مقالاتمقالات مختارة

الفجر الصّادق والكاذب عند الفقهاء

بقلم قاسم عبد الواحد

الحمد لله ربّ العالمين, والصّلاة والسّلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بعد:

أوّلاً: إن ممّا اتّفقت عليه كلمة الفقهاء, واتحدت عليه آراؤهم هو أنّ أوّل وقت صلاة الصبح يدخل بطلوع الفجر الصّادق؛ وهو الفجر الثّاني.

ومستند هذا الاتفاق السنة والإجماع:

أمّا السنة فمن الأدلة على ذلك منها ما يلي:

الدليل الأوّل: ما أخرجه مسلم في صحيحه؛ من حديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا» وحكاه حماد بيديه، قال: يعني معترضا[1].

الدليل الثّاني: ما أخرجه الحاكم في مستدركه؛ من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام»[2].

وفي رواية: «الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا تحل الصلاة فيه ولا يحرم الطعام، وأما الذي يذهب مستطيلا في الأفق فإنه يحل الصلاة، ويحرم الطعام»[3].

وأمّا الاجماع: فقد نقل اجماع أهل العلم على أنّ أوّل وقت صلاة الصّبح يدخل بطلوع الفجر الثّاني الصّادق؛ لا بطلوع الفجر الأوّل الكاذب, غيرُ واحد؛ منهم ابن هبيرة, وابن قدامة.

قال ابن هبيرة: واتفقوا على أن أول وقت الفجر طلوع الفجر الثاني المنتشر ولا ظلمة بعده[4].

وقال ابن قدامة: وجملته أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعا[5].

ثانيًا: إذا ثبت أنّ بالصادق دون الكاذب يدخل أوّل وقت صلاة الصبح؛ فما هو حدّ الصّادق والكاذب عند الفقهاء؟ ولماذا سميّ الفجر الثّاني صادقًا, والأوّل كاذبًا؟.

حدّ الفجر الثّاني الصّادق: هو البياض الذي يأخذ في عرض السماء في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس في كل زمان، ينتقل بانتقالها، وهو مقدمة ضوئها، ويزداد بياضه؛ وربما كان فيه توريد بحمرة بديعة، وبتبينه يدخل وقت الصوم, ووقت الأذان لصلاة الصبح, ووقت صلاتها, فأما دخول وقت الصلاة بتبينه, فلا خلاف فيه من أحد من الأمة[6].

بمعنى أنّه نور وبياض يطلع من ناحية المشرق, يعم الأفق عرضا, ذاهبا يمينا وشمالاً, ثم لا يزال يزداد وينتشر في الأفق حتى تطلع الشمس[7].

حدّ الفجر الأول الكاذب: هو الذي يطلع مستطيلا نحو السماء كذنب السّرحان؛ وهو الذئب, ثم يغيب ذلك ساعة, وتحدث بعده ظلمة في الأفق, لا يحرم الأكل ولا الشرب على الصائم؛ ولا يدخل به وقت صلاة الصبح[8]. قال ابن حزم الظّاهري: هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة كلها[9].

بمعنى أنّه بياض يظهر في أعلى السماء, على شكل طولي لا أفقيّ, ثمّ ينخفض وينمحق, حتى يعقبه الظلام[10].

سبب تسمية الفجر الثّاني بالصادق: سمّي صادقًا لما يلي من الأمور:

الأمر الأوّل: لأنه صدق عن الصبح وبيَّنه[11].

الأمر الثَّاني: ولأنه إذا بدأ نوره ينتشر في الأفق ولا يخلف[12].

سبب تسمية الفجر الأوّل بالكاذب: سمي الفجر الأوّل كاذبا؛ لأنّه يغرّ من لا يعرفه؛ فهو يضئ ثم يسود ويذهب[13].

سبب تسمية بياضه بذنب السرجان؛ الذي هو الذئب, سمّي بذلك لأمرين:

الأمر الأوّل: لطوله.

الأمر الثّاني: أن الضوء يكون في الأعلى دون الاسفل, كما أنّ الشّعر يكثر على أعلى ذنب الذئب دون أسفله[14].

المراجع

[1]  صحيح مسلم 2/770 برقم 1094 كتاب الصيام/ باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر.

[2]  مستدرك الحاكم 1/304 برقم 687 كتاب الطهارة/ باب في مواقيت الصلاة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين في عدالة الرواة ولم يخرجاه.

[3]  أخرجه الحاكم في المستدرك 1/304 برقم 688 من حديث جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كتاب الطهارة/ باب في مواقيت الصلاة. صححه الألباني في صحيح الجامع 2/788.

[4]  اختلاف الأئمة العلماء 1/86.

[5]  المغني 1/279.

[6]  المحلّى 2/224.

[7]  أحكام اللون في الفقه الإسلامي للدكتور وليد القاري ص: 100.

[8]  المحلّى 2/223-224, المجموع 3/44.

[9]  المحلّى 2/224.

[10]  أحكام اللون في الفقه الإسلامي للدكتور وليد القاري ص: 100.

[11]  المجموع 3/44.

[12]  بدائع الصنائع 1/122.

[13]  بدائع الصنائع 1/122, المجموع 3/44.

[14]  فتح العزيز بشرح الوجيز 3/33-34.

(المصدر: الملتقى الفقهي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى