العيد وكورونا.. أحكام وآداب
بقلم د. عصام مشاحيت
لا يخفى على كل ذي لُبٍ أن للمُسلِمينَ عِيدانِ: عيدُ الفِطرِ، وهو: أوَّلُ يومٍ من شوَّال، وعيد الأضحى، وهو: اليومُ العاشرُ من ذي الحجَّة، وليس للمُسلمين عيدٌ غيرُهما إلَّا يوم الجُمُعة، لما ثبت عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومانِ يَلعَبونَ فيهما، فقال: ” قدْ أبْدَلكم اللهُ تعالى بهما خيرًا منهما؛ يومَ الفِطرِ والأضحى” (صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 1134).
وقد شرَع اللهُ لهذه الأمَّة الفرحَ والسرورَ بتمام نِعمته، وكمالِ رحمته؛ فعيدُ الفِطر يأتي بعدَ تمام صيامهم الذي افترَضَه عليهم كلَّ عامٍ، فإذا أتمُّوا صيامَهم أعتَقَهم من النارِ؛ فشَرَع لهم عيدًا بعد إكمالِ صِيامِهم، وجعله يومَ الجوائز، يرجعون فيه مِن خروجهم إلى صلاتِهم وصَدَقتِهم بالمغفرةِ، وتكون صدقةُ الفطرِ وصلاةُ العيدِ شُكرًا لذلك. وشرَعَ لهم عِيدَ الأضحى عند تمامِ حجِّهم بإدراكِ الوقوفِ بعرفةَ، وهو يومُ العِتقِ من النارِ، ولا يَحصُلُ العتقُ من النارِ، والمغفرةُ للذنوبِ والأوزارِ في يومٍ من أيَّامٍ السَّنة أكثرَ منه؛ فجعَلَ الله عقبَ ذلك عيدًا؛ بل هو العيدُ الأكبر، فيُكمل أهلُ الموسمِ فيه مناسِكَهم. ( فتح الباري لابن رجب 1/ 174).
وبالنظر إلى واقع الأحداث التي تمر بها الأمة الإسلامية هذه الأيام نجد أن عيد الفطر المبارك هذا العام يمر علينا وقد اجتاح العالم هذا الوباء الغريب، فخاف الناس والتزموا بيوتهم، وتعطلت مصالحهم، وتركوا الجُمع والجماعات في المساجد.
ومع قرب دخول عيد الفطر هذا العام 1441هـ تساءل الكثير من المسلمين عن حكم صلاة العيد في البيوت بسبب انتشار هذا الوباء، وقد اطلعت في هذه المسألة على فتاوى لبعض العلماء، وبعض جهات الإفتاء في كثير من بلدان المسلمين، ولعل الراجح فيها – والله أعلم – أنه يجوز للمسلمين أن يقيموا صلاة العيد في بيوتهم في ظل وجود الإجراءات الاحترازية التي تفرضها معظم دول العالم الإسلامي لمنع تفشي هذا الفيروس، ويسقط عنهم واجب الاجتماع لصلاة العيد؛ لعجزهم عنه، قال تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “إِّذَا أَمَرْتكمْ بّأمْرٍ فَأْتوا مِّنْه مَا اسْتَطَعْتمْ” (متفق عليه)، وكما نعلم أن الجماعة لصلاة العيد شرط عند كثير من العلماء، ولا شك أن اجتماع المسلمين لصلاة العيد هذا العام متعذرا، وقد تقرر عند الأصوليين أن الواجب أو الشرط في العبادة يسقط بالعجز عنه، فيسقط هذا الشرط (شرط الاجتماع لصلاة العيد)؛ لعدم القدرة عليه، ويبقى أصل مشروعية صلاة العيد ولا يسقط؛ لأن من القواعد المقررة أن: “الميسور لا يسقط بالمعسور” ، وأن ” المقدور عليه لا يسقط بسقوط المعجوز عنه”، فالمأمور به إذا لم يتيسر فعله على الوجه الأكمل الذي أمر به الشَّارع؛ لعدم القدرة عليه، فيجب على المكلف فعل المتيسر مما يقدر عليه، ولا يترك الكُلَّ بسبب ترك الذي يعجز عنه أو يشقُ فعله، وهذا أمر مجمع عليه، فالعبادات لا تسقط بالعجز عن بعض شروطها، ولا عن بعض أركانها.
ليس هذا فحسب، ولكن يستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يقضيَها في نفس اليوم، على هيئتها وبنفس العدد من التكبيرات ولكن بدون خطبة، وذلك قبل خروج وقتها عند زوال الشمس عن كبد السماء؛ أي: قبل أذان الظهر. (الأم للشافعي 1/240)، (المغني لابن قدامة 3/285).
وروى عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قال: من فاتته الصلاة يوم الفطر صلى كما يصلي الإمام، قال معمر: “إن فاتت إنسانًا الخطبة أو الصلاة يوم فطر أو أضحى ثم حضر بعد ذلك فإنه يصلي ركعتين” (مصنف عبد الرزاق رقم 5716، وإسناده صحيح)، فإذا كان القضاء مشروعا لمن لم يصلّ صلاة العيد مع الإمام عند أكثر أهل العلم، فمن باب أولى أن تكون صلاة العيد مشروعة لمن لم تقم الصلاة في بلده أصلا.
فالأقرب للصواب والله تعالى أعلم: أن تصلى صلاة عيد الفطر هذا العام في البيوت على هيئتها، ركعتين يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات -منها تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس تكبيرات ليس منها تكبيرة النهوض، ولا تبطل صلاة من ترك التكبير عمدا أو سهوا، ويستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة، ومن السنة الجهر بالقراءة، ولا يشرع لها أذان ولا إقامة.
أما خطبة العيد فهي سنة بلا خلاف بين أهل العلم، وأكثر أهل الفتوى لا يرون مشروعيتها في ظل هذه الظروف، لكن لو اجتهد الرجل فوعظ أهله موعظة قصيرة، فلا حرج.
وأذكر نفسي وإخواني ببعض من الآداب التي يؤجر عليها المسلم إذا فعلها ولو كان في بيته منها على سبيل الذكر لا الحصر:
الاغتسال، والتَّجمل، والتطيب، والأكل قبل الصلاة، والسنة الفطر على تمرات، وأن يأكلهن وترا، ومن السنة التكبير، ويبدأ وقته في حالنا اليوم: من حين يستعد لصلاة العيد حتى يؤديها، وذهب كثير من أهل العلم إلى مشروعية التكبير من غروب شمس ليلة العيد .
ومن الآداب التي لا ينبغي إغفالها ونحن في البيوت، تبادل التهاني والدعوات الطيبة فيما بيننا، عن طريق وسائل التواصل المختلفة.
فيجدر بنا المحافظة في هذا اليوم على الآداب والأخلاق الجميلة, والكرم والعفاف والستر والابتسامة, وحفظ العمل الصالح, والتواصي بالتسامح والسلام والعفو عمن أخطأ أو ظلم أو قصَّر في الحقوق والواجبات من البعيد والقريب (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور:22
فالحمد لله على فضله وإعانته على الصيام والقيام والصدقة وقراءة القرآن فإن ذلك خير من الدنيا وما فيها (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس:58.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)