مقالاتمقالات مختارة

العلماء وقضية القدس وفلسطين .. بقلم د. وصفي أبو زيد

العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وقد أقام الله العلماء أمناء على وحيه، واستحفظهم عليه بعد وفاة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتضى هذا الاستحفاظ أن يقوم العلماء بوظائفهم؛ تبليغا للدعوة، وإقامة للحجة، ودفعا للشبهة.

ولا شك أن قضية القدس وفلسطين من أهم قضايا الأمة الإسلامية التي يقاس (ترمومتر) الأمة الإيماني بها، ومحور الصرع في الأمة، بل هي مناط تحقيق سنة المدافعة بين الحق والباطل الذي يتجلى في القتال الدائر بين مشروع الصهاينة والإسلام.

والذي يجري الآن على أرض فلسطين من تهويد واغتصاب للحقوق والحريات، والأرض والعرض .. يوجب على العلماء القيام بواجبهم نحو هذه القضية المقدسة، التي تستمد قداستها من وجود بيت المقدس والأقصى الشريف.

نماذج من جهاد العلماء لفلسطين:

وقد قام العلماء قديما بواجبهم نحو هذه القضية المحورية من قديم، وتتابعوا بعضهم بعد بعض، متمثلين قول الشاعر العربي القديم:
إذا سيدٌ منا خلا قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول

ها هو العالم المجاهد الحر عز الدين القسام الذي ولد بسوريا وتعلم في الأزهر الشريف، وكان يعتبر الاحتلال البريطاني العدو الأول لفلسطين، ويدعو أيضا إلى محاربة النفوذ الصهيوني الذي كان يتزايد بصورة كبيرة، وظل ينادي الأهالي إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والشقاق حتى تقوى شوكتهم.

وكان يردد دائماً أن المقاومة هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الانتداب البريطاني والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين، في وقت لم يكن فيه أسلوب الثورة القتالية أمرا مألوفا للحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك، حيث كان نشاطها يتركز في الغالب على المظاهرات والمؤتمرات.

ولما شعر الاستعمار الإنجليزي بخطورته اغتاله بعد أن دارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، سقط الشيخ عز الدين القسام وبعض رفاقه فيها شهداء في نهايتها يوم 20 نوفمبر 1935م، وجرح وأسر الباقون، وكان لاستشهاده أثر هائل في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك، وكان (عز الدين القسام) هو الاسم المناسب الذي يتسمى الجناح العسكري لحركة حماس به (كتائب عز الدين القسام).

وهذا العلامة الفقيه الدكتور مصطفى السباعي الذي كان عالما متمكنا؛ حيث تعلم في الأزهر الشريف وحصل على درجة العالِمية منه، وهو ممن شاركوا في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وكذلك الاحتلال الإنجليزي في مصر، وقاد الكتيبة السورية في حرب فلسطين عام 1948. أصدر عددا من المجلات، وألف كتبا، وكان له حضور واضح في الحياة البرلمانية في سوريا، حتى توفي عام 1964م.

وقد قاد الإمام حسن البنا الكتائب لمواجهة الصهاينة وتحرير فلسطين عام 1948م، وكان هذا سببا مباشرا لاغتياله وهو ما يزال شابا؛ حيث استشهد في 12 فبراير 1949م عن 42 عاما.

ولعلماء فلسطين أثر يذكر فيشكر حتى تبلور في رابطة تجمع عملهم وأنشطتهم وجهادهم في الداخل والخارج، هي رابطة علماء فلسطين في الداخل، وهيئة علماء فلسطين في الخارج، ولها مواقف مشرفة من قضية فلسطين وقضايا الأمة كلها.
وهاهم علماء الأمة يقيمون مؤتمراتهم العلمية، ويكتبون بياناتهم الشرعية فيما أهم فلسطين من أمر دينها ودنياها، وبخاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي ترمب باعتماد القدس عاصمة للصهاينة، وهو ما جعل العلماء يتداعون لرفض ذلك والتحريض ضده واستنهاض الشعوب لرفض هذه الخطوة واستنكار هذا القرار االمخالف للشرائع والحقائق والأعراف والقوانين الدولية.

ثم ها هم يصدرون ميثاقهم لمقاومة موجة التطبيع التي يسارع لها كثير من المسلمين اليوم حتى انتهت بزيارات للبعض إلى الأرض المحتلة .. أصدر علماء الأمة ميثاقهم الذي يرفضون فيه هذا التطبيع فبينوا مفهومه وصوره وأشكاله، وحكمه الشرعي، وذكروا مفاسده على الأنحاء كافة، ورسموا به الطريق أمام الأمة بشرائحها كافة ليقوم كل بواجبه، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيَّ عن بينة، وإن الله لسميع عليم.

وسوف يظل العلماء يبينون للناس حكم الشرع في المستجدات والنوازل، وبخاصة ما يتعلق بقضيتنا الأولى فلسطين، ينفون عن الدين تأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، والله متم نوره ولو كره الكافرون، ولينضرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

(المصدر: مجلة كلمة حق)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى