بقلم أ. خالد بن مصطفى الشوربجي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الفارق بين تخريج الحديث – إذا كان في الأحكام أو غيرها – وبين تخريج الرواية التفسيرية عند أهل الشأن -: أن التَّحَرِّي في أسانيد التفسير ليس هو الطريقة المتبعة في منهج المحدثين، بخلاف أحاديث الأحكام – الحلال والحرام – والمرفوعات وغيرها، بل لقد نصُّوا على قبُول الروايات التفسيرية على ما فيها من ضعف، وعَمَلُ المحدثين والمفسرين على هذا.
ومن أمثلة ذلك تفسير الإمام أبي جعفر الطبري؛ حيث لا تجد عنده نقدَ أسانيد مرويات التفسير إلا نادرًا؛ لأن هذه الروايات مما تلقاه العلماء بِالْقَبُولِ، وعملوا بها في فَهم كلام الله، ولا يُعترَض عليها إلا في حالة وقوع نكارة، تدعو إلى تَحَرِّي الإسناد.
قال يحي بن سعيد – يعني القَطَّان -: “تساهلوا في التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث، ثم ذَكَر لَيْث بْن أَبِى سُلَيْمٍ وجُوَيْبِر بْن سَعِيدٍ والضَّحَّاك”[1].
محمد بن السائب – يعني الكلبي – وقال: “هؤلاء [لا] يُحمد حديثهم ويُكتب”[2].
قال عبد الرحمن بن مَهدي: “إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال”[3].
وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم؛ لأن تفسيرهم تشهد به لغات العرب.
قال الخطيب البَغدادي – في “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع” ج2/ص194 -:
“إلا أن العلماء قد احتجُّوا في التفسير بقوم لم يحتجوا بهم في مُسند الأحاديث المُتَعَلِّقَةِ بالأحكام؛ وذلك لسوء حفظهم الحديث، وشغلهم بالتفسير؛ فهم بمثابة عاصِم بن أبي النَّجود حيث احتُجَّ به في القراءات دون الأحاديث المُسْنَدَات؛ لغَلَبَة عِلم القُرآن عليه؛ فصرف عنايته إليه”.
وقال الذهبي في “ميزان الاعتدال في نقد الرجال” ج2/ص161 -: “قال أبو قدامة السَّرْخَسي: قال يحيى القطان: تساهلوا في أخذ التفسير عن القوم لا تولعوهم في الحديث ثم ذكر لَيْثَ بن أبي سُلَيْم وجُوَيْبِر والضَّحَّاك ومحمد بن السَّائِب وقال: هؤلاء لا يُحْمَد حديثهم، ويكتب التفسير عنهم”.
وقال الحافظ في “تهذيب التهذيب” ج2/ص106-: “وقال أبو طالب عن أحمد: ما كان عن الضحاك فهو أيسر، وما كان يُسْنَد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو مُنْكَر. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان وَكِيع إذا أتى على حديث جُوَيْبِر قال: سفيان عن رجل لا يسميه؛ استضعافًا. وقال الدُّورِي وغيره عن ابن معين: ليس بشيء. زاد الدُّورِي: ضعيف ما أقربه من جابر الجُعْفِي وعُبَيْدَة الضَّبِّي. وقال عبد الله بن علي بن المَدِيني: سألتُه – يعني أباه – عن جُوَيْبِر؛ فضعفه جدًا. قال: وسمعت أبي يقول: جُوَيْبِر أكثر على الضَّحَّاك، روى عنه أشياءَ مَنَاكير. وذكره يعقوب بن سفيان في باب “من يرغب عن الرواية عنهم”. وقال الآجُرِّي عن أبي داود: جُوَيْبِر على ضعفه. وقال النَّسائي وعليُّ بن الجُنَيد والدارقطني: متروك. وقال النسائي في موضعٍ آخر: ليس بثقة. وقال بن عَدِي: والضعف على حديثه ورواياته بَيِّنٌ.
قلت: وقال أحمد بن سَيَّار المروَزِي: جُوَيْبِر بن سعيد كان من أهل بَلْخ وهو صاحب الضحاك، وله رواية ومعرفة بأيام الناس، وحاله حسن في التفسير، وهو لَيِّن في الرواية”.
وقال في “البدر المنير” ج4/ص442: “وقال يحيى بن سعيد القطان: الضحاك عندنا ضعيف. وقال مَرَّةً أُخرى: تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقوهم في الحديث، ثم ذكر ليثَ بن أبي سُلَيم وجُويبِرًا والضحاك ومحمد بن السائب، وقال: هؤلاء لا يُحْمَد حَدِيثُهُم، ويُكْتَبُ التَّفسير عنهم”،، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
[1] “دلائل النبوة” ج1/ص36.
[2] “دلائل النبوة” ج1/ص37.
[3] “دلائل النبوة” ج1/ص43.
(المصدر: شبكة الألوكة)