيرة العنيفة للإبادة العرقية للروهينجا حركة جهادية في أراكان، وحملت اسم جيش إنقاذ روهينجا أراكان “أرسا”. وكان هذا الجيش يعرف في السابق بأسماء أخرى منها حركة اليقين، وقد نفذ عدة هجمات ضد القوات البورمية ومراكزها.

وجميع هذه الحركات والجمعيات الإسلامية ولدت في قلب الاضطهاد والقمع، مع أن نشاطاتها متفاوتة بضعف، إلا أنها دليل على ثبات المسلمين في بورما وإصرارهم على العمل لاسترجاع حقهم في العيش مسلمين أحرارًا.

ويجدر التنبيه أنه من الصعب جدًا متابعة نشاطات حركات الروهينجا تحت التعتيم والاضطهاد الشديد الذي تمارسه الحكومة والجيش عليهم ولضعف صوتهم حتى في الخارج. لكن تصريحات بعض الناشطين منهم تساعد في تصحيح الأخبار المضللة التي تنشرها الحكومة في بورما.

مخيمات اللاجئين

الروهينجا

لاجئون من الروهينجا في مخيم للاجئين في منطقة محظورة على الحدود بين بنغلاديش وميانمار، في كوكس بازار، بنغلاديش، 12 يناير، 2018. REUTERS / Tyrone Siu

نجحت الإبادة الجماعية التي سلطها البوذيون بمعية حكومتهم في بورما لإخراج المسلمين الروهينجا من أرضهم وتشريدهم بين عدة بلدان تتثاقل في استقبالهم، وتفرض عليهم شروطًا مجحفة وقيودًا مؤلمة للعيش في أدنى مستويات المعيشة!

فيعيش اليوم في مخيمات اللاجئين 170 ألف لاجئ في ماليزيا والتي تصفها التقارير بأنها أفضل ملجأ كونه الأقل سوءًا مقارنة مع غيره من مخيمات اللاجئين في دول أخرى، هذا على الرغم من  تقارير الاتجار بالبشر لعام 1441هـ (2020م) التي تؤكد بأنه على الرغم من أن ماليزيا تتخذ تدابير للقضاء على الاتجار بالبشر، فإن التواطؤ الرسمي يقوض جهود مكافحة هذا الاتجار بالبشر والذي يستهدف اللاجئين الروهينجا بأبشع الطرق والوسائل، ومن ذاك شراء شبكات التهريب التايلاندية عددًا من مسلمي الروهينجا من مهربين آخرين كانوا قد وضعوهم على متن قوارب، ثم احتجزتهم تلك الشبكات في الغابات مطالبين ذويهم بدفع مبالغ مالية كبيرة كفدية نظير إطلاق سراحهم. [7]

وتشهد الحدود الماليزية والتايلاندية تهريب آلاف الأشخاص سنويًا في ظروف خطيرة. هذا دون الحديث عن المقابر الجماعية للروهينجا التي عثر عليها على طرفي الحدود الماليزية التايلندية دون أن يتم التحقيق فيها أو تقديم أحد للمحاكمة أو استنكار الحادثة، سوى استخراج الجثث المقتولة من المقابر وإعادة دفنها دون التعرف على هوية أصحابها. [8]

وكان عدد كبير من المقابر الجماعية قد اكتشفت في تايلاند على الطرق التي استخدمت كممرات لتهريب الفارين من الاضطهاد من بورما، والهاربين من الفقر من بنجلاديش. بالإضافة إلى مطاردة ماليزيا للاجئين الذين يفرون من حياة البؤس داخل المخيمات بحثًا عن أمل في عيش أفضل وإقرارها بترحيل المئات منهم قسرًا في خرق للقانون الذي تعتمده.

حيث أعادت ماليزيا قسرًا 1086 لاجئ من الروهينجا إلى بورما على ثلاث سفن تابعة للبحرية أرسلها جيش ميانمار الذي استولى على السلطة في أحدث انقلاب شهده عام 1442 هـ (2021م) مما أثار احتجاجات واسعة وتنديدات شديدة. [9]

اللاجئون في بنجلاديش

الروهينجا

صورة من الأقمار الصناعية للجزيرة التي أصبحت مخيمًا للروهينجا في بنغلاديش.

وفي بنجلاديش قصة مأساة أخرى للاجئين الروهينجا حيث لجأ لها أكثر من مليون لاجئ، فلم تكتف الحكومة بحصارهم في مخيمات أشبه بمراكز اعتقال فلجأت إلى نقل الآلاف منهم إلى جزيرة بهاسان شار النائية في خليج البنغال ضاربة بعرض الحائط جميع شكاوى الجماعات الحقوقية والأمم المتحدة بشأن خطورة موقع الجزيرة المعرضة للعواصف والفيضانات وحركات المد والجزر.

وهي جزيرة ظهرت في البحر قبل نحو عقدين فقط وتبعد عدة ساعات بالقارب عن أقرب ميناء وهو شيتاجونج. وليس من المسموح للروهينجا مغادرة الجزيرة دون إذن الحكومة.

وتحتج بنجلاديش بأن مخيمات اللاجئين في منطقة كوكس بازار أصبحت مكتظة للغاية وتشمل خطتها نقل 100 ألف لاجئ من الروهينجا لهذه الجزيرة.

وبينما تروج حكومة بنجلاديش لخبر نقل اللاجئين إلى الجزيرة المنعزلة الخطيرة بمحض إرادة وموافقة اللاجئين الروهينجا، تؤكد التقارير الميدانية أن اللاجئين يرفضون هذا الانتقال لكنهم يكرهون عليه حيث تم نقلهم قسرًا إلى الجزيرة تحت تهديدات الحكومة. وكل من حاول الهرب تم إلقاء القبض عليه وإرجاعه.

ويعيش اللاجئون في عزلة تامة تحيط المخيمات الأسلاك الشائكة ويمنَع الوصول إلى الإنترنت، فضلًا عن اندلاع الحرائق بين الحين والآخر بالمناطق غير المؤمنة. كما يصعب التنقل من وإلى الجزيرة حتى مع التصاريح مع تأكيد الخبراء أن أرضها غير صالحة للزراعة ولا للعيش.

وكان تقرير لمنظمة العفو الدولية قد انتقد الظروف التي يواجهها الروهينجا الذين يعيشون على الجزيرة من الاكتظاظ وظروف المعيشة غير الصحية وقلة الطعام ومرافق الرعاية الصحية وغياب الهواتف التي تمكن اللاجئين من الاتصال بعائلاتهم، بالإضافة إلى حالات التحرش الجنسي من جانب كل من البحرية والعمال المحليين المنخرطين في أعمال الابتزاز. [10] ولا تسمح السلطات البنغالية لمنظمات الإغاثة الدولية أو مجموعات حقوق الإنسان أو الصحفيين بزيارة الجزيرة.

وتبلغ مساحة الجزيرة 40 كيلومترًا مربعًا، على ارتفاع أقل من مترين عن سطح البحر، وتتكون أرضها بالكامل من الطمي الذي جرفته جبال الهيمالايا إلى الأنهار ومنها إلى البحر. واستغلها الصيادون كنقطة للاستراحة، لكن لم يعش عليها بشر من قبل. وفي عام 1405هـ (1985م) تسبب إعصار في وفاة قرابة 140 ألف شخص في جزيرة يورير تشار، وهي قريبة من بهاسان شار، وقضى الإعصار على كل سكان الجزيرة تقريبًا.

كما تعرضت مخيمات اللاجئين الروهينجا بمنطقة كوكس بازار في بنجلاديش لحرائق ضخمة قتل فيها العشرات وشرّد عشرات الآلاف من السكان الذين فروا من ألسنة اللهيب والموت احتراقًا. وألحقت الأضرار بأكثر من 50 ألف أسرة لاجئة، ونقلت المنظمة الدولية للاجئين عن شهود عيان القول إن الأسلاك الشائكة التي تسوّر المخيم تركت سكّانه محاصرين وبينهم أطفال وجعلت من أمر فرارهم صعبًا. وهكذا تحول آخر ما يملكه هؤلاء اللاجئون إلى رماد!

ويعتبر مخيم كوكس بازار ملاذًا لأكثر من مليون لاجئ كانوا قد نزحوا من ميانمار عام 1438هـ (2017م).

اللاجئون في الهند

الروهينجا

وفي الهند واجه اللاجئون الروهينجا مصيرًا مماثلًا من الاضطهاد والبؤس، حيث تطاردهم الاعتقالات كالمجرمين، والترحيل القسري إلى بورما، ويتهدد أكثر من 40 ألف لاجئ من الروهينجا إلى الهند الممارسات العنصرية التي تمارسها حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ذات التوجهات القومية الهندوسية الحاقد ضد المسلمين الهنود.

ولم تعترف الهند بالبطاقات التي أصدرتها الأمم المتحدة لتنظيم معيشة اللاجئين، ولا تزال تتوعدهم بالطرد.

ووصل اللاجئون الروهينجا إلى ولاية جامو وكشمير؛ وهي الولاية الهندية الوحيدة التي يهيمن عليها المسلمون، وتقع في الطرف الشمالي للبلاد على الحدود مع باكستان بمنطقة جبال الهيمالايا ويرابط فيها مجاهدون مسلمون يقاتلون الحكم الهندي.

ويتركز فيها أكبر عدد من الروهينجا في الهند إذ يعيش فيها حوالي 7 آلاف منهم ينتشرون في مستوطنات مختلفة مبانيها ذات طابع مؤقت خاصة في منطقة جامو. [11] ويتهم الهندوس اللاجئين الروهينجا بأنهم إرهابيين!

وغالبًا ما ينتهي مصير اللاجئين الروهينجا إن حاولوا تحسين ظروف معيشتهم وبحث أبواب للرزق إما إلى الاعتقال أو الموت جوعًا ومرضًا.

وقد لجأ المسلمون الروهينجا إلى ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا عن طريق عمليات التهريب التي تتصدى لها هذه الدول بأشد ما يكون لمنع وصولهم. وكانت تايلاند هي الدولة الوحيدة التي أعلنت توقفها عن رفض رسو القوارب على شواطئها قبل اتخاذ كوالالمبور وجاكرتا القرار نفسه.

الانقلاب الأخير يهدد الروهينجا

شكل الانقلاب العسكري الأخير في الحكم في بورما تهديدًا جادًا لحياة من تبقى من المسلمين الروهينجا في البلاد. وكان الجيش في بورما قد استولى على السلطة في انقلاب ضد حكومة “أونغ سان سو شي” التي اعتقلت مع زعماء سياسيين آخرين كانوا متهمين أيضًا بالتواطؤ مع جرائم الإبادة ضد الروهينجا التي قادها الجيش البورمي في السنوات الأخيرة وآخرها في عام 1438هـ (2017م).

وسيطر الجيش على السلطة بعد زعمه حدوث تلاعب في الانتخابات التي اكتسحها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة “أونغ سان سو شي” المرأة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام بينما أيديها تقطر بدماء الروهينجا المسلمين.

ويقبع حاليًا في أراكان مئات الآلاف من المسلمين المحاصرين في فقر وخوف ولا يستطيعون التنقل ولا يحصلون على القليل من متطلبات الرعاية الصحية الأساسية فضلًا عن الخدمات الأخرى.

ويكفي تأمل تصريح قائد المجلس العسكري للانقلاب “مين أونغ هلاينغ” بأن كلمة روهينجا “مصطلح خيالي” لندرك حقيقة التهديد الذي يحيط بالمسلمين الذين لا يزالون داخل بورما.

ولا يزال الوضع مضطربًا في بورما تحت قبضة المجلس العسكري الذي يتوعد الجميع بالقمع والقتل لترسيخ حكمه في البلاد.

دور المسلمين الضعيف

اقتصر دور المنظمات الإسلامية على المساعدة المعنوية دون تقديم دعم مادي أو إغاثي بصفة مستمرة، ولم يصل إلا القليل من هذه المنظمات الخيرية لتوفير خدمات المشاريع التعليمية أو المساعدات الخيرية الموسمية مثل مشروع إفطار صائم ومشروع الأضاحي.

