مقالاتمقالات مختارة

الكومنولث الإسلامي.. من أفكار بن نبي إلى طموحات مهاتير محمد

الكومنولث الإسلامي.. من أفكار بن نبي إلى طموحات مهاتير محمد

بقلم عبد الرحمن الشنقيطي

وجد العالم الإسلامي نفسه ولأول مرة في تاريخه بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1922 بلا خليفة للمسلمين أو أمير للمؤمنين يمثل وحدة الأمة ومنهاجها ويدعى له في المنابر ويحميها حدودها وشعوبها، وأمام هذا الوضع الاستثنائي برز مجموعة من العلماء والمفكرين بأفكار إصلاحية تعيد فكرة الأمة الواحدة مع بعض من التجديد الذي يفرضه الواقع والحال، ولقد تنوعت المشاريع الداعية لوحدة إسلامية سواء أخذت تلك المشاريع طابعا فكريا نظريا كفكرة الجامعة الإسلامية للشيخ جمال الدين الأفغاني والكومنويلث الإسلامي للمفكر الجزائري مالك بن نبي أو طابعا عمليا كجماعة الإخوان المسلمين لمؤسسها حسن البنا – رحمهم الله جميعا – والتي يعتبرها كثير من المفكرين المعاصرين تطبيقا عمليا لفكرة الجامعة الإسلامية.

يعتبر مالك بن نبي المولود في قسطنطينة عام 1905 أحد أكبر المفكرين المسلمين في القرن العشرين خاصة باهتمامه بإشكاليات الحضارة والهوية الإسلامية وقد ألف في ذلك كتب عدة منها مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ووجهة العالم الإسلامي وهوية الأمة، غير أن كتابه المعنون بفكرة الكومنويلث الإسلامي هو الذي أبرز فيه أفكاره العامة بخصوص إنشاء كيان يجمع الأمة من جديد على فكرة واحدة ويساهم في حل مشاكلها المشتركة وإعادة مجدها من جديد، لم يحدد مالك بن نبي في كتابه بدقة الهيكلة التي يجب أن يكون عليها الكومنويلث الإسلامي نظرا لإيمانه بأن الجانب العملي لهذا المشروع يجب أن تعكف عليه مراكز دراسات وأبحاث متخصصة لتضعه في صورته النهائية واكتفى يطرح الدوافع والأسباب والطرق التي تمكن من تسهيل هذه الفكرة وجعلها قابلة للتطبيق، يتميز العالم الإسلامي من وجهة نظر مفكرنا بوحدته الروحية لكن هذه الوحدة تتضمن في طياتها ستة عوالم وهي:

• العالم الإسلامي الإفريقي أو الأسود

• العالم الإسلامي العربي

• العالم الإسلامي الأوروبي

• العالم الإسلامي الإيراني

• العالم الإسلامي المالاوي

• العالم الإسلامي الصيني المنغولي

ونظرا لوحدة هذا العالم من جهة وتعدده من جهة أخرى فإن إمكانية إقامة خلافة راشدة بمعناها تقليدي ذات الخليفة الموحد والسلطة المركزية تبدوا صعبة خاصة في ضل الظروف التي لا يزال يمر بها العالم الإسلامي إلى اليوم، يركز مفكرنا على وعي الفرد فوعي الفرد الجزائري بالنسبة له يتمثل في هذا الشكل البياني، أي أنه كلما زاد وعي الفرد زاد إدراكه لعالم آخر وبالتالي زاد إدراكه لفكرة الكومنويلث الإسلامي، وعلى عكس الكومنويلث البريطاني الذي يعتبر فيه الملك أو التاج هو الرابطة العضوية فإن مفكرنا يرى أن الرابطة العضوية للكومنويلث الإسلامي تتمثل في فكرة الإسلام وتتشخص في مجمع دائم والمقر الرسمي لهذا المجمع يجب أن يكون في ذات الوقت هو الوحدة القاعدية التي تتصل بأجزاء هذا الكومنويلث لتقرر في ما بينها ما يتعلق بشؤونها الإسلامية العامة .

وفي العالم الإسلامي المالاوي كما يسميه مفكرنا وتحديدا في ماليزيا برز قائد سياسي استطاع خلال رئاسته للوزراء ما بين عامي 1982 و 2003 أن يقوم بطفرة اقتصادية كبيرة في ماليزيا وأن ينقلها إلى مصاف الدول المصنعة بل وإلى ثالث أكبر اقتصاد في دول جنوب شرق آسيا، لم يكن مهاتير محمد مجرد رئيس وزراء مر مرور العابرين في التاريخ الماليزي فهو ذلك الطبيب المتصوف الذي درس تاريخ الأديان والقرآن وتفسيره وآمن بضرورة النهضة الإسلامية بعد أن ذكر أسباب الفشل وحدد علاجاته ولقد استطاع أيضا أن يصنع لنفسه شعبية كبيرة لدى الشعوب الإسلامية وذلك بسبب اهتمامه الصادق بقضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين وانشغاله المستمر باستعادة وحدة الأمة الإسلامية في سبيل حل قضاياها الرئيسية وأزماتها المستمرة.

ويبدوا أن الطبيب المفكر كما يصفه أنصاره قد استلهم فكرة إنشاء اتحاد إسلامي من لبنات أفكار مالك بن نبي، فقد دعى في الأسبوع الماضي إلى قمة إسلامية مصغرة تضم كل من ماليزيا وإندنوسيا (العالم الإسلامي المالاوي) وتركيا ( العالم الإسلامي الأوربي) وباكستان (العالم الإسلامي الإيراني ) وقطر (العالم الإسلامي العربي) وذلك من أجل نقاش الأزمات المركزية التي تمر بها الأمة الإسلامية وخاصة الاحتلال الغير شرعي لفلسطين واستمرار الكيان الصهيوني في استيطانه الوحشي ليقضي على ما تبقى للفلسطينيين من أرض، ويبدوا أن غياب دولة أفريقية مسلمة عن هذه القمة يرجع لعدة عوامل من أهمها عدم وجود دولة إسلامية أفريقية ذات حكومة إسلامية تستقل في قرارها ولو جزئيا خاصة أن كل الدول التي ستحضر القمة لها أنظمة ذات توجه إسلامي أو قريبة منه.

ختاما إن الوضع المأساوي التي تمر به الأمة الإسلامية ونكباتها المستمرة وغرقها في الحروب واستباحة أرضها من طرف الشرق والغرب ليجعل الوحدة الإسلامية ووجود كيان جامع يمثل المسلمين ويحمي مصالحهم ضرورة فوق كل الضرورات وغاية هي أم الغايات، فهل ينجح مهاتير ورفاقه في إتمام ما بدأه الأفغاني ومالك بن نبي؟؟

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى