كتب وبحوث

العلمانية في تركيا بين الجمهورية الأولى والثانية

العلمانية في تركيا بين الجمهورية الأولى والثانية

إعداد الشيخ حماد القباج

بناء على استفتاء على تعديلات دستورية جرى يوم 16 أبريل/نيسان 2017، أجيز بموجبه تحول النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي؛ وبفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية التي أجريت يوم 24 يونيو/حزيران الماضي؛ يبدأ في تركيا على يد أردوغان عهد “الجمهورية الثانية”، بعد 94 عاما على تأسيس “الجمهورية الأولى” على يد مصطفى كمال أتاتورك.

وتهدف هذه الدراسة إلى رصد بعض مظاهر التحول الذي طرأ على واقع العلمانية بين الجمهوريتين، كما تحاول أن تجيب على سؤال: هل نجح أردوغان في تحويل العلمانية في تركيا؛ من شاملة راديكالية إلى جزئية معتدلة؟

مفهوم العلمانية:

تُعَرِّفُ “دائرة المعارف البريطانية” كلمة (secularism)[1] بقولها: “هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها”.

ذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا، والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ secularism تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية؛ حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية، وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة.

وظل الاتجاه إلى الـ secularism يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها حركة مضادة للدين[2].

وقد أفضى ذلك التطور إلى تبلور مفهوم للعلمانية يجعل منها تعبيرا عن رفض الإنسان لتدخل الله سبحانه وتعالى في شأنه الخاص؛ كمطعمه وشرابه ولباسه وطريقة عيشه وتمتعه بملذات الدنيا، وفي شأنه العام؛ أي: سياسة الدولة وتدبير الحكم.

فالعلمانية في عمقها ترفض أن تكون لله تعالى أحكام وتشريعات وتكليفات؛ ترتبط بذلك، وترى أنه لا دخل للدين في ذلك كله.

ويقسم الدكتور عبد الوهاب المسيري العلمانية إلى جزئية وشاملة؛ وقد شرح هذين المفهومين ومتعلقاتهما في كتابه “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة”؛ مبرزا أن “العلمانية الجزئية هي: رؤية جزئية للواقع (براجماتية – إجرائية) لا تتعامل مع أبعاده الكلية والنهائية (المعرفية)، ومن تم لا تتسم بالشمول؛ وتذهب هذه الرؤية إلى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة وربما الاقتصاد، وهو ما يعبر عنه بعبارة: فصل الدين عن الدولة.

أما العلمانية الشاملة؛ فهي ليست مجرد فصل الدين أو الكهنوت، أو هذه القيمة أو تلك عن الدولة أو عما يسمى “الحياة العامة”.. وإنما تعني فصل كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية المتجاوزة لقوانين الحركة والحواس عن العالم، أي عن كل من الإنسان (في حياته العامة والخاصة) والطبيعة، ونزع القداسة عنهما ..

كما وضح المسيري بأن هذه العلمانية لا تتردد في استعمال القوة لفرض نفسها وضمان مصالحها؛ كما فعل أتاتورك في تركيا[3].

أتاتورك وعلمانية الجمهورية الأولى:

بدأت ملامح الميولات السياسية للشاب مصطفى كمال؛ تظهر لما كان طالبا بالكلية العسكرية  إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني.

وقد تخرج من الكلية الحربية عام 1902 وانضم إلى الشباب الأتراك الذين تشبعوا بكراهيتهم لحكم السلطان عبد الحميد الذي جمّد العمل بالدستور؛ معتبرا له مكبلا ليديه في مواجهة الأطماع الإمبريالية، في حين أن أولئك الشباب كانوا يرون أن الدستور هو سبب تقدم الأمم الأوربية وتخلف السلطنة العثمانية؛ وأن تجميد الدستور يعني أن السلطان يحكم البلاد بطريقة استبدادية؛ فقام ضباط ينتمون إلى “جمعية الاتحاد والترقي” بعزله عن العرش سنة 1908م.

والجمعية المذكورة: عبارة عن تحالف بين ضباط شباب ومثقفي جماعة “تركيا الفتاة” المتأثرين بأفكار الثورة الفرنسية، وقد انضم إليها أتاتورك سنة 1908م.

وهي حركة علمانية تتكون من عنصرين: اليهود الدونمة، وبعض الأتراك ذوي الأصول الإسلامية، وكانت تسير وفق طقوس الماسونية العالمية؛ قال (سيتون واطسون): “إن الأدمغة الحقيقية في الحركة كانت يهودية مسلمة، وقد جاءت مساعدتها المالية من الدونمة الأغنياء، ومن يهود سلانيك، ومن الرأسماليين العالميين أو شبه العالميين في فيينا وبودابيست وبرلين، وربما في باريس ولندن أيضا.

إن الحقيقة البارزة في تكوين جمعية الاتحاد والترقي أنها غير تركية وغير إسلامية؛ فمنذ تأسيسها لم يظهر بين زعمائها وقادتها عضو واحد من أصل تركي صاف … ولم يكن أحد من الناس يجرؤ أن يتنبأ أن هذه الفئة اليهودية المغمورة المعروفة بالدونمة ستلعب دورا رئيسا في ثورة كان لها نتائج خطيرة في سير التاريخ”اهـ[4].

فصلت تلك العصبة الخلافة عن السياسة، واختارت سلطانا جديدا لم يكن يساوي في نظرهم إلا أحد البابوات المؤقتين، ورأوا أن المناخ لم يتهيأ بعد لإلغاء منصب الخلافة.

أما فكرة الجامعة الإسلامية فقد أبطلها أولئك، ونادوا بفكرة القومية الطورانية، معلنين أن حركتهم تهدف إلى تتريك الولايات العثمانية، وكانوا يقصدون العرب؛ مما دفع العرب إلى التعلق ببريطانيا، ووضع مستقبلهم في يد عميل المخابرات (لورانس)، منادين هم أيضا بالثورة العربية والقومية العربية.

ويذكر (برنارد لويس) أن المستشرقين ومنهم: (الكونت قسطنطين بوزيسكي) الذي ادعى الإسلام، وتسمى مصطفى جلال الدين؛ هم الذين أسسوا فكرة الطورانية[5].

كان أتاتورك ضمن الضباط المتطوعين الذين أرسلتهم جمعية الاتحاد والترقي عام1911م لتنظيم صفوف المقاومة الليبية ضد الاحتلال الايطالي.

وبعد هرب قادة جمعية الاتحاد والترقي الثوريين من إسطنبول بعدما انهارت الدولة على أيديهم؛ توجه أتاتورك إلى الأناضول وبدأ في دعوة المسلمين الأتراك إلى تنظيم المقاومة ضد الاحتلال اليوناني لشرق تركيا وتوحيد صفوف الأتراك لتحرير بلادهم وعاصمتهم وسلطانهم من تحت يد الكفار.

وقد توجت جهود أتاتورك بتأسيس الجمعية الوطنية الكبرى في أنقرة عام 1920م  لتقود الأتراك في حرب الاستقلال الذي أصبحت تركيا بموجبه أول دولة إسلامية مستقلة في القرن العشرين.

كان منصب السلطان قد ألغي، وتحولت صلاحيات رئيس الدولة للجمعية الوطنية التي يتزعمها أتاتورك؛ بينما احتفظ آخر السلاطين بمنصب خليفة المسلمين الشكلي بعد أن انتزعت كل الصلاحيات منه بعد إلغاء السلطنة.

وفي عام 1923 أعلن أتاتورك الجمهورية التركية على الأراضي التي كانت تسيطر عليها الدولة العثمانية عند استسلامها في الحرب العالمية الأولى، عدا الموصل التي ألحقت بالعراق.

وفي عام 1924م ألغى منصب الخلافة وأخرج آخر خليفة عثماني وأسرته من إسطنبول.

وأثار ذالك زوبعة في العالم الإسلامي؛ وكانت جمعية الخلافة في الهند -وهي أكبر جمعية لمسلمي الهند-؛ طلبت من أتاتورك أن لا يلغي الخلافة، وأن يصبح خليفة المسلمين لكنه قابل طلبهم بالرفض.

لقد أراد أتاتورك أن يقطع صلة تركيا بالشرق لأنه يمثل التخلف والرجعية في نظره، وكان يرى ككثيرين بأن تقدم الشعوب الإسلامية وازدهارها يتوقف بالضرورة على تقليد الغربيين؛ فأسس الجمهورية على مشروع تغريبي وعلى مفهوم راديكالي متطرف للعلمانية؛ لدرجة أنه منع لبس الطربوش وفرض اللباس الغربي وأغلق المدارس الدينية وأقام بدلها نظام تعليم غربي، وطبق قانون الأحوال الشخصية السويسري، وألغى العمل بالشرع، كما قام أتاتورك بتغيير أحرف كتابة اللغة التركية من الأبجدية العربية إلى اللاتينية؛ وأوهم الأتراك بأنه استغناء عن الحروف العربية لصالح أخرى تركية لا لاتينية!

ونجح في ذلك لأن الغالبية العظمى من الشعب التركي كانت أمية وتعلمت على يده.

يذكر الكاتب البريطاني (اندرو مانغو) في كتابه عن أتاتورك؛ بأن هذا الأخير في العقد الأخير من عمره؛ أسند مهمات الحكم اليومية لرئيس وزرائه عصمت إينونو وتفرغ هو للإشراف على إعادة كتابة تاريخ تركيا وتصفية اللغة التركية من الكلمات العربية والفارسية واستبدالها بكلمات طورانية أو غربية إن لم يجد لها بديل طوراني؛ وقد أنشأ من أجل ذالك جمعيات متخصصة.

وفي سياق مكافحته الشرسة للكلمات ذات الأصول العربية أصدر عام 1934 قانونا يفرض على الأتراك الحصول على اسم عائلة لا يكون عربيا ولا إسلاميا، واختار هو لنفسه اسم أتاتورك الذي يعني: الوالد؛ أي: والد الأتراك، بينما أطلق على رئيس وزرائه والذي سيصبح رئيس الجمهورية بعد وفاته اسم إينونو.

وفي هذا السياق؛ منع إقامة الأذان بالعربية وأمر أن يقام بالتركية، كما أنه أمر بترجمة القرآن للغة التركية وتلاوته بها.

أصيب أتاتورك بمرض في كبده، وتوفي في نوفمبر عام 1938 في إسطنبول عن عمر يناهز السبعة وخمسين عاما، ودفن في عاصمة جمهوريته أنقرة[6].

وقد جعل حزبه السياسي (حزب الشعب الجمهوري) وقيادة الجيش؛ أوصياء على ضمان استمرار العلمانية الشاملة بصفتها مبدأ راسخا للدولة التركية.

وفي الوقت الذي يكاد يجمع الأتراك على بطولة مصطفى كمال مؤسس الجمهورية، يرى باحثون بأن بطولته مصطنعة تم نسج خيوطها داخل أجهزة المخابرات البريطانية؛ وأنه لا يعدو كونه واحدا من أولئك العساكر الذين صنعتهم -بشكل غير مباشر- الإمبريالية الموجهة من طرف الحركة الصهيونية؛ للإسهام في تمزيق العالم الإسلامي وترسيخ الفصل بينه وبين ودينه وحضارته وباقي مقومات نهضته ..

وجعلت منهم أبطالا حرروا البلاد من الاستعمار، ومن حكم الملوك والسلاطين المستبدين.

مفهوم العلمانية في تركيا أردوغان (الجمهورية الثانية):

في كثير من المناسبات وضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفهومه للعلمانية؛ وهو: أن تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع المواطنين، وأن تصون حقوقهم دون تمييز بينهم بسبب الدين ..

ومن الناحية العملية؛ عمل على تقويض المفهوم الأتاتوركي المتطرف للعلمانية؛ وهي سياسة بدأت مع رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس الذي كان عضوا في حزب الشعب الجمهوري -الذي أسسه أتاتورك- ونائبا عن الحزب المذكور في البرلمان، لكنه اتخذ في عام 1945 إلى جانب ثلاثة نواب آخرين موقفا معارضا لزعيم حزبهم ورئيس الوزراء عصمت إينونو خليفة أتاتورك وحامي ميراثه العلماني.

وهكذا؛ انفصل النواب الأربعة ليشكلوا حزبا جديدا هو الحزب الديمقراطي بزعامة مندريس متحدّين إجراءات منع الأحزاب آنذاك.

في عام 1946 شارك الحزب الجديد في الانتخابات العامة، لكنه لم يحصل إلا على 62 مقعدا، ثم عاد ليشارك في انتخابات عام 1950 ليفوز بأغلبية ساحقة شكل مندريس إثرها حكومة جديدة وضعت حدا لهيمنة حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923.

كان مندريس قد خاض حملته الانتخابية على أساس وعود بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة التي اتخذها سلفه إينونو؛ كجعل الأذان وقراءة القرآن بالتركية وإغلاق المدارس الدينية.

وحينما فاز، قام مندريس بإلغاء هذه الإجراءات؛ حيث أعاد الآذان إلى العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم، كما قام بحملة تنمية شاملة في تركيا شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرقات والجسور والمدارس والجامعات.

أسهمت إصلاحات مندريس في تطوير الحياة الاقتصادية في تركيا حيث تقلصت البطالة وتحررت التجارة وعاش الناس فترة استقرار سياسي إلى جانب تراجع حدة التوتر الذي كان سائدا بين السكان والدولة بسبب الإجراءات المناهضة للإسلام ومظاهر التدين والعبادات.

مع نهاية عقد الخمسينيات كانت إجراءات مندريس الداخلية قد استفزت القوى العلمانية التي تمكنت من حشد قوى اجتماعية لاسيما داخل الجامعات والجيش لمعارضة سياسات الحكومة؛ فوقعت أحداث شغب ومظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة، وقام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجا على سياسات مندريس.

في صباح 27 مايو/أيار عام 1960 تحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، حيث سيطر على الحكم 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسيل، وأحال الانقلابيون 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.

بعد محاكمة صورية تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حكم بالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو ووزير ماليته حسن بلاتقان، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.

بقي الجيش وصيا على السلطة قادرا على التدخل في الشأن السياسي، حتى تمكن الرئيس رجب طيب أردوغان من إنهاء المهام السياسية غير الدستورية لهذه المؤسسة الجمهورية العلمانية وإعادتها للثكنات لتتولى مهامها القانونية؛ وهكذا بدأ القادة العسكريون يغيبون عن الساحة السياسية منذ سنة 2010 بعدما كانوا قطبا أساسيا في السلطة.

وقد ظهرت بوادر الخلاف بين الجيش وأردوغان منذ وصوله للحكم بعد فوز حزبه “العدالة والتنمية” بالغالبية في الانتخابات البرلمانية، ليصبح رئيسا للوزراء في 2003؛ ولغاية 2014 عندما ترشح وفاز بمنصب الرئيس، وبصلاحيات واسعة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الجيش التركي تدخل أربع مرات لإقالة حكومات بذريعة “ضمان الدولة والبلاد”؛ وذلك في سنوات: 1960 و1971 و1980 و1997.

وكانت محاولة الانقلاب الفاشلة ليل الجمعة/السبت 15 يوليو/تموز 2016، الخامسة في تاريخ تركيا الحديثة.

وقد اعتبر محللون فشل هذه المحاولة؛ انتصارا لأردوغان على الاستبداد العسكري الذي اعتبر وصيا على العلمانية الشاملة التي جعلها أتاتورك من أساسيات نظام الحكم في الجمهورية التركية الأولى ..

وقد وصف انتصار أردوغان على الجيش؛ بالانتصار في حرب تركيا الثانية من أجل الاستقلال.

مؤشرات التحول من العلمانية الشاملة إلى العلمانية الجزئية:

يستطيع الباحث أن يرصد موقف أردوغان المناهض للعلمانية الشاملة من خلال المؤشرات التالية:

1 عمل -ولا يزال-؛ على استرجاع الهوية الإسلامية العثمانية للجمهورية التركية، بدل الهوية القومية العلمانية الأوربية التي حاول ترسيخها أتاتورك.

وفِي الوقت الذي عمل فيه أتاتورك على قطع علاقة الجمهورية التركية

مع الدولة العثمانية؛

فإن أردوغان عبر في عدد من المناسبات بأن الجمهورية التركية هي امتداد للخلافة العثمانية؛ وأكد ذلك في تظاهرة نظمت قبل شهور بمناسبة مرور 100 سنة على وفاة السلطان عبد الحميد الثاني.

2 وحسب تقرير لوكالة “بلومبرج” الأمريكية [7]يرصد بعض أعمال أردوغان لتخليص الجمهورية من العلمانية؛ فإن أردوغان قام ببناء آلاف المساجد الجديدة، وتتضمن مسجدا داخل القصر الرئاسي الجديد.

كما رصد التقرير زيادة عدد الطلاب في مدارس “الإمام خطيب” الإسلامية، التي درس فيها أردوغان نفسه؛ إلى ما يزيد عن (1.1 مليون) طالب خلال العام الماضي، مقارنة ب: (71 ألف) فقط في 2002، عندما صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.

وقد أعاد أردوغان تدريس القرآن والحديث النبوي في مدارس الحكومة طوعا، فاختارهما طلاب المدارس باستفتاء بلغ 91%.

3 وقد أنجز (دارين بتلر) لقسم الدراسات والتحقيقات بوكالة (رويترز)؛

دراسة حول “مدارس تعليم الدين الإسلامي”[8]؛ تضمنت المعطيات التالية:

1 ارتفع عدد الطلاب الملتحقين بمدارس “الإمام خطيب”؛ بشكل قوي منذ عام 2012.

2 تمثل اليوم دروس التعليم الديني حوالي ربع إلى ثلث المناهج الدراسية في المتوسط.

3 تهدف الحكومة إلى مضاعفة إنفاقها على المدارس الدينية العليا إلى 6.57 مليار ليرة (1.68 مليار دولار) هذا العام؛ وهو ما يقارب ربع الإجماليالمخصص لجميع المدارس العليا في جميع الولايات.

4 وقد نقلت الدراسة عن الرئيس التركي قوله: “نريد خلق جيل مؤمن لتغيير الأمة وبناء حضارة جديدة؛ لذا فإن الحكومة تدعم المدارس التي تعلم القيمالإسلامية”.

وقال أردوغان للأطفال وهم يلوحون بالأعلام في احتفال بمناسبة إعادة فتح مدرسة: “إن الهدف المشترك لكل مؤسسات التعليم ولنظامنا التعليمي هوتربية المواطنين على احترام تاريخهم وثقافتهم وقيمهم”.

وقال أردوغان إن أحد أهدافه هو تشكيل “جيل دين” في تركيا ذات الأغلبية.

جاء في التقرير:

“وقد أكدت خطاباته الأخيرة على تاريخ تركيا العثماني والإنجازات المحلية على الأفكار والتأثيرات الغربية.

إن إحياء الإمام الخطيب، أو الإمام والواعظ؛ هو جزء من حملة أردوغان لوضع الدين في قلب الحياة الوطنية بعد عقود من الهيمنة العلمانية، ومدرسته القديمة هي مجرد مستفيد واحد من برنامج حكومي لضخ مليارات الدولارات في التعليم الديني”.

4 كما تمكن أردوغان من استرجاع حريات وحقوق المحجبات وغيرهن من الفئات المتدينة التي عانت من العلمانية الأتاتوركية؛ وفي هذا السياق: صدر مرسوم يجيز ارتداء الحجاب في الوظائف الرسمية وفي الجامعات الحكومية ودار القضاء.

5 وأكد تقرير نشرته مجلة (le point) الفرنسية بتاريخ: 18/7/2018؛

بأن تركيا دخلت منذ سنة 2000 إلى حيّز الدول المسوقة لمنتوج السياحة الحلال؛ وهو نوع من السياحة يتحرى مواصفات معينة في البرنامج السياحي تجعله أقرب إلى أحكام وآداب من الشرع الإسلامي تفتقدها برامج السياحة السائدة؛ وحسب التقرير المذكور فإن تركيا أصبحت رائدة في هذا النوع من السياحة؛ وأنها تحتل المرتبة الرابعة بعد ماليزيا وأندونسيا والإمارات.

6 وحسب تقرير منشور في مجلة (les observateurs)  بتاريخ: 1 ماي 2018؛

فإن أردوغان قام بتأسيس مدارس دينية؛ “ويشجع التعليم الإسلامي في المدارس  لتشكيل جيل جديد من المسلمين الملتزمين”.

جاء في المجلة ما ترجمته:

“نظام التعليم هو أحد أركان خطة أردوغان لنشر الشريعة حتى خارج الحدود التركية؛ من خلال وزارة الشؤون الدينية، و من خلال وزارة التربية والتعليم، يرجع الهوية اللغوية التي قمعتها الثورة الكمالية.

وكانت إعادة الأسلمة لهذه الأراضي؛ من خلال بناء المساجد ودعم معاشات الأئمة، مصحوبة باستثمارات ثقافية لإعادة دراسة الثقافة العثمانية في المدارس والجامعات”.

وقد اعتبر هذا التقرير بأن أردوغان يشكل تهديدا للجمهورية التركية كما أسسها مصطفى كمال أتاتورك؛ حيث جاء فيه:

“وقد تناول أردوغان هذه الأفكار، التي طورها على مدى العقد الماضي وزير خارجيته داود أوغلو، حتى إقالته في عام 2016.

وقد رأى مؤسس تركيا الحديثة العلمانية مصطفى كمال أتاتورك الإسلام على أنه عامل زعزعة الاستقرار.

في المقابل: يعتقد خلفاؤه من أوزال حتى أردوغان أن الإسلام يمكن أن يكون عنصراً من عناصر التجمع والتماسك الاجتماعي”.

