المدرسة الخسروية الشرعية بحلب (1) مسيرة عطاء لأكثر من مائة عام
بقلم عبدالله مسعود
الحلقة الأولى: الدور الأول: المدرسة الخسروية، مسيرة العطاء
تمهيد ومدخل
تمهيد: من حقِّ هذه المدرسة التليدة علينا التي عِشنا في ظلالها، وقطفنا يانع ثمارها، وحنَتْ علينا حُنُوَّ المرضعاتِ على الفطيم ، فكانت لنا الحضن الدافئ، قدَّمت لنا الغذاء الدواء، طفولة، ويفاعة، وشباباً، حيث كنَّا نائي الدار والنفر، ليشملنا هذا الرفد: آباءً، واخوة، وأبناء ، وأحفاداً ،
فقد تخرَّج فيها :
1-أبِي :(العالم الرباني الشيخ محمد علي المسعود) ،
2-وعمِّي: (مفتي الباب الفقيه العلامةعمِّي الشيخ محمد علي المسعود) ،
3- وجدِّي لأمِّي:(الفقيه الشافعي النفَّاعة الشيخ عبد الرحمن حوت) ،رحمهم الله.
4-وأخوتي :(الشيخ العالم الداعية المتميز المفتي الشيخ محمد زكريا المسعود)
5-(والشيخ محمود المسعود المدرس والفقيه الحنفي )
6-و(الشيخ عبد الرزاق المسعود المدرس والخطيب، والفاعل في الحياة الاجتماعية)
7-حفظهم الله، كذلك إبني من بعدي،
8-أمَّا أنا: فلها مَعي شؤُون، وشجون، وحبٌّ، وقربٌ، فقد عشتُ في رحابها ردحاً من عمري نحو أربعة عقود ، طالباً، ومدرساً، ومديراً، عشتُ آلامها، وآمالها …تخرجتُ في الجامعة، وعدتُ اليها مدرّساً، زميلاً لأساتذتي..!! وكنتُ مديراً لها في الوقت العصيب، وحيداً أُصارعُ الخطوب، حتى استوتْ على سُوقها، وتابعتْ مسيرتها، فجاء من خطفَها منِّي، ولله في خلقه شؤُون –والحمد لله ربّ العالمين -كتبتُ فيها : مذكرات، معلم، ومدير.
مدخل : أهميتها وبركة عطائها:
نهَل من علمها أساتذتنا ومشايخنا الكرام المباركين والمتميزيين في العلم والعمل، -لقد خدَمتْ العلم والدين والأخلاق الفاضلة في هذه المدينة وغيرها أكثر من مائة عام، وشمل خيرها وبركتها كل طبقات المجتمع، والتي كانت تُسمّى أزهر سورية، مضارعة بذلك الأزهر في مكانتها العلمية، ورفعة شيوخها فمن ثمارها اليانعة:
1 – العلماء الربانيون والأولياء الصالحون أمثال:
الشيخ محمد النبهان، والشيخ عبد الله سراج الدين ، والشيخ محمد علي المسعود ، والشيخ عبد الباسط أبو النصر ، والشيخ محمد الحامد ، والشيخ أديب حسون، والشيخ عمر البوشي ، رحمهم الله تعالى وغيرهم …
2- والمفتون العالمون أمثال :
الشيخ محمد بلنكو ، والشيخ محمد الحكيم، والشيخ عبد الله خير الله ، والشيخ أسعد عبجي، والشيخ محمد عثمان بلال ،الدكتور الشيخ إبراهيم السلقيني(مفاتي حلب )،
والشيخ محمد سعيد المسعود ،(مفتي الباب) والشيخ جمعة أبو زلام ،(مفتي منبج) والشيخ
محمد بديع الجندي(مفتي المعرة) والشيخ عبد الله الأمير(مفتي انطاكية) ، والشيخ صالح النعمان (أمين فتوى حماة)والشيخ محمد زكريا المسعود .(مفتي الباب)وغيرهم…رحمهم الله تعالى وأجزل لهم المثوبة.
3- والعلماء الجهابذة المحقِّقون،أمثال:
الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، والشيخ محمَّد الملاح ، والشيخ محمد فوزي فيض الله ، والشيخ نور الدين عتر ، والشيخ محمد عوامة .والدكتور أحمد الحجي الكردي ، والدكتور محمد رواس قلعه جي، ومن سار على نهجهم في غزارة العلم وبركة العطاء.
4 – وكبار الوزراء والسياسيون، أمثال:
الدكتور الشيخ معروف الدواليبي ، والشيخ العلامة مصطفى الزرقا ، والشيخ عبد الستار السيد ، والأستاذ الشيخ أحمد مهدي الخضر .
5- والقضاة الشرعيون الممتازون ، أمثال :
الشيخ محمد سيادي المراد( الحموي). الشيخ عبد الأعلى علبي ،والأستاذعمر رفاعي ، رحمهم الله ،وغيرهم
6-والأطباء المعالجون أمثال:
الطبيب الشيخ عمر خياطة ،والطبيب الشيخ سعيد طه عبدان، والطبيب البحاثة والدكتور محمود ناظم النسيمي رحمهم الله تعالى ،وغيرهم.
8- والخطاطون البارعون:
خطاط المصحف المبدع: عثمان طه، والخطاط الألمعي: الشيخ محمد بشير ادلبي.
والأستاذ محمد أمين خياطة.
9- ومشاهير معاصرون نالوا وظائف كبرى:
الشيخ أحمد حسون، مفتي الجمهورية، الدكتور محمود عكام مفتي حلب، الشيخ الدكتور صهيب الشامي مدير أوقاف حلب.
– هذه نماذج وليست احصاءات من ثمار هذه المدرسة المباركة ممنْ نَهل من معينها وعَلَّ ، في مسيرةٍ تربو على مائة عام خلَت ،والذين ذكرناهم هم نماذج من الرَّعيل الأول من آبائنا وأساتذتنا، وإلا فقد خرَّجت المدرسة بعدهم المئات من المفتين والمدرسين وعمداء الكليات وأساتذة الجامعات ومدراء الأوقاف والأئمة والخطباء ومدرسي المدارس.
*-الأدوار العلمية التي مرت بها المدرسة الخسروية والتسميات:
نستطيع أن نبحث هذه الأدوار وفق المراحل الزمنية التي عاشتها،وفق المخطط التالي:
1-الدور الأول: المدرسة الخسروية، البناء والتأسيس، والتعليم. ويبتدئ من:
951هـ سنة 1338هـ
وهي السنة التي غادر فيها متوليها: الشيخ رضا الزعيم حلب الى دمشق
2-الدور الثاني: المدرسة العلمية :عندما سميّت المدرسة الخسروية- بالمدرسة العلمية-وكانت بمساعي مدير أوقاف حلب السيد يحيى الكيالى،-الذي خشيَ أن تمتدَّ أيدي المحتلين الفرنسيين على أموال الأوقاف- فصرفها على التعليم في المدرسة الخسروية، وهذا الدور يبدأ من عام 1340-الموافق1921-م إلى عام1368هـ-1942م
الدور الثالث: الكلية الشرعية، ويعود الفضل فيه إلى العلامة الشيخ محمد راغب الطباخ، فيعتبر هو المؤسس للكلية الشرعية وواضع مناهجها.
ويبدأ هذا الدور من عام: عام1368هـ-1942م الى عام 1959م1379هـ
الدور الرابع: الثانوية الشرعية، وتجلى هذا الدور باحداث شهادة تسمى شهادة الثانوية الشرعية، تمنحها وزارة التربية،وفيها اعتراف من وزارة التربية بهذه الشهادة، وفيها بعض الفوائد للطلاب الخريجين..في الانتساب لكلية الشريعة،بجامعة دمشق،ودخول الصف الخاص بدر المعلمين،والدخول في وظائف مديرية الأوقاف وغرها[ضمن شروط خاصة نتكلم عنها]
ويبدأ هذا الدور من عام1379هـ 1959م الى عام 1398هـ1972م
الدور الخامس: الثانوية الشرعية، مع تعديل الشهادة والمناهج ، وهو دور خطير في حياة المدارس الشرعية، نتكلم عنه بتفصيل-إن شاء الله-
ويبدأ هذا الدور من عام 1398هـ1972م إلى الآن ،مع التغييرات الطفيفة.
* * *
الدور الأول: المدرسة الخسروية، البناء والتأسيس، والتعليم
أولاً:البناء ،والأوقاف
أول مدرسة أُنشئت في العهد العثماني 1-باني المدرسة: خسرو باشا والي حلب:سنة938هـ
ولي كفالة حلب في الدولة العثمانية وأنشأ بها حوضه الذي شكره عليه كافة أهلها لوقوعه بجوار جامع دمرداش في محل وقع الإحتياج إليه. ثم ولي كفالة مصر سنة 941هـ ثم صار وزيرا رابعاً في دولة السلطان سليمان القانوني.
وكان قبل وفاته قد أمرعتيقهُ( فروخ كيخيا )أن ينشئ له بحلب جامعا وتكية، وأتمَّ عمارتها سنة إحدى وخمسين وتسعمائة.951هـ
وأنشأها المعمار المبدع سنان باشا ، والذي يعد أول جامع للمعمار سنان.
2-الموقع:) تقع الخسروية في محلة تسمَّى : السفَّاحية ، وهي تجاور القلعة من غربها ، ويلوح بناؤها الضخم من مكان بعيد، وقبليها الزاوية المعروفة بزاوية الشيخ تراب.
أقول :- وهذه الزاوية هي اليوم متصلة ببناء المدرسة يدرس فيها طلاب المرحلة الإعدادية، وكانت قبلا مدرسة للثانوية الشرعية للإ ناث قبل أن تستقل ببناء خاص بها.
3-مسجدها : اتسم مسجدها بقبة عالية رائعة متميزة ، مكتوب عليها من الداخل أسماء الله الحسنى، وتتميز بأن القبة تقوم على الجدران، وليس على الأعمدة، وبمنارة جذابة سامقة . ولجامعها المتميز نظير أكبر منه بقليل في مدينة استنبول: اسمه جامع يغوث سليم، في محلة الفاتح على نفس التصميم والطراز، إلاَّ أنه يزيد عليه بنافدة لدى المقارنة.
4-الأوقاف العظيمة: أوقفها وأوصى ببنائها ، الوالي خسرو باشا -رحمه الله تعالى – [ وأخوه مصطفى باشا] في وقفياته المتعددة ،أوقافاً عظيمة تبلغ ثلاثمائة عقار فيها الخانات، والحمامات، والأسواق، والطواحين، والأراضي الزراعية، وغيرها.
وقد فصَّل الواقف هذه الأوقاف وسُبل صرف ريعها بوقفياته بشكل يثير العجب والدهشة، وعيَّن لها ناظراً، وجُباة، وكتَّاباً ، وشيوخاً مسلّكين، وحفَّاظاً وقرَّاءً، وإماماً وخطيباً، ومؤذنين، ومراقب دوام ، وطباخين ومساعدين لهم وخداماً، وغير ذلك من القائمين على هذه المدرسة ،ورتَّب لكل واحد منهم راتباً معلوماً.
ثانياً-المدرسة :
أ-فقد عيَّن لها مدرسا واحدا شرط أن يكون حنفيَّ المذهب وأن يعينه الحاكم أو القاضي الشرعي.
ب- الطلاب: شرط أن يكون عدد الطلاب فيها ثمانية طلاب يقرؤون العلم على المدرس المذكور.سارت أمور هذه المدرسة بشكل جيد أول أمرها ، ج-المدرسون فيها: تولَّى التدريس فيها عدد من كبار العلماء أمثال العلامة الشيخ تاج الدين ابراهيم الصنوي المتوفى سنة 973هـــ والعلامة الشيخ نصوح بن يوسف الأرنؤوطي المتوفى سنة 981هـــ ثم أضحى التدريس فيها رتبة سلطانية يُعطاها كل من تولّى الإفتاء في حلب ،
د-فمن المفتين الذين تولوا التدريس فيها:
1- المفتي عبد اللطيف الزوائدي المتوفى سنة 1132هــ 2_وأبو السعود الكواكبي المتوفى سنة 1137هــ 3-وآخر شيوخها قبل عملية الإصلاح الشيخ ابراهيم سلقيني الكبير المتوفى سنة 1367هـــ
ثالثاً: التجديد والاحياء للمدرسة ودورها الرِّيادي:
الشيخ محمد رضا الزعيم، ودوره العظيم ترميمها وإصلاحها:
في زلزال حلب عام1237 هـ تخرَّب كثير من العمران وذهب كثير من الأماكن التي كانت موقوفة على هذه المدرسة فاختل أمر التدريس في هذه المدرسة وصارت مأوى للغرباء والفقراء والعسكر. وبقي ذلك الى أول هذا القرن فاهتم جميل باشا –والي حلب – بشأنها بعض الإهتمام وذلك بمساعي الشيخ رضا الزعيم الدمشقي – رحمه الله – (1)وذلك بمساندة بعض علماء المدينة . فكان له دور عظيم في تخليص الأوقاف المغتصبة. فجمع ما تحصل له من أوقافها وأخذ يقوم بصيانتها وإصلاحها وجدد الرواق الشمالي وذلك عام1330هـ كما هو مكتوب فوق الباب الشمالي . ودرَّس في المدرسة كبار الكتب العلمية ، وتخرج على يديه كبار علماء حلب .
* * *
1- الشيخ محمد رضا الشهير بالزعيم الدمشقي ولد سنة ١٢٧٤المتوفى سنة ١٣٣٤ ودخل في امتحان مفتي آلاي وعيّن في هذه الوظيفة. وهو والد حسني الزعيم أحد رؤساء سورية.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)