بالمقابل تنشط المؤسسات التنصيرية في استغلال لوضع اللاجئين المسلمين خارج بورما، وكذا داخل أراكان من خلال الهيئة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي يعمل التنصير تحت ستارها مستفيدًا من حاجات المسلمين ونوازلهم، ورغم حجم الكارثة التي تعرض لها المسلمون الروهينجا لم تشهد أراكان أو لاجئوها بالخارج حالة تنصير واحدة؛ لأن الشعب الروهنجي مسلم متمسك بدينه.

ولكن تبقى مشكلة أساسية تواجه مسلمي أراكان؛ وهي عمليات التهجير المستمرة لهم من أراضيهم فهي إستراتيجية رسمية يتخذها النظام لتصفية المسلمين هناك بشكل نهائي، وهي في هذا العصر من أبشع الإبادات العرقية على مستوى العالم.

أطفال الروهينجا وسط هذا الاضطهاد

يعيش أطفال الروهينجا سواء في بلادهم أو في مخيمات اللاجئين مع الحد الأدنى من الوصول إلى الاحتياجات الإنسانية الأساسية منذ سنوات.

لقد ولد عشرات الآلاف من الروهينجا في ظل هذه الظروف من الإبادة واللجوء، يكبرون اليوم في جو من الفزع وعدم اليقين. ولا يبدو من حل في الأفق مع فقدان هؤلاء الأطفال كما فقد آباؤهم هوياتهم وحقوقهم في المواطنة في بورما نتيجة الاضطهاد الممنهج والتمييز وسياسة الإقصاء التي تنتهجها حكومة ميانمار.

ومع إصرار الدول المستضيفة للاجئين الروهينجا بعدم السماح بتسجيل الأطفال المولودين في المخيمات ينشأ هذا الجيل في ظروف أسوأ من التي عاشها آباؤه. [12]

ويبقى الجهل والأمية والثقافة البوذية أخطر ما يهدد هذا الجيل الروهنجي المسلم المضطهد في داخل بورما وخارجها.

كلمة أخيرة

الروهينجا

يعيش اليوم المسلمون المنهكون من حملات الإبادة ورحلات اللجوء وظروفه القاسية تحديات كبيرة تستوجب النصرة والمدد من كافة المسلمين بلا تسويف.

فاللاجئون خارج بورما يمكن أن يصلهم الحد الأدنى من المساعدات الغذائية والطبية والمعيشية والتعليمية والدعوية والمصاحف والكتب وكل ما يحتاجونه كلاجئين مسلمين في هذه المخيمات، لذلك يجب تكثيف حملات الإغاثة والمساعدة للاجئين بالتوازي مع النشاط الإعلامي الذي يركز على تغطية أخبارهم وإحياء ذكرهم ومشاكلهم في كل يوم على المواقع ويقدم مواكبة لتطوراتهم وفي المناسبات والمواسم والأعياد.

إضافة إلى تسهيل إقامة الروهينجا الذين وصلوا إلى بلدان مسلمة أخرى، بحسن استضافتهم وتقديم العون لهم وربط الجسور معهم لإيصال المساعدات لأيدي أمينة وضمان وصولها واستفادة اللاجئين منها.

هناك الكثير مما يمكننا تقديمه للمسلمين الروهينجا، والسعي لتسهيل إقامتهم في أماكن آمنة يتلقون فيها العيش الكريم إلى أن يفرج الله كربهم بعودتهم إلى وطنهم والذي لا يمكن أن يحصل في مثل الظروف التي تعيشها بورما الآن ولا يزال بحاجة لعمل حثيث لتحقيقه.

وأضعف الإيمان، لابد من تخفيف خسائر تداعيات هذه الإبادة الوحشية والكوارث التي مر بها المسلمون الروهينجا وعلى رأسها دعم الحركة العلمية والدعوية بين اللاجئين بما فيهم الأطفال والنساء، يدخل في ذلك محاولة توفير الخطط التعليمية التي تناسب ظروفهم الاستثنائية.

وختامًا فإن في نصرة المسلمين الروهينجا باب سبق كبير لمن فقه وأبصر ولعل أرجى عمل للمسلم اليوم هو جبر خاطر أخيه المسلم المنكوب، وسد حاجته وتقديم ولو القليل لتخفيف مصابه.

المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة.

المصدر: موقع تبيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى