العنف المقدس والمدنس في إعدام العصافير الثلاثة
بقلم أحمد عمر
سيعدم “ابن سلمان” الفرسان الثلاثة، إلا إذا وقعت معجزة أو أعاقه عائق كالذي منع بث مقابلة العمري التي أجبر فيها على الاعتراف بمؤامرة ضد المملكة، وقد نقَعَ الديوان الملكي السعودي بتسريب الخبر، الناسَ في الماء، حتى يطرى الخبر القاسي ويسوغ هضمه، والإعدام تعزيراً سيكون بعد شهر رمضان، في العيد، العيد سيكون عيداً مضاعفاً ووليمة دموية و”مقدسة”، وكان صدام حسين قد أعدم صباح العيد كأضحية في احتفال ديني مذهبي، و الإعدام سيكون لأسباب كثيرة، فالأمير هائج ويريد خلع نفسه بطلاً، وتغيير المجتمع، وتأسيس مرحلة جديدة محدثة، وكانت الوهابية معادية للتحديث. كل مرحلة كما يدرك علماء الاجتماع، ويدركها ابن سلمان بالغريزة، تحتاج إلى عنف التأسيس، وإرضاء أسياده الذين يشجعونه في الخفاء، وإلى عنف الترفيه. سيلقي الرعب في قلوب الناس، وهو أحد رسائل عملية الإعدام للمجتمع السعودي، ويقدم قرباناً لأرباب العرش الذي قفز عليه متجاوزاً الدستور، لم يشتفِ الرجل من قتل الخاشقجي، والخاشقجي كان أضحية فزِع لها العالم الغربي، ولن يفزع الفرنجة لهؤلاء، فهم دعاة وشيوخ مسلمون، تصفهم وكالات الأنباء بالمعتدلين، للإيحاء بأن المتطرفين يستحقون القتل، والإعدام له سبب آخر هو الغيرة والحسد، فسلمان العودة، أشهر الموعودين بالقتل لديه عشرون مليون متابع على تويتر، إنه ملك منافس على عروش القلوب، يمكن أن يذكّر بقول ابن عمرو بن العاص للقبطي: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين.
الجريمة التي ارتكبها العودة كما هو معلوم جريمة صغيرة، بل هي فضيلة، تشبه أكل حبة تمر في صحراء، كما في حكاية ألف ليلة وليلة، هي تغريدة عن التأليف بين القلوب، وقد غضب الجني، الذي يريد تغيير العدو من الاحتلال الإسرائيلي إلى العدو القطري، فاتهمه بسبعة وثلاثين تهمة. لقد قفز “م.ب.س” فوق الدستور، وتجاوز عمه حسب الترتيب الدستوري السعودي القبلي. قد تذكر محنة الوهابيين المؤسسين للمملكة بنكبة البرامكة، وبالكويكرز في بريطانيا الذين هربوا في القرن السابع عشر من بريطانيا، وكانوا يدعون إلى البساطة ونبذ الحروب، فوقعوا في أمريكا في قبضة البوريتان، ربما تأخر التنكيل بالوهابية التي صعدت بالملك السعودي إلى العرش تسعين سنة. ملوك العصابات يتخلصون من الأصدقاء للانفراد بالسلطة، لقد كانت صداقة استمرت طويلاً، ليس سببها الوفاء فالأرض مقدسة، ومحاربة الدين شاقة وشبه مستحيلة إلا بدين جديد أو بدعة ذكية.
الجريمة التي ارتكبها العودة كما هو معلوم جريمة صغيرة، بل هي فضيلة، تشبه أكل حبة تمر في صحراء، كما في حكاية ألف ليلة وليلة، هي تغريدة عن التأليف بين القلوب، وقد غضب الجني
وهناك أمر يجب حمده في الإعلام السعودي هو أن الموعودين بالقتل لم يتهموا بتهم غير أخلاقية، مثل الخطف والسرقة، فهم شخصيات معروفة، كما يفعل النظام السوري والمصري، والسبب أن المجتمع قبلي ويصعب الكذب عليه بمثل هذه الكذبة.
عنف الترفيه:
عنف الترفيه قديم، ويقال إن الرومان هم أول من ابتدعوه. من الجدير بالذكر أن الأمير الشاب سيستورد مصارعة الثيران التي أوقفت في اسبانيا فترة بعد احتجاجات كثيرة بسبب تعذيب الثيران، ولخطورتها على اللاعبين أيضاً وعادت ولكنها لا زالت ممنوعة في برشلونة. وذلك لمنافسة الكعبة بكعبة أخرى أو بمكعبات سحرية.
يقال إن مؤسس حفلات عنف الترفيه هو تاركونيوس الملك الأسطوري الخامس لروما الذي يعزى إليه بناء الميدان العظيم في روما في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت تجري فيه مصارعات دامية بين المصارعين العبيد، ويرمى بهم إلى الوحوش الجائعة، وأحيانا تذبح الوحوش الجائعة ويروى إنهم ذبحوا عشرين فيلاً، ما لبث الجمهور أن تعاطف مع الفيلة. هناك لذة في العنف نراها في فيديوهات الجبهات المتحاربة السورية، ونرى أشياعها تتهادى فيديوهات القتل ومعها عبارة: برّد قلبك. وتم الدعس، وسواها من العبارات.
العنف المقدس والعنف المدنس:
يجب أن يؤمن الجميع “بدين الأمير الجديد”، الذي يريد تدمير التطرف الذي زكّاه الملك المؤسس وصنعه على عينه، وقد فعل ما فعل بمدائن صالح التي حذرت الأحاديث الشريفة من المرور بها إلا باكين، صارت مدائن صالح موضعاً للرقص والغناء والسياحة، وهناك أسباب أخرى للإعدام مثل فشل عاصفة الحزم وإعادة الأمل، الفشل يلاحق ولي العهد في جميع محطات ولايته العهد: جريمة قتل الخاشقجي تحولت إلى فضيحة، ولوحته التي اشتراها بسعر خرافي تقرباً من الغرب، سيكحل الانتصارات في اليمن بجريمة عمياء بقتل الدعاة الثلاثة وإعلان النصر على المتطرفين قرباناً لقبوله في المجتمع الأوربي المانح للشرعيات.
وبالعودة إلى العنف الميثولوجي المقدس نجد في الملحمة البابلية قتل الأب ابسو، وتقديمه قرباناً على مذبح النظام الجديد بما يعنيه من دلالات فرويدية وأوديبية، الذي يظهر كصراع بين آلهة العالم القديم ابسو وتيامة وممو وآلهة الحكمة الجديدة أيا، لكن شروط الأضحية لا تنطبق على الفرسان الثلاثة.
يحاول محمد تركي الربيعو جرِّ أمثلة من المرويات الإسلامية في كتابه: العنف والمقدس والجنس، إلى أطروحته حول العنف المقدس، فيذكر مثالاً عن العنف المؤسس هو قصة خروج بني إسرائيل من مصر، عندما صنع بني إسرائيل عجلاً جسداً له خوار، والرواية الإسرائيلية تزعم أن هارون عليه السلام هو الذي صنع العجل من حلية القوم، ويرى شتراوس أن العجل هو بديل الأب، أو بديل موسى، لكن التضحية لا تتم حسب الأصول القربانية، فهي ناقصة، فتقع أزمة قربانية، فقد جرى الخلط بين الإله المعبود الذي هو يهوه، والإله الجديد الذي هو العجل، يعود موسى عليه السلام ليجد العجل الجديد، فيأمرهم بقتل أنفسهم.
الدعاة الثلاثة بمصطلحات العنف المقدس والمدنس، هم آباء، ومكرمون، ومباركون، ويتطهرون، ولهم رمزية كبيرة، فهم أحفاد الصحابة، وليس أقدس من النفس البشرية، ولهذا سيجري التضحية بهم على مذبح العنف المدنس، كمقبلات أو حلوى لوليمة صفقة القرن.
والسبب في وقوع الأزمة القربانية، حسب قراءة الربيعو هو السامري صانع العجل الذي كان شبيهاً لموسى، وتوأمه، التوائم نذير أزمة، كانت التوائم تنذر بهلاك المجتمعات البدائية، الفكر البري يضع قائمة بالمصائب التي تحيق بالمجتمعات التي تلد التوائم، وهناك مرويات تقول إن السامري هو غريب بني إسرائيل. الغريب يجب أن يقتل. يمكن أن نجازف بالقول إن الشبه لا يكون في الشكل، وإنما يكون في شبهة الزعامة.
وقد فشل الإعلام السوري في نسب الثورة إلى غرباء فعرض في التلفزيون وافدا مصرياً أول أيام الثورة، وغرباء آخرين، ليوحي بأن المظاهرات خارجية المصدر.
يذكر الربيعو مثالاً ثالثاً عن التضحية القربانية هو بقرة بني إسرائيل العجيبة، الصفراء، التي ليس لها مثيل. وقد نجحت التضحية بكشف الجريمة.
يعتبر ظهور نساء في حفلات مختلطة في مجتمع قبلي محافظ، ربطاً للجنس بالعنف، أو التمهيد له إلى العنفين المقدس والمدنس، جملة الربيعو في كتابه تنقصها الدقة وجودة السبك، وأحياناً يضيع منها المعنى، وليست مثل جملة زميله فاضل الربيعي، وأمثلته مفيدة لكنها نظريات تصيب قليلاً وتخيب كثيراً. التضحية القربانية يقابلها القصاص في القرآن الكريم. والدعاة الثلاثة بمصطلحات العنف المقدس والمدنس، هم آباء، ومكرمون، ومباركون، ويتطهرون، ولهم رمزية كبيرة، فهم أحفاد الصحابة، وليس أقدس من النفس البشرية، ولهذا سيجري التضحية بهم على مذبح العنف المدنس، كمقبلات أو حلوى لوليمة صفقة القرن.
(المصدر: عربي21)