الفكر النسوي في عصر كورونا!
بقلم سيدة محمود (باحثة علوم سياسية)
قد يكون العنوان غريب بعض الشئ فما العلاقة بين الفكر النسوي والكورونا؟ ولكن بقراءة شئ من أدبيات التنظير النسوي تتبدد الحيرة. ومع الكورونا تأمل الكثيرات منا في أن تثوب النسويات إلى رشدهن بعد تنظير ومأسسة لهذا التنظير على مدار عقدين ولم يرجعن إلا بخفي حنين.
جاء فيروس كورونا لينبه المرأة أن الرجل ليس هو العدو وإنما هو الشق الآخر الذي عليها أن تتكاتف معه لصد أية بلاء، فالبلاء حين يقع لايفرق بين رجل وإمرأة كما حدث مع مفاعل تشيرنوبلالروسي، لم تتنتظر الرياح الملوثة حينها كي تستأذن لتدق على باب المرأة تاركة الرجل أو العكس بل أمطرت عليهما سوياً . كذلك الحال مع فيروس الكورونا الحالي لم يكتف بالإناث دون الذكور بل هاجم بشراسة كلا الجنسين ما يمثل دعوة صادقة للنسويات إن كن بحق نصيرات للمرأة – كما يدعين – أن يعدن النظر في منطلقاتهن الفكرية!
تنظر النسويات على إختلاف تياراتهن ومذاهبهن الفكرية إلى الرجل على أنه مسئول مسئولية كاملة عن معاناتهن، ومن ثم أعلن عن عدائهن للرجال – مع تباين نسبة العداء وأسلوب إدارة الصراع – وزعمن أن الرجل قد اختلق فكرة تقسيم الأدوار كي (يزيف وعي المرأة)، ويقنعها بأن دورها هو (إعـادة إنتاج الـعنصر البشـري)، أي الحمل والإنجاب، فتقنع بالمجال الخاص (الأسرة)، بدعوى أنها مؤهلة له لأنه يتفق مع تكوينها البيولوجي، وينطلق هو للعمل في المجال العام (الخارج) بما يضمن له السيطرة عليها، عن طريق التحكم في الموارد الاقتصادية فيحظى بمكانة عالية؛ لأنه يعمل في الخارج (المجال العام)، بينما المرأة «مهمشة»، وفي وضع دوني؛ بسبب عملها في الأسرة (المجال الخاص).[1]
وصار الصراع بين الذكر والأنثى محور إرتكاز كافة الأطروحات النسوية،بعد أن جردن المرأة من سياقها الإجتماعي، وسعين لأن تكون للمرأة إيديولوجيتها الخاصة بها فكافة المعارف والانظمة واللغات والأديان و.. ذكورية ! !
ولتجاوز ما عدته النسويات (ظلمًا ذكوريًّا)، عمدن إلى صياغة نظرية سياسية تشدد على توحيد الأدوار وتبادلها بين الجنسين، بغض النظر عن أي فوارق بيولوجية. ولم يردع النسويات الإحصاءات الصادمة لإستغلال المرأة كعاملة بأجر زهيد ولاتستطيع الإعتراض وإلا فالتهديد بأن يتم استبدالها بأخريات، أو إستغلالها بتسليعها هى ذاتها، أى تحويل جسدها وجمالها وفتنتها إلى سلعة في التجارة بأنواعها المشروعة وغير المشروعة.
ورغم كل هذه الثمار المرة تتجاهل النسويات مكمن الصراع الحقيقي .. فالرجل ليس هو العدو، وإنما هذا الصراع المزيف للفت الأنظار بعيداً عن العدو الحقيقي حيث الصراع على الهيمنة على الشعوب برجالها ونسائها، فالفيروس القاتل واحد من حلقات الصراع بين القطب الأوحد والتنين الصاعد بسرعة الصاروخ. وقد ذھب سياسیون في الولایات المتحدة والصین، إلى أن الفیروس التاجي (SARS-CoV-2) الذي یتسبب في وباء كورونا (COVID-19) قد یكون في الواقع سلاحًا بیولوجیًا تم تصنیعه في المختبر. والشكوك فقط تدور حول من الذى صنع الفیروس الامریكان ام الصينیون؟[2]
أيضاً يتم تأجيج هذا الصراع وإثارته من حين لآخر حتى تنشغل المجتمعات عن العدو الذي ينبغي توحيد الجهود وتكاتف الشقين: الذكر والأنثى لمواجهته، وهو ثالوث الفقر والمرض والجهل الناجم عن إستنزاف ثرواتها لقرون عديدة من إحتلال وإستغلال لمقدراتها.
ثمة حقيقة هامة لو أدركها الجميع لأستراح ونهض بمهام الإستخلاف وإعمار الأرض دونما معارك فكرية أو صراعات حياتية. إن البشرية جميعها تنتمي إلى نفس واحدة خلق الله منها زوجها. فلا فارق بين المرأة والرجل فى الأصل والفطرة، كل منهما إنسان خلـق لإنسان، وشطر مكمل لشطر، وسكن للآخر، وهما ليسا فردين متماثلين بل زوجين متكاملين.
وقد لخص مراد هوفمان مكانة المرأة المسلمة بالنسبة إلى الرجل في كلمات قلائل بأنها: “المساواة في الكرامة مع إختلاف في الأعباء، والمساواة في المكانة مع إختلاف في الأدوار، والمساواة في القيمة مع إختلاف في القدرات”[3].
قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ{[4]، فالآية تساوي بين الذكر والأنثى في الخلق: أصله وأطواره، كما ساوى بينهما في الصورة والملامح والأعضاء– إلا فيما يخص التناسل- لأن في هذا عمارة الأرض، كما أصلت الآية ليس فقط لوحدة الذكر والأنثى وضرب فكرة التمييز والمفاضلة بين شقي الإنسانية، بل أشارت إلى وحدة البشرية فالخالق لم يخلق رجالاً كثيراً ونساء وزوجهم فكانوا أسراً شتى لا رحم بينها، بل جعل إنطلاق الحياة البشرية كلها من أسرة واحدة ثم كان البث من الرجل والمرأة الوحيدين لرجال كثير ونساء. فالجميع نفس واحدة وطبيعة واحدة وفطرة واحدة، ثم جاء التنوع فى خصائص البشر واستعداداتهم آية على إرادة إلهية مطلقة، حيث يتولد من أصل واحد فريد، تنوع دائم التجدد بحيث لا يتماثل شخصان أبداً لا فى الزمان ولا المكان .[5]
أما الصراع فلن تستقيم به الحياة الإنسانية، بل سيظل إضطرابها طالما كانت علاقة الجنسين غير مستقرة وفي صراع دائم تتأرجح بينهما أقصى اليمين أو أقصى الي اليسار.
الهوامش:
[1] اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل ، “مصطلح التمكين” ، سلسلة توعوية في قضايا المرأة المعاصرة (6) ، السعودية : كرسي أبحاث المرأة السعودية بجامعة الملك سعود ، 1434هـ – 2013م، ص16.ولمزيد من التفاصيل عن هذا الوعي الزائف ،انظر:
سوزان موللر أوكين، “النساء في الفكر السياسي الغربي” ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ، القاهرة : المشروع القومي للترجمة ، ، ص 334، 335.
[2]لمزيد من التفاصيل حول تبادل الإتهامات ، وكيف تم تصنيعه ، انظر:
د/ جهاد عودة ، كورونا وصناعة الوباء الطبيعي العالمي ، 22 مارس 2020، على هذا الرابط:
https://www.elbalad.news/4226112
[3]مراد هوفمان ، يوميات ألماني مسلم، ص214، في:خولة درويش، “أولويات المرأة المسلمة”،الأردن: دار المعالي، 2006، ص10.
[4]سورة النساء :1.
[5]السيد عمر، الرؤيتان المعرفيتان للاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي“،ضمن:مؤتمر الاقتصاد الإسلامى والاقتصاد الوضعى : الفلسفة والنظام ،القاهرة : مركز البحوث والمعلومات بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية ،ومركز الدراسات المعرفية ، 2005، ، ص22.
(المصدر: مجلة المجتمع)