وفي إشارة إلى عصر الإمبراطورية العثمانية؛ قال أردوغان: “أولئك الذين يعتقدون أننا نسينا الأرض التي طردنا منها بالدموع منذ مائة عام؛ مخطئون”.

وقد كرر في كل مرة سنحت له الفرصة أن سوريا والعراق وأماكن أخرى؛ “هي كلها على الخريطة الجغرافية لقلوبنا، وهي لا تختلف عن وطننا.

نحن نقاتل من أجل ألا يطفو علم أجنبي في أي مكان يُتلى فيه الأذان”.

وقال الزعيم التركي: “في عام 1923 “باعت تركيا” الجزر اليونانية “التي كانت ملكنا” وحيث “لا تزال مساجدنا فيها”.

وقال أردوغان إن الموعد النهائي لعام 2023 ، الذكرى المئوية للجمهورية التركية ومعاهدة لوزان، التي أسست الحدود التي نطالب اليوم بإعادة تشكيلها”.

(يشار إلى أن هذا التقرير من إعداد: (ألون بن مئير) و(أربانا إكسهارا)؛ وهي مؤلفة سلسلة من التقارير التحريرية عن المتطرفين الدينيين والبرنامج الإسلامي لتركيا في البلقان.

فازت بالعديد من الجوائز لتقاريرها وحصلت في عام 2015 على جائزة المرأة الدولية الشجاعة الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية).

7 وتحت عنوان: “أردوغان يواصل “حربه” ضد العلمانية في تركيا”؛ نشر موقع (فرانس 24) خبرا قال فيه: “فتح رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان جبهة جديدة في الحرب بين حكومته الإسلامية المحافظة وعلمانيي تركيا بإطلاقه وعدا بالعمل على منع مساكن الطلاب المختلطة باسم الدفاع عن الأخلاق.

وبعدما تم التطرق إلى هذا الملف في اجتماع مغلق لحزبه العدالة والتنمية شن أردوغان هجومه علنا أمام البرلمان الثلاثاء، حيث بدأ عدد من النواب النساء منذ أسبوع بالحضور إلى البرلمان محجبات.

وقال أردوغان في كلمته الأسبوعية أمام نواب حزبه: “لم ولن نسمح باختلاط الفتيات والفتيان في مساكن الدولة”.

8 وفي خطوات رمزية: أنار أردوغان أكبر جسر معلق في العالم على شواطئ البحر الأسود بأضخم إنارة تضمّ حروف كلمة “بسم الله الرحمن الرحيم”.

وأطلق مسيرة مكونة من عشرة آلاف طفل مسلم بلغوا السابعة من العمر يجوبون شوارع اسطنبول معلنين بلوغهم سن السابعة متفاخرين بأنهم سيبدؤون أداء فرض الصلاة وحفظ القرآن.

قال نابي أوجي (مستشار أردوغان ووزير الثقافة والسياحة الأسبق): “تركيا تتغير؛ لكن يحدث ذلك بدون أي حاجة إلى تدمير جمهورية أتاتورك أو الديمقراطية التركية التي ظهرت منذ وفاته”.

 

[1]  تقدم كلمة العلمانية على أنها ترجمة لكلمة (secularism)؛ والترجمة الصحيحة لهذه الكلمة هي: اللادينية، أو الدنيوية.

[2]  انظر: كتاب “العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة” للدكتور سفر الحوالي (ص 7).

[3]  انظر: كتاب “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة” للدكتور عبد الوهاب المسيري (ج 1 / ص 169-171).

[4]  القومية والغزو الفكري: 269-270.

[5]  الغرب والشرق الأوسط برنارد لويس: ص 127.

[6]  المعلومات المتقدمة عن أتاتورك مستقاة من: كتاب “أتاتورك” للكاتب البريطاني (أندرو مانغو) (ANDREW MANGO)، وتذييل الدكتور إحسان حقي على كتاب “تاريخ الدولة العلية العثمانية” للأستاذ فريد المحامي ومصادر أخرى.

[7]  منشور في موقعها الإلكتروني.

[8]  نشرت هذه الدراسة باللغة الإنجليزية بتاريخ:  25 يناير 2018؛ تحت عنوان: “مع المزيد من التعليم الإسلامي، يهدف أردوغان إلى إعادة تشكيل تركيا”.

 

 

(المصدر: موقع الشيخ حماد القباج)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى