العامية والمدارس الأجنبية وشبكات التواصل الاجتماعي معاول هدم اللغة العربية
إعداد عمر الكومي
الدكتور مدكور الذي يشغل في الوقت نفسه منصب الأمين العام لاتحاد المجامع العربية رأى خلال حواره مع “الأمة ” في تباين وجهات النظر حيال مستقبل العربية بين متشائم ومتفائل مؤشرا سلبيا علي لغة القرآن الكريم التي تحتاج لنظرة كلية تستوعب ايجابيات المتفائلين وتضع في الاعتبار تخوفات المتشائمين بشكل يوصلنا لصياغة إستراتيجية شاملة تنصر العربية وتعيدها لقمة المشهد شأنها شأن جميع اللغات في بلدانها .
الأمين العام لمجمع الخالدين حاول تجاوز محطة التشاؤم حيال واقع ومستقبل العربية عبر كشفه خلال الحوار عن اهتمام إسلامي كبير وفي قوي دولية صاعدة باللغة العربية عبر افتتاح معاهد لتدريسها وحض الناشئة علي تعلمها وبل وصولا لمرحلة التقديس كما يجري في بلدان إسلامية عديدة مثل إندونيسيا وماليزيا وبين مسلمي الهند والبلدان الإسلامية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي بشكل قدم دليلا علي أن العربية لغة صلبة وصامدة وقادرة علي مواجهة النزالات التاريخية في عصر صراع الحضارات .
وكشف الدكتور مدكور عن جهود يبذلها مجمع اللغة العربية لتقديم مشروع قانون لحماية اللغة العربية يدور في فلك التدرج لمرحلة زمنية قبل إلزام مؤسسات الدولة به بشكل يحمي العربية وينزلها منزلتها حتى لا تضيع لغتنا الأم في معاقلها باعتبار أن الوضع الحالي للعربية وبدون وجود قانون ملزم لحمايتها يكرس غربتها وتيهها بين أهلها .
الحوار مع الأمين العام لمجمع اللغة العربية تطرق لقضايا عديدة.. تابعوا التفاصيل في السطور التالية:
¤ هناك انقسام بين المهتمين باللغة العربية بين فريقين فهناك من يري أن العربية تتجه لنفق مظلم فيما يتبنى التيار الآخر نهجا تفاؤليا تجاه مستقبلها ؟
¤¤ أري أن كل فريق من الطرفين ينظر للقضية من جانب واحد فقط فالمتشائمون يرون أمورا كثيرة تهدد “العربية” ومنها علي سبيل المثال شيوع اللهجة العامية في مواقع الخطاب الإعلامي وعلي شبكات التواصل التي تجمع بين العامية واستخدام كلمات أو حروف أرقام أجنبية فضلا عن مدارس اللغات التي تدرس فيه جميع المقررات باللغات الأجنبية وتصاعد مخاطر الغزو الموجه للعالم العربي من خارجه حيث تطغي الانجليزية علي بعض الدوائر التي تخاطب الرأي كالبنوك والسفر والطيران وغيرها من المؤسسات وكل هذه التطورات تمثل ضغطا شديدا علي العربية والتي تزاح عمدا وقصدا عن أماكن كثيرة يفترض أن تتبوء فيها الصدارة فيها علي نحو ما لما يحدث مع كل لغات الأرض ولعل من ينظر لهذا الواقع يشعر بالخوف علي “العربية” التي تفقد مواقعها في مواطن الاستعمال ناهيك عن المخاطر السياسية التي ألمت بالمنطقة وكان لها تداعيات شديدة السلبية حيث خرجت العربية من شمال العراق وحلت محلها الكردية وهو ما تكرر في جنوب السودان لصالح الانجليزية.
¤ غير أن هذا الواقع المرير لا ينفي أن هناك فريقا معتبرا يري في العربية لغة المستقبل ويعتبرها قادرة علي مواجهة التحديات؟
¤¤ المتفائلون بمستقبل مشرق للعربية ينظرون للجانب المشرق من الصورة والمتمثل في الاهتمام الشديد بها في عدد من بلدان العالم الإسلامي حيث تحظي بعناية لا نجد نظيرا لها في بلداننا نفسها حيث تنشأ المدارس لتدريسها وينظر إليها كلغة شريفة ومقدسة كون القرآن نزل بها وهي لغة الرسول صلي الله عليه وسلم و لغة العلماء والأئمة الذين كتبوا في فروع العلم المختلفة و أسهموا في إغناء اللغة ووضع قواعدها والكتابة والتعليم بها مما أضفي علي العربية طابعا علميا أسهم في نشرها وتيسير النطق بها.
¤ هل أسهم النظر للعربية كلغة شريفة في زيادة الاهتمام بها؟
¤¤ بمناسبة اللغة الشريفة أذكر أنني كنت أشارك في مؤتمر علمي بالهند وعندما حان وقت صلاة الجمعة ذهبنا للصلاة وشهدت موقفا لم أعهده في حياتي حيث ألقي خطيب الجمعة الخطبة مرتين احدهما باللغة المحلية وهو يقف بين المصلين علي الأرض والمرة الثانية ألقي نفس الخطبة باللغة العربية من علي المنبر وهو ما استرعي انتباهي فبادرت الإمام بالقول لماذا صعدت المنبر في الثانية فرد بشكل حاسم: “هذه لغة شريفة مقدسة لا يخطب بها علي الأرض” في تأكيد علي المكانة العظيمة التي تحطي بها العربية في بلدان عديدة في العالم الإسلامي.
¤ هل لكم أن تعدد لنا ماهر الاهتمام بالعربية في بلدان العالم الإسلامي وبقاع أخري؟
¤¤ لا يقتصر الاهتمام بالعربية في الهند فقط بل هناك اهتمام مماثل في كل من إندونيسيا وماليزيا والجمهوريات الإسلامية التي كانت تابعة الاتحاد السوفيتي السابق وبلدان الاتحاد الأوروبي والصين وإن كان بشكل أقل لأسباب مختلفة سياسية واقتصادية حيث تدرس العربية في أقسام بالجامعات والكليات ويمنح الدارسون شهادات عليا في الأدب العربي ومن ثم فالعربية تشغل العالم ولأسباب متعددة سياسية أو ثقافية أو علمية أو كدراسات تقوم علي مقارنتها باللغات الأخرى ومن ينظر إلي هذا التوجه لدراسة ” العربية ” يجزم بأنها قادرة علي الصمود علي النزال التاريخي مع نظيراتها من اللغات الأخرى. .
¤ ما دلالة انتشار العربية في بلدان العالم الإسلامي ومناطق مختلفة من العالم؟
¤¤ هذا تأكيد علي قدرة اللغة العربية علي الصمود وعلي النزال التاريخي مع غيرها من اللغات بوصفها لغة وارثة لتراث الحضارات الكبرى مثل الفارسية والهندية واليونانية والسوريانية واللاتينية والنبطية وغيرها من اللغات التي ترجم تراثها للعربية وأبدع فيها العلماء بعد استيعاب هذا التراث ثم ألفوا في كل هذه العلوم لدرجة أن كتبا عديدة من هذا الإبداع كانت تدرس في أوروبا نفسها إلى مشارف العصر الحديث.
¤ في هذا السياق ما هو المطلوب من كل المتفائلين والمتشائمين لنصرة لغة القرآن الكريم؟
¤¤ كل ما سبق من عرض يفرض علي كل من المتفائلين والمتشائمين اجتماع النظرتين بشكل كلي لتقوية العوامل المؤدية لنصرة “العربية ” والتمكين لها علي ألسنة أهلها دون تغافل عن التحديات ووضع الخطط العلمية لمواجهتها والتقليل من تداعياتها السلبية علي لغة القرآن الكريم حتى يكون للعربية مكانة في بلادها تماثل مكانة كل اللغات في بلدانها.. من ثم فالنظرة الجزئية حيال مصير لغة القرآن الكريم لا تشكل نصرة لها ولكن علينا نصرتها ومقاومة ما يواجهها من مشكلات بشكل واقعي وشامل.
¤ التحديات التي تواجهه العربية تطرح تساؤلا عن أهداف الحرب الدائرة علي العربية لإخراجها من المشهد في وقت يعاني العرب والعربية من ضعف سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي؟
¤¤ الحرب التي تشن هنا لا تقتصر علي اللغة وحدها ولكنها جزء من صراع حضارات بين أمم متعددة وأمتنا العربية والإسلامية حيث تخشي هذه الأمم من استفاقة أمتنا يوما ما وتصديها” بقوة لكل محاولات الهيمنة عليها واستنزاف ثرواتها بحيث لا تقوم لها قائمة بين الحضارات الكبري التي تتحكم في العالم ومن المهم الإشارة هنا لما تردد في نهاية القرن العشرين من نظريات تتحدث عن نهاية التاريخ كفرانسيس فوكاياما وصراع الحضارات لصموئيل هنتنجتون الذي بين أن الحضارات الغربية تواجه حضارات عديدة يمكن التفاهم معها وأخري تمثل خطرا من وجهة نظره علي الحضارة الغربية ومنها الحضارتان الصينية والإسلامية غير أن الحضارة الصينية يمكن التفاهم معها واحتواؤها خصوصا بعد تخليها عن أسس مهمة من النظرية الماركسية وسلوكها سبيل التقدم الذي يستفيد من آليات عديدة في الحضارة الغربية.
¤ هذا يعني أن الحضارات جميعها يمكن التعامل معها باستثناء الحضارة الإسلامية التي تشكل اللغة العربية الوعاء الأهم لها؟
**الأمة الإسلامية تمتلك تجربة تاريخية عريقة كانت الحضارة العربية والإسلامية تقود عبرها العالم كله أكثر من خمسة قرون وكانت العربية فيها هي لغة العلم والتقنية والثقافة بحيث كان الناس يأتون لمواطن العلم في العالم الإسلامي لنيل الشهادات العلمية كالأندلس وبلاد المغرب الإسلامي وفي حواضر مختلفة مثل القاهرة ودمشق وبغداد كما نفعل نحن حاليا ويتم ابتعاث أبنائنا للحصول علي الشهادات العليا من إنجلترا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة واليابان فضلا عن أن الحضارة الإسلامية تمتلك عقيدة أخرجت المنطقة العربية من ضعفها الذي كانت ترزح تحته قبل الإسلام وحولتها لإمبراطورية كبيرة لم تكن علي وفاق مع الحضارة الرومانية
¤ كأن الحملة محاولة لإيقاف الأمة إبقائها أسيرة التخلف والجهل؟
¤¤ بالطبع لأن هناك تاريخا من المواجهات بين الحضارتين صبت بعض جولاتها في صالح أمتنا بحيث امتدت هذه الحضارة لمناطق شاسعة من أوروبا والبلقان وأجزاء من فرنسا ثم وقع فيها بعض الضعف خلال الحروب الصليبية لكنها انتهت بإخراج هؤلاء القادمين من أوروبا لبلادهم وتلا ذلك فترة ضعف تغير أمره علي يد الدولة العثمانية التي هددت أوروبا مرتين واستولت علي البلقان والمجر وبلغاريا وأجزاء من النمسا علي نحو يندر بأن مثل هذه الأمة- إذا أخذت بأسباب القوة وطبقت السنن الإلهية والتي تحدث عنها القرآن الكريم في قيام الحضارات وانهيارها- قادرة علي مواجهة كل سبل الهيمنة التي توجه إليها منها الحضارات الأخرى ولاسيما الحضارة الغربية..
¤ حديثك يشير إلي أن احتمالات نفض الأمة العربية لغبار الضعف هو من يقف وراء الحملة علي لغتنا؟
¤¤ الأمر يخضع لظروف المد والجذر في علاقة الحضارة الإسلامية بهذه الحضارات ثم توجيه كل أسباب النصرة سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أم ثقافية لمواجهة ما يجري ضدنا وفي هذا السياق يمكننا تفسير الحملة علي العربية ومقارعتها بوصفها الرابط الجامع بين شعوب الأمة العربية واللغة الموقرة في العالم الإسلامي وأضعافها حتى تتبدد هذه الرابطة ويتحول العرب لشعوب متفرقة يسهل ابتلاعهم.
¤ ما ذهبت إليه يشير إلي أن الحرب عي العربية ستستمر لفترة ممتدة ولن تتوقف؟
¤¤ الأمر ليس متعلقا بالماضي بقدر ما هو متعلق بالحاضر والمستقبل في ظل التجاذب والعلاقات المتأزمة بين الحضارات ووجود رغبة جمة وضغوط قاسية لإقصاء العربية في بلادها مما أسهم في تدني وضعها بين الناطقين بها وتراجع قيمتها إذا ما قورن وضعها بالاهتمام التي تلقاها أي لغة بين قومها وهو ما يزيد من قلقنا حيال مستقبل هذه اللغة المقدسة.
¤ يعتبر الكثيرون أن اللغة العربية تضررت بشدة من وجود شبكات التواصل الاجتماعي فهل تدعم هذا الطرح؟
¤¤ حتى الآن لا توجد كلمة فصل لحسم تضرر العربية من هذه الشبكات من عدمه فهذا الأمر يحتاج لدراسات علمية متعمقة تتبع مظاهر هذا التأثير السلبي والايجابي لشبكات التواصل الاجتماعي علي العربية وصولا لتحديد النتائج المترتبة علي ذيوع هذه المواقع وما حملته من تداعيات ولكن وبصفة عامة واعتمادا علي بعض البحوث التي حاولت تقصي الأمر يمكن القول إن ضررا قد أصاب “الفصحى” في معاناتها من حالة إقصاء في هذه الشبكات وهيمنة اللغات الأجنبية خصوصا الانجليزية عليها وسيطرة العامية علي لغة التخاطب علي شبكات التواصل الاجتماعي فلغتنا العربية مقصة في هذا الجانب بل إنها غريبة علي المتعاملين في نطاقها حتى العربية باللهجة العامية تشكل جزء محدودا من التخاطب علي شبكات التواصل
¤ ولماذا أقصيت العربية إذن عن هذه الشبكات شديدة الأهمية؟
¤¤ المتعاملون في نطاق هذه الشبكات لا دراية لهم بالفصحى من حيث قواعدها وأسسها ولا توجد لديهم الرغبة في إجادة هذه الفصحى ولا نشرها علي هذه الشبكات بل لديهم نظرة استهانة لهذه اللغة بوصفها لديهم لغة صعبة ومعقدة وليست سهلة في الاستعمال ووجود حالة من عدم الثقة في قدرة الفصحى علي توصيل المعارف والمعلومات والمشاعر للطرف الأخر ناهيك عن افتقادهم لحصيلة لغوية تقربهم من الاستخدام الصحيح.
¤ وعلام يعود افتقاد المتعاملين علي هذه الشبكات لهذه الحصيلة اللغوية؟
¤¤ يعود لقصور في المناهج التي تعلموا من خلالها العربية ونقص الوقت المخصص لتدريسها في نطاق التعليم وأيضا علي نطاق هيمنة العامية علي وسائط الإعلام وتفضيلها في التخاطب مع الرأي العام بشكل كرس إقصاء لهذه اللغة الفصحى من مجال حيوي وأقول بصراحة لو تواجدت هذه الثقة وتعززت لاكتسبت الفصحى حقلا جديدا في شبكات التواصل الاجتماعي بشكل أسهم في إحيائها في نفوس مستخدميها وهو ما نفتقده حتى الآن ولا توجد أي مؤشرات علي أن وضع العربية علي شبكات التواصل الاجتماعي يسير في الاتجاه الصحيح.
¤ علي ذكر افتقد الثقة في قدرة العربية علي توصيل المشاعر فهل العربية فعلا عاجزة أيضا عن استيعاب العلم والتكنولوجيا؟
¤¤ اللغة تمثل أهلها فإذا كان أصحاب اللغة ضعفاء وغير قادرين علي الإسهام في العلم والتكنولوجيا فأن اللغة هي مرآة عاكسة لقومها ومعني ذلك أن اللغة ليست في ذاتها هي الضعيفة بل أصحابها هم الضعفاء و إذا نظرت للكليات العلمية كالطب والهندسة والصيدلة وغيرها فستجد إن القائمين علي التدريس فيها بعيدون عن العربية واستخداماتها وبل ليست هذه المسالة من شواغلهم أصلا واللغة لا تنمو إلا بالاستخدام ولو نجحنا في إلزام هؤلاء بدراسة شيء من العربية وكلفناهم أن يقدموا ملخصات لبحوثهم باللغة العربية فإن ذلك سيؤدي إلى ترويض اللغة العربية للاستخدام في نطاق العلم والتكنولوجيا .. أم ان تكون اللغة مستبعدة من التدريس من البحث العلمي ثم نتهم هذه اللغة بأنها ضعيفة فهذا أمر مجاف للصواب ويفتقر للمنطق
¤ في حديثك إشارة قوية إلي أن العربية قادرة علي احتواء التكنولوجيا والعلم واستيعابهما بشكل ميسور؟
¤¤ هناك نظرتان تتعلق بقدرة العربية علي استيعاب العلم والتكنولوجيا الأولى قديمة تتعلق بقدرة لغتنا علي استيعاب جميع العلوم وتوطينها في جميع بقاع الأمة وهو ما تمثل في حركة الترجمة من اللغات غير العربية للعربية حيث ترجمت مؤلفات في الطب والهندسة والفلك والصيدلة والرياضيات من الهند والفرس والسوريان واليونان وحملت العربية كل هذه العلوم المترجمة بهمة علماء وضعوا علي عاتقهم تزويد العربية بالمصطلحات والموضوعات التي تضمنتها كل هذه العلوم بل أنهم استطاعوا دون إبطاء إبداع مؤلفات بلسان عربي في نفس علوم المواد المترجمة بعد أقل من عام من الترجمة خصوصا في العصر العباسي الأول في تأكيد علي قدرة العربية علي استيعاب المترمة وتوطينها في بلادنا.
¤ إذا كانت العربية قادرة علي استيعاب العلم والتقنية، وعلي دعم توطين التكنولوجيا.. فما الأزمة أذن؟
¤¤ لو نظر العلماء للعربية علي أنها لغة عاجزة في السابق لما تمكنوا من الإبداع العلمي في كل هذه العلوم ولما وجدنا الكندي في القرن الثالث يكتب في الرياضيات كتبا جعلته من أهم 12 عالما في هذا المجال الحيوي علي مستوي العالم ولما وجدنا ابن الهيثم متفوقا في “الطبيعة ” حيث ألف كتبا وأجري تجارب علمية كانت فاتحة التطور في علوم الطبيعة في العصرين الوسيط والحديث بل أنه أي ابن الهيثم كان شخصية العالم في الطبيعة العلمية في عام 2017 ووجدنا كذلك ابن سينا يكتب في الطب وكتابه القانون الذي كان يدرس في أوروبا لمدة 5 قرون أما بالعربية أو بالترجمة اللاتينية ووجدنا ابن البيطار ومؤلفاته في التشريح واختراع أدوات الجراحة لم يسبقه إليها.
¤ تطرقت للنظرة القديمة في التعامل مع العربية، دون الإشارة إلى قدرتها علي تحقيق انجازات في العصر الحديث.
¤¤ العصر الحديث شهد انجازات مماثلة علي هذا الصعيد فالشيخ رفاعة الطهطاوي الذي وضع أساس كلية الألسن في العصر الحديث وأسس علم الترجمة وكان يكلف أعضاء البعثات العائدة من فرنسا بترجمة كتاب من الفرنسية عن العلم الذي درسه وإبلاغهم أنه بدون تر جمة هذا المؤلف لن يسمح لهم بدخول مصر ولو أننا سرنا علي هذا النمط لأصبحت المصطلحات العلمية متداولة في نطاق العلم والعلماء وتم إدخالها في مضمار العلم بحيث لا تكون اللغة بعيدة عن ملاحقة وتطويع أي تطور علمي وتقني.
¤ لعل هذا الأمر يطرح تساؤلا عن هوية من أوقف حركة الترجمة التي وضع الطهطاوي أولى لبناتها؟
¤¤ لك أن تعرف أن دراسة الطب كانت تتم في مدرسة قصر العيني باللغة العربية علي يد كلوت بك حتى جاء الاستعمار الإنجليزي وقرر اقتصار الدراسة علي الانجليزية ومنع التدريس بالعربية وتمت إزالة جميع كتب التراث العلمي الطبي الذين أورثنا إياه رواد الترجمة في عصور الإسلام الأولى عن المشهد بالكلية.. فهل هذا يشكل اتهاما للغة العربية بالعجز عن استيعاب العلم والتكنولوجيا والإجابة بالطبع لا فالعاجزون هم أولئك المتحدثون والذين يدرسون باللغات الأجنبية ومن جعلوا أنفسهم أتباعا للغات الأخرى ولا يبذلون أي جهدًا في التمكين للغتهم الأم.
¤ هل من دور لمجمع اللغة العربية في إطار التمكين للغة ودفع تهمة صعوبتها في احتواء العلم والحضارة؟
¤¤ المجمع قام بجهد أصيل في هذا السياق حيث أسهم في ترجمة حوالي نصف مليون مصطلح علمي للغة العربية من اللغات المختلفة في نطاق العلوم المختلفة كالطب والهندسة والصيدلة وعلوم البيئة والاقتصاد وفي الفنون وعمل علي وضع ما يترجمه من مصطلحات تحت أعين من يرغب في تعريب العلوم في العصر الحديث وهنا الشيء بالشيء يذكر فلدينا تجربة في هذا السياق لا ينبغي تجاهلها وهي تجربة سوريا في تعريب الطب وتدريسه بالعربية وهي تجربة تدحض الاتهامات الموجهة للعربية بالعجز رغم أن التجربة السورية لم تحقق ما نرجوه بالكامل منها دون أن ينفي هذا ريادتها ولكن مشكلتنا نحن العرب تتمثل في عدم تكامل الجهود ومواجهة مشكلاتنا بشكل فردي وافتقاد العمل المشترك للنهوض بالأمة وحل مشكلاتها ومنها اللغة العربية.
¤ ولكن لماذا لم يتم الاستفادة من التجربة السورية في تعريب الطب وتعميمهما علي بلدان المنطقة؟
¤¤ لو كانت جهودنا متكاملة في هذا السياق لنجحنا في الوصول لمستويات ترضينا وتمكن اللغة العربية لو بالتدريج وهذا لا ينفي أن هناك تجارب تعريب في المنطقة قد حققت بعض النجاحات سواء في الطب أو الصيدلة أو الكيمياء ولكنها تبقي رغم ذلك جهود فردية لم تصل للمستوي المطلوب وهو ما يفرض علينا وضع خطة طويلة المدى لترجمة وتعريب العلوم فضلا عن سن قوانين ملزمة بتعريب العلوم ولو حدث هذا لإلزام لحققنا طفرات في هذا المجال ولتمكنا من تدريس العلوم مثل الطب والهندسة والصيدلة باللغة العربية وهو أمر لا زلنا نفتقده حتى الآن.
¤ هناك جهود مبذولة حاليا من قبل المجمع لسن قانون لحماية اللغة العربيةورفعه للبرلمان ، ولكن البعض يشكك في جدواه، في ظل ترسانة قوانين لم يتم تفعليه لحماية لغتنا منذ عقود.
¤¤ لو ان الدولة جادة في تنفيذ أي قانون لتم تنفيذه بعناية شريطة وجود طابع إلزامي للمتعاملين به ومتضمنا عقوبات للمخالفين حتى بعد فتر ة سماح وانتفاء وجود ثغرات يسهل الالتفاف وهي نقاط أساسية نحرص علي تضمينها في القانون الجديد وعبر آليات محددة والمشكلة اننا مجمع اللغة العربية ليس جهة تنفيذية وعلينا فقط اقتراح هذا الطابع الإلزامي ودفع أجهزة الدولة لتنفيذ ه بعض إقراره انطلاقا من كونه قانونا ككل القوانين مثل بناء المساكن والمرور وغيرها.
¤ ما أهم الأهداف التي سعي المجمع لتحقيقها من وراء هذا المشروع؟
¤¤ نسعى بقوة من وراء قانون القانون لتمكين اللغة العربية بحيث تكون لغة التواصل ولغة التفاهم والتخاطب في كل جهة تخاطب الرأي العام، سواء في وسائل الإعلام أو في ما يصدر من بيانات وقرارات وتوجيهات والمعلومات والتوصيات الصادرة عن الهيئات والجهات بحيث تستشعر وأنت تسير في هذا البلد وعندما تدخل إلى ومؤسساته أنك موجود في مصر ولست في بلد أجنبي،فضلا عن قدرة القانون علي استعادة الوجه الحضاري لمصر.
¤ اشعر أن فلسفة التدرج في تطبيق القانون وسياسة الخطوة خطوة هي الملمح الأساسي لهذا القانون.
¤¤ بالطبع نسعي لوجود فترة انتقالية لهذا القانون ولتكن 5 سنوات بعدها يصبح القانون ملزما ، ونقبل بأعطاء التعليم في الجامعات فرصة أكبركي يدخل قانون حيز التنفيذ ، وليس لدينا مانعا من إعطاء فرصة عشرين سنة لكي تعرَب العلوم وخلال هذه الفترة الانتقالية ينتقل فيها المجتمع بالتدريج المتوازن الحريص على تنفيذ القانون بحيث لو أعطينا أنفسنا علوم السنة الأولى في 5 سنوات ونصدر لها الكتب والمراجع والقواميس والمعاجم باعتباره أمرا شديد الأهمية، مع الوضع في الاعتبار الاهتمام بلغة أجنبية واحدة على الأقل ، لا بأس ويجب أن نتعلمها كأهلها وأصحابها، وأن نجيدها حتى نكون على تواصل مع المنتج العالمي في العلوم حتى لا تزداد الهُوة بيننا وبين هذه الدول المتحضرة.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)