مقالاتمقالات مختارة

الغزو المغولي دروس وعبر

بقلم الشيخ د. علي بن محمد عودة الغامدي

الغزو الغولي دروس وعبر لا تقدر بثمن فأين الأمة التي تعتبر من تجارب تاريخها وتسترشد بها في حاضرها ومستقبلها؟؟

الغزو المغولي :– امضى المسلمون قرن وربع قرن من الزمان (615-490 هجرية) وهم يجاهدون ضد العدوان الصليبي عليهم عبر الحملات الصليبية التي لاتتوقف .

وفي الوقت الذي تعرضت فيه بلاد الشام ومصر لهجوم الحملة الصليبية الخامسة (618-614) بدأت جحافل المغول تدمر بقوة مروعة الجزء الشرقي من العالم الاسلامي وكأن جحافل المغول بقيادة جنكيزخان كانت على موعد مع الغرب الأوربي الصليبي للاطباق على العالم الاسلامي ومحو الاسلام من الوجود .

والحق ان الغزو المغولي ليس حادثة عادية ولاهجرة طبيعية من الهجرات التي عرفها تاريخ الانسان بل كان اعصارا مدمرا ابتليت به البشرية والمسلمون بخاصة وقد استطاع المغول خلال عامي (617-616) اجتياح بلاد ماوراء النهر وخوارزم وخراسان وغيرها ودمروا مدن بخارى وسمرقند وبلخ ومرو وغزنة ونيسابور وغزنة .

وقتل المغول الملايين من سكان تلك البلاد المسلمين في وحشية رهيبة لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلا، ودمروا الحضارةالاسلامية الزاهرة في تلك البلاد .

وكان جلال الدين الخوارزمي قد نجح في مقارعة المغول ردحا من الزمن، الا أنه استنفد قواه في صراع مرير مع الايوبيين والسلاجقة ثم انهار امام المغول .

وبعد اغتيال احد الاكراد لجلال الدين الخوارزمي سنة 628 هجرية اصبحت الطريق مفتوحة امام المغول للتقدم الى اسيا الصغرى والعراق وبلاد الشام ومصر .

وفي سنة 641 هجرية استولى المغول على اسيا الصغرى واخضعوا سلاجقتها لسيطرتهم بعد ان هزموهم . وطوقوا بلاد الخلافة العباسية من الشرق والشمال .

وفي سنة 651 جهز خان المغول منكو جيشا يزيد عن مئة ألف واسند قيادته الى اخيه الاصغر هولاكو وأمره بالاستيلاء على قلب بلاد الاسلام العراق والشام ومصر.

وتمكن هولاكو في سنة 654 من الاستيلاء على كل قلاع الاسماعيلية الباطنية في غرب ايران،

وعددها 50 قلعة ، وقضى على هذه الفرقة الملحدة قضاء مبرما ثم سار هولاكو بجيشه صوب بغداد وهزم جيش الخليفة العباسي المستعصم وحاصر بغداد فاستسلم الخليفة لهولاكو في صفر سنة 656 هـ بمشورة وزيره ابن العلقمي .

كان لوزير الخليفة الرافضي مؤيد الدين بن العلقمي اكبر الاثر في سقوط بغداد فهو الذي اقنع الخليفة بالاستسلام وتسريح معظم جيشه قبل وصول هولاكو .

وارتكب المغول مذبحة شنيعة في بغداد دامت اربعين يوما وراح ضحيتها أكثرمن 800 ألف نسمة من سكانها ونهبوها نهبا شنيعا ودمروا كنوز الحضارة الاسلامية.

الحق ان تخاذل ملوك و حكام المسلمين وتفرق كلمتهم وتنازعهم فيما بينهم بل وتقاتلهم قبل وصول المغول هو الذي مهد الطريق لنجاح الغزو المغولى.

وقد عبر احد هؤلاءالملوك عن هذه الحقيقة فقال:(والله ماخرجت البلاد من ايدينا الا بتخاذل بعضنا عن بعض فلو كانت الكلمة مجتمعة لم يجر علينا ما جرى).

ولايمكن الحديث عن غزو المغول دون الاشارة باختصار الى دور العدو الأبدي اللدود للإسلام والمسلمين وهو الغرب الصليبي الذي أدرك قوة وخطر المغول , فقرر الغرب الصليبي التحالف مع المغول والافادة منهم ضد المسلمين والاطباق عليهم من الشرق والغرب وتدميرهم وانتزاع البلاد المقدسة في فلسطين منهم.

وقد أوفدت البابوية ارساليتين الى المغول بهدف تنصيرهم والتحالف معهم ضد المسلمين كما أرسل ملك فرنسا لويس التاسع بعثتين الى المغول للهدف نفسه , ولكن العائق الذي افشل المخطط الغربي الصليبي ان خانات المغول اشترطوا حضور البابا بنفسه وكل ملوك الغرب لتقديم فروض الطاعة والولاء لملوك المغول .

اما نصارى الشرق مثل ملك الارمن هيثوم وامراء جورجيا وامير انطاكية فقد خضعوا للمغول وشاركوا في اقتحام بغداد وفاقوا المغول في التنكيل بالمسلمين.

وسار هولاكو بجيشه الى الشام واتجه لحصار مدينة حلب واستسلمت له في صفر سنة 658 هجرية فغدر بأهلها واسر منهم 100 ألف وباعهم في اسواق الرقيق .

وكان مع هولاكو في اقتحام حلب قوات امارة انطاكية الصليبية وجورجية وجيش الارمن بقيادة ملك الارمن هيثوم الذي احرق بيدية الاثمتين جامع حلب الكبير , وعاد هولاكو الى بلاده بمعظم جيشه بسبب موت اخيه منكو وليشارك في اختيار الخان الجديد وترك قائده كتبغا على رأس 12 ألف فارس ليحتل بقية الشام ومصر , وترك هولاكو زوجته دوقوز خاتون لتكون مستشارة لكتبغا .وكانت دوقوز نصرانية كما كان كتبغا نصرانيا واصبح الجيش المغولي في الشام تحت قيادة النصارى , وسلم اهل دمشق مدينتهم للمغول حقنا لدمائهم فدخلها القادة النصارى الثلاثة نائب هولاكو كتبغا وهيثوم ملك الارمن وبوهمند امير انطاكية الصليبي , وشهد سكان العاصمة الأموية دمشق ثلاثة امراء نصارى يرفعون شعار الصليب ويشقون بموكبهم المتغطرس شوارع دمشق منتصرين لأول مرة منذ ستة قرون ونصف .

وبسقوط المدن الكبرى الثلاث في ايدي المغول( بغداد وحلب ودمشق) بدت خسارة الاسلام فادحة , فأعلن النصارى من سكان دمشق الفرح واستظهروا على المسلمين , واقام النصارى في دمشق الاحتفالات لهزيمة المسلمين ورفعوا الصلبان واجبروا المسلمين على الوقوف احتراما لها ، وتعرضوا للمسلمين بالشتم والاهانة .

وتظاهر النصارى في دمشق بشرب الخمر علنا في نهار رمضان ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات وصبوه على ابواب المساجد بمافيها الجامع الاموي.

واخذ نصارى دمشق يرددون قائلين الان ظهر الدين الصحيح دين المسيح ولما شكى المسلمون لكتبغا ذلك ضربهم وأهانهم واخذ يزور الكنائس ويعظم كل النصارى.

واستقبل سلطان المماليك قطز رسل من المغول سلموه رسالة من هولاكو ملؤها التهديد والوعيد فعقد مجلس مشورة ضم كبار امراء المماليك للرد على الرسالة.

واستقر الرأى على ضرب اعناق رسل المغول وجرى تعليقها على باب زويلة،أحد ابواب القاهرة وكانت نيفا واربعين رأسا واعلن قطز النفير العام في كل مصر , وامكن حشد 40 ألف مقاتل وتم جمع الاموال لتموين الجيش الخارج لصد المغول بناء على فتوى الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام وتم جمع 600 ألف دينار .

وسار الجيش نحو بلاد الشام ووصلت طليعته الى غزة بقيادة بيبرس واستردها من القائد المغولي بايدر بعد ان دمر قواته فكان ذلك فالا حسنا بانتصار المسلمين , وتقدمت قوات المسلمين نحو عين جالوت قرب نابلس واخفى قطز قواته خلف التلال القريبة من ساحة المعركة وتقدمت طليعة الجيش بقيادة بيبرس للقاء العدو .

وفي يوم 25 رمضان سنة 658 هجرية التقت قوات المسلمين بجيش المغول الذي تسانده عساكر ارمنية وجورجية وحمل كتبغا على طليعة المسلمين ظانا انها الجيش كله وتظاهرت الطليعة بالهزيمة وطاردها كتبغا ثم خرجت عليه كمائن المسلمين بقيادة قطز من خلف التلال وطوقت قواته ودارت معركة حامية من الفجر الى الظهر.

وابلى قطز في المعركة بلاء حسنا وصاح بأعلى صوته وا إسلاماه يالله انصر عبدك قطز على التتار وحلت الهزيمة الساحقة بالمغول وحلفائهم النصارى وأبيد معظمهم وقتل المسلمون قائد المغول النصراني كتبغا واستعادوا كل المدن والبلاد التي احتلها المغول في بلاد الشام وردوا خطرهم الى ماوراء نهر الفرات .

ولقد ترتب على معركة عين جالوت نتائج بعيدة المدى أهمها القضاء على خرافة الجيش الذي لايقهر فقد حلت بالمغول هزيمة لاتنجبر ابدا حسب قول بعض المؤرخين.

ونتج عن معركة عين جالوت وقف الزحف المغولي وانقاذ ماتبقى من تراث الحضارة الاسلامية وإعادة الوحدة بين مصر والشام وهو ما أدى الى القضاء على الصليبيين كما نتج عن معركة عين جالوت انتقال مركز القوة الاسلامية الى دولة المماليك لاكثر من قرنين من الزمان واكتسب المماليك بنصرهم الصبغة الشرعية لحكمهم.

وبعد هذا الاستعراض الموجز للغزو المغولي ومعركة عين جالوت ونتائجها .نقدم لكم الدروس والعبر المستفادة وما قرأناه وراء سطور ذلك الغزو. وهو:-

اولا:- ان الله تعالى لايقدر شرا محضا على الامة فالمماليك الذين هزموا المغول هم الايتام الذين فقدوا اسرهم في غزوات جنكيز خان وواخذهم تجار الرقيق وباعوهم في موانئ البحر الاسود واشترى السلطان الايوبي الصالح ايوب الالاف منهم ورباهم تربية عسكري ونشأهم تنشئة اسلامية ولما ضعفت الدولة الايوبية استولوا على الحكم وهزموا المغول في عين جالوت وفي معركة البستان سنة 675 وقصموا ظهر المغول في معركة حمص سنة 680 هجرية.

وهؤلاء المماليك الايتام الهاربين من سيوف المغول هم الذين هزموهم في نهاية المطاف وهم ايضا الذين ازالوا الامارات الصليبية من الشام ليس هذا فقط بل لقد هرب من المغول اعداد لاحصر لها من الترك الوثنين ولجأوا الى اسيا الصغرى فتلقفهم شيوخ مسلمون فأدخلوهم في الاسلام ولما قامت الدولة العثمانية في اواخر القرن السابع وجدت في هؤلاء الاتراك المسلمين الجدد المادة البشرية فجندتهم في جيشها وحمت الاسلام عدة قرون.

ثانيا:– اهمية الوحدة والتضامن بين المسلمين فلم يكن بمقدور المغول ولا النصارى التوغل في بلاد المسلمين و الانتصار عليهم لو انهم واجهوا امة متحدة , فقد ركن المسلمون الى الترف وفرقوا دينهم شيعا وانغمسوا في منازعات داخلية لاتنتهي الامر الذي جهز التربة الخصبة لنجاح عدوان الصليبيين والمغول .

ثالثا:- كلما طبق المسلمون الاسلام في واقع حياتهم على الوجه الصحيح واقاموا فريضة الجهاد تحقق لهم النصر على اعدائهم ونالوا العزة والكرامة والمجد , وكلما تقاعسوا عن تطبيق منهج الاسلام وتركوا الجهاد حلت بهم الهزيمة وطمع فيهم عدوهم وأنزل الله بهم الذل على أيدي اعدائهم حتى يعودوا الى دينهم .

رابعا:- لايجوز الركون الى النصارى أبدا فهم العدو الأبدي للإسلام منذ ظهوره والى قيام الساعة (ولن ترضى عنك اليهود ولاالنصارى حتى تتبع ملتهم ) .

خامسا:-يجب انفاق اموال المسلمين في وجوه الصرف الشرعية واعداد العدة وبناء الجيوش المقتدرة لمواجهة اعداء الدين (واعدوا لهم ماستطعتم من قوة…..) ولايحل لمن يلي أمور المسلمين اكتناز الأموال العامة لأنفسهم أو انفاقها في غير وجوه الصرف الشرعية لان ذلك سيكون وبالا عليهم في الدنيا والاخرة.

فهذا الخليفة العباسي المستعصم قد وقع في قبضة هولاكو فاجبره على ان يخرج كنوزه من باطن الارض فدله على احواض مملؤة بالذهب والجواهر فمنعه الطعام فلما جاع قدم له هولاكو طبقا مملؤا بالذهب والجوهر فقال الخليفة انه لايؤكل فسأله هولاكو لماذا احتفظت به ولم تنفقه على جندك ولماذا لم تصنع من هذه الابواب الحديدية سهام ورماح لجندك؟ ولماذا لم تسر بالجيوش الى نهر جيحون لتمنعني من عبوره؟ فاجاب الخليفة انها ارادة الله فرد عليه هولاكو ان ماسيقع عليك هو كذلك ارادة الله ثم امر بقتله فوضعوه في جولق(كيس سميك) كما هي عادتهم في قتل الملوك وداسوه بحوافر الخيل حتى مات .

سادسا:- انه لايجوز بأي حال من الاحوال التفريط في حقوق المسلمين ومقدسات الاسلام ومن يفعل ذلك فإن الله سينصر دينه (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم) وهذه السنة الالهية اجراها الله على هذه الامة مرات عديدة زمن الحروب الصليبية وغزو المغول .

وهناك العديد من الحكام الذين تذللوا للمغول مثل كيكاوس الثاني سلطان سلاجقة الاناضول الذي اهان نفسه في حضرة هولاكو بعد سقوط بغداد فجاء الى هولاكو بعد ان رسم صورته على زوج نعال وقدمها لهولاكو قائلا(عبدك يأمل ان تتفضل بتشريف رأس عبدك بوضع قدمك الشريفة عليها) واصبح كيكاوس في مزبلة التاريخ وقيض الله لهذه الامة قطز وبيبرس وقلاوون الذين سحقوا المغول في معارك عين جالوت والبستان وحمص ونالوا الشرف والعز .

(المصدر: موقع الشيخ د. علي بن محمد عودة الغامدي)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى